خطبة الاسبوع arrow خطبة الاسبوع arrow عَلَى أَعتَابِ عَامٍ دراسيّ جديدٍ
spacer

  

spacer
spacer  
spacer spacer

عَلَى أَعتَابِ عَامٍ دراسيّ جديدٍ طباعة ارسال لصديق
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
09/08/2009

خطبة الجمعة بتاريخ 22 شعبان 1430هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
عَلَى أَعتَابِ عَامٍ دراسيّ جديدٍ

   الْحَمْدُ للهِ الحَكِيمِ العَلِيمِ، القَائِلِ فِي مُحْـكَمِ كِتَابِهِ: ((وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ))(1)، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ بَارِئُ النَّسَمِ، وَخَالِقُ اللَّوحِ وَالقَلَمِ، أَحْمَدُهُ تَعَالَى وَأَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَسْدَى وَأَنْعَمَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الهَادِي إِلَى السَّبِيلِ الأَقْوَمِ، -صلى الله عليه وسلم-  وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَتْبَاعِهِ ذَوِي الأَخْلاَقِ وَالقِيَمِ.

    أَمَّا بَعْدُ، فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ هِيَ الزَّادُ وَالعُدَّةُ، وَمِعْرَاجُ السُّمُوِّ وَمَبْعَثُ القُوَّةِ، وَالمُعِينُ عَلَى العِلْمِ وَالعَمَلِ، وَالسَّلاَمَةُ مِنَ الفِتَنِ وَالعِِصْمَةُ مِنَ المِحَنِ، ((يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ))(2)، واعلَمُوا أَنَّ طَلَبَ العِلْمِ خَيْرُ مَا أُنْفِقَتْ فِيهِ السَّاعَاتُ، وَعُمِرَتْ بِهِ الأَوقَاتُ، وَلَقَدْ جَاءَتْ نُصُوصُ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُنَوِّهَةً بِفَضْـلِ العِلْمِ وَأَهْـلِهِ، واَلحَثِّ عَلَى تَعلُّمِهِ وَكَسْبِهِ، فَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  يَقُولُ: ((مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّـلَ اللهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ المَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَها رِضًا لِطَالِبِ العِلْمِ، وَإِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهمًا، وَإِنَّما وَرَّثوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ))، وَلَعَلَّ حَدِيثَ المُنَاسَبَةِ يَحْـلُو وَنَحْنُ نُعَايِشُ مَعَ أَبْنَائِنَا الطُّلاَبِ وَفَتَيَاتِنَا الطَّالِبَاتِ إِشْرَاقَةَ عَامٍ دِرَاسِيٍّ جَدِيدٍ، وَإِطْلالَةَ مَوْسِمٍ مُتَألِّقٍ فِي العِلْمِ وَالمَعْرِفَةِ وَالتَّحْصِيلِ، تَرتَسِمُ عَلَى مُحَيَّاهُ بَسَمَاتُ الأَمَلِ، وَإِشْرَاقَاتُ الفَأْلِ، في هِمَمٍ وَثَّابَةٍ، وَحُلَلٍ مِنَ الجَلاَلِ وَالجَمَالِ وَالمَهَابَةِ؛ لِتَحْـقِيقِ مُستَقْبَلٍ أَفْضَلَ بِإِذْنِ اللهِ، لِدَفْعِ عَجَلَةِ تَقدُّمِ المُجتَمَعِ وَنَهْضَةِ الأُمَّةِ، لَقَدْ شَرَّفَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الأُمَّةَ حَيْثُ جَعَلَها أُمَّةَ العِلْمِ وَالعَمَلِ مَعًا، إِذْ بِالعِلْمِ تُبْنَى الأَمْجَادُ، وَتُشَيَّدُ الحَضَارَاتُ، بَلْ لاَ يَستَطِيعُ المُسْـلِمُ بِنَاءَ نَفْسِهِ وَتَحقِيقَ العُبُودِيَّةِ لِرَبِّهِ، وَتَقْدِيمَ الخَيْرِ لأُسْرَتِهِ، وَمُجتَمَعِهِ وَأُمَّـتِهِ، إِلاَّ بِالعِلْمِ، وَمَا فَشَا الجَهْـلُ فِي أُمَّةٍ مِنَ الأُمَمِ إِلاَّ قَوَّضَ أَركَانَهَا، وَصَدَّعَ بُنْيَانَهَا، لِذَا جَاءَ النِّدَاءُ الأَوَّلُ الذِي أَطْلَقَهُ الإِسْلاَمُ فِي أَنْحَاءِ المَعْمُورَةِ لِيُنَوِّهَ بِقِيمَةِ العِلْمِ وَيَسْمُوَ بِقَدْرِهِ، وَيَجَعَلَهُ أَوَّلَ لَبِنَةٍ فِي بِنَاءِ الأَفْرَادِ وَالشُّعُوبِ، وَكِيَانِ الأُمَمِ وَالمُجتَمَعَاتِ، قَالَ تَعَالَى فِي أَوَّلِ مَا أُنْزِلَ مِنَ القُرآنِ: ((?قْرَأْ بِ?سْمِ رَبِّـكَ ?لَّذِى خَلَقَ ))(3)، لَقَدْ رَفَعَ اللهُ تَعَالَى شَأْنَ العِلْمِ وَأَهْـلِهِ، وَبَيَّنَ مَكَانَتَهُمْ، وَرَفَعَ مَنْزِلَتَهُمْ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((يَرْفَعِ ?للَّهُ ?لَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَ?لَّذِينَ أُوتُواْ ?لْعِلْمَ دَرَجَـ?تٍ وَ?للَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ))(4)، وَلَمْ يَأْمُرِ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ -صلى الله عليه وسلم-  بِالاستِزَادَةِ مِنْ شَيءٍ إِلاَّ مِنَ العِلْمِ، فَقَالَ لَهُ: ((وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْمًا))(5)، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِمَا لِلْعِلْمِ مِنْ أَثَرٍ فِي حَيَاةِ البَشَرِ، وَقَدْ بَيَّـنَتِ الآيَاتُ الكَرِيمَةُ أَنَّ الغَايَةَ مِنَ العِلْمِ وَطَلَبِهِ هِيَ الإِيمَانُ بِالخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَالتَّحلِّي بِالأَخْلاَقِ الفَاضِلَةِ، وَالوُصُولُ إِلَى الحَيَاةِ الهَنِيئَةِ الكَرِيمَةِ، وَالسَّيْرُ سِيرَةً حَسَنَةً قَوِيمَةً، وَبِهَذَا تَتَّضِحُ غَايَةُ العَمَلِيَّةِ التَّرْبَوِيَّةِ وَالتَّعْـلِيمِيَّةِ التِي أَرَادَهَا الإِسْلاَمُ، فَالآيَاتُ القُرْآنِيَّةُ وَالأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ الشَّرِيفَةُ تَرْبِطُ طَلَبَ العِلْمِ بِغَايَاتِهِ النَّبِيلَةِ، وَأَهْدَافِهِ السَّامِيَةِ الجَلِيلَةِ، وَقَدْ أَدْرَكَ الكَثِيرُ مِنَ أَسْلاَفِنَا غَايَاتِ العِلْمِ وَمَقَاصِدَهُ، فَعَمِلُوا عَلَى تَحقِيقِها وَتَطْبِيقِهَا فِي حَيَاتِهِمْ، فَنَشَأَ أَبْنَاؤُهُمْ عَلَى الإِيمَانِ الثَّابِتِ وَالعِلْمِ النَّافِعِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ وَالقِيَمِ الفَاضِلَةِ، لَقَد طَبَّـقُوا التَّوْجِيهَ التَّربَوِيَّ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا حَكَاهُ القُرآنُ الكَرِيمُ عَنْ لُقْمَانَ الحَكِيمِ، وَهُوَ يَعِظُ وَلَدَهُ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ((وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ، وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ، وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ، يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ، وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ))(6)، إِنَّهُ تَأْسِيسٌ لِمِنْهَاجٍ تَرْبَوِيٍّ شَامِلٍ، وَأُسْـلُوبِ تَعْـلِيمٍ قَوِيمٍ وَكَامِلٍ.
