خطبة الاسبوع
spacer

  

spacer
spacer  
spacer spacer

نعمتـانِ مَغبُونٌ فيهمَا كَـثيرٌ مِنَ الـنَّاسِ طباعة ارسال لصديق
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
13/05/2009

خطبة الجمعة بتاريخ 20 جمادى الأولى1430هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
نعمتـانِ مَغبُونٌ فيهمَا كَـثيرٌ مِنَ الـنَّاسِ

   الْحَمْدُ للهِ أَولَى مَنْ حُمِدَ وذُكِرَ، وَأَحَقِّ مَنْ شُكِرَ، وأَكَرَمِ مَنْ تَفَضَّـلَ، وأَرْحَمِ مَنْ قُصِدَ، أَحْمَدُهُ تَعَالَى وَأَشْكُرُهُ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ وَأَستَغْفِرُهُ، سُبْحَانَهُ تَعَرَّفَ إِلَى خَلْقِهِ بِالدَّلاَئلِ البَاهِرَةِ وَالحُجَجِ القَاهِرَةِ، وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالنِّعَمِ البَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ، وَالآلاَءِ الوَافِرَةِ المُتَكاثِرَةِ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا وَنَبِيَّنا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَخْبَرَ أَنَّ الصِّحَّةَ وَالفَرَاغَ نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ الأَنَامِ، -صلى الله عليه وسلم-  وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الكِرَامِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ مَا تَعَاقَبَتِ اللَّيَالِي وَالأَيَّامُ.

  أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: ((اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ))(1)، واعلَمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - أَنَّ تَتَابُعَ النِّعَمِ، وَتَرادُفَ المِنَنِ، وَتَعاقُبَ الآلاَءِ، فَيْضٌ مِنَ الرَّبِّ الكَرِيمِ لاَ يَغِيضُ، وغَيْثٌ مِدْرَارٌ لاَ يَنْقَطِعُ، قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ((وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ))(2)، وَمِنْ هَذَا الفَيْضِ نِعْمَتانِ يُغْبَنُ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَعَنِ ابنِ عبَّاسٍ  - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  أَنَّهُ قَالَ: ((نِعْمتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ))، وَقَدْ عَرَضَ القُرآنُ الكَرِيمُ وَالسُّنَّةُ المُطَهَّرَةُ قِيمَةَ الزَّمَنِ وَأَهمِّيتَهُ وَأَوْجُهَ الانْتِفَاعِ بِهِ، وَأَنَّهُ مِنْ عَظِيمِ نِعَمِ اللهِ التِي أَنْعَمَ بِهَا سُبْحَانَهُ؛ وَلِهَذَا أَقْسَمَ اللهُ بِأَجْزَاءٍ مِنْهُ فِي مَطَالِعِ سُوَرٍ عِدَّةٍ؛ فَأَقْسَمَ بِالفَجْرِ فِي قَوْلِهِ: ((وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ))(3)، وَأَقْسَمَ بِاللَّيلِ وَالنَّهَارِ فِي قَوْلِهِ: ((وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى))  (4)، وَأَقْسَمَ بِالضُّحَى فِي قَوْلِهِ: ((وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى))(5)، وقَسَمُهُ سُبْحَانَهُ بِأَجْزَاءِ الزَّمَنِ كَانَ لَفْتًا لِلأَنْظَارِ نَحْوَها لِعَظِيمِ دَلاَلَتِهَا عَلَيْهِ، وَلِجَلِيلِ مَا اشْتَملَتْ عَلَيْهِ مِنْ مَنَافِعَ وَآثَارٍ، وَلَفْتُ الأَنْظَارِ هَذَا يُفْرِزُ مَعْرِفَةً وَيَقِينًا بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعالَى الذِي خَلَقَ الزَّمَانَ وخَلَقَ النَّاسَ وَجَعَلَهُمْ مُتَبَايِنِينَ فِي أَعْمَالِهِمْ يَأْبَى بِحِكْمَتِهِ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ صَالِحِهِمْ وَطَالِحِهِمْ، يَقُولُ الحَقُّ سُبْحَانَهُ: (( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ))(6)، فَإِذَا كَانَتِ الأُمَّةُ تَبتَغِي الإِصْلاَحَ وَالانْتِظَامَ فِي صُفُوفِ الأُمَمِ القَوِيَّةِ العَامِلَةِ الجَادَّةِ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ مَدَارِجِ الإِصْلاَحِ القُدْرَةُ عَلَى ضَـبْطِ النَّفْسِ، وَالتَّحكُّمِ الدَّقِيقِ فِي سَاعَاتِ العَمَلِ، إِنَّ الحَالَ التِي عَلَيْهَا بَعْضُ شَرَائِحِ المُجتَمَعِ تَحتَاجُ إِلَى وَقْفَةٍ صَادِقَةٍ جَادَّةٍ، تُعِيدُهُمْ إِلَى الجَادَّةِ، لِيَـكُونُوا أَسْوِيَاءَ يَعْمَلُونَ كَمَا يَعْمَلُ الجَادُّونَ المُشَمِّرُونَ إِلَى القِمَمِ، المُتَطلِّعُونَ إِلَى النَّجَاحِ بِشَحْذِ الهِمَمِ، وَلاَ مُسَوِّغَ البَتَّةَ لِلاحتِجَاجِ بِالظُّرُوفِ الاجتِمَاعِيَّةِ أَوِ المُنَاخِيَّةِ، لأَنَّ سُنَنَ اللهِ فِي اللَّيْـلِ وَالنَّهَارِ عَامَّةٌ، تَنْتَظِمُ البَشَرَ كُلَّهُمْ فِي مُجتَمَعاتِهِمْ ومُنَاخَاتِهِمْ وَقَارَّاتِهِمْ، فَرَبُّنا سُبْحَانَهُ جَعَلَ اللَّيلَ سَكَنًا، وَجَعَلَ النَّهارَ مَعَاشًا، وَمَحَا آيةَ اللَّيلِ وَجَعَلَ آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً؛ لابتِغَاءِ فَضْـلِهِ سُبْحَانَهُ، وَذَلِكَ لأَهْـلِ الأَرْضِ كُلِّهِمْ، بَلْ جَاءَ الخِطَابُ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ بَعْدَ أَدَاءِ صَلاَةِ الجُمُعَةِ: ((فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ))(7)، وَهُوَ خِطَابٌ تَنَزَّلَ أَوّلَ مَا تَنَزَّلَ عَلَى العَرَبِ فِي جَزِيرَتِهِمُ المَعْرُوفَةِ بِمُنَاخِهَا الحَارِّ، إِنَّ مِنْ أَهَمِّ آليَّاتِ الإِصْلاَحِ النَّظَرَ الجَادَّ فِي هَذِهِ القَضِيَّةِ، حَتَّى يَتَحَوَّلَ المُجتَمَعُ إِلَى مُجتَمَعٍ مُنْضَـبِطٍ وعَامِلٍ ومُنْتِجٍ، يُحْسِنُ تَوْظِيفَ قُدُرَاتِهِ، وَمَوَاهِبِهِ وَمُؤَهِّلاَتِهِ فِي جَمِيعِ شَرَائِحِهِ، رِجَالاً وَنِسَاءً، شَبابًا وَكُهُولاً. وَالمُتَأَمِّـلُ فِي نُصُوصِ الشَّرْعِ الحَنِيفِ يَجِدُ الحَثَّ عَلَى البُكُورِ فِي الجِدِّ وَالعَمَلِ، وَمُجَانَبَةِ الخُمُولِ وَالكَسَلِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وابنِ عُمَرَ وَصَخْرِ بنِ وَدَاعَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-  أَنَّهُ قَالَ: ((اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّـتِي فِي بُكُورِهَا))، وَلَفْظُ أَبِي هُرَيْرَةَ: ((بُورِكَ لأُمَّـتِي فِي بُكُورِهَا))؛ فَفِي بُكُورِ الصَّـبَاحِ تَغْدُو مَخْلُوقَاتُ اللهِ كلُّهَا تَبتَغِي فَضْـلَهُ سُبْحَانَهُ، وَكَانَ صَخْرٌ رَاوِي الحَدِيثِ لاَ يَبْعَثُ غِلْمَانَهُ إِلاَّ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، فَكَثُرَ مَالُهُ حتَّى كَانَ لاَ يَدْرِي أَيْنَ يَضَعُهُ. إِنَّ يَوْمَ المُسلِمِ مُرتَبِطٌ ومُفْتَتَحٌ بِصَلاَةِ الصُّـبْحِ، وَفِيهَا قُرآنُ الفَجْرِ ((إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا))(8)، يَستَقْبِلُ بِهَا المُسلِمُ يَوْمَهُ، وَيستَفْتِحُ بِهَا نَهَارَهُ وَعَمَلَهُ، دَعَاهُ دَاعِي الفَلاَحِ، فَاستَشْعَرَ عُبُودِيَّةَ رَبِّهِ وَافتَتَحَ يَوْمَهُ بِالإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، فَأَصْبَحَ يَرْجُو البَرَكَةَ وَنَشَاطَ العَمَلِ، وَطِيْبَ النَّفْسِ وَنَشَاطَ البَدَنِ؛ مِصْداقًا لِلْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ إِذْ يَقُولُ -صلى الله عليه وسلم-  : ((يَعْـقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ مَكَانَ كُلِّ عُقْدَةٍ: عَلَيْـكَ لَيْـلٌ طَوِيلٌ فَارقُدْ، فَإِنِ استَيقَظَ وَذَكَرَ اللهَ انحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَـلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلاَّ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلانَ))، وَحِينَ يَتْرُكُ النَّاسُ البُكُورَ، ويُهْمِلُونَ السَّاعَاتِ المُبَارَكَةَ؛ تُصْبِحُ أَوقَاتُهُمْ ضَـيِّـقَةً، وَصُدُورُهُمْ حَرِجَةً، وَأَعمَالُهُمْ مُضْطَرِبَةً.
  عِبَادَ اللهِ :
  إِنَّ التَّسْوِيفَ عَجْزٌ وَكَسَلٌ، وَإِنْ تَعْجَبْ فَاعْجَبْ مِنَ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ مِنَ التَّسْوِيفِ شِعَارًا لَهُمْ، مَكَّنُوهُ مِنْ قُلُوبِهِمْ حَتَّى تَقَطَّعَتْ آمَالُهُمْ، وَمَنْ أَرَادَ النُّهُوضَ فِي غَدِهِ عَمِلَ لِيَوْمِهِ كَأَحْسَنِ مَا يَكُونُ العَمَلُ نَقَاءً وَانتِقَاءً، إِنَّ العُقُولَ إِذَا اكتَمَلَتْ اكتَمَلَ اغتِنَامُ الزَّمَانِ، وتَمَّ إِدْرَاكُ شَرَفِهِ، وَإنَّ مَنْ عَرَفَ قِيْمَةَ الزَّمَانِ لاَ يَكُونُ إِلاَّ صَاحِبَ قَصْـدٍ واعتِدَالٍ فِي أُمُورِهِ كُلِّهَا، فَهُوَ يَدْرِي أَنَّ التَّوَسُّعَ فِي مَطَالِبِ الجِسْمِ يُعْمِي القَلْبَ ويُضْـعِفُ البَدَنَ، فَتَراهُ لاَ يَتَنَاوَلُ مِنَ الطَّعَامِ إِلاَّ حَاجَتَهُ التِي تُقِيمُ صُلْبَهُ مِنْ غَيْرِ إِفْرَاطٍ أَوْ تَفْرِيطٍ، وَمِنْ غَيْرِ تَنَوُّعٍ يُؤدِّي إِلَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَكْبَرَ مَسْعَاهُ وَغاَيَةَ مُنَاهُ وَمُنتَهَى أَمَلِهِ، وَالحَرِيصُ عَلَى الزَّمَنِ أَيْضًا لاَ يَعْرِفُ فُضُولاً فِي زِيَارَةِ الآخَرِينَ، وَلاَ تَافِهًا مِنَ القَوْلِ، فَهُوَ حَرِيصٌ عَلَى زَمَنِ غَيْرِهِ كَحِرْصِهِ عَلَى زَمَنِ نَفْسِهِ، فَتَرَاهُ فِي زِيَارَتِهِ لاَ يَتَعَدَّى مَقْصَدَها، وَتَسْمَعُهُ فِي قَوْلِهِ فَلاَ يَتَجاوَزُ النَّافِعَ الخَيِّرَ المُحتَاجَ إِلَيْهِ، فَانْظُرْ حَالَكَ دَائِمًا - أَيُّهَا المُؤْمِنُ - وَرَاقِبْ نَفْسَكَ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَستَقِلَّ خَيْرًا أَو شَرًّا، وَكَما أَنَّ العَبْدَ يَجِبُ عَلَيْهِ الحَذَرُ مِنْ تَرَاكُمِ الصَّغَائِرِ كَذَلِكَ يَنْبَغِي لَهُ عَدَمُ التَّهَاوُنِ بِالأَعمَالِ الصَّالِحَةِ وَلَوْ كَانَتْ يَسِيرَةً قَلِيلَةً، فَلاَ بُدَّ مِنَ العَزِيمَةِ المَاضِيَةِ وَالهِمَّةِ العَالِيَةِ وَمُتَابَعَةِ العَمَلِ وَدَوَامِ العَطَاءِ، مُتَوِّجًا ذَلَكَ كُلَّهُ بِصِدْقِ النِّيَّةِ وَصِدْقِ التَّوكُّلِ عَلَى اللهِ سُبْحَانَهُ، وَفِي الحَدِيثِ الَّذِي رَوَتْهُ أُمُّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  خَيْرُ بَيَانٍ وَأَصْدَقُ كَلاَمٍ، يَقُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((عَلَيْـكُمْ مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ))، وَتَلَمُّسُ الأَوقَاتِ الفَاضِِلَةِ مِنَ الحِكْمَةِ، ((وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الأَلْبَابِ))(9).
   فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واحْرِصُوا عَلَى الاستِفَادَةِ مِمَّا وَهَبَكُمُ اللهُ مِنْ صِحَّةٍ وَفَرَاغٍ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ رُقِيَّـكُمْ، وَصَلاَحَ دِينِكُمْ وَدُنْيَاكُمْ.
  أقُولُ ما تَسمَعُونَ   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
                                                            *** *** ***
  الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.                                         
  أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
  إِنَّ قَضِيَّةَ شَغْلِ الفَرَاغِ بِالمَرَحِ وَالفَرَحِ لَهِيَ قَضِيَّةٌ لِهَا صِبْغَةٌ وَاقِعِيَّةٌ عَلَى مِضْمَارِ الحَيَاةِ اليَوْمِيَّةِ، لاَ يُمْكِنُ تَجَاهُلُها لَدَى الأَفْرَادِ وَالمُجتَمَعَاتِ، بَلْ قَدْ يَشْتَدُّ الأَمْرُ وَيَزْدَادُ أَهَمِّيَّةً عِنْدَ وُجُودِ مُوْجِبَاتِ الفَرَاغِ كَالإِجَازَاتِ وَنَحْوِها، حتَّى أَصْبَحَتْ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ مُصَنَّفَةً ضِمْنَ البَرَامِجِ المُنَظَّمَةِ فِي الحَيَاةِ اليَوْمِيَّةِ العَامَّةِ، وَهِيَ فِي بَعْضِ الأَحْيَانِ تَكُونُ تِلْقَائِيَّةً ارتِجَالِيَّةً، يَنْقُصُها الهَدَفُ السَّـلِيمُ، لاَ تَحْـكُمُها ضَوَابِطُ زَمَانِيَّةٌ وَلاَ مَكَانِيَّةٌ. إنَّ المُتَأمِّـلَ فِي وَاقِعِ بَعْضِ النَّاسِ يَجِدُ هُوَّةً بَيْنَ المَفْهُومِ الصَّحِيحِ لِلتَّرْوِيحِ وَالتَّسلِيَةِ وَاللَّهْوِ وَالمَرَحِ، فَيَجِبُ أَنْ نُفَرِّقَ بَيْنَ النَّشَاطَاتِ التَّروِيحِيَّةِ الإِيجَابِيَّةِ وَالسَّـلْبِيَّةِ، ونَتَبيَّنَ مَدَى الإِفَادَةِ مِنَ التَّرْوِيحِ نَفْسِيًّا وَجَسَدِيًّا واجتِماعِيًّا، والإِنْسَانُ الجَادُّ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ لِلَّهْوِ وَالتَّرْوِيحِ وَقْتًا مُخَصَّصًا، وَيَجْعَلَ لِلْعَمَلِ وَالجِدِّ أَوقَاتًا أَكْثَرَ، لاَ أَنْ يَكُونَ الأَمْرُ بِعَـكْسِ ذَلِكَ.
  فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واعلَمُوا أَنَّ الحِفَاظَ عَلَى الوَقْتِ يَحتَاجُ إِلَى هِمَّةٍ وَعَزِيمَةٍ وَقُوَّةِ إِرَادَةٍ، فَاحْرِصُوا دَائِمًا عَلَى مَا يَنْفَعُكُمْ، وَشَمِّروا لَهُ عَنْ سَوَاعِدِكُمْ، وَاشْحَذُوا لأَجْـلِهِ هِمَمَكُمْ، وثَمِّرُوا فِيهِ أَوقَاتَكُمْ، يُبَارِكِ اللهُ فِي حَيَاتِكُمْ، وَكُونُوا أَعْظَمَ عَوْنٍ لأَبْنَائِكُمْ عَلَى حِفْظِ أَوقَاتِهِمْ، وَاغتِنَامِ أَوقَاتِ فَرَاغِهِمْ.                                        
   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: ((إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (10).                                         
   اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
   عِبَادَ اللهِ :
((إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
(1) سورة الحشر/ 18.
(2) سورة إبراهيم/ 34.
(3) سورة الفجر/ 1-2.
(4) سورة الليل/ 1-2.
(5) سورة الضحى/ 1-2.
(6) سورة الجاثية/ 21.
(7) سورة الجمعة/ 10.
(8) سورة الإسراء/ 78.
(9) سورة البقرة/ 269.
(10) سورة الأحزاب / 56 .

 
< السابق   التالى >
 

استفتاء

ما رأيك بصفحة خطب الجمعة؟
 
spacer

spacer
© 2024 موقع خطب الجمعة
Joomla! is Free Software released under the GNU/GPL License.