خطبة الاسبوع
spacer

  

spacer
spacer  
spacer spacer

للهِمَّةِ تجديدٌ في العَامِ الجدِيدِ طباعة ارسال لصديق
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
06/01/2009

خطبة الجمعة بتاريخ 12 محرم 1430هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
للهِمَّةِ تجديدٌ في العَامِ الجدِيدِ

    الْحَمْدُ للهِ يُدَاوِلُ الأَيَّامَ، وَيُصَرِّفُ الأَعْوَامَ، جَعَلَ فِي اختِلاَفِ اللَّيْـلِ وَالنَّهَارِ عِبَرًا، وَفِي تَعَاقُبِ الشُّهُورِ عِظَةً وَمُدَّكَرًا، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهلٌ مِنَ الحَمْدِ وَأُثْنِي عَلَيْهِ، إِيَّاهُ نَستَعِينُ وَبِهِ نُؤمِنُ، وَعَلَيْهِ نَتَوكَّلُ وَبُقُدْرَتِهِ نُوقِنُ، مَنْ يَهْدِهِ المَولَى فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَعَدَ المُؤمِنِينَ بِالحُسْـنَى وَالمَزِيدِ، يُعْطِي بِقَدرِ الهِمَّةِ وَيَزِيدُ، وَيَرفَعُ أُولِي العَزِيمَةِ وَالهِمَمِ، وَيبلُغُ بِالمُجتَهَدِينَ عَالِيَ القِمَمِ، وَنَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، شَمَّرَ عَنْ سَاعِدِ الجِدِّ، وَبَذَلَ الجُهْدَ حتَّى رَقِيَ المَجْدَ، -صلى الله عليه وسلم-  وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى دَرْبِهِمْ، إِلَى يَوْمِ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدقُهُمْ.

    أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّها المُؤمِنُونَ :
   لَقَدْ جَعَلَ اللهُ فِي انْقِضَاءِ اللَّيَالِي وَمُرورِ السَّاعَاتِ، دُرُوسًا يَأْخُذُهَا المُؤمِنُ مِمَّا فَاتَ، لِيَستَفِيدَ مِنْهَا فِيمَا هُوَ آتٍ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ))(1)، وَيَقُولُ: ((يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ))(2)، فَإِذَا كَانَ فِي اختِلاَفِ اللَّيْـلِ وَالنَّهَارِ عِبَرٌ وَعِظَاتٌ،  فَكَيْفَ بِمُرورِ الشُّهُورِ وَالسَّنَوَاتِ؟ بِالأَمْسِ كُنَّا نَرقُبُ دُخُولَ العَامِ الجَدِيدِ، مُؤَمِّـلِينَ فِيهَ الآمَالَ، عَازِمِينَ عَلَى الجِدِّ فِي الأَفْعَالِ، مُتَعَاهِدِينَ عَلَى الصِّدقِ فِي النِّيَّاتِ وَالأَقْوَالِ، فَأَقْبَلَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ، فَهَنِيئًا لَكُمْ مَا عَزَمتُمْ عَلَيْهِ مِنْ صُنُوفِ القُرُبَاتِ، وَمَا سَجّـلْتُمْ فِي صَحَائِفِكُمْ مِنَ الحَسَنَاتِ، وَلْتَهنأْ لَكُمْ كُلُّ سَاعَةٍ مَرَّتْ فِي خَيْرٍ، وَزَيَّنْتُمُوهَا بِجَمِيلِ الإِحْسَانِ وَالبِرِّ، وَحَسْبُكُمْ مَا أَمَرَ المَولَى بِهِ سَيِّدَ المُرسَلِينَ: ((وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ))(3)، وَإِذَا كَانَ العَامُ قَدْ آذَنَ بِالإِقْبَالِ، فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ الهِمَّةُ فِي جَوَانِحِنَا لاَ تَزَالُ، وَقُلُوبُنَا تَهْـفُو دَومًا لِكَرِيمِ الخِصَالِ، لاَ يَزِيدُهَا مَرُّ الأَيَّامِ إِلاَّ عَزْمًا، وَلاَ تَعَاقُبُ السِّنِينَ إِلاَّ حَزْمًا، حتَّى نَبْـلُغَ الهِدَايَةَ، وَتُشْرِقَ مِنْ حَيَاتِنَا البِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ. لَقَدْ ربَّى الإِسلاَمُ الحَنِيفُ أَتْبَاعَهُ عَلَى الهِمَّةِ العَالِيَةِ، وَالنَّظَرِ إِلَى المَرَاتِبِ السَّامِيَةِ، وَالتَّطلُّعِ دَومًا لِمَا وُعِدَ بِهِ المُجِدُّونَ مِنَ الهِبَاتِ وَالمَزَايَا، وَعَدَمِ الالْتِفَاتِ لِلسَّـفَاسِفِ وَالدَّنَايَا، فَإِنَّ المُؤمِنَ فِي الخَيْرَاتِ لاَ يَعْرِفُ القَنَاعَةَ، وَلاَ يَرْضَى لِنَفْسِهِ إِلاَّ المَنْزِلَةَ الرَّفِيعَةَ، يَقُولُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- : ((إِنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّ مَعَالِيَ الأُمُورِ وَأَشْرَافَهَا وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا))، وَلَقَدْ وَجَّهَ القُرآنُ عِنَايَةَ المُؤمِنِينَ إِلَى المُسَارَعَةِ فِي الخَيْرَاتِ، وَالمُبَادَرَةِ إِلَى الطَّاعَاتِ، يَقُولُ اللهُ تَعالَى: ((وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ))(4)، وَيقُولُ عَزَّ مِنْ قَائلٍ: ((سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ))(5)، كَمَا حَثَّهُمْ عَلَى التَّنَافُسِ الشَّرِيفِ فَقَالَ: ((وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ))(6)، فَحَرِيٌّ بِنَا وَنَحْنُ نَستَقْبِلُ عَامًا جَدِيدًا، وَنَأْمُلُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُشْرِقًا مُتَألِّقًا، أَنْ نُحَـقِّقَ هَذِهِ المُسَارَعَةَ، وَنَحْرِصَ عَلَى ذَاكَ التَّنَافُسِ، وَهَذَا لاَ يَكُونُ -كَمَا تَعلَمُونَ- إِنْ كَانَتِ الهِمَمُ فِي خُمُولٍ وَالعَزِائمُ فِي رُكُونٍ، فَإِنَّ مَنَاطَ ذَلِكَ العَزِيمَةُ العَالِيَةُ، وَالهِمَّةُ الرَّفِيعَةُ، فَهُمَا مَدَارُ النَّجَاحِ، وَمِفْتَاحُ الرُّقِيِّ وَالفَلاَحِ.                  
