خطبة الاسبوع
spacer

  

spacer
spacer  
spacer spacer

الـصـّحَّةُ الـنـَّفـسِيَّةُ طباعة ارسال لصديق
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
27/05/2009

خطبة الجمعة بتاريخ 4 جمادى الآخرة 1430هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الـصـّحَّةُ الـنـَّفـسِيَّةُ

     الْحَمْدُ للهِ البَرِّ الكَرِيمِ، الرَّؤُوفِ الرَّحِيمِ، خَلَقَ الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، وَحَاطَ حَيَاتَهُ بِسِيَاجٍ مِنَ الأَحْـكَامِ ذَاتَ حِكَمٍ بَاهِرَةٍ، تُؤمِّنُ رَاحَتَهُ البَاطِنَةَ وَالظَّاهِرَةَ، وَتَضْـمَنُ سَعَادَتَهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْـلٌ مِنَ الحَمْدِ وَأُثْنِي عَلَيْهِ، وَأُومِنُ بِهِ وَأَتَوكَّلُ عَلَيْهِ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْـلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيَّدَنا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، مَنِ اقتَدَى بِهِ هَدَأَ بَالاً، وَسَعِدَ حَالاً وَمَآلاً، -صلى الله عليه وسلم- وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   إِنَّ وَاقِعَ الحَيَاةِ المُعَاصَرَةِ وَضُغُوطَهَا، وَتَداخُلَ جَوَانِبِهَا، وَكَثْرَةَ مَشَاغِلِهَا مَا يَشْعُرُ مَعَهُ الإِنُسان بِحَاجَةٍ مَاسَّةٍ إِلَى مَا يُحقِّقُ لَهُ التَّوازُنَ وَالصِّحَّةَ، ويُبْعِدُهُ عَنْ جَمِيعِ الصِّرَاعَاتِ وَالاضطِرَابَاتِ النَّفْسِيَّةِ، التِي قَدْ تَدفَعُ بَعْضَ النَّاسِ أَحيَانًا إِلَى البَحْثِ عَنِ السَّعَادَةِ وَالرَّاحَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، أَوِ التَّخْفِيفِ عَنِ الضَّيقِ الذِي طَوَّقَ النَّفْسَ وَأَحَاطَ بِهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَيَعْمِدُونَ إِلَى وَسَائِلَ تَهْـدِمُ مَعْنَوِيَّاتِهِمْ وَأَفْكَارَهُمْ، وَتُؤدِّي إِلَى تَدَهْوُرِ صِحَّـتِهِمْ، وَلَرُبَّمَا ظَلَّ يَتَنَقَّلُ مِنْ وَسِيلَةٍ إِلَى أُخْرَى بَاحِثًا عَمَّا يَجِدُ فِيهِ لِنَفْسِهِ مُتَنفَّسًا، وَلَوْ تَأَمَّـلَ وَفَكَّرَ لَوَجَدَ أَنَّ صِحَّـتَهُ النَّفْسِيَّةَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِمَّا يَتَصَوَّرُ، فَهِيَ فِي النُّورِ الذِي أَنْزَلَهُ اللهُ عَلَى البَرِيَّةِ، إِنَّ خَالِقَ النَّفْسِ البَشَرِيَّةِ عَالِمٌ بِمَا يُصْـلِحُهَا، وَفِي تَشْرِيعَاتِهِ الرَّبَّانِيَّةِ مَا يَكْفُلُ لَهَا سَعَادَتَها، وَرَاحَتَها وَطُمَأْنِينَتَها، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ))(1)، فَهَذا بَيَانٌ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ القُرآنَ الكَرِيمَ وَالتِزَامَهُ ضَمَانٌ لِعِلاَجِ النَّاسِ وَشِفَائِهِمْ مِمَّا يُعَانُونَ مِنْهُ مِنْ أَمْرَاضٍ نَفْسِيَّةٍ كَالضَّيقِ وَالشَّكِّ وَالهَمِّ، وَالقَلَقِ وَالاضْطِرَابِ وَالغَمِّ، وَلَقَدْ أَقَرَّ كَثِيرٌ مِنَ الأَطِبَّاءِ وَعُلَمَاءِ النَّفْسِ فِي العَصْرِ الحَدِيثِ بِأَهَمِّيَّةِ الإِيمَانِ فِي تَحْـقِيقِ الصِّحَّةِ النَّفْسِيَّةِ لَدَى الإِنْسَانِ، وَتَوازُنِ شَخْصِيَّـتِهِ وَوِقَايَتِهَا وَعِلاَجِهَا مِنَ الأَمْرَاضِ وَالأَزَمَاتِ النَّفْسِيَّةِ، فَالإِيمَانُ يَجْعَلُ لِوُجُودِ الإِنْسَانِ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ مَعْنًى وَغَايَةً، ممَّا يُشِيعُ فِي قَلْبِهِ الطُّمَأْنِينَةَ وَالثَّبَاتَ وَالاتِّزَانَ، قَالَ تَعَالَى: ((يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ))(2)، فَبِالإِيمَانِ تَجَاوَزَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الأَزَمَاتِ النَّفْسِيَّةَ؛ مِمَّا حَدَا كَثِيرًا مِنَ المَصَحَّاتِ على اعتِمَادِ الإِيمَانِ أُسْـلُوبًا نَاجِعًا فِي العِلاَجِ وَالوِقَايَةِ مِنَ المُشْكِلاَتِ النَّفْسِيَّةِ وَالاجتِمَاعِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِتَحْـقِيقِ الانْسِجَامِ مَعَ الذَّاتِ وَالتَّوافُقِ مَعَ المُحِيطِ، وَدِينُنا - وَالحَمْدُ للهِ - كَانَ لَهُ السَّبْـقُ فِي إِيجَادِ الحُلُولِ لِلْمُشْكِلاَتِ النَّفْسِيَّةِ وَالأَزَمَاتِ الرُّوحِيَّةِ.
