خطبة الاسبوع
spacer

  

spacer
spacer  
spacer spacer

خَصَائِصُ الأخلاقِ في الإِسلامِ طباعة ارسال لصديق
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
06/09/2008

خطبة  الجمعة بتاريخ 10 رمضان 1429هـ
بسم الرحمن الرحيم
خَصَائِصُ الأخلاقِ في الإِسلامِ
   الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، جَعَلَ الخَيْرَ فِي التَّحَلِّي بِالفَضَائلِ والتَّخَلِّي عَنِ الرَّذَائلِ، والبُعْدِ عَنْ سَفَاسِفِ الأُمُورِ، وَرَصَدَ لِذَلِكَ أَجْزَلَ الثَّوابِ وأَعْظَمَ الأُجُورِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ مِنَ الحَمْدِ وأُثْنِي عَلَيهِ، وأُومِنُ بِهِ وأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ومَنْ يُضلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، جَعَلَ لِلأَخْلاَقِ الإِسلاَمِيَّةِ خَصَائِصَ ومُمَيِّزَاتٍ، لِيَصِلَ بِهَا المُؤمِنُ إِلَى أَرقَى الدَّرَجَاتِ وأَفْضَلِ الغَايَاتِ، وَأشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، كَانَ القُرآنُ الكَرِيمُ بِسُوَرِهِ وآيَاتِهِ مَنْهَلَ أَخْلاَقِهِ ومَصْدَرَ صِفَاتِهِ؛ فَلاَ عَجَبَ أَنْ بَلَغَ فِي الشَّمَائلِ أَفَضَلهَا، وفِي الفَضَائلِ أَعْظَمَهَا وأَنْبَلَهَا، -صلى الله عليه وسلم-  وَعَلَى آلِهِ وَأصَحْابهِ أَجْمَعِينَ، والتَّابِعينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

 

