خطبة الاسبوع arrow خطبة الاسبوع arrow نَـحْوَ عَامٍ حَافِلٍ بِالـتـقـدُّمِ وَالعَطَاءِ
spacer

  

spacer
spacer  
spacer spacer

نَـحْوَ عَامٍ حَافِلٍ بِالـتـقـدُّمِ وَالعَطَاءِ طباعة ارسال لصديق
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
20/12/2008

خطبة الجمعة بتاريخ 27 ذي الحجة 1429هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
نَـحْوَ عَامٍ حَافِلٍ بِالـتـقـدُّمِ وَالعَطَاءِ

   الْحَمْدُ للهِ الذِي جَعَلَ فِي انْقِضَاءِ الأَيَّامِ حَافِزًا لأَرْبَابِ الهِمَمِ، وَفِي تَصَرُّمِ الأَعْوَامِ ذِكْرَى نَافِعَةً لِبنَاءِ الأَفْرَادِ وَالأُمَمِ، وََأشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، أَمَرَ عِبَادَهُ بِالمُسَارَعَةِ إِلَى الخَيْرَاتِ، وَحَثَّهُمْ عَلَى الإِكْثَارِ مِنَ الطَّاعَاتِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ سُبُلِ المُنْكَرَاتِ، وَأشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَجْهَدُ النَّاسِ لِنَفْسِهِ فِي صَلاَحِ دُنْيَاهُ وَمَعَادِهِ، وَأَوفَرُهُمْ نَفْعًا وَإِصْلاَحًا لأُمَّتِهِ وَبِلاَدِهِ، وَأَبَرُّهُمْ فِي صِلَتِهِ مَعَ اللهِ وَعِبَادِهِ، -صلى الله عليه وسلم- وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الأَبْرَارِ، وَتَابِعِيهِمْ مِنَ المُؤمنِينَ الأَخْيَارِ، صَلاَةً وَسَلاَمًا دَائمَيْنِ مَا تَعَاقَبَ اللَّيلُ وَالنَّهَارُ.

    أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَاتَّقُوا اللهَ - رَحِمَكُمُ اللهُ-، وَاعلَمُوا أَنَّ حَيَاةَ الإِنْسَانِ مَرَاحِلُ، وَالنَّاسُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مَا بَيْنَ مُستَعِدٍّ لِلْرَّحِيلِ وَرَاحِلٍ، وَالكَيِّسُ الحَازِمُ مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ صَالِحًا، ((مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ))(1)، وَمَا أَحْسَنَ التَّذْكِيرَ وَأَجْدَرَ المُحَاسَبَةَ حِيْنَ تَحُلُّ المُنَاسَبَةُ، وَهَا أَنْتُمْ تُوَدِّعُونَ عَامًا وَتَستَقبِلُونَ آخَرَ، تُوَدِّعُونَ عَامًا قَدِ انْصَرَمَتْ أَيَّامُهُ وَانْقَضَتْ لَيَالِيهِ، فَهُوَ شَاهِدٌ - وَلاَ شَكَّ- لَكُمْ أَو عَلَيْكُمْ، فَهَلْ مِنْ وِقْفَةٍ صَادِقَةٍ نُحَاسِبُ فيها أَنْفُسَنَا قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبَ؟ فَمَنْ كَانَ مُسِيئًا فِيمَا مَضَى فَعَلَيْهِ الإِنَابَةُ وَالإِحْسَانُ فِيمَا بَقِيَ، فَبَابُ التَّوبَةِ مَفْتُوحٌ، وَرَبُّنَا غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَعَامُكُمُ المُنْصَرِمُ جَرَتْ فِيهِ أَحْدَاثٌ وَتَجَلَّتْ فِيهِ آيَاتٌ، إِنَّهَا آيَاتُ اللهِ وَأَيَّامُهُ، تَظْهَرُ فِيهَا عَظَمَةُ ذِي الجَلاَلِ وَتَمَامُ مُلْكِهِ وَأَمْرِهِ وَتَدْبِيرِهِ، وَإِنَّ هَذِهِ الحَوَادِثَ لََتُوقِظُ قُلُوبًا غَافِلَةً، لِتُرَاجِعَ تَوحِيدَهَا وَإِخْلاَصَها لِرَبِّهَا، فَلاَ تُشْرِكَ مَعَ اللهِ فِي قُوَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ أَحَدًا، وَالوُقُوفُ مَعَ مَحَطَّاتِ الزَّمَانِ مِنْ صِفَاتِ المُؤمِنِينَ، وَالاعتِبَارُ بِالأَحْدَاثِ سِيمَا المُتَّقِينَ، قَالَ سُبْحَانَهُ: ((إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ))(2)، فَتَفَكَّرُوا فِي هَذِهِ اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ، فَإِنَّها مَرِاحلُ تَقْطَعُونَهَا إِلَى الدَّارِ الآخِرَةِ، فَطُوبَى لِعَبْدٍ اغتَنَمَهَا بِمَا يُقَرِّبُهُ إِلَى مَولاَهُ، وَشَغَلَهَا بِالطَّاعَاتِ وَتَجَنَّبَ فِعْـلَ السَّيِّئَاتِ، وَطُوبَى لِعَبْدٍ اتَّعَظَ بِمَا فِيَها مِنْ تَقَلُّبَاتِ الأُمُورِ وَالأَحْوَالِ، قَالَ تَعَالَى: ((يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ))(3)، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَعَظَ رَجُلاً فَقَالَ: ((اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْـلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْـلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْـلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْـلَ مَوتِكَ))، فَيَا أَيُّها الشَّبَابُ: إِنَّ الشَّبَابَ قُوَّةٌ وَعَزِيمَةٌ، فَإِذَا هَرِمَ الإِنْسَانُ وَشَابَ ضَعُفَتِ القُوَّةُ وَفَتَرَتِ العَزِيمَةُ، فَاللهَ اللهَ فِي شَبَابِكُمْ.
   أَيُّهَا المُسلِمُونَ :
   إِنَّ ارتِبَاطَ المُرَاجَعَةِ وَالمُحَاسَبَةِ بِالتَّغْيِيرِ نَحْوَ الأَفْضَلِ وَالأَكْمَلِ وَثِيقُ العُرَى وَطِيدُ الصِّلاَتِ، إِذِ المُرَاجَعَةُ وَالمُحَاسَبَةُ تُظْهِرَانِ المَرْءَ عَلَى مَوَاطِنِ النَّقْصِ وَمَواضِعِ الخَلَلِ وَمَكَامِنِ العِلَلِ، فَإِذَا صَحَّ مِنَ الإِنْسَانِ العَزْمُ وَصَلَحَتْ عِنْدَهُ النِّيَّةُ، كَانَ حَقِيقًا بِعَوْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ سُبْحَانَهُ: ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ))(4)، وَالعِنَايَةُ بِهَذِهِ المُرَاجَعَةِ وَالحِرْصُ عَلَى هَذِهِ المُحَاسَبَةِ دَأْبُ أُولِي النُّهَى وَنَهْجُ الرَّاشِدِينَ، لاَ يَشْغَلُهُمْ عَنْهَا لَهْوُ الحَيَاةِ وَلَغْوُهَا وَزُخْرُفُهَا وَزِينَتُهَا، فَإِذَا هُمْ يَقْطَعُونَ أَشْوَاطَ الحَيَاةِ بِحَظٍّ مَوفُورٍ مِنَ التَّوفِيقِ فِي بُلُوغِ الآمَالِ وَالظَّفَرِ بِالمَقَاصِدِ وَالسَّلاَمَةِ مِنَ العِثَارِ، فَكُنْ بِقَلْبِكَ - يَا