خطبة الاسبوع
spacer

  

spacer
spacer  
spacer spacer

ابتَغُوا إِلى اللهِ الوَسِيلَةَ طباعة ارسال لصديق
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
17/01/2009

خطبة الجمعة بتاريخ 26 محرم 1430هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ابتَغُوا إِلى اللهِ الوَسِيلَةَ

     الحَمْدُ للهِ صَاحِبِ العَظَمَةِ وَالجَلاَلِ، حَثَّنَا عَلَى التَّوَسُّلِ إِلَيْهِ بِصَالِحِ الأَعْمَالِ، وَوَعَدَنا عَلَى ذَلِكَ تَيْسِيرَ الأُمُورِ وَتَحقِيقَ الآمَالِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهلٌ مِنَ الحَمْدِ وَأُثْنِي عَلَيْهِ، وَأُومِنُ بِهِ وَأَتَوكَّلُ عَلَيْهِ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ  وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، مَنِ ابتَغَى إِلَيْهِ الوَسِيلَةَ، حَلاَّهُ بِكُلِّ فَضِيلَةٍ، وَشَرَحَ لَهُ صَدْرَهُ وَأَنَارَ سَبِيلَهُ، وَيَسَّرَ عَلَيْهِ مَا تَعَسَّرَ، وَتَجَاوَزَ لَهُ عَمَّا أَسَاءَ فِيْهِ وَقَصَّرَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، خَيْرُ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ، وَاتَّقَاهُ وَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ، فَوَحَّدَهُ وَعَبَدَهُ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجَّدَهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّم وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأصَحْابِهِ أجمعين، والتَّابِعِينَ لَهُمْ بإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   التَّوَسُّلُ إِلَى اللهِ يَعْنِي التَّقرُّبَ إِلَيْهِ بِفِعْـلِ مَحَابِّهِ وَتَرْكِ مَسَاخِطِهِ، فَكُلُّ قُرْبَةٍ هِيَ وَسِيلَةٌ تُقَرِّبُ المُؤمِنَ مِنْ حُبِّ اللهِ وَرِضْوَانِهِ، وَرَحْمَتِهِ وَغُفْرَانِهِ، وَلِهَذَا أَمَرَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهَا وَحَثَّ عَلَى طَلَبِهَا، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ))(1)، أََيِ اطلُبُوا مَا تَتَوَصَّـلُونَ بِهِ إِلَى تَحْصِيلِ المَقْصُودِ مِنْ رِضَا اللهِ الوَاحِدِ المَعْبُودِ، وَذَلِكَ بِفعْـلِ كُلِّ مَا يَجْـلِبُ حُبَّهُ وَثَوابَهُ، وَيَدْفَعُ غَضَبَهُ وَعِقَابَهُ، وَيَكْفِي الوَسِيلَةَ شَرَفًا وَسُمُوًّا، وَرِفْعَةً وَعُلُوًّا، أَنَّها اسمٌ لأَعلَى مَكَانٍ فِي الجَنَّةِ، حَرَصَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى أَنْ يَنَالَهَا وَيتَبَوَّأَ مَكَانَهَا، وَهُوَ لِذَلِكَ أَهْـلٌ وَبِهَا جَدِيرٌ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : (( إِذَا سَمِعْـتُمُ المُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الوَسِيلَةَ؛ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ مِنَ الجَنَّةِ لاَ تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ اللهَ لِيَ الوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ))، وَالتَّوَسُّلُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يَجِبُ أَنْ يَأَخُذَ طَرِيقَهُ المَشْروعَ، بَعِيدًا عَنْ كُلِّ تَوَسُّلٍ مَحْظُورٍ وَمَمْنُوعٍ، فَالتَّوسُّلُ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ يَكُونُ بِعِدَّةِ أُمُورٍ، مَنْ توَسَّلَ بِهَا إِلَى اللهِ سَلَكَ طَرِيقَ الهُدَى وَالنُّورِ، وَحَظِيَ مِنْ فَضْلِ رَبِّهِ بِأَعظَمِ الأُجُورِ، وَمِنْهَا التَّوَسُّلُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، الذِي هُوَ دَأْبُ عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، وَدَيْدَنُ الأَبْرَارِ المُتَّقِينَ، فَهَؤُلاءِ الأَبْرَارُ الأَتقِياءُ يَجْأَرُونَ إِلَى اللهِ بِهَذَا الدُّعَاءِ: ((رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ))(2)، لَقَدْ هَضَمَ هَؤُلاءِ أَنْفُسَهُمْ وَتَواضَعُوا لِرَبِّهِمْ؛ فَلَمْ يَصِفُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَنَّهُمْ أَبْرارٌ، بَلْ تَوَسَّلُوا إِلَى اللهِ بِإِيمَانِهِمْ أَنْ يَتَوفَّاهُمْ مَعَ الأَبْرَارِ.