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   إِنَّ الإِسْلاَمَ يَنْبُوعُ الأَخْلاَقِ السَّامِيَةِ، والمُثُلِ العَالِيَةِ، والصِّفَاتِ الرَّاقِيَةِ، فَهُوَ دِينٌ يَهْدِي إِلَى أَفْضَلِ الأَخْلاَقِ وأَسْمَى الخِصَالِ، وكُلِّ مَا مِنْ شَأْنِهِ التَّقَارُبُ والوِصَالُ، فَبِالأَخْلاَقِ الإِسلاَمِيَّةِ يِتَحَابُّ النَّاسُ ويَتَصَافَوْنَ، ويَتَقَارَبُونَ ويَتَعارَفُونَ، ويَتَّحِدُونَ ويَأْتَلِفُونَ، فَمَا جَعَلَ اللهُ النَّاسَ شُعُوباً وقَبَائلَ لِيَتَبَاعَدُوا ويَخْتَلِفُوا، بَلْ لِيَتَعَارَفُوا ويَأْتَلِفُوا، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ))(1)، إِنَّ الأَخْلاَقَ التِي دَعَا الإِسْلاَمُ إِلَيْهَا وَحَثَّ كُلَّ النَّاسِ عَلَيْهَا تُزَكِّي النَّفْسَ وتُرَقِّيهَا، وتُطَهِّرُهَا مِنْ كُلِّ رَذِيلَةٍ وتُنَقِّيهَا، فَإِذَا هِيَ إِلَى الفَضَائلِ تَوَّاقَةٌ، وإِلَى المَحَامِدِ مُنْجَذِبَةٌ مُشْتَاقَةٌ، تَرَى الفَضِيلَةَ فَتُسْرِعُ إِلَيْهَا وتُقْدِمُ، وتُبْصِرُ الرَّذِيلَةَ فَتَنْأَى عَنْهَا وتُحْجِمُ، كَمَا أَنَّ هَذِهِ الأَخْلاَقَ تَرقَى بِالمُجتَمَعَاتِ وتَنْتَقِلُ بِهَا خَطَواتٍ فَسيحَةً، إِلَى حَيَاةٍ سَعِيدَةٍ مُرِيحَةٍ، ولِمَ لاَ؟ وَهِيَ حَيَاةٌ حَافِلَةٌ بِالفَضَائلِ خَالِيَةٌ مِنَ الرَّذَائلِ، وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ المُؤمِنينَ فِي القُرآنِ الكَرِيمِ، وبَيَّنَ صِفَاتِهِمْ، وَوَضَّحَ سِمَاتِهِمْ، فَإِذَا هِيَ عِبَادَاتٌ وأَخْلاَقٌ لاَ انْفِكَاكَ بَيْـنَها ولاَ انْفِصَامَ، بَلْ تَواؤُمٌ وتَلاَزُمٌ وانْسِجَامٌ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ))(2)، وَيَصِفُ اللهُ أُولِي الأَلْبَابِ بِعِدَّةِ صِفَاتٍ، فِيَها العِبَادَاتُ والأَخْلاَقُ والمُعَامَلاَتُ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَاب، الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ، وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ، وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ))(3)، إِنَّ تَزكِيَةَ الأَخْلاَقِ وتَدْعِيمَ الفَضَائلِ هُوَ ثَمَرةُ عَقِيدَةٍ استَكَنَّتْ فِي القُلُوبِ وَبَيْنَ الجَوانِحِ، فَقَامَتْ بِتَرْجَمَتِها الحَوَاسُّ والجَوارِحُ؛ أَخْلاَقاً رَضِيَّةً، وسُلُوكِيَّاتٍ حَضَارِيَّةً.
   عِبادَ اللهِ :
   مِنْ خَصَائِصِ الأَخْلاَقِ الإِسْلاَمِيَّةِ الخَيْرِيَّةُ المُطْلَقَةُ، فَهِيَ تُحَقِّقُ الخَيْرَ لِلأَفْرَادِ والجَمَاعَاتِ، فِي كُلِّ البِيئَاتِ والحَالاَتِ، وفِي كُلِّ الأَوقَاتِ، والخَيْرُ أَمَلٌ مَعقُودٌ وهَدَفٌ مَرْصُودٌ، أَكْثَرَ اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى مِنَ الدَّعْوَةِ إِلَيْهِ والحَثِّ عَلَيْهِ مُسَابَقَةً ومُسَارَعَةً، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ))(4)، ويَقُولُ جَلَّ شَأْنُهُ فِي مَعْرِضِ المَدْحِ والثَّنَاءِ: ((إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ))(5)، كَمَا جَعَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِعْلَ الخَيْرِ أَحَدَ عَنَاصِرِ الفَلاَحِ فَقَالَ جَلَّ شَأْنُهُ: ((وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))(6)، وَوَعَدَ عَلَى فِعْلِ الخَيْرِ أَجْراً عَظِيماً وخَيْراً فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ((وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً))(7)، وَلَقَدْ أَثْنَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  عَلَى كُلِّ مَنْ فَتَحَ لِلْخَيْرِ بَاباً ودَعَا لَهُ، وذَمَّ كُلَّ مَنْ أَغْلَقَ بَاباً مِنْ أَبْوَابِ الخَيْرِ وَدَعَا عَلَيْهِ فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-  : ((إِنَّ هَذَا الخَيْرَ خَزَائنُ، ولِهَذِهِ الخَزَائِنِ مَفَاتِيحُ، فَطُوبَى لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللهُ مِفْتَاحاً لِلْخَيْرِ مِغْلاَقاً لِلشَّرِّ، وَوَيلٌ لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللهُ مِفْتَاحاً لِلشَّرِّ مِغْلاَقاً لِلْخَيْرِ))، ولِلْخَيْرِ فِي الإِسلاَمِ مَجَالاَتٌ وَاسِعَةٌ، فَكُلُّ مَا يُحَقِّقُ نَفْعاً لِلإِنْسَانِ أَو نَفْعَاً لِغَيْرِهِ هُوَ خَيْرٌ، فَمَنْ عَمِلَ بِيَدِهِ فَأَصَابَ رِزقاً فَقَدْ فَعَلَ خَيْراً يُثَابُ عَلَيْهِ، زِيَادَةً عَلَى الفَائِدَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ العَائِدَةِ إِلَيْهِ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-  : ((مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وإِنَّ نَبِيَّ اللهِ دَاودَ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ))، والدَّالُّ عَلَى الخَيْرِ كَفَاعِلِهِ سَواءً فِي الأَجْرِ والجَزَاءِ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-  : ((مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ))، وَمَنْ جَعَلَ الرِّفْقَ لَهُ دَأْباً وَعَادَةً؛ نَالَ حَظَّاً مِنَ الخَيْرِ فَنَالَ السَّعَادَةَ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-  : ((مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الخَيْرِ، ومَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الخَيْرِ))، فَالأَخْلاَقُ فِي الإِسلاَمِ خَيْرٌ مُطْلَقٌ، يَنْتَظِمُ طَاعَةَ اللهِ وطَاعَةَ رَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم-  ، والإِخْلاَصَ فِي النِّيَّةِ وسَلاَمَةَ الطَّوِيَّةِ، والإِحْسَانَ وبِرَّ كُلِّ إِنْسَانٍ، بِغَضِّ النَّظَرِ عَنِ اللَّونِ والعَقِيدَةِ والِّلسَانِ، وَكُلُّ ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ لاَ يَجِدُ الرَّاحَةَ إِلاَّ فِي الأَخْلاَقِ الطَّيِّبَةِ المُستَقِيمَةِ.
              
