خطبة الاسبوع
spacer

  

spacer
spacer  
spacer spacer

صَدَى نَفَحَاتِ رَمضَانَ طباعة ارسال لصديق
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
20/09/2008

خطبة الجمعة 25 رمضان 1429هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
صَدَى نَفَحَاتِ رَمضَانَ
   الحَمْدُ للهِ الحَيِّ القَيِّومِ، الدَّائمِ الذِي لاَ يَزُولُ، سُبْحَانَهُ يُقَلِّبُ اللَّيْلَ والنَّهَارَ، عِبْرَةً وذِكْرَى لأُولِي الأَبْصَارِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهلٌ مِنَ الحَمْدِ وأُثْنِي عَلَيْهِ، وأُومِنُ بِهِ وأَتَوكَّلُ عَلَيْهِ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، خَيْرُ مَنْ عَرَفَ حَقَّ رَمَضَانَ، وَوَاصَلَ البِرَّ والخَيْرَ بَعْدَ شَهْرِ المَغْفِرَةِ والإِحْسَانِ، فَصَلَواتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى دَرْبِهِ، واقتَفَى أَثَرَهُ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبادَ اللهِ :
   أَوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَمَنِ اتَّقَاهُ أَسْعَدَهُ وأَرْضَاهُ، فَاتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقينَ، وامتَثِلُوا أَوَامِرَهُ تَكُونُوا مِنَ المُفْلِحينَ، وَخُذُوا مِنْ مُرورِ أَيَّامِكُمُ العِبْرَةَ وكُونُوا مِنَ المُتَّعِظِينَ، فَمَا أَسْرَعَ مَا تَنْقَضِي اللَّيَالِي وَالأَيَّامُ، وتَتَصَرَّمُ الشُّهُورُ والأَعْوَامُ، وَهَذِهِ سُنَّةُ اللهِ فِي الحَيَاةِ، أَيَّامٌ تَمُرُّ، وَأَعْوَامٌ تَكُرُّ، ((كُلُّ شَىْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ ?لْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ))(1)، إِنَّ فِي كَرِّ الأَيَّامِ وَاللَّيَالِي لَعِبَراً، وَفِي تَغَيُّرِ الأَحْوَالِ لَمُعتَبَراً، أَلاَ وَإِنَّ سُرْعَةَ حَرَكَةِ اللَّيَلِ والنَّهَارِ، لَتُؤَكِّدُ تَقَارُبَ الزَّمَانِ، وَتُرَغِّبُ المُؤمِنَ لِحُسْنِ العَمَلِ وَالإِحْسَانِ، يَقُولُ المَولَى عَزَّ وَجَلَّ: ((وَهُوَ ?لَّذِى جَعَلَ ?لَّليْلَ وَ?لنَّهَارَ خِلْفَةً لّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً))(2)، لَقَدْ كُنَّا قَبْلَ وَقْتٍ وَجِيزٍ، نَتَرَقَّبُ بِشَوقٍ قُدُومَ شَهْرِ رَمَضَانَ الكَرِيمِ، الذِي استَقْبَلَهُ الصَّالِحُونَ بِالحَفَاوَةِ والتَّكْرِيمِ، وَشَمَّروا فِيهِ عَنْ سَاعِدِ الجِدِّ، فَكَمِ امتَدَّتِ الأَيَادِي بِالإِحْسَانِ، مُتَلَمِّسَةً هَدْيَ سَيِّدِ الأَنَامِ -صلى الله عليه وسلم- الذِي كَانَ أَجْوَدَ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، حَيْثُ نَفَحَاتُ المَغْفِرَةِ والرِّضْوَانِ، وَكَانَ لِهَذِهِ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ قِيمَةٌ عَظِيمَةٌ وَأَهَمِّيَّةٌ خَاصَّةٌ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ، فَقَدْ كَانَ -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ- إِذَا دَخَلَتِ العَشْرُ شَمَّرَ وَجَدَّ وَأَيقَظَ أَهْلَهُ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ طَرَقَ البَابَ عَلَى فَاطِمَةَ وَعَلِيٍّ فَقَالَ: ((أَلاَ تَقُومَانِ فَتُصَلِّيَانِ؟!))، وَتَلاَ قَولَهُ سُبْحَانَهُ: ((وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى))(3)، وَهَكَذَا ظَلَّ المُسلِمُونَ يَنَالُونَ نَفَحَاتِ رَبِّهِمْ، ويَتَفَيَّؤونَ ظِلاَلَ شَهْرِهِمْ، مُتَنقِّلِينَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ ذِكْرٍ ودُعَاءٍ، ومُنَاجَاةٍ وَصَلاَةٍ، وَلَكِنْ سُرَعَانَ مَا انْقَضَتِ الأَيَّامُ وَالسَّاعَاتُ، فَهَذَا شَهْرُكُمْ قَدِ اقْتَرَبَ تَمَامُهُ، وتَصَرَّمتْ لَيَالِيهِ الفَاضِلَةُ وَأَيَّامُهُ، ((يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ))(4)، فَلِلَّهِ الحَمْدُ عَلَى مَا قَضَى وَأَبْرَمَ، وَلَهُ الشُّكْرُ عَلَى مَا أَعْطَى وَأَنْعَمَ، تَنْطَوِي صَحِيفَةُ الشَّهْرِ الكَرِيمِ، وتُقَوَّضُ سُوقُهُ العَامِرَةُ بِالخَيْرِ العَمِيمِ، وَقَدْ رَبِحَ فِيهِ الصَّائِمُونَ المُجِدُّونَ، وَقَصَّرَ عَنْ بُلُوغِ ذَلِكَ المُقَصِّرونَ، وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا، وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُحْسِناً فِيهِ فَعَلَيْهِ بِمُواصَلَةِ الإِحْسَانِ، وَمَنْ كَانَ مُقَصِّراً فَلْيَخْتِِمْهُ بِالتَّوبَةِ والاستِغْفَارِ.
   أَيُّها المُؤمِنونَ :
   إِنَّ تَشْرِيعَاتِ الإِسلاَمِ تَتَضَمَّنُ أَسْراراً لاَ تَتَنَاهَى، وَمَقاصِدَ عَالِيَةً لاَ تُبَارَى، وإِنَّ مِنْ فِقْهِ مَقَاصِدِ الصَّومِ كَوْنَهُ وَسِيلَةً عُظْمَى لِبِنَاءِ التَّقْوَى فِي قُلُوبِ أُولِي النُّهَى، بِأَوسَعِ مَعَانِيهَا، وأَدَقِّ صُوَرِهَا، فَنَفَحَاتُ رَمَضَانَ تُغَذِّي قَلْبَ المُؤمِنِ بِالإِيمَانِ، وَتَمْلأُ جَنَانَهُ بِتَقْوَى المَلِكِ العَلاَّمِ، يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))(5)، فَلاَ قِيمَةَ لِطَاعَةٍ تُؤَدَّى، دُونَ أَنْ يَكُونَ لَهَا أَثَرٌ مِنْ خَشْيَةٍ أَو تَقْوَى، فَهَلْ يَا تَرَى نَأْخُذُ مِنْ رَمَضَانَ مَدْرَسَةً نَستَلْهِمُ مِنْهَا شِدَّةَ العَزْمِ وقُوَّةَ الإِرَادَةِ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ؟! تَهْذِيباً لِلْبَواطِنِ وَالظَّواهِرِ، وَصَفَاءً ونَقَاءً لِلأَعْمَالِ وَالضَّمَائِرِ، وتَمَسُّكاً بِالخَيْرَاتِ وَالفَضَائِلِ، وَتَحلِّياً بِالمَحَاسِنِ وَالمَكَارِمِ، حِينَئذٍ يَخْرُجُ المُسلِمُ مِنْ صَومِهِ بِصَفْحَةٍ مُشْرِقَةٍ بَيْضَاءَ نَافِعَةٍ فِي حَيَاتِهِ، مُفْعَمَةٍ بِفَضَائِلِ الأَعْمَالِ وَمَكَارِمِ الخِصَالِ، فَتَصفُو رُوحُهُ، ويَرِقُّ قَلْبُهُ، وتَصلُحُ نَفْسُهُ، وَتَتَهَذَّبُ أَخْلاَقُهُ. إِنَّ المُؤمِنَ حِينَ يُوَدِّعُ رَمَضَانَ لاَ يُودِّعُ الطَّاعَةَ والعِبَادَةَ، بَلْ إِنَّهُ يُوَثِّقُ العَهْدَ مَعَ رَبِّهِ، ويُقَوِّي الصِّلَةَ مَعَ خَالِقِهِ، فَرَبُّ رَمَضَانَ هُوَ رَبُّ بَاقِي الشُّهُورِ، والمَرْءُ إِنَّمَا خُلِقَ لِلْعِبَادَةِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ))(6)، فَحَيَاةُ المُؤمِنِ كُلُّهَا للهِ، وَأَيَّامُهُ وَسَاعاتُهُ إِنَّمَا يَقْضِيهَا فِي رِضَا مَولاَهُ، قَالَ عَزَّ مِنْ قَائلٍ: ((قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ?لْعَـالَمِين))(7)، فَلاَ انْقِطَاعَ فِي العِبَادَةِ وَلاَ تَوَقُّفَ، ولاَ يُؤَجِّلُ المُؤمِنُ بِرَّهُ ولاَ يُسَوِّفُ، بَلْ يَظَلُّ لِلطَّاعَةِ مُلاَزِماً، وبِكُلِّ مَا يُرضِي رَبَّهُ قَائِماً، حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ سَالِماً غَانِماً، يَقُولُ المَولَى عَزَّ وَجَلَّ: ((وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ))(8).
   أيُّهَا المُسلِمُونَ :
   لَقَدْ أَقَامَ فِينَا رَمَضَانُ ضَيفاً عَزِيزاً، فَغَرَسَ فِي نُفُوسِنَا خَيْراً عَظِيماً، لَقَدْ تَعلَّمْنَا فِي مَدْرَسَةِ رَمَضَانَ أَنْجَعَ الدُّرُوسِ وأَبْلَغَ المَواعِظِ، تَعلَّمْنَا كَيْفَ نُقُاوِمُ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ وَهَوى النَّفْسِ الأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ، تَعلَّمْنَا كَيْفَ نَنْبِذُ الخِلاَفَ وأَسْبَابَ الفُرقَةِ، لَقَدْ تَرَاصَّتِ الصُّفُوفُ فِي رَمَضَانَ كَالجَسَدِ الوَاحِدِ؛ فَيَنْبَغِي أَنْ لاَ تَتَنَاثَرَ بَعْدَ رَمَضَانَ، لَقَدْ عَلاَ مُحَيَّاكُمْ فِي رَمَضَانَ سَمْتُ الصَّالِحينَ، وَلَبِستُمْ بِفَضلَ اللهِ مَلاَبِسَ المُتَّقِينَ، فَلْيَدُمْ هَذَا الجَلاَلُ والجَمَالُ بَعْدَ الشَّهْرِ الكَرِيمِ، وَلْنَجْعَلْ مِنْ نَسَمَاتِ رَمَضَانَ المُشْرِقَةِ مِفْتَاحَ خَيْرٍ سَائِرَ العَامِ، وَمنْهَجَ حَيَاةٍ فِي كُلِّ الأَحْوَالِ، وَلْنَحْرِصْ عَلَى بِرِّ الوَالِدَيْنِ وَصِلَةِ الجِيرَانِ، وزِيَارَةِ الأَقَارِبِ والإِخْوَانِ، وَلْنُطْعِمِ المَحْرُومِينَ، وَلْنَجْبُرْ نُفُوسَ المُنْكَسِرينَ، وَلْنُسْهِمْ فِي زَرْعِ السَّعَادَةِ عَلَى شِفَاهِ المُصَابِينَ والمُبتَلِينَ، ولْنَكُنْ مَنَابِعَ دَفَّاقَةً بِالخَيْرِ كَمَا كُنَّا فِي رَمَضَانَ، ولاَ نَقْطَعْ يَدَ البِرِّ والإِحْسَانِ، وَلْيَكُنِ المُسلِمُ مُستَلْهِماً مِنَ المَاضِي العِبْرَةَ، لِيُحْسِنَ التَّخْطِيطَ ويَقُومَ بِوَاجِبِهِ خَيْرَ قِيَامٍ، يَقُولُ المَولَى عَزَّ وَجَلَّ: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ))(9).
   عِبادَ اللهِ :