   أَيُّها المُؤمِنونَ :
   إِنَّ الإِسلاَمَ بِمَنْهَجِهِ الشَّامِلِ يَسْعَى إِلَى بِنَاءِ الشَّخْصِيَّةِ المُسلِمَةِ المُتَّزِنَةِ، فَالإِيمَانُ بِاللهِ تَعَالَى وَقُوَّةُ الصِّـلَةِ بِهِ، وَالشَّعَائِرُ التَّعَبُّدِيَّةُ، كُلُّ ذَلِكَ لَهُ فَوَائِدُ نَفْسِيَّةٌ مَلْمُوسَةٌ؛ لِمَا تُكْسِبُهُ مِنْ أَمْنٍ وَطُمَأْنِينَةٍ وَتَهْدِئَةٍ لِلأَعْصَابِ وَتَبْدِيدٍ لِلتَّوتُّرِ، وَعِنْدَما تَطَرَّقَ القُرآنُ الكَرِيمُ إِلَى بَعْضِ الاضطِرَابَاتِ النَّفْسِيَّةِ أَعْـقَبَها بِالعِلاَجِ المُنَاسِبِ، قَالَ تَعَالَى: ((إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا، إِلاَّ الْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ))(3)، فَالهَلَعُ وَالجَزَعُ وَمَنْعُ الخَيْرِ صِفَاتٌ لِلنَّفْسِ البَشَرِيَّةِ، قَدْ تَؤُولُ إِلَى حَالَةٍ مَرَضِيَّةٍ، لِذَا شُرِعَتِ الصَّلاَةُ مُتَكَرِّرَةً، وَجَعَلَ اللهُ المُحَافَظَةَ عَلَيْهَا صِيَانَةً لِلنَّفْسِ مِنْ هَذِهِ الأَعْرَاضِ، فَالمُسْـلِمُ عَلَيْهِ أَنْ يَفْزَعَ إِلَى الصَّلاَةِ دَائِمًا؛ مُقْتَدِيًا بِسَيِّدِ الأَنَامِ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ- الذِي كَانَ إِذَا ضَاقَ بِهِ أَمْرٌ لَجَأَ إِلَى الصَّلاَةِ، وَقَدْ تَفَطَّنَ لِذَلِكَ الأَطِبَّاءُ وَالمُعَالِجُونَ النَّفْسَانِيُّونَ، وَجَعَلُوا الصَّلاَةَ مِنْ تَوْصِيَاتِهِمْ فِي أَسَالِيبِ العِلاَجِ، فَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ أَلْوَانِ ذِكْرِ اللهِ، بِمَا يَمْنَحُهُ مِنْ طُمَأْنِينَةٍ لِلْقَلْبِ، وَرَاحَةٍ لِلْبَالِ، وَصِحَّةٍ لِلنَّفْسِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ))(4)، فَالإِنْسَانُ حِينَ يَذْكُرُ رَبَّهُ يَشْعُرُ أَنَّهُ يَحْـتَمِي بِذِي قُوَّةٍ، قَادِرٍ عَلَى أَنْ يُزِيحَ عَنْهُ كُلَّ هَمٍّ، وَيُفَرِّجَ مَا بِهِ مِنْ كَرْبٍ وَغَمٍّ، وَهَذَا مَا يُحقِّقُهُ الدُّعَاءُ عَلَى وَجْهِ الخُصُوصِ، فَلِلدُّعَاءِ أَثَرُهُ الكَبِيرُ فِي نَفْسِيَّةِ الدَّاعِي، فَهُوَ تَفْرِيغٌ لِمَا يَخْتَلِجُ فِي النَّفْسِ مِنْ مَشَاعِرَ وَأَحَاسِيسَ، وَالدُّعَاءُ لاَ يَرتَبِطُ فِي حَيَاةِ العَبْدِ بِالحَاجَةِ المَاسَّةِ التِي تَشُدُّهُ إِلَى رَبِّهِ فِي وَقْتِ الاضطِرَارِ، بَلْ هُوَ جُزْءٌ لِتَحْـقِيقِ العُبُودِيَّةِ للهِ دَائِمًا، قَالَ تَعَالَى: ((وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ))(5)، فَيَأْنَسُ العَبْدُ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَستَجِيبُ الدُّعَاءَ، فَيَبُثُّ لَهُ شَكْوَاهُ وَمَا يُعَانِيهِ مِنْ بَلاَءٍ؛ مِمَّا يَسْـكُبُ فِي نَفْسِيَّـتِهِ الرَّاحَةَ وَالارتِيَاحَ.
   أيُّها المُسلِمُونَ :