   عِبَادَ اللهِ :                    
   فِي كُلِّ عَامٍ لَنَا طُمُوحَاتٌ وَآمَالٌ، وَنِيَّاتُ خَيْرٍ فِي الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ، قَدْ وُفِّقْنَا - وَللهِ الحَمْـدُ - فِي تَحقِيقِ كَثِيرٍ مِنْهَا، وَرُبَّمَا قَصَرَتِ الهِمَمُ عَنْ بَعْضِهَا، وَمِنْ هُنَا لاَ بُدَّ أَنْ يَقِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا وقْفَةً حَازِمَةً، لاَ تَقْتَصِرُ عَلَى إِلقَاءِ المَعَاذِيرِ أَو اللاَئِمَةِ، فَإِنَّ اللَّوْمَ بِلاَ تَغْيِيرٍ، وَالعِتَابَ بِلاَ تَجْدِيدٍ، مِنْ شَأْنِ ذَوِي النُّفُوسِ القَاصِرَةِ، وَالهِمَمِ الضَّعِيفَةِ الخَائِرَةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ المُؤمِنِ، بَلْ لاَ بُدَّ مِنْ وَضْعِ خُطَّةٍ سَدِيدَةٍ، نَستَهِلُّ بِهَا السَّنَةَ الجَدِيدَةَ، نَبْحَثُ عَنْ جَوَانِبِ الضَّعْفِ وَمَواطِنِ التَّقْصِيرِ، فَإِنَّ كُلَّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَالدُّنْيَا دَارُ امتِحَانٍ وَابتِلاَءٍ، وَالكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَالفَطِنُ مَنْ أَخَذَ لِيَوْمِهِ مِنْ أَمْسِهِ، إِذْ مِنَ الوَارِدِ وُقُوعُ الخَطَأِ وَالزَّلَلِ، وَهَذَا يَتَطلَّبُ النَّظَرَ فِي مَوَاقِعِ الخَلَلِ، فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ البَشَرِ مَعْصُومًا، وَلَكِنَّ هَذَا لاَ يَعْـنِي أَنْ يَكُونَ مِنَ السَّعْي لِلأَفْضَلِ مَحْروُمًا؛ فَلْنَعْـقِدِ العَزْمَ، وَلْنُوقِدِ الهِمَّةَ، وَلْنُشْعِلِ العَزِيمَةَ لِلتَّغْيِيرِ وَالتَّجْدِيدِ، وَلتَكُنِ البِدَايَةُ بِإِصْلاَحِ النَّفُوسِ، وَالنَّظَرِ فِيمَا احتَوَتْ مِنْ مِيزَاتٍ وَعُيوبٍ، لِتَتَخلَّى عَنْ كُلِّ مَا يُكَدِّرُ الصَّـفَاءَ، مِنْ كِبْرٍ أَو عُجْبٍ أَو حَسَدٍ أَو رِيَاءٍ، وَتَتَحلَّى بِالخُلُقِ الحَسَنِ الجَمِيلِ، مِنَ التَّواضُعِ لِلنَّاسِ وَالإِخْلاَصِ لِلْخَالِقِ الجَلِيلِ، وَلْنَعْمُرْ قُلُوبَنَا بِالإِيمَانِ، وَلنَبْنِ سَعَادَتَهَا بِصُنُوفِ البِرِّ وَالإِحْسَانِ، حتَّى تُشْرِقَ نُفُوسُنَا بِالرِّضَا وَالسَّعَادَةِ فَنَنَالَ الفَلاَحَ، وَهَذا مَا أَكَّدَهُ المَولَى سُبْحَانَهُ بَعْدَ أَحَدَ عَشَرَ قَسَمًا فِي سُورَةِ الشَّمْسِ إِذْ قَالَ جَلَّ فِي عُلاَهُ: ((وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا))(7)، ثُمَّ لِنَنْظُرْ فِي جَدْوَلِ الأَعْمَالِ، وَمَا اعتَدْنَا أَنْ نَقْضِيَ بِهِ السَّاعَاتِ وَالأَيَّامَ، فَسَنَجِدُهُ فِي ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٍ مُهِمٍّ يَجِبُ فِيهِ التَّعْجِيلُ، وَمُهِمٍّ يَتَحمَّـلُ التَّأْجِيلَ، وَثَالِثٍ لاَ يُهِمُّ العَاقِلَ النَّبِيلَ، وَلاَ يَعْدُو كَوْنَهُ فُضُولاً يُضَيِّعُ الأَوقَاتَ، وَمَشَاغِلَ تُبَدِّدُ اللَّحَظَاتِ وَالسَّاعَاتِ، وَلَرُبَّمَا أَكَلَتْ أَوقَاتَ الضَّرورِيَّاتِ، فَضَاعَتْ بِذَلِكَ المُهِمَّاتُ، فَعَلَى الفَطِنِ الأَرِيبِ أَنْ يُقَدِّمَ مَا كَانَ مُستَعْجَلاً مِمَّا هُوَ فِي حَاجَةٍ إِلَيْهِ، مِنْ وَاجِبٍ أَمَرَهُ بِهِ مَولاَهُ، أَو مَعُونَةٍ عَاجِلَةٍ لإِنْسَانٍ يَبْـتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ، ثُمَّ كُلَّ خَيْرٍ نُدِبَ إِلَى فِعْـلِهِ، وَرَجَا مِنْهُ فَضْلاً فِي دِيْنٍ أَو دُنْيَا، يَقُولُ المُصطَفَى -صلى الله عليه وسلم- : ((احرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَلاَ تَعْجِزْ))، فَيَبْدأُ بِالأَهَمِّ ثُمَّ المُهِمِّ، وَيَتْرُكُ الاشتِغَالَ بِمَا لاَ يَرْجُو مِنْهُ نَجَاحًا فِي الدُّنْيَا، وَلاَ فَلاَحًا فِي العُقْبَى، مِمَّا لاَ يَعنِيهُ مِنْ فُضُولِ الفِعَالِ، وَيَرفَعُ هِمَّـتَهُ عَنِ الاهتِمَامِ بِالقِيلِ وَالقَالِ، فَإِنَّ تِلْكَ بِضَاعَةُ الفَارِغِينَ وَشَأْنُ الغَافِلِينَ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ))(8)، وَيَقُولُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- : (( مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ))، كَمَا (( نَهَى -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ- عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ المَالِ))، وَمَا نَجَحَ الأَفْرَادُ، وَلاَ تَقَدَّمَتِ الأُمُمُ وَالمُجْتَمَعاتُ، بِمِثْـلِ تَنْظِيمِ الوَقْتِ وَحُسْنِ استِغْلاَلِهِ وَالحِرْصِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تُعْمَرُ الأَوقَاتُ بِالعَمَلِ الخَيِّرِ الصَّالِحِ، ويُستَرشَدُ لِتَنْظِيمِهِ بِالعِلْمِ النَّافِعِ، وَلَقَدْ رَزَقَنا اللهُ فِي العَصْرِ الحَدِيثِ عُلُومًا تُعِينُ عَلَى حُسْنِ اغتِنَامِ الأَوقَاتِ، وتُعنَى بِتَطْوِيرِ الذَّاتِ، وَتَنْمِيَةِ المَواهِبِ وَالقُدُرَاتِ، وَتَفْعِيلِ الجُهُودِ وَالطَّاقَاتِ، وَمِنَ الجَمِيلِ أَنْ يَغْتَنِمَ المُؤمِنُ هَذِهِ العُلُومَ فِي تَطْوِيرِ نَفْسِهِ وَتَجْدِيدِ حَيَاتِهِ، فَقَدْ جَاءَ فِي الأَثَرِ: ((الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤمِنِ، أَنَّى وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا)). إِنَّ عَلَى المُسلِمِ حِينَ يَخْتَطُّ لِنَفْسِهِ خُطَّةً يَقْضِي بِهَا يَوْمَهُ، أَنْ يَحْرِصَ عَلَى شُمُولِيَّـتِهَا لِجَمِيعِ الجَوَانِبِ المُهِمَّةِ، فَلِرُوحِهِ نَصِيْبٌ مِنَ الذِكْرِ وَالعِبَادَةِ، وَلِفِكْرِهِ حَظٌّ مِنَ القِرَاءَةِ وَالمُطَالَعَةِ، وَلنَفْسِهِ شَيءٌ مِنَ الرَّاحَةِ وَالاستِجْمَامِ بَعْدَ التَّزكِيَةِ، وَلِقَلْبِهِ الرُّقِيُّ وَالتَّنْقِيَةُ، وَلِجِسْمِهِ حُقُوقُهُ الصِّحِّيَّةُ، وَلِمَالِهِ خُطَّتُهُ الاقتِصَادِيَّةُ، حتَّى يَسِيرَ بِخُطَّةٍ مُتَكَامِلَةٍ لاَ يَحِيفُ فِيهَا جَانِبٌ عَلَى جَانِبٍ، كَمَا دَعَتْ إِلَى ذَلِكَ السُّـنَّةُ المُطَهَّرَةُ –عَلَى صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ-.                    