رَعَاكَ اللهُ- مَعَ القَوْمِ الذِينَ قَالَ اللهُ فِيهِمْ: (( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ))(5)، وَاحْذَرِ الإعْرَاضَ عَنْ ذِكْرِ اللهِ؛ فَإِنَّ الإِعْرَاضَ عَنْ ذِكْرِهِ عَزَّ وَجَلَّ نَكَدٌ فِي الدُّنْيَا وَعَذَابٌ فِي الآخِرَةِ، ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى))(6)، فَطُوبَى لِمَنْ أَصلَحَ حَالَهُ مَعَ اللهِ، وَسَارَعَ إِلَى عَفْوِهِ وَرِضَاهُ، فَخَطَّطَ فِي المُقْبِلِ مِنْ عَامِهِ لِمَزِيدٍ مِنَ الطَّاعَاتِ، وَاستَعَدَّ لِكَسْبِ الحَسَنَاتِ، وَمَا أَكْثَرَ سُبُلَ صَالِحِ الأَعْمَالِ، لِمَنْ جَدَّ فِي طَلَبِ رِضْوَانِ ذِي الجَلاَلِ، وَإِذَا كَانَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ شَرَعَ لَنَا فِي نِهَايَةِ العَامِ المُنْصَرِمِ صِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ فِي حَقِّ غَيْرِ الحَاجِّ فَإِنَّ فُرَصَ افتِتَاحِ العَامِ الجَدِيدِ أَيْضًا قَائمَةٌ مُتَاحَةٌ لِمَنْ هُدِيَ وَوُفِّقَ وَأُعِينَ، وَإِنَّ مَنْ أَظْهَرِ ذَلِكَ صَيَامَ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ، فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الذِي تَدْعُونَهُ المُحَرَّمَ، وَأَفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الفَرِيضَةِ صَلاَةُ اللَّيلِ))، وَكَفَى بِهِ أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَى يَوْمِ عَاشُوراءَ الذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : ((أَحْـتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التِي قَبْلَهُ))، فَخُذُوا - يَا عِبَادَ اللهِ- بِحَظِّكُمْ مِنَ هَذَا الخَيْرِ، واعَمَلُوا عَلَى مُدَاومَةِ الطَّاعَاتِ تَكُونُوا مِنَ الفائِزِينَ.
   أَيُّهَا المُسلِمُونَ :
   إِنَّ المَرْءَ لَنْ يَقْوَى عَلَى الارتِقَاءِ بِحَالِهِ، وَالإِتْيَانِ بِمَا يَضْمَنُ لَهُ الفَوزَ فِي مَآلِهِ، كَمَا لَنْ يَستَطِيعَ القِيَامَ بِدَوْرِهِ الوَظِيفِيِّ، وَأَدَاءَ وَاجِبِهِ العَمَلِيِّ، إِلاَّ بِنُورٍ مِنَ المَعْرِفَةِ وَالعِلْمِ، وَحَظٍّ وَافِرٍ مِنَ الإِدْرَاكِ وَالفَهْمِ، وَلَمَّا كَانَ الأَمْرُ كَذَلِكَ أَمَرَ اللهُ صَفْوَتَهُ مِنْ رُسُلِهِ وَأَنْبْيَائِهِ، وَخِيرَةَ عِبَادِهِ وَأَولِيَائِهِ، أَنْ يَعْمِدُوا إِلَى طَلَبِ العُلُومِ وَالمَعَارِفِ بِقُوَّةٍ وَنَشَاطٍ لاَ يَعتَرِيهِ كَسَلٌ، وَعَزِيمَةٍ وَقَّادَةٍ لاَ يَخْتَرِمُهَا مَلَلٌ، كَمَا رَغَّبَ -صلى الله عليه وسلم- أُمَّتَهُ فِي الجِدِّ والاجتِهَادِ مِنْ أَجْـلِ تَحْصِيلِ المَعْرِفَةِ النَّافِعَةِ، أَلاَ فَاجْعَلُوا مِنْ عَامِكُمُ الجَدِيدِ رُقِيًّا وَتَنْمِيَةً بِتَحْصِيلِ العِلْمِ النَّافِعِ المُفِيدِ.
   فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واجتَهِدُوا فِي الجِدِّ وَالاجتِهَادِ فِي سَائِرِ أُمُورِكُم، وَاحرِصُوا أَنْ يَكُونَ يَوْمُكُمْ خَيْرًا مِنْ أَمْسِكُمْ، وَغَدُكُمْ خَيْرًا مِنْ يَوْمِكُمْ، فَإِنَّ هَذَا أَمَلُ الصَّالِحِينَ، وَرَجَاءُ المُتَّقِينَ، وَدُعَاءُ المُؤمِنِينَ.
    أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ  إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
                                                                                                  *** *** ***
   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   إِنَّ العُمُرَ أَعْوَامٌ وَسَنَواتٌ، وَالمُؤمِنُونَ المُوَفَّقُونَ يَأْخُذُونَ أُهْبَتَهُمْ مِنَ الخَيْرِ وَالتَّقْوَى، فِي سَعْيٍ حَثِيثٍ لِلْفَوزِ بِالأُخْرَى، فَهُمْ لاَ يَزْدَادُونَ بِالأَعْوَامِ إِلاَّ خَيْرًا وَبِرًّا، وَلاَ تَمُرُّ بِهِمُ السِّنُونَ إِلاَّ وَهُمْ فِي مُسَارَعَةٍ لِلْخَيْرَاتِ وَاغتِنَامٍ لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ، فَرَبُّنَا جَلَّ وَعَلاَ يُذَكِّرُنَا بِوَصِيَّةٍ، أَلاَ وَهِيَ قَولُهُ: ((وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ))(7)، وَرَسُولُنَا -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: ((اللَّهُمَّ اجعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ))، وَيَقُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((خَيْرُكُمْ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ))، وَالنَّاسُ وَهُمْ يُوَاجِهُونَ المُتَغِيِّرَاتِ وَالتَّحَدِّيَاتِ، وَتَعْصِفُ بِهِمُ الكُرُبَاتُ وَالأَزَمَاتُ، فِي أَشَدِّ حَاجَةٍ وَأَمَسِّ ضَرورَةٍ إِلَى التَّحَلِّي بِالإِيمَانِ بِاللهِ وَالتَّوكُّلِ عَلَيْهِ وَالالتِجَاءِ إِلَى جَنَابِهِ، هُوَ الضَّمَانُ الأَوْحَدُ لاستِقَامَةِ الأَفْرَادِ وَاستِقْرَارِ المُجتَمَعَاتِ، أَلاَ وَإِنَّ مِنْ أُسُسِ الإِسلاَمِ القِيَامَ بِوَاجِبِ المَسؤولِيَّاتِ، وَالحِرْصَ عَلَى الرُّقِيِّ بِمُستَوى الإِنْتَاجِ وَالخِدْمَاتِ، وَفْقَ خُطَطٍ مَدْرُوسَةٍ، وَمِنْ أَعْظَمِ هَذِهِ المَسؤولِيَّاتِ مَسؤولِيَّةُ المُرَبِّينَ وَأَولِيَاءِ الأُمُورِ تِجَاهَ الأَولاَدِ بِالحِرْصِ عَلَى وِقَايَتِهِمْ مِنَ الآفَاتِ وَالشُّرورِ، وَلَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إِلاَّ بِبِنَاءِ أَفْكَارِهِمْ، وَصَقْلِ مَوَاهِبِهِمْ، وَتَهْذِيبِ رِيَاضَاتِهِمْ، إِنَّ دَوْرَ الأَبِ فِي الأُسْرَةِ دَورُ المُرَبِّي الرَّاعِي الأَمِينِ، وَالمُوَجِّهِ لِمَا فِيهِ صَلاَحُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إِذَا شَبَّ أَحَدُ أَبْنَائِهِ وَجَّهَهُ لِلْكَسْبِ الحَلاَلِ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ بَعِيدًا عَنْ سُبُلِ الضَّلاَلِ، وَوَقَاهُ أَسْبَابَ الضَّعْفِ وَالانْحِلاَلِ، وَالحَدِيثُ عَنْ وَاجِبِ رَبِّ الأُسْرَةِ تِجَاهَ أُسْرَتِهِ، يَجُرُّنَا إِلَى الحَدِيثِ عَنْ وَاجِبِ كُلِّ مَسؤولٍ تِجَاهَ مُؤَسَّسَتِهِ، فَإِنَّهُ مَسؤُولٌ عَنْ تَنْمِيَتِهَا، وَرَفْعِ مُستَوَى خِدْمَاتِهَا، وَالرُّقِيِّ بِطَاقَاتِ العَامِلِينَ فِيهَا، إِنَّ المَسؤُولَ النَّاجِحَ هُوَ الذِي يَقِفُ فِي مُؤَسَّستِهِ أَو دَائِرَتِهِ فِي مِثْلِ هَذَهِ المُنَاسَبَةِ وِقْفَةَ مُرَاجَعَةٍ وَمُحَاسَبَةٍ، يَستَذْكِرُ فِيهَا أَخْطَاءَ المَاضِي لِيَتَزَوَّدَ مِنْهَا بِالصَّوَابِ الذِي كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ، وَيستَعِدُّ لِتَطْويِرِ مُؤسَّسَتِهِ وَالعَامِلينَ فِيهَا بِخُطَّةٍ مَدْروسَةٍ وَعَزِيمَةٍ لاَ تَلِينُ، فَبِذَلِكَ يَكُونُ لَهُ مَقَامٌ فِي سِجِلِّ النَّاجِحِينَ، وَمَكَانٌ بَارِزٌ مَعَ المُتَمَيِّزِينَ، يَدْفَعُهُ إِلَى ذَلِكَ عِظَمُ الإِحْسَاسِ بِالمَسؤولِيَّةِ، وَشُمُوخُ الشُّعُورِ بِالوَاجِبِ، وَتَواضُعُ الإِذْعَانِ لِلْحَقِّ.
   فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، والْتَفِتُوا لِقِيْمَةِ الزَّمَنِ؛ فَلاَ تُضَيِّعُوهُ فِي غَيْرِ قُرْبَةٍ، وَأَدُّوا مَا أَوجَبَهُ اللهُ عَلَيكُمْ تِجَاهَ أَنْفُسِكُمْ وَأُسَرِكُمْ وَمُجتَمَعَاتِكُمْ، واعمُروا حَيَاتَكُمْ بِمَا يُصْلِحُ دِينَكُمْ وَدُنْيَاكُمْ.
   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (8).
   اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
                                            
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
                                            
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
   عِبَادَ اللهِ :
(( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
(1) سورة فصلت/ 46.
(2) سورة آل عمران/ 190.
(3) سورة النور/ 44 .
(4) سورة العنكبوت/ 69.
(5) سورة الواقعة/ 10-11.
(6) سورة طـه/ 124-126.
(7) سورة آل عمران/ 133 .
(8) سورة الأحزاب / 56 .

 
< السابق   التالى >
 

استفتاء

ما رأيك بصفحة خطب الجمعة؟
 
spacer

spacer
© 2024 موقع خطب الجمعة
Joomla! is Free Software released under the GNU/GPL License.