   عِبادَ اللهِ :
   إِنَّ الأَخْلاَقَ فِي الإِسلاَمِ تَمتَازُ بِأَنَّهَا سَهلَةٌ مَيْسُورَةٌ، تَسْـتَرِيحُ لَهَا النُّفُوسُ النَّقِيَّةُ العَظِيمَةُ، وتَهِشُّ لَهَا الضَّمَائِرُ الحَيَّةُ وتُؤيِّدُهَا العُقُولُ السَّلِيمَةُ، فَالصَّادِقُ فِي قَولِهِ، والأَمِينُ فِي عَمَلِهِ، والوَفِيُّ بِعَهْدِهِ، والبَارُّ بِوَعْدِهِ، والشَّاكِرُ فِي السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ وغَيْرُهُمْ مِمَّنْ زَانَهُمُ اللهُ بِمَحَاسِنِ الأَخْلاَقِ، لاَ يَجِدُونَ فِي إِظْهَارِهَا وَبَذْلِهَا عَنَتاً ولاَ مَشَقَّةً عَلَى الإِطْلاَقِ، بَلْ هُمْ عَلَى العَكْسِ مِنْ ذَلِكَ يَبْذُلونَها كَمَا يَتَنَفَّسُونَ؛ لِشُعُورِهِمْ بِأَنَّهُمْ عَلَى طُرُقٍ قَوِيمَةٍ وسُبُلٍ مُستَقِيمَةٍ، وإِحْسَاسِهِمْ بِأَنَّ لَهُمْ فِي الحَيَاةِ قِيمَةً، فَخَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، والنَّاسُ يُؤثِرُهُمْ حُسْنُ الخِصَالِ وطِيبُ الأَقْوَالِ أَكْثَرَ مِمّا تُؤثِرُهُمُ الأَمْوَالُ، فَخَيْرٌ مِنَ المَنّ والأَذِيَّةِ قَولٌ مَعْرُوفٌ وَسَمَاحَةٌ قَلْبِيَّةٌ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ))(8)، والأَخلاَقُ فِي الإِسلاَمِ ثَابِتَةٌ مُستَقِرَّةٌ، دَائِمَةٌ مُستَمِرَّةٌ، لاَ يُغَيِّرُها زَمَانٌ ولاَ يُبَدِّلُها مَكَانٌ، فَالمُؤمِنُ حَسَنُ الخُلُقِ فِي السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ والحِلِّ والتَّرْحَالِ وعَلَى كُلِّ حَالٍ، لأَنَّ تَقَلُّبَ الأَخْلاَقِ نِفَاقٌ لاَ يُستَسَاغُ فِي الإِسلاَمِ، ولاَ يَرْضَى بِهِ اللهُ العَلِيمُ الخَلاَّقُ، وَلَقَدْ أَنْحَى اللهُ بِالَّلاَئِمَةِ عَلَى هَؤُلاءِ الذِينَ يُغَيِّرُونَ أَخْلاَقَهُمْ حَسَبَ مَصَالِحِهِمْ فَقَالَ: ((مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ))(9)، ولِتَقَلُّبِ مَا بِهِمْ مِنْ صِفَاتٍ وخِلاَلٍ؛ وَصَمَهُمُ اللهُ بِالضَّلاَلِ فَقَالَ: ((وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً))(10)، ومَنْ بَنَى تَعَامُلَهُ مَعَ الآخَرِينَ عَلَى هَذَا المَنْهَجِ والأَسَاسِ فَهُوَ شَرُّ النَّاسِ، وذَلِكَ مَا عَنَاهُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-  بِقَولِهِ: ((تَجِدُ شِرَارَ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ اللهِ ذَا الوَجْهَيْنِ، الذِي يَأْتِي هَؤُلاءِ بِوَجْهٍ، وهَؤُلاءِ بِوَجْهٍ)).
   فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واعلَمُوا أَنَّ الإِنْسَانَ بِحُسْنِ خُلُقِهِ فِي مَأْمَنٍ مِنَ الزَّلَلِ، والعَطَبِ والخَلَلِ، فَحُسْنُ خُلُقِهِ يُوَضِّحُ لَهُ صَحِيحَ المَسَارِ؛ فَيَبقَى آمِناً مِنَ العِثَارِ.
   أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
  *** *** ***
   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   إِنَّ الأَخْلاَقَ الإِسلاَمِيَّةَ تَتَمَيَّزُ بِالشُّمُولِ؛ فَهِيَ تَشْمَلُ كُلَّ جَانِبٍ مِنْ جَوانِبِ الحَيَاةِ الإِنْسَانِيَّةِ، فَمِنْها مَا يَتَعلَّقُ بِالفَرْدِ مِنْ جَمِيعِ نَواحِيهِ جِسْماً وَعَقْلاً ونَفْساً، فَلِلْجِسْمِ ضَرورَاتُهُ وحَاجَاتُهُ ومُتَطلَّبَاتُهُ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((إِنَّ لِبَدَنِكَ عَلَيْكَ حَقّاً))، ولِلْعَقْلِ مَواهِبُهُ وآفَاقُهُ، فَلاَ يَجُوزُ حَبْسُهُ بَلْ يَجِبُ انْطِلاَقُهُ؛ لِيُفَكِّرَ، ويَخْتَرِعَ ويَبتَكِرَ، ضَمَاناً لِسَعَادَةِ الإِنْسَانِيَّةِ وَمَصْلَحَةِ البَشَرِيَّةِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ))(11)، والحَيَاةُ الأُسْرِيَّةُ لَهَا نَصِيبٌ وَافِرٌ مِنَ الأَخْلاَقِ الإِسلاَمِيَّةِ، فَالعَلاَقَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ تَصُونُها مَحَاسِنُ الأَخْلاَقِ، قَالَ تَعَالَى: ((وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا))(12)، وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: ((وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ))(13)، وَيَحُثُّ المَولَى جَلَّ وَعَلاَ عَلَى العَفْوِ وتَذَكُّرِ الفَضْلِ إِنْ حَدَثَ مَا يَدْعُو إِلَى الطَّلاَقِ والفِرَاقِ، وَمَا يَتَرتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حُقُوقٍ مَادِّيَّةٍ وَمَطَالِبَ مَالِيَّةٍ، فَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: ((وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ))(14)، والعَلاَقَةُ بَيْنَ الأَبَوَيْنِ والأَولاَدِ يَحْرُسُها البِرُّ والوَفَاءُ، والبُعْدُ عَنْ كُلِّ مَظَاهِرِ القَطِيعَةِ والجَفَاءِ، والعَلاَقَةُ بَيْنَ الأَقَارِبِ والأَرْحَامِ تَحْمِيهَا الصِّلاَتُ، والتَّغَاضِي عَنِ الهَفَواتِ، ويُوَسِّعُ الإِسلاَمُ دَائِرةَ الأَخْلاَقِ لِتَشْمَلَ المُجتَمَعَ كُلَّهُ بِسَنَاهَا ونُورِهَا وضِيَائِها، فَالآدَابُ والمُجَامَلاَتُ، والاقتِصَادُ والمُعَامَلاَتُ، كُلُّ ذَلِكَ وغَيْرُهُ مَحُوطٌ بِكَثِيرٍ مِنَ الضَّمَانَاتِ الأَخْلاَقِيَّةِ التِي تُراعِي شُُعُورَ الآخَرِينَ وتَزْرَعُ المَحَبَّةَ والإِينَاسَ بَيْنَ كُلِّ النَّاسِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ))(15).
   أَيُّها المُؤمِنونَ :
   تَضْمَنُ الأَخْلاَقُ فِي الإِسلاَمِ إِعْطَاءَ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، بِكُلِّ شَفَافِيَةٍ ودِقَّةٍ، فَلاَ تَزْوِيرَ ولاَ غِشَّ ولاَ كِتْمَانَ، ولاَ إِهْمَالَ لِلْحُقُوقِ ولاَ نِسْيَانَ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ))(16)، وأَخْلاَقُ الإِسلاَم ِتُعْطَى لِكُلِّ إِنْسَانٍ؛ فَلاَ تَحَامُلَ عَلَى أَحَدٍ، ولاَ مُجَامَلَةَ فِي الحَقِّ لأَحَدٍ، العَدُوُّ والصَّدِيقُ والبَعِيدُ والقَرِيبُ فِي ذَلِكَ سَواءٌ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى))(17)، والأَخْلاَقُ الإِسلاَمِيَّةُ تَدْفَعُهَا وتُزْجِيهَا وتَحْرُسُهَا وتَحْمِيهَا رِقَابَةٌ إِلَهِيَّةٌ، فَالمُؤمِنُ يَعْمَلُ العَمَلَ ويَقُولُ القَولَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَيْهِ شَاهِدٌ رَقِيبٌ، وَهُوَ لَهُ حَسِيبٌ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ))(18)، وَيقُولُ سُبْحَانَهُ: ((مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))(19)، وَيقُولُ جَلَّ شَأْنُهُ: ((وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ، كِرَامًا كَاتِبِينَ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ))(20).
   فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واعلَمُوا أَنَّ الضَّمِيرَ الحَيَّ يَحْـفِزُ المَرْءَ حَفْزاً إِلَى الفَضَائِلِ، وَيرْدَعُهُ رَدْعاً عَنِ الرَّذَائلِ؛ فَلاَ يَجْرُؤُ المُؤمِنُ فِي ظِلَّ الإِحْسَاسِ بِالرِّقَابَةِ الإِلهِيَّةِ عَلَى المُخَالَفَةِ، فَإِنِ اجتَرأَ عَلَى شَيءٍ مِنْ ذَلِكَ عَادَ فَوراً إِلَى رُشْدِهِ؛ فَنَدِمَ وأَنَابَ، واستَغْفَرَ وَتَابَ.
   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: ((إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (21).
   اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وَسَلَّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
   عِبَادَ اللهِ :
((إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
(1) سورة الحجرات / 13.
(2) سورة المؤمنون/ 1-11.
(3) سورة الرعد/ 19-22.
(4) سورة البقرة/ 148.
(5) سورة الأنبياء/ 90.
(6) سورة الحج/ 77.
(7) سورة المزمل/ 20.
(8) سورة البقرة/ 263.
(9) سورة النساء/143.
(10) سورة النساء/ 143.
(11) سورة يونس/ 101.
(12) سورة النساء/ 19 .
(13) سورة البقرة/ 228 .
(14) سورة البقرة/ 237 .
(15) سورة النور/ 27.
(16) سورة البقرة/ 282 .
(17) سورة المائدة/ 8 .
(18) سورة يونس/ 61 .
(19) سورة ق / 18 .
(20) سورة الانفطار/ 10-12.
(21) سورة الأحزاب / 56 .
 
< السابق   التالى >
 

استفتاء

ما رأيك بصفحة خطب الجمعة؟
 
spacer

spacer
© 2024 موقع خطب الجمعة
Joomla! is Free Software released under the GNU/GPL License.