خطبة الاسبوع
spacer

  

spacer
spacer  
spacer spacer

آدابُ خِطبةِ الـزَّواجِ طباعة ارسال لصديق
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
15/06/2009

خطبة الجمعة بتاريخ 25 جمادى الآخرة 1430هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
آدابُ خِطبةِ الـزَّواجِ

     الْحَمْدُ للهِِ الذَي أَنْزَلَ الفُرقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا، سُبْحَانَهُ خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْـلٌ مِنَ الحَمْدِ وَأُثْنِي عَلَيْهِ، وَأُومِنُ بِهِ وَأَتَوكَّلُ عَلَيْهِ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْـلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، خَلَقَ الإِنْسَانَ وَأَوْجَدَهُ، وَجَعَلَ لَهُ مِنْ زَوْجِهِ بَنِينَ وَحَفَدَةً، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، حَثَّ عَلَى الزَّوَاجِ وَرَغَّبَ فِي تَيْسِيرِ الطُّرُقِ المُوْصِلَةِ إِلَيْهِ وَالأَسْبَابِ، وَحَاطَهُ بِجُمْـلَةٍ مِنَ الفَضَائِلِ وَالآدَابِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأصَحْابِهِ الطَّيِّبِينَ، وَرَضِيَ اللهُ عَمَّنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

    أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   لَمَّا خَلَقَ اللهُ آدَمَ مِنْ طِينٍ وَسَوَّاهُ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ فَكَرَّمَهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ المَخْلُوقَاتِ سِوَاهُ؛ كَانَ لاَ بُدَّ لِهَذَا الإِنْسَانِ الذَّكَرِ مِنَ أُنْثَى يَسْـكُنُ إِلَيْهَا وَتَسْـكُنُ إِلَيْهِ، فَخَلَقَ مِنْهُ حَوَّاءَ، وَمِنْهُمَا بَثَّ اللهُ الكَثِيرَ مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ، قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي مُسْـتَهَلِّ سُورَةِ النِّسَاءِ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا))(1)، وَلَقَدْ أَرشَدَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الإِنْسَانِيَّةَ قَاطِبَةً فِي كِتَابِهِ الكَرِيمِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ إِلَى أَنَّ لِلْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ ثَلاَثَةَ أَركَانٍ، بِتَحْـقِيقِهَا تَكُونُ الأُسْرَةُ سَلِيمَةَ البُنْيَانِ قَوِيَّةَ الأَركَانِ، لاَ تَهُزُّهَا رِيَاحٌ مَهْمَا عَصَفَتْ، وَلاَ تُخَلْخِلُ بُنْيَانَهَا رُعُودٌ مَهْمَا قَصَفَتْ، قَالَ تَعَالَى: ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ))(2)، إِنَّ السَّكَنَ وَالمَوَدَّةَ وَالرَّحْمَةَ عَلَيْهَا مَدَارُ السَّعَادَةِ الزَّوْجِيَّةِ وَالأُسْرِيَّةِ، ثُمَّ السَّعَادَةِ الاجتِمَاعِيَّةِ وَالإِنْسَانِيَّةِ، فَبِالزَّوَاجِ يَتَحقَّقُ السَّكَنُ الرُّوحِيُّ وَالاطْمِئْنَانُ الوِجْدَانِيُّ، فَيَجِدُ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ رَاحَتَهُ بِوُجُودِ الزَّوْجِ الآخَرِ مَعَهُ بِجِوَارِهِ، يُشَارِكُهُ أَفْرَاحَهُ وَيُشَاطِرُهُ أَتْرَاحَهُ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-  حِينَ يَحْدُثُ لَهُ مَا يَشْغَلُهُ وَيُهِمُّهُ، وَيَكْرُبُهُ وَيَغُمُّهُ؛ يَعُودُ إِلَى زَوْجِهِ خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْها - فَيُفْضِي إِلَيْهَا بِمَا يُلاَقِيهِ مِنْ تَعَبٍ، وَشِدَّةٍ وَنَصَبٍ، فَيَجِدُ مِنْهَا العِبَارَاتِ الحَانِيَةَ التِي تُسَرِّي عَنْهُ وَتُسَلِّيهِ، وتُخَفِّفُ عَنْهُ مَا يَحْدُثُ لَهُ وَيُلاَقِيهِ، فَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - يَسْـتَمِعُ إِلَى عِبَارَاتِهَا الرَّقِيقَةِ، فَتَسْـكُنُ نَفْسُهُ وَيَطْمَئِنُّ فُؤَادُهُ، وَيَهْدَأُ وَجِيبُ قَلْبِهِ، وَيَذْهَبُ عَنْهُ الأَرَقُ، وَيَزُولُ عَنْهُ مَا كَانَ يَشْعُرُ بِهِ مِنْ هَمٍّ وَقَلَقٍ.
   أَيُّها المُؤمِنونَ :
   إِنَّ الزَّوَاجَ وَسِيلَةٌ نَافِعَةٌ لِتَحْـقِيقِ غَايَاتٍ اجْـتِمَاعِيَّةٍ نَبِيلَةٍ، تَضْمَنُ لِلْمُجتَمَعِ تَقَارُبَهُ وَتَآلُفَهُ، وَتَمَاسُكَهُ وَتَرَابُطَهُ، فَبِالزَّوَاجِ تَتَوثَّقُ العَلاَقَاتُ، وَتَتَوَسَّعُ دَائِرَةُ التَّعَارُفِ بَيْنَ الأُسَرِ وَالعَائِلاَتِ، فَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ النَّاسَ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِيَتَعَارَفُوا وَيَتَآلَفُوا، لاَ لِيَتَنَاكَرُوا وَيَخْتَلِفُوا، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ))(3)، ولِلزَّوَاجِ أَثَرُهُ الطَّيِّبُ فِي النَّوَاحِي الصِّحِّيَّةِ، حَيْثُ يُصَانُ بِهِ الإِنْسَانُ عَنِ العَادَاتِ السَّيِّئَةِ، ويُحْمَى مِنَ التَّمَادِي فِي أَفْكَارٍ هَدَّامَةٍ، غَالِبًا مَا تُسبِّبُ لَهُ أَمْرَاضًا نَفْسِيَّةً تَنْعَكِسُ عَلَى صِحَّـتِهِ البَدَنِيَّةِ، ولِلزَّوَاجِ أَثَرٌ مَذْكُورٌ فِي النَّوَاحِي الاقْتِصَادِيَّةِ، فَالمَرْءُ حِينَ يَتَزَوَّجُ يَشْعُرُ بِأَنَّهُ لَمْ يَعُدْ مَسؤُولاً عَنْ نَفْسِهِ فَقَطْ، بَلْ أَصْبَحَ مَسؤُولاً عَنْ مَصِيرِ أُسْرَةٍ، فَيَسْعَى إِلَى عَمَلٍ مُثْمِرٍ جَادٍّ، يُحقِّقُ لَهُ دَخْلاً يَكْفِيهِ وأُسْرَتَهُ، فَيَنْفَعُ بِذَلِكَ مُجْـتَمَعَهُ وَبِلاَدَهُ.
   أَيُّها المُسلِمُونَ :