   أَيُّهَا المُسْـلِمُونَ :
   إِنَّ حَجَرَ الزَّاوِيَةِ وقُطْبَ الرَّحَى فِي العَمَلِيَّةِ التَّعْلِيمِيَّةِ وَالتَّربَوِيَّةِ فِئَةٌ لَهَا مَكَانَتُها وَمَنْزِلتُهَا فِي الدِّينِ وَالمُجتَمَعِ وَالأُمَّةِ، فِئَةٌ جَدِيرَةٌ بِالاحتِرَامِ وَالتَّكْرِيمِ وَالتَّقْدِيرِ، وَمَعَ عِظَمِ التَّشْرِيفِ يَعْظُمُ التَّكْلِيفُ، فَاللهَ اللهَ فِي الاضْطِلاعِ بحَمْـلِ الرِّسَالَةِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ عَلَى خَيْرِ وَجْهٍ، لَقْدِ ائتَمَنَتْكُمُ الأُمَّةُ عَلَى أَعَزِّ مَا تَمْـلِكُ، عَلَى عُقُولِ فِلْذَاتِ أَكْبَادِهَا، وَأَبكَارِ ثَمَرَاتِ فُؤَادِهَا، فَكُونُوا مُعَلِّمِينَ مَهَرَةً، وَأَسَاتِذَةً بَرَرَةً، وَكُونُوا قُدْوَةً فِي الجَوَانِبِ الخُلُـقِيَّةِ وَالسُّلُوكِيَّةِ، فَيَا أَيُّها المُعَلِّمُ المُبَارَكُ: اجْعَلْ طَوْعَ بَنَانِكَ وخَفْقَ جَنَانِكَ الإِخْلاَصَ للهِ فِي هَذِهِ المُهِمَّةِ العَظِيمَةِ، وَلاَ يَعْزُبْ عَنْ بالِكَ - يَا رَعَاكَ اللهُ - وَأَنْتَ فِي مَيْدَانِ التَّعْـلِيمِ وَالتَّربِيَةِ أَنَّ التَّعْـلِيمَ قُرْبَةٌ وَعِبَادَةٌ يُزدَلَفُ بِهَا إِلَى اللهِ، فَاستَمْسِكْ - أخِي المُعَلِّمَ - بِهَذَا الأَصْلِ الأَصِيلِ، فَبِقَدَرِ تَحَقُّقِهِ لَدَيْـكَ تَجْنِي الثِّمَارَ بِيَدَيْـكَ، إِنَّ مَنْ حَمَلُوا أَمَانَةَ التَّربِيَةِ وَالتَّعلِيمِ أَولَى مَنْ يَتَحلَّى بِالإِخْلاَصِ فِي أَدَاءِ هَذِهِ الرِّسَالَةِ العَظِيمَةِ، إِلَى جَانِبِ القُدْوَةِ وَالتِزَامِ أَخْلاَقِ هَذِهِ المُهِمَّةِ الجَسِيمَةِ، وَذَلِكَ بِحُسْنِ السَّمْتِِ وَالهَدْيِ الطَّاهِرِ، وَجَمَالِيَّاتِ البَاطِنِ وَالظَّاهِرِ، وَالعَضِّ بِالنَّوَاجِذِ عَلَى الأَخْلاَقِ وَالفَضَائِلِ، ومُرَاعَاةِ كَرِيمِ السَّجَايَا وَالشَّمَائِلِ، هَكَذَا يَكُونُ المُعَلِّمُ النَّاجِحُ؛ المُوَفَّقُ لإِيجَادِ جِيلٍ نَاجِحٍ وَنَشْءٍ صَالِحٍ، فَبُورِكَتْ جُهُودُ المُعَلِّمِينَ الكُفَاةِ، وَسُدِّدَتْ أَقْوَالُهُمْ وَأَفْعَالُهُمْ، وَلاَ حَرَمَهُمُ اللهُ ثَوَابَ بَذْلِهِمْ وَعَطَائِهِمْ، فَكَمْ نَفَعَ اللهُ بِهِمُ البِلادَ وَالعِبَادَ، وَكَمْ تَعَلَّمَتِ الأَجْيَالُ مِنْهُمْ كَيْفَ يَكُونُ البَذْلُ وَالعَطَاءُ، فِي مَنْهَجٍ مُتَمَيِّزٍ وَفِكْرٍ نَيِّرٍ وَإِبْدَاعٍ مُتَألِّقٍ، سَيَكُونُ بإِذْنِ اللهِ رَصِيدًا لَهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ، وَذُخْرًا لَهُمْ فِي أُخْرَاهُمْ.    
   أَيُّهَا المُسْـلِمُونَ :
   إِنَّ العَاقِلَ يَسْعَى جَهْدَهُ مِنْ أَجْـلِ أَنْ يَنْجَحَ ابْنُهُ، وَيَفْرَحَ بِهِ مُتَعَلِّمًا مُجتَهِدًا مُجِدًّا مَرْمُوقًا، وَيَنَالُهُ الكَمَدُ وَالحُزْنُ إِنْ لَمْ يُسْعِفْهُ القَدَرُ، وَلَفَظَتْهُ مَقَاعِدُ الدَّرْسِ، هَذَا أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ وَتَصَرُّفٌ رَاشِدٌ، وَحتَّى نَظْفَرَ بِالأُولَى وَنَسْـلَمَ مِنَ الأُخْرَى - بإِذْنِ اللهِ - وَجَبَ أَنْ نُعِدَّ لِلنِّهَايَةِ السَّعِيدَةِ أَسْبَابَها، فَالبُيُوتُ لاَ تُؤْتَى سِوَى مِنْ أَبْوَابِهَا، وَالحَاجَاتُ لاَ تُطْلَبُ إلاَّ مِنْ أَرْبَابِهَا، أَلاَ وَإنَّ مِنْ أَسْبَابِ النَّجَاحِ، وَمِنْ عَوَامِلِ الرُّقِيِّ وَالصَّلاَحِ، تَعْوِيدَ الطَّالِبِ احتِرَامَ مُعَلِّمِهِ وَالقِيَامَ بِحَقِّهِ، إِنَّ التَّوَاضُعَ لِلْمُعَلِّمِ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الفَلاَحِ، وَسَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ التَّحْصِيلِ، هََكَذا هُوَ سَمْتُ المُتَعَلِّمِ، يَعْـلَمُ أَنَّ تَواضُعَهُ لِمُعَلِّمِهِ عِزٌّ لَهُ، وَأَنَّ خُضُوعَهُ لأُستَاذِهِ فَخْرٌ لَهُ.
   فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واحْرِصُوا عَلَى تَعَلُّمِ العِلْمِ النَّافِعِ، وَتَعَلَّمُوا لِذَلِكَ السَّكِينَةَ وَالوَقَارَ، هَذِّبُوا بِهِ أَخْلاَقَكُمْ، وَقَوِّمُوا بِهِ أَفْعَالَكُمْ وَأَقْوَالَكُمْ.    
   أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
                                                    *** *** ***
   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.                   