   أَيُّهَا المُسلِمُونَ :                    
   لِكُلَّ أَبٍ مِنَّا أُسْرةٌ يَعُولُهَا، تَأْمُلُ خَيْرَهُ وَيَرْجُو بِرَّهَا، يُرَبِّيهَا عَلَى كَرِيمِ الفِعَالِ، وَيَحْرِصُ عَلَى أَنْ يُحَقِّقَ لَهَا الآمَالَ، وَهَذَا الحِرْصُ لاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يُتَرجَمَ إِلَى وَاقِعٍ عَمَلِيٍّ وَسُلُوكٍ تَطْبِيقِيٍّ، بإِدْرَاجِهِ فِي خُطَّةِ التَّجْدِيدِ المُتَكَامِلَةِ، وَشَحْذِ الهِمَّةِ لِلتَّغْيِيرِ نَحْوَ الأَفْضَلِ، وَذَاكَ بِأَنْ يَنْظُرَ إِلَى حَيَاتِهِ الزَّوجِيَّةِ وَأَسَالِيبِهِ التَّربَوِيَّةِ نَظْرَةَ المُتَفَحِّصِ، فَلَرُبَّمَا احتَاجَ الأُسلُوبُ إِلَى تَنْوِيعٍ، أَو تطَلَّبَتِ الوَسِيلَةُ التَّغْيِيرَ وَالتَّجْدِيدَ، فَإِنْ كَانَ مُقَصِّرًا فِي تَعلِيمِ أَهلِهِ مَا يُهِمُّهُمْ مِنْ أُمُورِ دِينِهِمْ، وَمَا يَنْفَعُهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ، اقتَطَعَ لَهُمْ جُزْءًا مِنْ وَقْتِهِ لأَدَاءِ حَقِّهِمْ، وَإِرْشَادِهِمْ وتَثْـقِيفِهِمْ، وَمَنْ كَانَ ذَا طَبِيعَةٍ قَاسِيَةٍ عَمَدَ إِلَى اللِّينِ، وَإِنْ كَانَ لَيِّـنًا فِي ضَعْـفٍ انتَـقَلَ إِلَى الحَزْمِ، وَإِنْ رَآهُمْ يُعَانُونَ التَّقْتِيرَ بَذَلَ لَهُمْ مَا أَوجَبَ اللهُ لَهُمْ مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ غَيَّرَ أَخْلاَقَهُمُ التَّرَفُ فَلْيبْتَغِ بَيْنَ التِّـقْتِيرِ وَالتَّبْذِيرِ سَبِيلاً، وَهَذِهِ الأُمُورُ تُعْرَفُ بِاستِقْراءِ وَاقِعِ الأَهلِ وَالأَولاَدِ وَنَفْسِيَّـتِهِمْ وَأَفْكَارِهِمْ، وَسُلُوكِهِمْ فِي المَنْزِلِ وَالمَدْرَسَةِ وَعَلاَقَتِهِمْ مَعَ مُخْتَلَفِ شَرَائِحِ المُجتَمَعِ، كَما تُبَيِّـنُها الحِوَارَاتُ التِي تَرْبِطُ بَيْنَ أَفْرَادِ الأُسْرَةِ، يُنَاقِشُونَ مِنْ خِلاَلِهَا احتِيَاجَاتِهِمْ وَمَا قَدْ يَعتَرِضُهُمْ مِنْ مُشْكِلاَتٍ، وَمَا يَصْبُونَ إِلَيْهِ مِنْ آمَالٍ وَتَطَلُّعَاتٍ، فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ تَشْغَلَنا الصَّوارِفُ عَنْ حَاجَاتِ أَهلِنَا وَمُشْكِلاَتِهِمْ، فَإِنَّهُمْ أَمَانَةٌ فِي أَعنَاقِنَا، وَلاَ بُدَّ لَنَا مِنْ أَنْ نَسِيرَ بِهِمْ إِلَى الأَفْضَلِ يَومًا بَعْدَ يَوْمٍ، وَعَامًا بَعْدَ عَامٍ، يَقُولُ النَّبِيُّ الكَرِيمُ -صلى الله عليه وسلم- : ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)).
   فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واحرِصُوا عَلَى أَنْ يَكُونَ عَامُكُمْ فُرْصَةً لِلارتِـقَاءِ بِنُفُوسِكُمْ، وَتَعْمِيرِ قُلُوبِكُمْ، وَحُسْنِ استِغْلاَلِ أَوقَاتِكُمْ، وَتَحْسِينِ أَوضَاعِ أَهْـلِكُمْ، تَنَالُوا سَعَادَتَكُمْ وَسَعَادَةَ أُسَرِكُمْ.
   أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
  *** *** ***
   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.                    
   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :                   
   إِنَّ مَطْلَبَ التَّغْيِيرِ وَالتَّجْدِيدِ، لاَ تَحُدُّهُ الحُدُودُ الفَردِيَّةُ، وَلاَ يَقِفُ عِنْدَ الحَاجَةِ الأُسْرِيَّةِ، بَلْ يَتَخَطَّى ذَلِكَ لِيَعُمَّ المُجتَمَعَ بِأَسْرِهِ، فَهُوَ مَسؤولِيَّةُ المُؤسَّساتِ الاجتِمَاعِيَّةِ وَالحُكُومِيَّةِ كَافَّةً، إِنَّ المُجتَمَعَ المُتَكَامِلَ هُوَ ذَاكَ الذِي تَنْتَشِرُ فِيهِ رُوحُ الهِمَّةِ العَالِيَةِ فِي التَّجْدِيدِ عَلَى الأَصْعِدَةِ وَالمُستَوَياتِ كَافَّةً، فَهُوَ وَاجِبٌ يَقَعُ عَلَى عَاتِقِ جَمِيعِ الهَيْئَاتِ، وَالأَجْهِزَةِ وَالمُؤسَّسَاتِ، وَالدَّوائِرِ وَالوِزَارَاتِ، فَالمُجتَمَعُ يَصْبُو دَومًا إِلَى السَّيْرِ نَحْوَ الأَمَامِ، وَالوَطَنُ يَتَطلَّعُ إِلَى مَزِيدٍ مِنَ الرُّقِيِّ وَالتَّقَدُّمِ، وَلاَ يَتِمُّ ذَلِكَ إِلاَّ بِمُوَاصَلَةِ الاهتِمَامِ مِنْ قِبَلِ القَائمِينَ عَلَى كُلِّ المُؤسَّسَاتِ الإِدَارِيَّةِ، كُلٌّ بِحَسَبِ مَوقِعِهِ وَوَظِيفَتِهِ، وَالنَّظَرِ فِيمَا تَحَقَّقَ فِي الأَعْوَامِ المَاضِيَةِ وَمَا نَأْمُلُ تَحقِيقَهُ فِي عَامِنَا الجَدِيدِ وَمَا يَلِيهِ مِنْ أَعْوَامٍ - بِإِذْنِ اللهِ -، ثُمَّ التَّفْعِيلِ الأَمْثَلِ لِلآلِيَّاتِ المُتَاحَةِ، وَبَذْلِ المَسؤولِ وَقْتَهُ وَجُهْدَهُ فِي التَّخْطِيطِ المُستَمِرِّ لِلرُّقِيِّ بِالوَطَنِ، وَتَسْخِيرِ الطَّاقَاتِ وَالجُهُودِ، وَبَذْلِ القُدْرَةِ وَالمَجْهُودِ، وَالحِرْصِ عَلَى كُلِّ مَا يُحَقِّقُ المَصلَحَةَ العَامَّةَ، وَالمَنْفَعَةَ لِلبِلاَدِ وَالعِبَادِ، فَإِذَا حَرَصَ الجَمِيعُ عَلَى تَفْعِيلِ مَا يُخَطِّطُونَ، وَتَحقِيقِ الأَهْدَافِ النَّبِيلَةِ التِي يَرسُمُونَ وَيَنْشُدُونَ، تَعَاقَبَتْ مِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى البِنَاءِ الأَجْيَالُ، وَتَحَقَّقَ لِلْوَطَنِ مَا يَتَطلَّعُ إِلَيْهِ مِنْ آمَالٍ.
   فَاتَّقُوا رَبَّكُمْ -عِبادَ اللهِ-، وَاحرِصُوا عَلَى أَنْ يَعْرِفَ كُلٌّ مَوقِعَهُ، فَيَبْذُلَ المَجْهُودَ، وتتضافر الجُهُودُ، مِنْ أَجْـلْ تَكَامُلِ عَمَليَّةِ التَّغْيِيرِ وَالتَّجْديدِ.
   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (9).
   اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ. رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
              عِبَادَ اللهِ :
   (( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
(1) سورة آل عمران/ 190.
(2) سورة النور/ 44.
(3) سورة الحجر/ 99.
(4) سورة آل عمران/ 133.
(5) سورة الحديد/ 21.
(6) سورة المطففين/ 26.
(7) سورة الشمس/ 7-10.
(8) سورة البقرة/ 148.
(9) سورة الأحزاب / 56 .

 
< السابق   التالى >
 

استفتاء

ما رأيك بصفحة خطب الجمعة؟
 
spacer

spacer
© 2024 موقع خطب الجمعة
Joomla! is Free Software released under the GNU/GPL License.