   لَقَدْ تَوَسَّطَ آيَاتِ الصَّومِ الحَضُّ عَلَى الدُّعَاءِ، قَالَ تَعَالَى: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ))(10)، فَلْيَكُنِ الدُّعَاءُ، وَرَفْعُ أَكُفِّ الضَّرَاعَةِ إِلَى اللهِ، بِالقَبُولِ والغُفْرَانِ، والفَوْزِ والرِّضْوَانِ، خَيْرَ مَا نَخْتِمُ بِهِ شَهْرَنَا الكَرِيمَ، وخَيْرَ مَا نَعْمُرُ بِهِ هَذِهِ الأَيَّامَ الفَاضِلَةَ، لاسِيَّمَا لِيْلَةُ القَدْرِ التِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، تَقُولُ السَّيِّدَةُ عَائشَةُ أُمُّ المُؤمِنينَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ لَيْلَةَ القَدْرِ؛ مَاذَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: قُولِي: ((الَّلهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي))، فَطَلَبُ العَفْوِ والاستِغْفَارُ أَمَرَ بِهِ المَولَى سُبْحَانَهُ فِي خِتَامِ كَثِيرٍ مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُختَمَ بِهِ الصِّيَامُ، لِنَمْحُوَ بِهِ شَوائِبَ التَّقْصِيرِ، فَالاستِغْفَارُ يَدْفَعُ عَنِ النَّفْسِ الشُّعُورَ بِالكِبْرِ والزَّهْوِ بِهَا وَالعُجْبِ بِالأَعْمَالِ، وَيَحْـفِزُ الإِنْسَانَ لِلْمَزِيدِ مِنَ العَمَلِ بَعْدَ رَمَضَانَ، فَتَزْدَادُ الحَسَناتُ ويَثْقُلُ المِيزَانُ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ))(11)، وكَمَا أَنَّ الاستِغْفَارَ طَرِيقُ الفَوْزِ فِي العُقْبَى، فَهُوَ مِنْ أَسبَابِ البَرَكَةِ فِي الدُّنْيَا، يَقُولُ المَولَى عَزَّ وَجَلَّ: ((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا))(12)، ثُمَّ سَلُوا رَبَّكُمْ مَا شِئْتُمْ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ؛ تَجِدوا رَبَّاً عَظِيماً، ومُنْعِماً كَرِيماً، يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ، سَلُوا ولاَ تَعْجِزوا ولاَ تَستَبْطِئُوا الإِجَابَةَ، فَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: ((يُستَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يُعَجِّلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُستَجَبْ لِي))، وَهَذَا نَبِيُّ اللهِ يَعقُوبُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فَقَدَ وَلَدَهُ الأَوَّلَ ثُمَّ فَقَدَ الآخَرَ فِي مُدَدٍ مُتَطَاوِلَةٍ، فَمَا زَادَهُ ذَلِكَ إِلاَّ تَعلُّقاً بِرَبِّهِ، فَقَالَ: ((عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ))(13)، وَهَذَا نَبِيُّ اللهِ زَكَريا -عَلَيهِ السَّلاَمُ- كَبِرَ سِنُّهُ، واشتَعَلَ بِالشَّيْبِ رَأْسُهُ، ولَمْ يَزَلْ عَظَيِمَ الرَّجَاءِ فِي رَبِّهِ حَتَّى قَالَ: ((وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً))(14).
   فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واجعَلُوا حَيَاتَكُمْ كُلَّهَا للهِ، وأَدِيمُوا الصِّلَةَ بِرَبِّكُمْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ مِنْ شُهُورِ العَامِ.
   أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
  *** *** ***
   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
                                            
