خطبة الاسبوع arrow خطبة الاسبوع arrow خُطْبةُ عِيدِ الفِطْرِ السَّعِيدِ
spacer

  

spacer
spacer  
spacer spacer

خُطْبةُ عِيدِ الفِطْرِ السَّعِيدِ طباعة ارسال لصديق
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
22/09/2008

خطبة الجمعة بتاريخ 1 شوال 1429هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
خُطْبةُ عِيدِ الفِطْرِ السَّعِيدِ
   اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ.
   اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ.
   اللهُ أَكْبَرُ مَا أَشْرَقَتْ وُجُوهُ الصَّائمِينَ بِشْراً فِي هَذَا اليَوْمِ المَشْهُودِ، اللهُ أَكْبَرُ مَا أَيقَنَ المُخْلِصُونَ بِالثَّوَابِ المَوْعُودِ، اللهُ أَكْبَرُ مَا حَمِدَ المُصَلُّونَ القَائمُونَ عَاقِبَةَ الرُّكُوعِ والسُّجُودِ، اللهُ أَكْبَرُ مَا حَلَّتِ البَرَكَةُ بِأَرزَاقِ أَهلِ الإِنْفَاقِ وَالإِطْعَامِ والجُودِ.
   اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ وللهِ الحَمْدُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيراً، والحَمْدُ للهِ كَثِيراً، وسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وأَصِيلاً، الحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ، ونَصَرَ عَبْدَهُ، وأَعَزَّ جُنْدَهُ، وهَزَمَ الأَحزَابَ وَحْدَهُ، لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَو كَرِهَ الكَافِرونَ.
   الحَمْدُ للهِ مُيَسِّرِ أَسْبَابِ البِرِّ وَالخَيْرَاتِ، المُثِيبِ عَلَى الصَّلاَحِ وَالطَّاعَاتِ، وَمُجْزِلِ الأُجُورِ وَالأَعْطِيَاتِ، وَرَافِعِ الصَّائمِينَ وَالقَائمِينَ أَعلَى الدَّرَجَاتِ، سُبْحَانَهُ يَقْبَلُ مِنْ عِبَادِهِ القَلِيلَ، ويُثِيبُهُمْ عَلَيْهِ الوَافِرَ الجَزِيلَ، ونَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، غَافِرُ الذَّنْبِ وَقَابِلُ التَّوْبِ، وَكَاشِفُ العُسْرِ وَالكَرْبِ، اللَهُمَّ فَلَكَ الحَمْدُ كُلُّهُ، وَلَكَ مِنَ الثَّنَاءِ أَعْطَرُهُ وَأَجْزَلُهُ، لَكَ الحَمْدُ يَا رَبَّنَا عَلَى إِتْمَامِ الصِّيَامِ، وَالشُّكْرُ عَلَى التَّوفِيقِ لِلتِّلاَوَةِ وَالقِيَامِ، والثَّنَاءُ عَلَى أَنْ بَلَّغْتَنَا هَذَا اليَوْمَ المُمَيَّزَ بَيْنَ الأَيَّامِ، ونَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ ورَسُولُهُ، أَفْضَلُ مَنْ صَلَّى وصَامَ، وحَجَّ واعتَمَرَ وطَافَ بِالبَيْتِ الحَرَامِ، -صلى الله عليه وسلم- وعَلَى آلِهِ وصَحَابَتِهِ الذِينَ اصطَفَاهُم لِصُحْبَتِهِ وكَرَّمَهُم، وعَلَى مَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ واقتَفَى أَثَرَهُم.

