((وَاللهُ يُحِبُّ المُطَّـهِّرِينَ)) |
|
|
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء
|
30/09/2009 |
خطبة الجمعة بتاريخ 12 شوال 1430هـ بسم الله الرحمن الرحيم ((وَاللهُ يُحِبُّ المُطَّـهِّرِينَ)) الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، حَمْدًا يَلِيقُ بِجَمَالِ صِفَاتِهِ وَجَلِيلِ أَفْعَالِهِ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، المُتَحَلِّي بِكَرِيمِ الشَّمَائِلِ، الهَادِي إِلَى جَمِيلِ المَكَارِمِ وَالفَضَائِلِ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الأَخْيارِ الأَبْرَارِ، المُتَّبِعِينَ آثَارَهُ، المُقْتَفِينَ سُنَنَهُ، وَسَلِّمْ تَسلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ، فَيا أَيُّهَا المُسلِمُونَ : إِنَّهُ لا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ مِنَ المُسلِمِينَ مَا أَوْلَتْهُ شَرِيعَةُ الإِسْلامِ لِلطَّهَارَةِ وَالنَّظَافَةِ مِنْ مَكَانَةٍ وَأَهَمِّـيَّةٍ، وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ كَونُهَا شَرْطًا أَسَاسِيًّا تَتَوَقَّفُ عَلَيهِ صِحَّةُ عَدَدٍ مِنَ العِبَادَاتِ فِي الإِسْلامِ، وَلَكِنَّ بَعْضَ النَّاسِ لا يَرَوْنَ فِيهَا سِوَى أَمْرٍ مَنْدُوبٍ لا يَجِبُ التِزَامُهُ فِي شَتَّى شُؤُونِ الحَياةِ، إِلاَّ أَنَّ المُطَّلِعَ عَلَى هَدْيِ القُرآنِ الكَرِيمِ وَهَدْيِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- سَيَعْـلَمُ أَنَّ الأَمْرَ حَيْـثُما يَتَّصِلْ بِالطَّهَارَةِ وَالنَّظَافَةِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِمَنْهَجِ حَيَاةٍ، وَبِنَمَطٍ مُطَّرِدٍ لا يَحِيْدُ عَنْهُ، أَمَّا فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ وَرَدَ لَفْظُ الطَّهَارَةِ فِي ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ مَوْضِعًا فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ آيةً، وَأَشَارَ بِهِ المَوْلَى سُبْحَانَهُ إِلَى نَوْعَيْنِ مِنَ المَعَانِي: مَعَانٍ مَادِّيَّةٍ وَمَعَانٍ مَعْنَوِيَّةٍ، فَمِنَ المَعَانِي المَعْنَوِيَّةِ الَّتِي أُرِيدَتْ بِلَفْظِ الطَّهَارَةِ الإِيْمَانُ؛ إِذْ بِالإِيْمَانِ تَتَحَقَّقُ طَهَارَةُ القَلْبِ، وَفِي هَذَا يَقُولُ البَارِي عَزَّ وَجَلَّ عَنِ الَّذِينَ كَفَرُوا: ((أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ))(1)، وَمِنْ مَعَانِي الطَّهَارَةِ المَعْنَوِيَّةِ اجتِنَابُ المَعَاصِي وَالفَوَاحِشِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَولُهُ تَعَالَى: ((فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ))(2)، كَمَا وَرَدَ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ أَنَّ الصَّدَقَةَ تُطَهِّرُ المُتَصَدِّقَ وَتُزَكِّيهِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ))(3)، وَكَمَا جَاءَ لَفْظُ الطَّهَارَةِ لِلدَّلالَةِ عَلَى الطَّهَارَةِ المَعْنَوِيَّةِ، جَاءَ كَذَلِكَ لِلدَّلالَةِ عَلَى الطَّهَارَةِ المَادِّيَّةِ، وَمِنَ المَعَانِي المَادِّيَّةِ الَّتِي أُرِيدَتْ بِلَفْظِ الطَّهَارَةِ طَهَارَةُ الثَّوْبِ، وَهِيَ أَوَّلُ الأَوَامِرِ الَّتِي تَلَقَّاهَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي التَّطَهُّرِ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ((وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ))(4)، وَكَذَلِكَ طَهَارَةُ الجَسَدِ، كَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ))(5)، وَمِنَ الطَّهَارَةِ المَادِّيَّةِ الوَارِدَةِ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ طَهَارَةُ المَسْجِدِ، وَهِيَ شِرْعَةٌ قَدِيمَةٌ شَرَعَهَا اللهُ لِسَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَابْنِهِ إِسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِمَا السَّلامُ - حِيْنَ قَالَ: ((وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْـتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ))(6). أَيُّها المُؤمِنونَ : إِنَّ اسْـتِعْمَالَ القُرْآنِ الكَرِيْمِ لِلَفْظِ الطَّهَارَةِ بِمَعَانِيْهِ المَادِّيَّةِ وَالمَعْنَوِيَّةِ يَدُلُّ عَلَى تَلازُمِ هَذِهِ المَعَانِي فِي نَظَرِ الإِسْلامِ، أَرَأَيْـتُمْ قَولَ اللهِ تَبَارَكَ وتَعَالَى: ((لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ، فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ))(7)، وَقَوْلَهُ تَعَالَى أَيْضًا: ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ))(8)، وَمَا تُشِيْرُ إِلَيْهِ هَذِهِ الآيَاتُ مِنْ تَلازُمٍ بَيْنَ التَّقْوَى وَالتَّوْبَةِ وَالطَّهَارَةِ وَالتَّطَهُّرِ. إِنَّ صِحَّةَ الأَجْسَامِ وَجَمَالَهَا وَنَضَارَتَهَا مِنْ صَمِيْمِ رِسَالَةِ الإِسْلامِ، وَلَنْ يَكُونَ الإِنْسَانُ قَرِيبًا مِنَ اللهِ وَمَحْبُوبًا مِنْ قِبَلِهِ مَا لَمْ يَتَعَهَّدْ بَدَنَهُ بِالتَّنْظِيفِ وَالتَّهْذِيبِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ فِي مَطْعَمِهِ وَمَشْرَبِهِ وَهَيْئَتِهِ الخَاصَّةِ بَعِيْدًا عَنِ الأَدْرَانِ وَالأَكْدَارِ وَالأَحْوَالِ المُنَفِّرَةِ، وَمَنْ تَأَمَّـلَ هَدْيَ الإِسْلامِ فِي الطَّهَارَةِ وَالنَّظَافَةِ وَالتَّزَيُّنِ وَالتَّجَمُّـلِ، وَجَدَ مَنْهَجًا مُتَكَامِلاً وَهَدْيًا جَمَالِيًّا شَامِلاً فِي شَتَّى مَنَاحِي الحَياةِ الفَرْدِيَّةِ وَالاجتِمَاعِيَّةِ، فَمِنَ النَّاحِيَةِ الفَرْدِيَّةِ اعتَنَى الإِسْلامُ بِبَدَنِ الإِنْسَانِ بِشَتَّى أَجْزَائِهِ: الفَمِ وَالشَّعْرِ وَالأَظْفارِ وَاللِّبَاسِ، فَأَمَّا البَدَنُ فَقَدْ شَرَعَ الإِسْلامُ الوُضُوءَ، وَجَعَلَهُ شَرْطًا لابُدَّ مِنْهُ لأَدَاءِ الصَّلاةِ، وَهَوَ يَتَضَمَّنُ غَسْـلَ الأَعْضَاءِ وَالأَطْرَافِ الظَّاهِرَةِ مِنَ الإِنْسَانِ الَّتِي تَتَعَرَّضُ لِغُبَارِ الجَوِّ وَمُعَالَجَةِ شَتَّى الأَشْغَالِ، كَمَا يَشْمَلُ الاغْتِسَالُ المَفْرُوضُ فِي حَالاتِ الجَنَابَةِ وَالحَيْضِ البَدَنَ كُلَّهُ، بَلْ إِنَّ الإِسْلامَ لَمْ يَدَعْ أَمْرَ الغُسْـلِ الكَامِلِ لِلظُّرُوفِ الَّتِي تَفْرِضُهُ فَرْضًا، فَقَدْ يَتَكَاسَلُ بَعْضُ النَّاسِ عَنِ الاغْتِسَالِ مَا دَامَتْ دَوَاعِي فَرْضِهِ لَمْ تَقُمْ، لِذَلِكَ وَقَّتَ لِلْغُسلِ يَوْمًا فِي الأُسْبُوعِ، فَعَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: ((غُسْلُ يَومِ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ)). وَأَمَّا نَظَافَةُ الفَمِ وَالأَسنَانِ؛ فَقَدْ عُنِيَ الإِسْلامُ بِهَا عِنَايَةً كَبِيرَةً؛ فَالمُسلِمُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَغْسِلَ فَمَهُ وَيَدَهُ قَبلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ، وَأَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ فَضَلاتِهِ وَرَوَائِحِهِ وَمَا يَعْـلَقُ مِنْهُ بِالأَسنَانِ. عِبَادَ اللهِ : إِنَّ النَّظَافَةَ لا تَقْتَصِرُ عَلَى طَهَارَةِ الجَسَدِ وَالفَمِ، بَلْ إِنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ تَشْمَلُ المَظْهَرَ الاجتِمَاعِيَّ الجَمِيلَ، فَلَقَدْ حَرَصَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُعَلِّمَ المُسلِمِينَ العِنَايَةَ بِجَمَالِ المَظْهَرِ وَحُسْنِ الهَيْئَةِ فِي الجِسْمِ وَالمَلْبَسِ وَالمَركَبِ فَقَالَ: ((مَنْ كَانَ لَهُ شَعرٌ فَلْيُكْرِمْهُ))، وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : إِنَّ لِي جُمَّةً -وَهُوَ الشَّعرُ النَّازِلُ عَلَى المَنْكِبَيْنِ- أَفَأُرَجِّـلُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((نَعَمْ وَأَكْرِمْهَا))، فَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ رُبَّمَا دَهَنَهَا فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ؛ لِمَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: ((وَأَكْرِمْهَا))، وَيَومًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْمَسْجِدِ فَدَخَلَ رَجُلٌ ثَائِرُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ؛ فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ بِيَدِهِ أَنِ اخْرُجْ - يَعْنِي لإِصْلاَحِ شَعرِهِ -، فَفَعَلَ الرَّجُلُ ثُمَّ رَجَعَ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : ((أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدُكُمْ ثَائِرَ الرَّأْسِ كَأَنَّهُ شَيْطَانٌ)). أَمَّا فِي اللِّبَاسِ فَقَدْ قَالَ -صلى الله عليه وسلم- : ((إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ؛ فَأَحْسِنُوا لِبَاسَكُمْ، وَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ؛ حَتَّى تَكُونُوا كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فِي النَّاسِ))، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: ((لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوبُهُ حَسَنًا وَنَعلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ))، وَعَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: ((إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ)). أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ : لَقَدْ أَصْبَحَ مَعْرُوفًا عَنْ بَعْضِ النَّاسِ اليَومَ أَنَّهُ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مَعْنِيًّا بِأَمْرِ النَّظَافَةِ وَالطَّهَارَةِ فَإِنَّهُ يَكَادُ يَـقْتَصِرُ عَلَى نَظَافَتِهِ الشَّخْصِيَّةِ الفَرْدِيَّةِ الَّتِي سَبَقَ الحَدِيْثُ عَنْهَا، وَلا يَكْتَرِثُونَ لِنَظَافَةِ المُجتَمَعِ المُحِيْطِ بَهِمْ مِنَ الشَّارِعِ وَالمَسْجِدِ وَالمَرَافِقِ العَامَّةِ الأُخْرَى، وَهَذِهِ الجَوَانِبُ مِنَ النَّظَافَةِ لا تَنْفَصِلُ وَلا تَنْفَكُّ عَنِ النَّظَافَةِ الشَّخْصِيَّةِ الَّتِي حَثَّ عَلَيْهَا الإِسْلامُ وَأَوْجَبَهَا، أَلَمْ تَقْرَؤُوا قَولَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : ((إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطِّيبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الجُودَ، فَنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ))، أَلَمْ تَقْرَؤُوا قَولَهُ -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: ((عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّـتِي حَتَّى القَذَاةُ - أَيِ: القَشَّةُ الصَّغِيرَةُ مِنَ الأَوْسَاخِ - يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ المَسْجِدِ، لَهُ فِيْهَا أَجْرٌ))، وَقَولَهُ -صلى الله عليه وسلم- : ((عُرِضَتْ عَلَيَّ أُمَّـتِي بِأَعْمَالِهَا حَسَنِهَا وَسَيِّئِهَا، فَرَأَيْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا إِمَاطَةَ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَرَأَيْتُ فِي سَيِّئِ أَعْمَالِهَا النُّخَامَةَ فِي المَسْجِدِ لَمْ تُدْفَنْ))، اقْرَؤُوا قَولَهُ -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: ((مَنْ غَسَلَ سَخِيْمَتَهُ - أَي شَيئًا مِنْ أَشْيَائِهِ - عَلَى طُرُقِ المُسلِمِينَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ))، وَاقْرَؤُوا قَولَهُ -صلى الله عليه وسلم- : ((بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ))، وَقَولَهُ -صلى الله عليه وسلم- : ((مَنْ آذَى المُسلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ)). اَللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الإِيْمَانَ وَالنَّظَافَةَ وَالطَّهَارَةَ، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الفُسُوقَ وَالعِصْيَانَ وَالقَذَارَةَ. أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ. *** *** *** الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : إِنَّ عَلَى المُسلِمِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ عُمُرِهِ أَنْ يَسْعَى لِلارتِقَاءِ بِنَفْسِهِ، فَإِنَّ مُستَقْبَلَهُ عِنْدَ اللهِ مُرتَبِطٌ بِالمَرْحَلَةِ الَّتَي يَبلُغُهَا فِي تَقَدُّمِهِ، وَقَدْ بَيَّنَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ الرَّجُلَ الحَرِيصَ عَلَى نَقَاوَةِ بَدَنِهِ وَوَضاءَةِ وَجْهِهِ؛ يُبْعَثُ عَلَى حَالِهِ تِلْكَ وَضِيءَ الوَجْهِ أَغَرَّ الجَبِينِ؛ فَقَدْ وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: ((إِنَّ أُمَّـتِى يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّـلِينَ مِنْ أَثَرِ الوُضُوءِ؛ فَمَنِ استَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ))، أَلاَ يَكْفِيكُمْ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَنْهَجَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَسِمَتَهُ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: ((مَا مَسِسْتُ حَرِيرًا وَلاَ دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ، وَلاَ شَمَمْتُ رِيْحًا قَطُّ أَوْ عَرْفًا قَطُّ أَطْيَبَ مِنْ رِيْحِ أَوْ عَرْفِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ))، وَقَدْ جَعَلَهُ اللهُ لَكُمْ خَيْرَ قُدْوَةٍ فَقَالَ: ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا))(9). فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَلْنُعَلِّمْ أَوْلادَنَا وَشَبَابَنَا هَدْيَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي النَّظَافَةِ وَالطَّهَارَةِ وَالتَّزَيُّنِ وَالتَّجَمُّـلِ، وَلْنُعَلِّمْهُمْ أَنَّ الإِسْلامَ يَدْعُو إِلَى النَّظَافَةِ، وَأَنَّ النَّظَافَةَ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ الإِيْمَانِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لا يَقْتَصِرُ عَلَى العِنَايَةِ بِنَظَافَتِهِمُ الشَّخْصِيَّةِ فَحَسْبُ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَدَّى إِلَى نَظَافَةِ مُجتَمَعِهِمْ بِمَرَافِقِهِ المُخْتَلِفَةِ. اَللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنَا مِنَ المُتَطَهِّرِينَ، وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ تُحِبُّهُمْ يَا رَبَّ العَالَمِينَ. هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْمًا: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (10). اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُوْمًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُوْمًا، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْمًا. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَانًا صَادِقًا ذَاكِرًا، وَقَلْبًا خَاشِعًا مُنِيْبًا، وَعَمَلاً صَالِحًا زَاكِيًا، وَعِلْمًا نَافِعًا رَافِعًا، وَإِيْمَانًا رَاسِخًا ثَابِتًا، وَيَقِيْنًا صَادِقًا خَالِصًا، وَرِزْقًا حَلاَلاًَ طَيِّبًا وَاسِعًا، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ. اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ. اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ. اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ. رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ. عِبَادَ اللهِ : (( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )). (1) سورة المائدة/ 41. (2) سورة النمل/ 56. (3) سورة التوبة/ 103. (4) سورة المدثر/ 4. (5) سورة المائدة/ 6. (6) سورة البقرة/ 125. (7) سورة التوبة/ 108. (8) سورة البقرة/ 222. (9) سورة الاحزاب/ 21. (10) سورة الأحزاب / 56 . |