   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   إِنَّ الإِسلاَمَ يَحْرِصُ عَلَى أَنْ تَتَواصَلَ الطَّاعَاتُ، وتُعْمَرَ الأَوقَاتُ بِالقُرُبَاتِ، لِيَكُونَ النَّاسُ عَلَى صِلَةٍ بِرَبِّهِمْ، وَعَلَى تَواصُلٍ بِالخَيْرِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَيَستَمِرَّ التَّعَاوُنُ والتَّكَاتُفُ، وتَقْوَى رَوَابِطُ المَوَدَّةِ والتَّرَاحُمِ، ولِيَتَخَرَّجُوا مِنْ شَهْرِ الصَّفَاءِ، وهُمْ مُتَواصِلُونَ بِالعَطَاءِ، نَابِذُونَ لِلْفُرقَةِ والشَّحْنَاءِ، ولِذَلِكَ سَنَّ لَنَا نَبِيُّنَا صَدَقَةَ الفِطْرِ، طُهْرَةً مِنَ اللَّغْوِ والرَّفَثِ وطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، فَعَنِ ابنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قَالَ: ((فَرَضَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعاً مِنْ تَمْرٍ أَو صَاعاً مِنْ شَعَيرٍ، عَلَى العَبْدِ والحُرِّ والذَّكَرِ والأُنْثَى والكَبِيرِ والصَّغِيرِ مِنَ المُسلِمينَ))، وَإِنْ رَحَلَ رَمَضَانُ، فَإِنَّ عِبَادَةَ الصَّومِ لاَ تَزَالُ مَشْروعَةً،  فَقَدْ سَنَّ لَكُمْ نَبِيُّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- صِيَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ، وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ مُتَابَعَةِ الإِحْسَانِ بِالإِحْسَانِ، فَقَدْ قَالَ -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ كُلِّهِ)).
   أَيُّها المُؤمِنونَ :
   سَيُظِلُّكُمْ بإِذْنِ اللهِ عِيدٌ سَعِيدٌ، وضَيْفٌ جَدِيدٌ، هُوَ مِنْ رَبِّكُمْ هَدِيَّةٌ لَكُمْ عَلَى حُسْنِ صَومِكُمْ، وجَمِيلِ تَعَاوُنِكُمْ وتَآزُرِكُمْ، فَاشْكُروا رَبَّكُمْ عَلَى تَمَامِ فَرضِكُم، وَلْيَكُنْ عِيدُكُمْ مَقْرُوناً بِتَفْرِيجِ كُرْبَةٍ ومُلاَطَفَةِ يَتِيمٍ، وابتَهِجُوا بِعيدِكُمْ بِالبَقَاءِ عَلَى العَهْدِِ وإِتْبَاعِ الحَسَنَةِ بِالحَسَنَةِ، ونَفِّسُوا عَنْ إِخْوَانِكُمْ المُحتَاجِينَ، حَتَّى تَعُمَّ فَرْحَةُ العِيدِ الأَرْجَاءَ، وتَتَكَاتَفَ نَفَحَاتُ رَمَضَانَ وَنَسَمَاتُ العِيدِ فَتَزُولَ الشَّحنَاءُ، ويَحُلَّ مَحَلَّهَا الصَّفَاءُ والنَّقَاءُ. إِنَّ الكَرَمَ خُلُقٌ مَطْلُوبٌ، وفِعْلٌ مَحْمُودٌ، لاسِيَّمَا أيَّامُ الأَعْيَادِ وَالأَفْرَاحِ، فَيَنْبَغِي لِلْمُسلِمِ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى أَهلِهِ وضُيُوفِهِ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي حُدُودٍ، فَلاَ تُنْسِنا فَرْحَةُ العِيدِ مَا عَلَّمَنا إِيَّاهُ رَمَضَانُ مِنَ التَّحَكُّمِ فِي رَغَبَاتِ النَّفْسِ، فَالإِنْسَانُ الوَاعِي يُدْرِكُ كَيْفَ يَعِيشُ أَيَّامَ أَفْرَاحِهِ فِي تَوَّسُّطٍ واعتِدَالٍ، وكَيْفَ يُرَشِّدُ نَفَقَاتِهِ أَيَّامَ السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ، وَحَالاتِ اليُسْرِ وَالغَلاَءِ، لِيَقِيَ نَفْسَهُ وأَهلَهُ الإرْهَاقَ وَالعَنَاءَ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا))(15).
   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (16).
   اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادِكَ أَجْمَعِينَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
   عِبَادَ اللهِ :
(( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
(1) سورة القصص / 88.
(2) سورة الفرقان/ 62.
(3) سورة طـه/ 132.
(4) سورة النور/ 44.
(5) سورة البقرة/ 183.
(6) سورة الذاريات/ 56.
(7) سورة الأنعام/ 162.
(8) سورة الحجر/ 99 .
(9) سورة الحشر/ 18.
(10) سورة البقرة/ 186.
(11) سورة المزمل/  20.
(12) سورة نوح/ 10-12.
(13) سورة يوسف/ 83.
(14) سورة مريم/ 4 .
(15) سورة الإسراء / 29 .
(16) سورة الأحزاب / 56 .
 
< السابق   التالى >
 

استفتاء

ما رأيك بصفحة خطب الجمعة؟
 
spacer

spacer
© 2024 موقع خطب الجمعة
Joomla! is Free Software released under the GNU/GPL License.