   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   اتَّقُوا اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى، واشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ التِي تَتَرادَفُ عَلَيْكُمْ وَتَتَوالَى، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ))(1)، وَهنِيئاً لَكُمْ -مَعْشَرَ المُؤمِنينَ- يَوْمُ الجَائزَةِ المُبِينُ، يَوْمُ الفَرَحِ وَالعِيدِ، يَوْمُ الوَفَاءِ وَالعَطَاءِ المَدِيدِ، يَوْمُ الإِكْرَامِ مِنَ الشَّكُورِ الحَمِيدِ، فَمَا أَرْوَعَهُ مِنْ يَوْمٍ تُشْرِقُ بالبِشْرِ مِنْهُ اللَّحَظَاتُ، وتُعْمَرُ بِالطَّاعَةِ فِيهِ الدَّقَائقُ والسَّاعَاتُ، وَمَا أَكْرَمَهُ مِنْ جَمْعٍ لِلْمُخْلِصينَ بِهِ وَافِرُ الحَسَنَاتِ، قَالَ تَعَالَى: ((مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ))(2)،َ وَجَاءَ فِي الأَثَرِ: ((إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدِ الفِطْرِ وَقَفَتِ المَلائِكَةُ عَلَى أَبْوَابِ الطُّرُقِ فَيُنَادُونَ: اغدُوا -يَا مَعشَرَ المُسلِمِينَ- إِلى رَبٍّ كَرِيمٍ، يَمُنُّ بِالخَيْرِ ثُمَّ يُثِيبُ عَلَيْهِ الجَزِيلَ، لَقَدْ أُمِرتُمْ بِقِيَامِ الَّليلِ فَقُمتُمْ، وأُمِرتُمْ بِصِيَامِ النَّهَارِ فَصُمتُمْ، وأَطَعتُمْ رَبَّكُمْ، فَاقْبِضُوا جَوَائِزَكُمْ، فَإِذَا صَلَّوا نَادَى مُنَادٍ: أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ قَدْ غَفَرَ لَكُمْ، فَارْجِعُوا رَاشِدِينَ إِلى رِحَالِكُمْ، فَهُوَ يَوْمُ الجَائِزَةِ، ويُسَمَّى ذَلِكَ اليَوْمُ فِي السَّمَاءِ يَوْمَ الجَائِزَةِ))، وهَا أَنْتُمْ تَعِيشُونَ مَعَ فَاتِحَةِ الثَّوَابِ وَالجَزَاءِ، وتَنْعَمُونَ بِيَوْمِ الإِكْرَامِ وَالعَطَاءِ، أَلاَ فَوَاصِلُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- فِعْلَ الخَيْرَاتِ، وَعَضُّوا بِالنَّواجِذِ عَلَى أَسْبَابِ الطَّاعَاتِ، واستَمِرُّوا فِي دَرْبِ البِرِّ والقُرُبَاتِ، واجْعَلُوا مِنَ التَّهلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ شِعَاراً مُمَيِّزاً لِعِيدِكُمْ، ومِنْ شُكْرِ اللهِ تَعْبِيراً عَنْ سُرُورِكُمْ وَفَرْحَتِكُمْ، صِلُوا بِاللهِ عَامِرَ قُلُوبِكُمْ، وَشِيدُوا بِطَاعَتِهِ صُروحَكُمْ، وَالطَّاعَةُ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللهُ تَعَالَى ويَرْضَاهُ مِنَ الأَقْوَالِ والأَفْعَالِ، إِنَّها عَطَاءٌ بِالخَيْرِ مُتَّصِلٌ، وَجُهْدُ مُستَمْسِكٍ بِحَبْلِ الإِيمَانِ لاَ يَنْفَصِلُ، تَتَجَدَّدُ صُوَرُهُ وأَشْكَالُهُ، وَيَعُمُّ مُخْتَلَفَ جَوَانِبِ الحَيَاةِ نَفْعُهُ وَنَوالُهُ، مَعْمُورُةٌ بِالإِخْلاَصِ أَقْوَالُهُ وَأَفْعَالُهُ، قَالَ تَعَالَى: (( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ))(3)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ  -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((الإِيمَانُ بِضْعٌ وسَبْعُونَ شُعْبَةً، أَعْلاَهَا قَولُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وأَدنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ))، وعَنْهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ تَعْدِلُ بَيْنَ الاثْنَينِ صَدَقَةٌ، وتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وبِكُلِّ خُطْوَةٍ تَمشِيهَا إِلى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ))، إِنَّ المُؤمِنَ الحَقَّ يَتَزَوَّدُ مِنْ رَمَضَانَ بِوَقُودِ الإِيمَانِ، لِيُواصِلَ مَسِيرَهُ بَقِيَّةَ العَامِ مُتَنقِّلاً بَيْنَ ضُروبِ الإِحْسَانِ، أَمَّا التَّرَاجُعُ عَنِ الطَّاعَةِ بَعْدَ رَمَضَانَ، فَهُوَ مِنْ دَلاَئلِ ضَعْفِ العَزِيمَةِ وَالخِذْلاَنِ، الذِي يَتَجَنَّبُهُ أَهلُ الإِيمَانِ، قَالَ تَعَالَى: ((وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ))(4).
   اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْْبَرُ، وللهِ الحَمْدُ.
   أَيُّهَا المُسلِمُونَ :
   إِنَّ دَلاَئِلَ مَا شَرَعَ اللهُ مِنَ الطَّاعَاتِ، وثِمَارَ مَا أَمَرَ بِهِ سُبْحَانَهُ مِنَ العِبَادَاتِ، يَجِبُ أَنْ تُشَاهَدَ وَاقِعاً مَلْمُوساً فِي حَيَاةِ الطَّائعِينَ، وَتُرَى آثَارُهَا استِقَامَةً جَلِيَّةً فِي سُلُوكِ العَابِدِينَ، وَهَذَا مَعنَى العِبَادَةِ الحَقِّ، الذِي يَحْرِصُ عَلَيْهِ المُخْلِصُونَ، أَلاَ وإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ شَعَائِرِ الإِيمَانِ، وَأَوفَرِ حُظُوظِ البِرِّ والإِحْسَانِ، الإِحْسَانَ إِلَى الأَقَارِبِ مِنَ الوَالِدَيْنِ وَالأَزْوَاجِ والإِخْوَانِ، فَإنَّ لِلْوَالِدَيْنِ حَقّاً عَلَى الوَلَدِ عَظِيماً، وفِي عُقُوقِهِمَا خَطَراً جَسِيماً، كَيْفَ لاَ؟ وَقَدْ غَمَراهُ بِالإِحْسَانِ، وَ((هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ))(5)، قَالَ جَلَّ شَأْنُهُ: ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً))(6)، فَطُوبَى لِمَنْ أَحْسَنَ إِلَى وَالِدَيْهِ وَضَاعَفَ إِحْسَانَهُ لأُمِّهِ، وَلْيَهَنأْ بِمَا كَتَبَهُ اللهُ لَهُ مِنْ رَحْمَتِهِ وَكَرَمِهِ، إِنَّ الأُمَّ فِي الأُسْرَةِ بِالمَنْزِلَةِ السَّامِيَةِ، وَالمَرتَبَةِ الشَّرِيفَةِ العَالِيَةِ، كَيْفَ لاَ؟ وَقَدْ سَهِرَتْ لِرَاحَةِ وَلَدِهَا الَّليَالِي، وإِنْ عَلِمَتْ نَفْعَهُ فِي شَيءٍ فَعَلَتْهُ، فَالجَنَّةُ تَحْتَ قَدَمَيْهَا، وَرِضَا الرَّحْمَنِ مُعَلَّقٌ بِالإِحْسَانِ إِلَيْهَا، أَلاَ فَأَحْسِنُوا إِلَى وَالِدَيْكُمْ، واجعَلُوا كَلِمَتَهُمَا -مَاَ لَمْ تُخَالِفِ الحَقَّ- مَسْمُوعَةً لَدَيْـكُمْ، وَلْتَطِبْ بِذَلِكَ قُلُوبُكُمْ، مِنْ غَيْرِ تَأَفُّفٍ وَلاَ ضَجَرٍ، تَجِدوا عَاقِبَةَ بِرِّكُمْ لِوَالِدَيْكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ قَبْلَ آخِرَتِكُمْ.
   اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْْبَرُ، وللهِ الحَمْدُ.
   أَيُّها المُؤمِنونَ:
   إِنَّ مِنَ الأَيَّامِ مَحَطَّاتٍ تَطِيبُ فِيهَا النَّفْسُ، وَسَاعَاتٍ تَرِقُّ فِيهَا المَشَاعِرُ وَيَرْهُفُ الحِسُّ، فَتَسْهُلُ بَعْدَ التَّمنُّعِ والإِبَاءِ، وَتَستَجِيبُ لِدَواعِي الوَحْدَةِ وَالإِخَاءِ، أَلاَ وإِنَّ يَوْمَكُمْ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ المَوَاسِمِ نَفْعاً فِي هَذَا المَجَالِ، تَصْـفُو فِيهَا النُّفُوسُ بِمَا تُعايِشُهُ مِنْ مُحِيطِ البَهْجَةِ وَالسُّرورِ، وتَسْمُو فِي مَقَاصِدِهَا وَغَايَاتِها بِمَا يُغذِّي المَرْءَ مِنَ الفَرْحَةِ وَالحُبُورِ، فَتَتَولَّدُ الرَّغْبَةُ فِي قَبُولِ الأَعْذَارِ، وَيَنْشَأُ العَزْمُ عَلَى الأَسَفِ والاعتِذَارِ، وَتَجَاوُزِ الإِحَنِ وَالصَّفْحِ عَنِ الأَضْرَارِ، فَاستَجِيبُوا لِدَاعِي اللهِ لَكُمْ بِالوَحْدَةِ والتَّآلُفِ، وانْبِذُوا عَنْكُمْ أَسْبَابَ الفُرقَةِ وَالتَّخَالُفِ، فَإِنَّكُمْ بِرِبَاطِ الإِيمَانِ أَحِبَّةٌ وَإِخْوَةٌ، وَوَحْدَتُكُمْ تَزِيدُكُمْ مَهَابَةً وَجَلاَلاً وَقُوَّةً، يَقُولُ الحَقُّ تَبَارَكَ وتَعَالَى: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ))(7)، الكَرَمُ وَالتَّفَاضُلُ بَيْنَكُمْ بِالتَّقْوَى، والنِّزَاعُ يُورِثُ الفَشَلَ وَذَهَابَ الرِّيحِ وَالبَلاَءَ، قَالَ تَعَالَى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ))(8)، ويَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((مَثَلُ المُؤْمِنينَ فِي تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ الوَاحِدِ إِذَا اشتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى))، مِنْ أَجْـلِ ذَلِكَ شُرِعَتِ السَّمَاحَةُ وَلِينُ الجَانِبِ، لِمَا فِي الغِلْظَةِ وَالجَفَاءِ مِنَ الفُرقَةِ وَالمَصَائبِ، قَالَ تَعَالَى: ((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ))(9)، وقَالَ -صلى الله عليه وسلم- : ((والذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، ولاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبتُم؟ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُم))، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ وَحْدَةَ الصَّفِّ مِنْ أَسْمَى أَهْدَافِهِ وأُمنِيَّاتِهِ، وَيَا سَعْدَ مَنْ سَعَى إِلَى لَمِّ الشَّمْـلِ وَوَضَعَهُ فِي هَرَمِ أَوَّلِيَّاتِهِ، حِفَاظاً عَلَى تَرَابُطِ المُجتَمَعَاتِ، وَتَحقِيقاً لِمَصَالِحِ الأَفْرَادِ وَالجَمَاعَاتِ.
   اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الحَمْدُ.
                                            