   إِذَا كَانَ لِلزَّوَاجِ هَذِهِ الثَّمَرَاتُ التِي عَرَفتُمْ - وَهِيَ قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ- كَانَ لاَ بُدَّ لِهَذَا الزَّوَاجِ مِنْ أَنْ يَقُومَ بِنَاؤُهُ عَلَى أُسُسٍ مَتِينَةٍ، وَتُحِيطُ بِهِ أَركَانٌ مَكِينَةٌ، حتَّى نَضْمَنَ لِهَذَا الزَّوَاجِ الهُدُوءَ وَالاستِقْرَارَ، وَالدَّوَامَ وَالاستِمْرَارَ، وَمِنْ أَجْـلِ هَذَا شَرَعَ الإِسْلاَمُ مَا يُمَهِّدُ لَهُ الطَّرِيقَ عَنْ طَرِيقِ الخِطْبَةِ، وَهِيَ مَرْحَلَةٌ زَمَنِيَّةٌ تَسْبِقُ عَقْدَ الزَّوَاجِ فِي حُدُودِ المَأْلُوفِ، وَفِي نِطَاقِ المَعْـقُولِ وَالمَعْرُوفِ، فَهِيَ مُدَّةٌ لاَ تَطُولُ طُولاً مُبَالَغًا فِيهِ، وَلاَ تَقْصُرُ قِصَرًا لاَ تُحَقِّقُ الغَرَضَ الذِي يُرِيدُهُ الإِسْلاَمُ وَيَبْغِيهِ، فَطُولُ مَرْحَلَةِ الخِطْبَةِ قَدْ يُعَرِّضُها لانْعِكَاسَاتٍ، وَأَزَمَاتٍ وَمُفَاجَآتٍ، كَمَا أَنَّ قِصَرَهَا غَيْرَ المُعْـتَادِ يُفْقِدُهَا سِمَةَ التَّرَيُّثِ وَالتَّمَهُّلِ، وَيُكْسِبُها سِمَةَ التَّسَرُّعِ وَالتَّعَجُّـلِ، وَالإِسْلاَمُ دِينُ التَّوَسُّطِ وَالاعتِدَالِ، فِي هَذَا الشَّأْنِ وَفِي كُلِّ مَجَالٍ، وَلأنَّ الخِطْبَةَ تُمَثِّـلُ البِدَايَةَ لِمَشْرُوعِ الزَّوَاجِ فَلْتَكُنِ البِدَايَةُ طَيِّبَةً؛ لِتُنْتِجَ النَّتِيجَةَ الطَّيِّبَةَ، فَعَلَى الإِنْسَانِ المُزْمِعِ عَلَى الزَّوَاجِ أَنْ يَكُونَ مُطْمَئِنًا قَبْـلَ الإِقْدَامِ عَلَى الخِطْبَةِ إِلَى سَلاَمَةِ الاخْتِيَارِ مِنْ جَمِيعِ النَّوَاحِي، وَإِلَى قَنَاعَةٍ بِذَلِكَ حتَّى لاَ يَكُونَ هُنَاكَ أَيُّ احتِمَالٍ لِلتَّرَاجُعِ عَنِ الخِطْبَةِ بَعْدَ إِتْمَامِهَا، لِمَا فِي التَّرَاجُعِ عَنْهَا بَعْدَ إِتْمَامِهَا مِنْ إِيذَاءِ المَخْطُوبَةِ، وَخَدْشٍ لِشُعُورِهَا، وَجَرْحٍ لِكَرَامَتِهَا، وَهَذَا مَا لاَ يَرْضَاهُ دِينُنا القَوِيمُ، لأَنَّهُ لاَ يَتَّفِقُ أَبَدًا مَعَ الخُلُقِ الكَرِيمِ، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ((وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا))(4)، والتَّراجُعُ عَنِ الخِطْبَةِ قَدْ يُؤثِّرُ سَلْبًا فِي العَلاَقَاتِ بَيْنَ الأُسْرَتَيْنِ؛ فَتَحْدُثُ قَطِيعَةٌ وَهَجْرٌ وَجَفَاءٌ، وَقَدْ كَانَ المَأْمُولَ أَنْ يَحْدُثَ تَقَارُبٌ وَحُبٌّ وَصَفَاءٌ، وَقَدْ وَضَعَ الإِسْلاَمُ الاحتِيَاطَاتِ اللاَّزِمَةَ ضَمَانًا لِعَدَمِ التَّرَاجُعِ عَنِ الخِطْبَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا شَرَعَهُ مِنْ جَوَازِ نَظَرِ كُلٍّ مِنَ الخَاطِبِ وَالمَخْطُوبَةِ إِلَى الآخَرِ بِالقَدْرِ الذِي يُحقِّقُ الهَدَفَ، حتَّى لاَ تُتْرَكَ الأُمُورَ لِلْحُظُوظِ وَالصُّدَفِ، وَإِنَّ مِنَ الخَطَأِ الفَادِحِ وَالعَيْبِ القَادِحِ أَنْ يُحْجَرَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا النَّظَرُ إِلَى الآخَرِ إِلاِّ لَيْـلَةَ الزِّفَافِ، فَذَلِكَ ظُلْمٌ لِلطَّرَفَيْنِ وَإِجْحَافٌ، وَإِذَا كُنَّا مُطَالَبِينَ بِعَدَمِ الإِقْدَامِ عَلَى أَيِّ عَمَلٍ مِنَ الأَعْمَالِ إِلاَّ إِذَا عَرَفْنَا جَدْوَاهُ وَمَا فِيهِ مِنْ خَيْرٍ أَو شَرٍّ، فَالزَّوَاجُ مِنْ أَهَمِّ الأَعْمَالِ وَأَسْمَاهَا، وَأَعْظَمِهَا وَأَرقَاهَا، فَهُوَ بِتَعْبِيرٍ مُخْتَصَرٍ يَسِيرٍ " تَحْدِيدٌ لِلْمُستَقْبَلِ وَرَسْمٌ لِلْمَسِيرِ" ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ المَرْأَةِ التِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-  أَنَّ الرَّسُولَ صَعَّدَ نَظَرَهُ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ، وَجَاءَ المُغِيرَةُ بنُ شُعْبَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ خَطَبَ امرَأَةً؛ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  : ((انْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا)) - أَي إِنَّ نَظَرَكَ إِلَيْهَا كَفِيلٌ بِتَحْـقِيقِ الأُلْفَةِ وَاستِدَامَةِ العِشْرَةِ - .
   فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، وَاعلَمُوا أَنَّ الإِسْلاَمَ شَرَعَ الخِطْبَةَ وَحَثَّ عَلَى التِزَامِ آدَابِهَا، حِرْصًا عَلَى دُخُولِ البُيُوتِ مِنْ أَبْوَابِهَا، وَلْيَكُنْ مَعْـلُومًا غَيْرَ خَافٍ عَلَيْكُمْ أَنَّ الخِطْبَةَ مُجَرَّدُ وَعْدٍ؛ لاَ يَحِلُّ بِهَا مَا يَحِلُّ بِالعَقْدِ.
   أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
               *** *** ***
   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.                                         
   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   مِنَ الأُمُورِ التِي يَجِبُ التَّحْذِيرُ مِنْهَا وَاتِّقَاؤُهَا أَنْ يَتَقدَّمَ إِنْسَانٌ لِخِطْبَةِ فَتَاةٍ عَلِمَ أَنَّ آخَرَ سَبَقَهُ فَخَطَبَهَا، فَهَذَا مِنْ قَبِيلِ التَّنَافُسِ غَيْرِ الشَّرِيفِ؛ لأنَّهُ سُلُوكٌ يُجَافِي حُقُوقَ الأُخُوَّةِ، وَيُحْدِثُ بَيْنَ الإِنْسَانِ وَأَخِيهِ فَجْوَةً وَهُوَّةً، فَهُوَ إِذًا تَصَرُّفٌ يَقْطَعُ الأَوَاصِرَ ويُفَرِّقُ بَيْنَ الجَمَاعَاتِ، وَيُدَمِّرُ العَلاَقَاتِ، وَقَدْ حَذَّرَ رَسُولُنَا البَشِيرُ النَّذِيرُ -صلى الله عليه وسلم-  مِنْ هَذَا فَقَالَ: ((لاَ يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حتَّى يَتْرُكَ الخَاطِبُ قَبْـلَهُ أَو يَأْذَنَ لَهُ))، وَحِينَ يَحْدُثُ تَنَافُسٌ مِنْ هَذَا النَّوْعِ فَإِنَّ الخَاطِبَ الآخَرَ قَدْ يَنْدَفِعُ إِلَى مَدْحِ نَفْسِهِ وَذَمِّ أَخِيهِ، وَهَذَا تَصَرُّفٌ خَطِيرٌ، يَدُلُّ عَلَى سُوءٍ فِي التَّقْدِيرِ، إِذْ لَوْ أَحْسَنَ وَقَدَّرَ عَوَاقِبَ الأُمُورِ لَعَرَفَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي عِدَّةِ مُخَالَفَاتٍ، مِنْهَا تَزكِيَةُ النَّفْسِ وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ((فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ))(5)، وَمِنْها تَحْـقِيرُ أَخِيهِ وَالرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-  يَقُولُ: ((لاَ تَنَافَسُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا - عِبَادَ اللهِ - إِخْوَانًا، المُسْـلِمُ أَخُو المُسْـلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْـقِرُهُ))، وَلَو رَاجَعَ هَذَا الخَاطِبُ نَفْسَهُ، لَعَلِمَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي كُلِّ هَذِهِ المُخَالَفَاتِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْها ذَنْبٌ كَبِيرٌ وَجُرْمٌ خَطِيرٌ، وَالمُؤْمِنُ حَقًّا هُوَ الذِي يَنْأَى بِنَفْسِهِ عَنْ أَيِّ تَصَرُّفٍ يُثِيرُ القَطِيعَةَ بَيْنَ النَّاسِ، ويُسَبِّبُ الأَذَى لَهُمْ، وَيُوْرِثُ الأَحقَادَ فِي نُفُوسِهِمْ.
   فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، وَاعلَمُوا أَنَّهُ بِالزَّوَاجِ تُوْضَعُ لَبِنَةٌ جَدِيدَةٌ فِي بِنَاءِ الصَّرْحِ الاجتِمَاعِيِّ؛ بِهَا يَتَدَعَّمُ بُنْيَانُهُ، وَتَقْوَى أَركَانُهُ، أَلاَ فَاحْذَرُوا مِنْ كُلِّ مَا يُوْهِنُ هَذَا الصَّرْحَ، وَالتَزِمُوا آدَابَ خِطْبَةِ الزَّوَاجَ؛ فَفِي ذَلِكَ مَا يُحقِّقُ لِلأُسَرِ الاستِقْرَارَ؛ وَيَضْمَنُ لِلزَّوَاجَ الدَّوَامَ وَالاستِمْرَارَ.
   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (6).                                          
   اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.                                          
   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
   عِبَادَ اللهِ :
   (( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
(1) سورة النساء/ 1.
(2) سورة الروم/ 21.
(3) سورة الحجرات/ 13.
(4) سورة الأحزاب/ 58.
(5) سورة النجم/ 32.
(6) سورة الأحزاب / 56 .

آخر تحديث ( 15/06/2009 )
 
< السابق   التالى >
 

استفتاء

ما رأيك بصفحة خطب الجمعة؟
 
spacer

spacer
© 2024 موقع خطب الجمعة
Joomla! is Free Software released under the GNU/GPL License.