   إِنَّ بعْضَ التُّصرفاتِ غَيرِ السَّـلِيمَةِ تَجْـلِبُ الهَمَّ وَالخَوْفَ وَالحُزْنَ وَضَيقَ الصَّدْرِ؛ لِذَا نَجِدُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُرشِدُ المُؤْمِنينَ إِلَى مُلاَزَمَةِ الاستِغْفَارِ لِتَخْـلِيصِ النَّفْسِ مِنْ ذَلِكَ، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : ((مَنْ لَزِمَ الاستِغْفَارَ جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضَيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْـتَسِبُ))، وَحَسْبُنا قَولُ اللهِ تَعَالَى: ((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ))(6)، إِنَّ المُؤْمِنَ حِينَ يَسْمَعُ هَذِهِ الآيَةَ يَشْعُرُ بِالرَّاحَةِ، وَيَحْـفِزُ نَفْسَهُ لِلْقِيَامِ بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، يَقُولُ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ((وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ))(7)، إِنَّ هَذَا الوَعْدَ الرَّبَّانِيَّ يُعِينُ المُؤْمِنَ عَلَى التَّخلُّصِ مِنْ رَوَاسِبِ المَاضِي، وَيفُكُّ عَنْهُ قُيُودَهُ، فَالتَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ، وَمِنْ هُنَا تَبْرُزُ أَهَمِّيَّةُ العَفْوِ وَالتَّسَامُحِ بَيْنَ النَّاسِ، حَيْثُ صَفَاءُ القُلُوبِ مِنْ أَكْدَارِهَا وَأَحْـقَادِهَا، وَفَتْحُ صَفَحاتٍ جَدِيدَةٍ، يُمْـكِنُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا سِجِلاَّتٌ حَضَارِيَّةٌ مُشْرِقَةٌ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ))(8)، تَأَمَّـلُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ- فِي قَوْلِ رَبِّكُمْ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ((وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ))(9)، فَهَذِهِ سِلْسِلَةٌ مِنْ أَركَانِ الصِّحَّةِ النَّفْسِيَّةِ فِي وِجْدَانِ أَبْنَاءِ المُجتَمَعِ، فَكَظْمُ الغَيْظِ يَمْنَعُ شِدَّةَ الغَضَبِ، وَيُعِينُ عَلَى العَفْوِ وَالتَّسَامُحِ، وَبَعْدَهَا يَقُودُ إِلَى الإِحْسَانِ، وَلِذَا فَالقِيَامُ بِضُروبِ البِرِّ وأَعْمالِ الخَيرِ يُسْهِمُ فِي بِنَاءِ الشَّخْصِيَّةِ المُتَّزِنَةِ، وَيَجْعَلُهَا مُرتَاحَةً مُطْمَئِنَّةً، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَجُلاً شَكَا إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَسْوَةَ قَلْبِهِ فَقَالَ: ((إِنْ أَرَدْتَ تَلْيِينَ قَلْبِكَ فَأَطْعِمِ المِسْـكِينَ وَامْسَحْ رَأْسَ اليَتِيمِ))، إِنَّهُ لَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَعْمَالَ الخَيْرِ تُسْهِمُ فِي تَلْيِينِ القَلْبِ، وَتَجْعَـلُ الإِنْسَانَ يَشْعُرُ بِالسَّعَادَةِ عَلَى قَدْرِ إِدْخَالِ السَّعَادَةِ عَلَى غَيْرِهِ.
   عِبَادَ اللهِ :
   إِنَّ التَّفَاؤلَ بِالخَيْرِ مِنْ أَعْظَمِ أُسُسِ الصِّحَّةِ النَّفْسِيَّةِ، فَالمُؤْمِنُ مَهْمَا نَزَلَتْ بِهِ النَّوازِلُ مُتَفَائِلٌ دَائِمًا، لاَ يَتَطَرَّقُ اليَأْسُ إِلَى نَفْسِهِ، وَلاَ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ، قَالَ تَعَالَى: ((إِنَّهُ لاَ يَايئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ))(10)، فَهُوَ يُوَاجِهُ وَاقِعَهُ بِعَزِيمَةٍ قَوِيَّةٍ مُتَسلِّحًا بِالأَمَلِ، وَهَذَا الشُّعُورُ الإِيجَابِيُّ يَقِيهِ حَتْمًا الوُقُوعَ فَرِيسَةً لِلْيَأْسِ أَوِ الاكتِئَابِ، وَهَكَذَا يُرَبِّي الإِسْلاَمُ الفَرْدَ عَلَى الثَّبَاتِ عِنْدَ المَصَائِبِ وَالابتِلاَءَاتِ، وَيَدْعُوهُ إِلَى التَّحلِّي بِالصَّبْرِ، قَالَ تَعَالَى: ((وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ))(11).
   فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ -، وارْجِعُوا إِلَى تَوْجِيهَاتِ دِينِكُمْ، فَفِي ذَلِكَ صِحَّـتُكُمْ وَسَلاَمَتُكُمْ.
   أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
                                                        *** *** ***