   أَيُّهَا المُسلِمُونَ :
                                            
   إِنَّ المُسلِمَ عَزِيمَةٌ أَبِيَّةٌ لاَ تَلِينُ، وَكَرَامَةٌ تَمْشِي عَلَى الأَرْضِ لاَ تَهُونُ، فَهُوَ ثَابِتٌ أَمَامَ العَوَاصِفِ العَاتِيَاتِ، رَاسِخٌ بِيَقِينٍ صَادِقٍ فِي وَجْهِ الأَزَمَاتِ، لاَ تُزَعْزِعُهُ الخُطُوبُ، وَلاَ تَفُتُّ فِي عَضُدِهِ الأَزَمَاتُ وَالكُرُوبُ، لأَنَّ عِنْدَهُ لِكُلٍّ مِنَ الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ المُنَاسِبَ مِنَ اللِّبَاسِ، فَلاَ يُبْطِرُهُ الغِنَى وَلاَ يَجْزَعُ عِنْدَ اليَأْسِ، أَبْدَعَ فِي وَصْـفِهِ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حَيْثُ قَالَ: ((عَجَباً لأَمْرِ المُؤمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلمُؤمِنِ: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ))، فَمَا أَحْوَجَنا لِهَذَا المَنْهَجِ الكَرِيمِ وَقَدْ عَصَفَتْ بِالعَالَمِ المَصَاعِبُ، وتَنَوَّعَتْ فِي هَذَا العَصْرِ المَتَاعِبُ، وَهَذِهِ سُنَّةُ الحَيَاةِ، فَهِيَ تَتَقلَّبُ بَيْنَ عُسْرٍ وَيُسْرٍ، وَغِنَىً وَفَقْرٍ، وَضَيقٍ وَسَعَةٍ، قَالَ تَعَالَى: ((وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ))(10)، وَلَيْسَ لِلْعُسْرِ إِلاَّ اليَقِينُ بِالكَرِيمِ الوَهَّابِ، وَتَدْرِيبُ النَّفْسِ عَلَى مُوَاجَهَةِ الصِّعَابِ، والاستِعْدَادُ لَهَا بِصَحِيحِ الأَسْبَابِ، إِنَّ السَّعَادَةَ فِي الرِّضَا وَالقَنَاعَةِ، والإِنْفَاقِ حَسَبَ حُدُودِ القُدْرَةِ وَالاستِطَاعَةِ، قَالَ تَعَالَى: ((لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً))(11)، أَمَّا الحِرْصُ فِي الإِنْفَاقِ عَلَى مُجَارَاةِ الأَغْنِيَاءِ، وَالتَّكَلُّفُ لِلْوُصُولِ إِلَى مُستَوى الأَثْرِياءِ، فَهُوَ حَالٌ نَهَى عَنْهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ تَعَالَى: ((وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى))(12)، عَلَى أَنَّ الإِسْرَافَ لَمْ يَكُنْ يَوْماً صِفَةً مِنْ صِفَاتِ المُتَّقِينَ، وَإِنَّمَا تَرشِيدُ الاستِهْلاَكِ هُوَ سِيمَا عِبَادِ اللهِ الصَّالِحينَ، قَالَ تَعَالَى فِي وَصْـفِهِمْ: ((وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً))(13)، إِنَّ النَّجَاحَ فِي مُعَايَشَةِ الوَاقِعِ بِمَنْهَجٍ يُوَازِنُ بَيْنَ الإِمكَانِيَّاتِ وَالحَاجَاتِ، والقُدُرَاتِ والمُتَطَلَّبَاتِ، مُهِمَّةٌ يَجِبُ أَنْ يَحْرِصَ عَلَيْهَا كُلُّ مُسلِمٍ، وَتَكْلِيفٌ عَلَى عَاتِقِ كُلِّ مَسؤولٍ، فَرَبُّ الأُسْرَةِ النَّاجِحُ هُوَ مَنْ يَستَطِيعُ السَّيْطَرَةَ عَلَى مَسِيْرِها وَفْقاً لِمَا هُوَ مُتَاحٌ، بِصُورَةٍ تَكْفُلُ لَهَا الرُّقِيَّ وَالصَّلاَحَ، وَتُورِثُهَا السَّعَادَةَ وَالنَّجَاحَ.
   فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، واحْرِصُوا فِي أَعْيَادِكُمْ وَسَائِرِ أَيَّامِكُمْ عَلَى مَا فِيهِ صَلاَحُ نُفُوسِكُمْ، وَعِمَارَةُ حَاضِرِكُمْ ومُستَقْبَلِكُمْ، ورُقِيُّ أُسَرِكُمْ ومُجتَمَعَاتِكُم.
   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (14).
   اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وَسَلَّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
   عِبَادَ اللهِ :
(( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
(1) سورة آل عمران/ 102-103.
(2) سورة الأنعام/ 160 .
(3) سورة الأنعام/ 162-163.
(4) سورة النحل/92 .
(5) سورة الرحمن/ 60.
(6) سورة الإسراء/ 23
(7) سورة الحجرات/ 10.
(8) سورة الحجرات/ 13.
(9) سورة آل عمران/ 159.
(10) سورة آل عمران / 140 .
(11) سورة الطلاق / 7 .
(12) سورة طـه/ 131.
(13) سورة الفرقان/ 67.
(14) سورة الأحزاب / 56 .
 
< السابق   التالى >
 

استفتاء

ما رأيك بصفحة خطب الجمعة؟
 
spacer

spacer
© 2024 موقع خطب الجمعة
Joomla! is Free Software released under the GNU/GPL License.