   أَيُّهَا المُسلِمُونَ :
   إِنَّ التَّوَسُّلَ إِلَى اللهِ بِالإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ لاَ تَقْتَصِرُ آثَارُهُ وَثِمَارُهُ عَلَى الآخِرَةِ، بَلْ يَجِدُ المُؤمِنُ ثِمَارَ ذَلِكَ فِي دُنْيَاهُ قَبْـلَ أُخْرَاهُ، فَالمُؤمِنُ إِذَا وَقَعَ فِي شِدَّةٍ أَو حَدَثَ لَهُ عَنَاءٌ وَضَيقٌ؛ عَرَفَ كَيْفَ يَتَغلَّبُ عَلَى هَذَا العَنَاءِ وَيَخْرُجُ مِنْ هَذَا المَضِيقِ، فَعَمَلُهُ الصَّالِحُ الذِي عَمَرَ بِهِ أَوقَاتَهُ، وَأَنَارَ بِهِ حَيَاتَهُ، مَا زَالَ يَصُونُهُ وَيَحْمِيْهِ، وَسَيُخْرِجُهُ - بإِذْنِ اللهِ- مِنَ الضَّيقِ الذِي هُوَ فِيهِ، لِذَا فَهُوَ يَستَجلِبُ الرَّحْمَةَ الإِلَهِيَّةَ وَالعِنَايَةَ الرَّبانِيَّةَ بِالتَّوَسُّلِ إِلَى اللهِ بِالعَمَلِ الصَّالِحِ؛ فيُحفَظُ مِنْ كُلِّ عَطَبٍ، ويُحْمَى مِنْ كُلِّ مَضَرَّةٍ، وَيَخْرُجُ مِنَ الشِّدَّةِ التِي حَلَّتْ بِهِ كَالذَّهَبِ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ وَهُوَ نَاصِعٌ شَدِيدُ البَرِيقِ، وَلَقَدْ سَاقَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قِصَّةَ النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ الذِينَ أَوَوْا إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ بَابَ الغَارِ؛ فَمَا كَانَ مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ وَاجَهُوا الخَطَرَ المُحْدِقَ بِهِمْ بِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى كَلِمَةٍ سَواءٍ، وَهُوَ التَّوسُّلُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِصَالِحِ أَعْمَالِهِمْ، فَتَوَجَّهُوا إِلَى اللهِ مُتَوَسِّلِينَ فَنَجَّاهُمُ اللهُ، لَقَدِ استَنْزَلوا الفَرَجَ بِزَادٍ مُبَارَكٍ مِنْ أَعْمَالِ الخَيْرِ؛ فَخَرَجُوا فِي النِّهَايَةِ سَالِمِينَ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَلَمْ يَلْحَقْهُمْ ضَيْرٌ، فَلاَ شَيءَ يُنْجِي وَيُزِيلُ الأَزَمَاتِ كَفِعْـلِ الخَيْرِ وَعَمَلِ الصَّالِحَاتِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ))(3)، وَالعَمَلُ الصَّالِحُ لاَ يَقْتَصِرُ نَفْعُهُ عَلَى فَاعِلِهِ فَحَسْبُ، بَلْ يَتَعَدَّاهُ إِلَى غَيْرِهِ مِنْ أَولاَدٍ كِبَارٍ أَو صِغَارٍ، سَارُوا عَلَى المَسِيرِ نَفْسِهِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا))(4)، وَيقُولُ اللهُ جَلَّ شَأْنُهُ: ((وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا))(5)، وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: ((وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ))(6).
   أَيُّها المُؤمِنونَ :
   إِنَّ مِنَ التَّوسُّلِ النَّافِعِ المُفِيدِ التَّوسُّلَ بِأَسمَاءِ اللهِ وَصِفَاتِهِ سُبْحَانَهُ الغَنِيِّ الحَمِيدِ، فَمَنْ دَعَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا مُصطَحِبًا مَعَهُ الثِّقَةَ وَالإِخْلاَصَ؛ أَجَابَ اللهُ دُعَاءَهُ وَحَقَّقَ رَجَاءَهُ، فَقَدْ سَمِعَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلاً يَقُولُ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللهُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، الأَحَدُ الصَّمَدُ، الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، فَقَالَ: لَقَدْ سَأَلْتَ بِاسمِ اللهِ الأَعْظَمِ، الذِي إِذَا سُئلَ بِهِ أَعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ))، وَعَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ قَالَ: ((سَمِعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلاً وَهُوَ يَقُولُ: يَا ذَا الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ، فَقَالَ: قَدْ استُجِيبَ لَكَ فَسَلْ))، وَالتَّوَسُّلُ إِلَى اللهِ بِأَسْمَائِهِ الحُسْنَى وَصِفَاتِهِ العُلْيَا يُذْهِبُ الحَزَنَ وَالهَمَّ، وَيُزِيلُ الضَّيقَ وَالغَمَّ، وَيَجْـلِبُ الفَرَحَ وَالسَّعَادَةَ، وَيُحَقِّقُ لِلْمُؤمِنَ هَدَفَهُ وَمُرَادَهُ، حَسَبَ مَا شَاءَهُ اللهُ وَأَرَادَهُ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ مِنْ هَمٍّ وَلاَ حَزَنٍ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ابنُ عَبْدِكَ ابنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسأَلُكَ بِكُلِّ اسمٍ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَو أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَو عَلَّمْـتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَو استَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجَعَلَ القُرآنَ العَظِيمَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلاَءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي؛ إِلاَّ أَذْهَبَ اللهُ حُزْنَهُ وَهَمَّهُ، وَأَبْدَلَ مَكَانَهُ فَرَحًا))، وَعِنْدَمَا استَقَرَّ يُونُسُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فِي بَطْنِ الحُوتِ لَجَأَ إِلَى اللهِ وَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ بِالتَّوحِيدِ وَالتَّسبِيحِ، وَحَدَّدَ اللهُ لِلْحُوتِ وِجْهتَهُ، لِيُلقِيَ عَلَى شَاطِئِ البَحْرِ وَدِيعَتَهُ، فَألقَاهُ بَعْدَمَا تَابَ وَأَنَابَ، دُونَ أَنْ يَمَسَّهُ بِسِنٍّ أَو نَابٍ، وَلَمَّا شَعَرَ بِالسُّـقْمِ وَالإِعيَاءِ أَنْبَتَ اللهُ عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ، تُظِلُّهُ وَتَحْمِيهِ، وَتَطْرُدُ عَنْهُ كُلَّ هَامَّةٍ أَو حَشَرَةٍ تُؤذِيهِ، وَاستَرَدَّ يُونُسُ نَشَاطَهُ وَعَافِيَتَهُ، وَيَمَّمَ وَجْهَهُ شَطْرَ قَومِهِ وَكَانَ قَدْ تَرَكَهُمْ كَافِرِينَ؛ فَوَجَدَهُمْ جَمِيعًا مُؤمنِينَ، كُلُّ ذَلِكَ تَحَقَّقَ بِفَضْـلِ تَوسُّلِ يُونُسَ –عَلَيْهِ السَّلاَمُ- إِلَى اللهِ بِالتَّوحِيدِ، وَالثَّنَاءِ وَالتَّمْجِيدِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ))(7)، فَهَلاَّ تَوَسَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- بِدَعْوَةِ يُونُسَ –عَلَيْهِ السَّلاَمُ-؛ لِيَجِدَ مِنْ كُلِّ ضَيقٍ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ مَخْرَجًا، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((دُعَاءُ ذِي النُّونِ فِي بَطْنِ الحُوتِ ((لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)) لَمْ يَدْعُ بِهِ مُسلِمٌ فِي شَيءٍ قَطُّ إِلاَّ استُجِيبَ لَهُ)).
   أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
  *** *** ***
   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.                                   
   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :                                      
   إِنَّ سُؤالَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ الهِدَايَةَ إِلَى الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ -وَهُوَ الإِسلاَمُ- مِنْ أَجَلِّ المَطَالبِ وَأَشْرَفِ الرَّغَائبِ، وَقَدْ عَلَّمَ اللهُ عِبَادَهُ فِي سُورَةِ الفَاتِحَةِ كَيْفِيَّةَ سُؤالِهِ هَذَا، وَذَلِكَ بِالتَّوسُّلِ إِلَيْهِ بِالحَمْدِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَتَمْجِيدِهِ، وَعُبُودِيَّتِهِ وَتَوحِيدِهِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- يَسأَلُ رَبَّهُ المَغْفِرَةَ، بَيْدَ أَنَّهُ كَانَ قَبْـلَ ذَلِكَ يَتَوَسَّلُ إِلَيْهِ بِحَمْدِهِ وَتَمْجِيدِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، فَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- أَنَّ الرَّسُولَ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَدْعُو إِذَا قَامَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيلِ فَيَقُولُ: ((اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمََنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيُّومُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ومَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أنْتَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيِّـونَ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ. اللَّهُمَّ لَكَ أَسلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيكَ تَوكَّلْتُ، وَإِلَيكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيكَ حَاكَمْتُ؛ فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسرَرْتُ وَمَا أَعلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهي لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ))، وَمِنْ وَسَائلِ التَّوَسُّلِ إِلَى اللهِ إِظْهَارُ المُؤمِنِ ضَعْـفَهُ وَحَاجَتَهُ إِلَى رَبِّهِ وَافتِقَارَهُ إِلَيْهِ، وَهُوَ دَأَبُ الأَنْبِياءِ وَالمُرسَلِينَ، وَعِبَادِ اللهِ الصَّالِحينَ، فَعِنْدَمَا طَلَبَ زَكَريا -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- مِنْ رَبِّهِ أَنْ يَرزُقَهُ الوَلَدَ أَعلَنَ بَيْنَ يَدَيِ الدُّعَاءِ التَّذلُّلَ وَالضَّعفَ وَالرَّجَاءَ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ زَكَريا -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-: ((قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا، وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا))(8)، وَعِنْدَمَا طَلَبَ أَيُّوبُ –عَلَيْهِ السَّلاَمُ- كَشْفَ مَا نَزَلَ بِهِ مِنْ ضُرٍّ فِي الصِّحَّةِ وَفَقْدِ الوَلَدِ؛ تَوَسَّلَ إِلَى اللهِ الوَاحِدِ الأَحَدِ؛ بإِعْلاَنِ ضَعفِهِ وَإِظْهَارِ مَا نَزَلَ بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَإِصَابَةٍ، فَكَانَ جَدِيرًا بِالإِجَابَةِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ))(9)، وَمِنْ وَسَائلِ التَّوَسُّلِ إِلَى اللهِ الاعتِرَافُ بِالتَّقْصِيرِ فِي حَقِّ مَنْ إِلَيْهِ المَرجِعُ وَالمَصِيرُ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ آدَمَ وَحَوَّاءَ -عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ-: ((قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ))(10)، وَهَذَا التَّوَسُّلُ هُوَ مَا عَلَّمَهُ اللهُ لآدَمَ –عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فِي قَولِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ((فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ))(11)، وَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-: ((قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ))(12).
   فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واتَّبِعُوا صِرَاطَهُ واسلُكُوا سَبِيلَهُ، وَابتَغُوا إِلَيْهِ الوَسِيلَةَ.
   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: ((إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (13).
   اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.                                    
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.                                      
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
   عِبَادَ اللهِ :
   ((إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
(1) سورة المائدة/ 35.
(2) سورة آل عمران/ 193.
(3) سورة النحل/ 97.
(4) سورة الكهف/ 82.
(5) سورة النساء/ 9.
(6) سورة الطور/ 21.
(7) سورة الأنبياء/ 87-88.
(8) سورة مريم/ 4-5.
(9) سورة الأنبياء/ 83-84.
(10) سورة الأعراف/ 23.
(11) سورة البقرة/ 37 .
(12) سورة القصص/ 16.
(13) سورة الأحزاب / 56 .

 
التالى >
 

استفتاء

ما رأيك بصفحة خطب الجمعة؟
 
spacer

spacer
© 2024 موقع خطب الجمعة
Joomla! is Free Software released under the GNU/GPL License.