   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   إِنَّ أَعْظَمَ عِلاَجٍ لِلأَمْرَاضِ النَّفْسِيَّةِ يَكْمُنُ فِي التَّوْجِيهَاتِ وَالإِرْشَادَاتِ النَّبَوِيَّةِ فِي هَذَا المَجَالِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ -صلى الله عليه وسلم- : ((مَا أَصَابَ عَبْدًا همٌّ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ابنُ عَبْدِكَ ابنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَو أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَو عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَو استَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجَعَلَ القُرآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجَلاَءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي، إِلاَّ أَذْهَبُ اللهُ حُزْنَهُ وَهَمَّهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا))، وَكَذَلِكَ عِنْدَ الهَمِّ وَالحُزْنِ عَلَّمَنا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نَقُولَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالبُخْلِ وَالجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ)، وَعِنْدَ الكَرْبِ نَقُولُ: (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ السَّمَاواتِ وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ، اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْـلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)، وَعِنْدَ القَلَقِ وَالفَزَعِ فِي النَّوْمِ نَقُولُ: (أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّـاتِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرونِ)، هَذِهِ جُمْـلَةٌ مِنَ الأَدْعِيَةِ يَنْبَغِي لِلْمُسْـلِمِ أَنْ يَحْـفَظَها وَيَدْعُوَ اللهَ بِهَا كُلَّمَا أَهَمَّهُ شَيءٌ أَو أَحَاطَ بِهِ غَمٌّ، سَيَجِدُ الفَرَجَ قَرِيبًا وَالطُّمَأْنِينَةَ تَحُلُّ فِي قَلْبِهِ، وَصَدَقَ اللهُ العَظِيمُ حَيْثَ قَالَ: ((أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ))(12).
   فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ -، واحْرِصُوا عَلَى صِحَّةِ نُفُوسِكُمْ، كَحِرْصِكُمْ عَلَى صِحَّةِ أَبْدَانِكُمْ، فَالنَّفْسِيَّةُ المُحَطَّمَةُ تُوْهِنُ الجَسَدَ، وتُضْعِفُ العَزْمَ، وَعَلَيْـكُمْ بِطَلَبِ الدَّوَاءِ لِكُلِّ دَاءٍ، فَلِكُلِّ عِلَّةٍ طَرِيقَةُ عِلاَجٍ تُوْصِلُ - بِإِذْنِ اللهِ - إِلَى الشِّفَاءِ.
   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: ((إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا)) (13).
   اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.                                 
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.                                 
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.                                 
   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
   عِبَادَ اللهِ :
((إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
(1) سورة يونس/ 75.
(2) سورة إبراهيم/ 72.
(3) سورة المعارج/ 19-23.
(4) سورة العنكبوت/ 45.
(5) سورة غافر/ 60.
(6) سورة الزمر/ 53.
(7) سورة هود / 114 .
(8) سورة فصلت /  34.
(9) سورة آل عمران / 134 .
(10) سورة يوسف/ 87.
(11) سورة البقرة / 177.
(12) سورة الرعد/ 28.
(13) سورة الأحزاب / 56 .

 
< السابق   التالى >
 

استفتاء

ما رأيك بصفحة خطب الجمعة؟
 
spacer

spacer
© 2024 موقع خطب الجمعة
Joomla! is Free Software released under the GNU/GPL License.