خطبة الاسبوع
spacer

  

spacer
spacer  
spacer spacer

المسْؤولـيَّةُ الشَّخْصِيَّةُ طباعة ارسال لصديق
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
30/06/2008
خطبة الجمعة بتاريخ 1 رجب 1429 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
المسْؤولـيَّةُ الشَّخْصِيَّةُ
   الحَمْدُ للهِ الذِي خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً، وَوَسِعَ كُلَّ شَيءٍ رَحْمَةً وعِلْماً وتَدْبِيراً، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، دَعَانَا إِلَى القِيَامِ بِالمَسْؤولِيَّاتِ وحِفْظِ الأَمَانَاتِ، -صلى الله عليه وسلم-  وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ ومَنِ اهتَدَى بِهَدْيِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.  أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّها المُؤمِنُونَ :
   يَنْبَغِي عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ أَنْ يُدْرِكَ أنَّ أيَّ خَطَأٍ مَا كَانَ لِيَقَعَ لَولاَ وُجُودُ تَقْصِيرٍ مَا، وأَنَّ الأُمُورَ لاَ تَسِيرُ عَبَثاً، إِنَّما هِيَ نَتِيجَةٌ لِسِلْسِلَةٍ مِنَ الأَسْبابِ والمُسَبِّباتِ، ولَئِنْ كَانَتْ إِدَانَةُ الآخَرِينَ أَمْراً سَهْلاً عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ ولاَ تَحتَاجُ إِلَى عَنَاءٍ وتَحلِيلٍ، فَإِنَّ البَحْثَ عَنِ الحَلِّ لأَيِّ مُشْكِلَةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَبْدأَ مِنْ مُسَاءَلَةِ الذَّاتِ ومُحَاسَبَةِ النَّفْسِ ومُرَاجَعَةِ السُّلُوكِ، انْطِلاَقاً مِنْ قَولِهِ تَعَالَى: ((وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ))(1)، وَقَولِهِ تَعالَى: ((أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))(2)، وَعِنْدَها يَستَطِيعُ المَرْءُ أَنْ يُغيِّرَ ويُصَحِّحَ الخَطَأَ، أَو يُبَرِّئَ نَفْسَهُ مِنَ التَّسَبُّبِ فِيهِ، لأَنَّهُ عَرَفَ مِنْ أَيْنَ يَنْطَلِقُ. فَإِذَا رَجَعَ المُسلِمُ إِلَى ذَاتِهِ كَانَ السُّؤَالُ الأَولُ الذِي يَنْبَغِي أَنْ يَنْطَلِقَ مِنْهُ لِيُحَدِّدَ أَبْعَادَ مَسؤولِيَّتِهِ هُوَ: مَاذَا يَعنِي أَنْ أَكُونَ مُسلِماً؟ ومَاذَا يَتَرتَّبُ عَلَيَّ مِنْ مَسؤولِيَّةٍ؟ وفِي جَوابِ هَذَا السُّؤالِ نَجِدُ أنَّ الإِسلاَمَ عَهْدٌ ومَسؤولِيَّةٌ، فَأَنْ يُعْلِنَ الإِنْسَانُ أَنَّهُ مُسلِمٌ فَهَذَا يَعنِي أَنَّهُ يَحْمِلُ التِزَاماً ومِيثَاقاً بَيْـنَهُ وبَيْنَ اللهِ، وذَلِكَ بِأَدَاءِ مَا أَمَرَ بِهِ واجتِنَابِ مَا نَهَى عَنْهُ، فَالإِسلاَمُ تَوحِيدٌ وانْقِيادٌ للهِ، وهُوَ قَولٌ وعَمَلٌ، لِذَلِكَ اقتَرَنَ الإِيمَانُ فِي القُرآنِ بِالعَمَلِ الصَّالِحِ بِاعتِبَارِ أَنَّ الإِيمَانَ عِلْمٌ وأَساسٌ، والعَمَلُ بِنَاءٌ، ولاَ غِنَاءَ للأساسِ عَنْ بِنَاءٍ كَمَا لاَ بِنَاءَ بِدُونِ أَساسٍ، فَإِذاً حَقُّهُما أَنْ يَتَلاَزَما ولِذَا قُرِنَ بَيْـنَهُما، وعِنْدَ التَّأمُّلِ فِي النُّصُوصِ القُرآنِيَّةِ، والأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ، نَجِدُها تُرَتِّبُ التِزامَيْنِ رَئِيسَيْنِ عَلَى المُسلِمِ، أَوَّلُهُما: التِزامٌ مِنْهُ تِجَاهَ اللهِ، بِأَركَانِ الإِسْلاَمِ المَعْهُودَةِ ((بُنِيَ الإِسلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وإِقَامِ الصَّلاَةِ، وإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ لِمَنِ استَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا))، والالتزامُ الثَّاني عَلَى المُسلِمِِ: التِزامٌ تِجَاهَ النَّاسِ بِالسَّلاَمَةِ مِنْ أَذَاهُ، فَالنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-  يَقُولُ: ((المُسلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ ويَدِهِ)) أَي أَنَّهُ لا يَدَخُلَ فِي بَابِ السَّلاَمَةِ والإسلامِ حَتَّى يَسلَمَ المُؤمِنُونَ مِنْ أَذَاهُ وضَرَرِه، وفِي الحَدِيثِ: ((المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ ولا يُسلِمُهُ))، وبِنَاءً عَلَى هَذَا العَهْدِ سَيُسأَلُ الإِنْسَانُ عَمَّا أُوتِيَ مِنْ نِعَمٍ، ومَا أدّاهُ مِنْ وَاجِبَاتٍ، ومَا قَامَ بِهِ مِنْ أَعْمَالٍ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ))(3)، ويَقُولُ جَلَّ شَأْنُهُ: ((وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً))(4)، ويَقُولُ سُبْحَانَهُ: ((ثمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ))(5)، وَسيُحَاسَبُ الإِنْسَانُ عَلَى كُلِّ صَغِيرَةٍ وكَبِيرَةٍ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ((وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ))(6)، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ((كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ))(7)، فَالمَسؤولِيَّةُ الشَّخْصِيَّةُ تَتَمَثَّلُ فِي عَلاَقَةِ الإِنْسَانِ مَعَ اللهِ وَمَعَ النَّاسِ، فَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ جَوارِحِهِ ومَا يَنْتُجُ عَنْها، مَسْؤولٌ أَمَامَ اللهِ بِأَلاَّ يَعْصِيَهُ بِها، ويُؤَدِّيَ مِنْ خِلاَلِها مَا طُلِبَ مِنْهُ مِنْ وَاجِبَاتٍ، ومَسؤولٌ أَمَامَ النَّاسِ أَيْضاً بِأَلاَّ يُؤَذِيَهُمْ بِها، وأَنْ يُوَظِّفَ قُدرَاتِهِ فِي خِدْمَتِهمْ وخِدْمَةِ المُجتَمَعِ، بِصِفَتِهِ وَاحِداً مِنْ جَمَاعَةٍ، يَتَحَمَّلُ مَا عَلَيْها، ويَتَقاسَمُ مَعَها مَا هُوَ لَهَا، وهِيَ مَسؤولِيَّةٌ فَرْدِيَّةٌ لاَ يُشَارِكُ الإِنْسَانَ فِي حَمْلِها أَحَدٌ غَيْرُهُ، فَإِنْ أَحْسَنَ تَحَقَّقَ لَهُ الثَّوابُ، وإِنْ أَسَاءَ بَاءَ بِالعِقَابِ، قَالَ تَعالَى: ((وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى))(8)، وقَالَ جَلَّ وعَلاَ: ((وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ))(9)، وَقاَلَ سُبْحَانَهُ: ((كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ))(10)، إِذاً فَتَحَمُّلُ المُسلِمِ لِلْمَسؤولِيَّةِ يَنْطَلِقُ بِدَايَةً مِنْ خِلاَلِ العَلاَقَةِ مَعَ اللهِ ومَعَ النَّاسِ، ومُؤَشِّرُ صِحَّةِ الالِتزَامِ فِي ذَلِكَ سَلاَمَةُ الفَرْدِ والمُجتَمَعِ مِنَ مَصَائِبَ هِيَ مِنْ آثَارِ مَا يَكْسِبُ البَشَرُ، ولَيْسَ الالتِزامُ تَقَمُّصاً أَو تَمَظْهُراً بِمَشَاعِرَ وسُلُوكِيَّاتٍ دَالَّةٍ عَلَيْهِ بَقَدْرِ مَا هُوَ سَلاَمَةُ النَّاسِ مِنَ الأَذَى والسُّوءِ الذِي قَدْ يُخلِّفُهُ الفَرْدُ فِي مُجتَمَعِهِ، وهَذَا لاَ يَنْفَصِلُ عَنْ أَدَاءِ الشَّعَائِرِ والعِبَادَاتِ التِي لَهَا الدَّوْرُ الأَهَمُّ فِي تَقْوِيمِ سُلُوكِ الفَرْدِ الشَّخْصِيِّ والاجتِمَاعِيِّ، فَسَلاَمةُ الإِنْسَانِ عَنْ إِيذَاءِ الآخَرِينَ لاَ تَنْفَصِلُ عَنْ أَدَاءِ الأَركَانِ التِي تُقَوِّمُ السُّلُوكَ وتُصَحِّحُ العَلاَقَةَ بَيْنَ النَّاسِ، ولِلأَسَفِ فَإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ لاَ يَستَحضِرونَ هَذِهِ المَعَانِيَ عِنْدَ أَدَائِهِمْ لِلْعِبَادَاتِ والشَّعَائِرِ.
   عِبَادَ اللهِ :
   إِنَّ عَلاَقَةَ الإِنْسَانِ مَعَ اللهِ وعَلاَقَتَهُ مَعَ النَّاسِ لَنْ تَصلُحَ مَا لَمْ تَكُنْ صَالِحَةً مَعَ نَفْسِهِ، بِحَيْثُ يَكُونُ سَوِيَّ السُّلُوكِ يَنْطَلِقُ فِي عَمَلِهِ وعِبَادَتِهِ عَنْ قَنَاعَةٍ وإِخْلاَصٍ، يَستَشْعِرُ مَسؤولِيَّتَهُ، ويُراقِبُ اللهَ أَوَّلاً قَبْلَ أَنْ يُراقِبَهُ النَّاسُ، فَتَكُونُ التَّقوَى هِيَ المُوَجِّهَ الأَوَّلَ لَهُ، ولِكَي يَستِقَيمَ سُلُوكُهُ عَلَيْهِ أَنْ يُوازِنَ بَيْنَ مَطْلَبِي النَّفْسِ الحِسِّيِّ والمَعْـنَوِيِّ، فَلاَ يَطْغَى أَحَدُهُما عَلَى الآخَرِ، فَلِلْجَسَدِ حُقُوقٌ يَنْبَغِي أَلاَّ يَتَجاهَلَها الإِنْسَانُ كَمَا أَوصَى القُرآنُ الكَرِيمُ فِي قَولِهِ عَزَّ وجَلَّ: ((وَابْتَغِ فِيمَا ءَاتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا))(11)، وَحَرَّمَ الإِسْلاَمُ الرَّهْبَانِيَّةَ، فَالإِنْسَانُ مَسؤولٌ عَنْ صِحَّةِ جِسْمِهِ والاعتِدَالِ فِي غِذَائِهِ؛ كَي يَكُونَ مُستَعِدّاً فِي كُلِّ الأَوقَاتِ لِلإِسْهَامِ فِي وَاجِبِهِ تِجَاهَ رَبِّهِ وتِجَاهَ المُجتَمَعِ، فِمِنَ العُدْوَانِ عَلَى الجَسَدِ وتَضْيِيعِ المَسؤولِيَّةِ أَنْ يُهْمِلَ الإِنْسَانُ غِذَاءَهُ ويَزْهَدَ فِي الدُّنيا زُهْداً يَجْعَلُهُ ضَعِيفَ البُنْيَةِ غَيْرَ قَادَرٍ عَلَى العَمَلِ كَمَا يَنْبَغِي، حَتَّى لَو كَانَ ذَلِكَ مِنْ مَدْخَلِ التَّعَبُّدِ والزِّيَادَةِ فِي الطَّاعَاتِ، فَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  عَنِ الصَّوْمِ الدَّائِمِ وقِيَامِ كُلِّ اللَّيْلِ واعتِزَالِ النِّسَاءِ، واعتَبَرَ ذَلِكَ بُعْداً عَنْ سُنَّتِهِ، وَأَمَرَ بِالاعتِدالَ والوَسَطِيَّةِ فِي العِبَادَةِ، فَلَمْ يَتَعَبِّدِ اللهُ البَشَرَ بِالمَشَقَّةِ، بَلْ إِنَّ مَا أَوجَبَهُ عَلَيْهِم لاَ يُكَلَّفُونَ مِنْهُ إِلاَّ مَا يَستَطِيعُونَ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: ((لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا))، وَكَذلِكَ الأَمْرُ في المُقَابِلِ فَإِنَّ الإِفْراطَ فِي الطَّعَامِ والشَّرابِ المُؤدِّي إِلَى إِيذَاءِ الجَسَدِ وتَعْرِيضِهِ لِلأَمْرَاضِ والكَسَلِ والتَّقْصِيرِ هُوَ مِمَّا نَهَى اللهُ عَنْهُ، فَالإِنْسَانُ قَادِرٌ عَلَى الاعتِدَالِ فِي كُلِّ شَيءٍ بِمَا يَحفَظُ لَهُ السَّلاَمَةَ والرَّاحَةَ وأَدَاءَ الوَاجِبِ كَمَا يَنْبَغِي، لِذَلِكَ حَرَّمَ اللهُ مِنَ الأَطْعِمَةِ والأَشْرِبَةِ مَا يُتْلِفُ الجَسَدَ والعَقْلَ والمَالَ كَالخَبَائثِ، لِمَا فِيها مِنْ ضَرَرٍ عَلَى النَّفْسِ يُفْسِدُ عَلاَقَةَ الإِنْسَانِ بِرَبِّهِ ومُجتَمَعِهِ، ومِنَ النَّاحِيَةِ المَعنَوِيَّةِ فَإِنَّ لِلنَّفْسِ حُقُوقاً أَيْضاً، ومِنْ أَهَمِّها المَعْرِفَةُ التِي تَقُودُ إِلَى تَصْحِيحِ العَلاَقَةِ مَعَ اللهِ والنَّاسِ، فَكَانَ أَوَّلُ تَكْلِيفٍ لِلإِنْسَانِ ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ))(12)، فَالمُسلِمُ مَسؤولٌ أَمَامَ اللهِ أَنْ يَمْحُوَ أُمِّيَّتَهُ ويَتَعلَّمَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي دِينِهِ ودُنْياهُ، ومِنْ ثَمَّ يَرتَقِي فِي المَعْرِفَةِ بِقَدْرِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ فَرائِضَ عَيْنِيَّةٍ كَشُروطِ الفَرائِضِ وأَرْكَانِها، أَو مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ فَرائِضَ كِفَائيَّةٍ بِحَسَبِ تَخَصُّصِ الفَرْدِ كَالمِهَنِ والعُلُومِ التِي يَحتَاجُها المُجتَمَعُ، وإِذَا عَرَفْنَا أَنَّ العُلُومَ هِي سِرُّ تَفَوُّقِ الأُمَمِ ورُقِيِّ الأَفْرادِ، وأَنَّ التَّأخُّرَ والتَّخلُّفَ سَبَبُهُ الجَهْلُ والأُمِّيَّةُ عَرَفْنَا كَمْ يَتَحَمَّلُ المُسلِمُ مِنْ مَسؤولِيَّةٍ أَمَامَ اللهِ، فَكُلُّ إِنْسَانٍ يَستَمِرُّ فِي أُمِّيَّتِهِ وَجَهْلِهِ يَتَحَمَّلُ قِسْطاً مِنَ المَسؤولِيَّةِ عَنْ تَخلُّّفِ الأُمَّة وَضَعْـفِها.
    فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واضطَلِعُوا بِوَاجِبِكُم تِجَاهَ مُجتَمَعِكُمْ وأُسَرِكُمْ؛ تَسْعَدْ أُمَّتُكُمْ، وتَرتَقِي شُعُوبُكُمْ، ويَصلُحْ حَالُكُمْ.
  أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
  *** *** ***
   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   إِنَّ المَسؤولِيَّةَ الشَّخْصِيَّةَ التِي يَتَحَمَّلُها الإِنْسَانُ بِمُوجِبِ انتِسَابِهِ لِلإِسلاَمِ لَهَا جَانِبَانِ: الأَوَّلُ هُوَ العَلاَقَةُ مَعَ اللهِ، والثَّانِي هُوَ العَلاَقَةُ مَعَ النَّاسِ، وإِذَا وَجَدْتَ أّيُّها المُسلِمُ أَنَّ عَلاَقتَكَ مَعَ اللهِ يَشُوبُها النَّقْصُ وعَلاَقتَكَ مَعَ النَّاسِ يَشُوبُها الأَذَى؛ فَاعْلَمْ أَنَّكَ مُقَصِّرٌ وتَتَحَمَّلُ مَسؤولِيَّتَكَ أَمَامَ اللهِ وسَيَسأَلُكَ عَنْ ذَلِكَ، وأَنَّكَ بِذَلِكَ تُسْهِمُ فِي تَخَلُّفِ مُجتَمَعِكَ وتَأَخُّرِ أُمَّتِكَ، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُصَحِّحَ المَسَارَ فَابْدأْ بِنَفْسِكَ وصَحِّحْ سُلُوكَكَ، وأْعْطِ جَسَدَكَ حَقَّهُ، وارْتَقِ بِالعِلْمِ والمَعْرِفَةِ، وتَعلَّمْ مَا تَسْتَطِيعُ مِنْ خِلاَلِهِ التَّمْيِيزَ بَيْنَ الصَّوابِ والخَطَأِ، وحَاسِبْ نَفْسَكَ: هَلْ أَدَّيْتَ مَا يَجِبُ عَلَيْكَ؟ فَإِنْ كُنْتَ أَدَّيْتَهُ فَتَساءَلْ: هَلْ أَدَّيتَهُ كَمَا يَنْبَغِي؟ هَلْ أَتْقَنْتَ عَمَلَكَ؟ هَلْ أَخْلَصْتَ فِيهِ؟ عِنْدَما تُفَكِّرُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ تَكُونُ قَدْ خَطَوْتَ خُطْوَةً إِيجَابِيَّةً فِي الإِصْلاَحِ، وانتَقلْتَ إِلَى الجَانِبِ الفَعَّالِ الإِيجَابِيِّ، وأَبْرَأْتَ ذِمَّتَكَ. اللهُمَّ اجعَلْنَا مِنَ الذِينَ يَقُولُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ، ويَعْرِفُونَ الحَقَّ فَيَقِفُونَ عِنْدَهُ، ويَعْمَلُونَ بِمَا يَقُولُونَ. ((وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)) (13).
   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (14).
   اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
   عِبَادَ اللهِ :
(( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
(1) سورة الشورى / 30.
(2) سورة آل عمران / 165.
(3) سورة النحل / 93 .
(4) سورة الاسراء / 36 .
(5) سورة التكاثر / 8 .
(6) سورة البقرة / 284 .
(7) سورة المدثر / 38 .
(8) سورة الانعام / 164 .
(9) سورة النساء / 111 .
(10) سورة الطور / 21 .
(11) سورة القصص / 77.
(12) سورة العلق / 1.
(13) سورة التوبة / 105 .
(14) سورة الأحزاب / 56 .
 
< السابق   التالى >
 

استفتاء

ما رأيك بصفحة خطب الجمعة؟
 
spacer

spacer
© 2024 موقع خطب الجمعة
Joomla! is Free Software released under the GNU/GPL License.