   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :                    
   إِنَّ المَسِيرَةَ التَّعلِيمِيَّةَ تَحتَاجُ إِلَى تَضَافُرِ كُلِّ الجُهُودِ المُخْلِصَةِ لإِنْجَاحِهَا وَتَقدُّمِهَا وَاستِمْرَارِهَا، فَلاَ تَقَعُ المَسؤُولِيَّةُ عَلَى عَاتِقِ الهَيْئَاتِ التَّدْرِيسِيَّةِ وَحْدَهَا، بَلْ يُشَارِكُهَا فِي المَسؤُولِيَّةِ البَيْتُ وَالمُجتَمَعُ وَكُلُّ مَنْ لَهُ عَلاَقَةٌ بِعَمَلِيَّةِ التَّربِيَةِ وَالتَّعْـلِيمِ؛ وَإِذَا كَانَتِ المُجتَمَعَاتُ المُتَقَدِّمَةُ لاَ تَقُومُ إِلاَّ عَلَى أُسُسِ العِلْمِ وَالاستِفَادَةِ مِنْ طَاقَاتِ العُلَمَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لاَ يَتَحقَّقُ إِلاَّ بِتَضَافُرِ جُهُودِ هَيْئَاتِ التَّدْرِيسِ وَجُهُودِ الأُمَّهَاتِ وَالآبَاءِ، فَلاَ بُدَّ مِنْ أَدَاءِ الأُسْرَةِ لِدَوْرِهَا، وَقِياَم ِشرَيِحَةِ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ بِعَظِيمِ وَاجِبِهَا، وَذَلِكَ مِنَ التَّعَاوُنِ الحَمِيدِ، الذِي أََمَرَ اللهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ المَجِيدِ، قَالَ تَعَالَى: ((وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ))(7)، وَالابْنُ وَدِيعَةٌ أَوْدَعَهَا اللهُ الأَبَوَيْنِ؛ يَقُومَانِ بِمَا يَحْـفَظُ عَلَيْهِ سَلاَمَتَهُ وَتَنْشِئَتَهُ تَنْشِئَةً صَحِيحَةً سَلِيمَةً، هَذَا وَإِنَّ مِنَ العِيِّ وَالإِخْفَاقِ بِمَكَانٍ، أَنْ يُتْقِنَ الأَبُ لُغَةَ الشَّكْوَى وَالعِتَابِ بِاللِّسَانِ، فَتَجِدَهُ يَتَفَنَّنُ فِي إِلْصَاقِ التَّقْصِيرِ بِالمَدَارِسِ وَالمُعَلِّمِينَ، وَهُوَ لاَ يُقدِّمُ لابْنِهِ سَاعَةً مِنْ يَوْمِهِ، يُكْسِبُهُ فِيهَا مَا يَمْنَحُهُ الشَّرَفَ فِي مُجتَمَعِهِ وَقَوْمِهِ، حتَّى إِذَا رَأَى ثِمَارَ الآبَاءِ المُجِيدِينَ، وَنَتَائِجَ الأُسْرَةِ الجَادَّةِ فِي البَنَاتِ وَالبَنِينَ، أَخَذَ يَشْكُو حَظَّهُ العَاثِرَ، وَيَبْكِي عَلَى سَعْيِهِ الخَاسِرِ، جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يَشْكُو إِلَيْهِ عُقُوقَ ابْنِهِ، فَأَحْضَرَ عُمَرُ الوَلَدَ وَأنَّبَهُ عَلَى عُقُوقِهِ لأَبِيهِ، فَقَالَ الوَلَدُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنينَ، أَلَيْسَ لِلْوَلَدِ حُقُوقٌ عَلَى أَبِيهِ؟ قَالَ عُمَرُ: بَلَى، قَالَ: فَمَا هِيَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟ فَذَكَرَ لَهُ سَيِّدُنَا عُمَرُ بَعْضَ الحُقُوقِ، فَقَالَ الوَلَدُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ: إِنَّ أَبِي لَمْ يَفْعَلْ شَيِئًا مِنْ ذَلِكَ، فَالتَفَتَ عُمَرُ إِلَى الرَّجُلِ، وَقالَ لَهُ: جِئْتَ إِليَّ تَشْكُو عُقُوقَ ابْنِكَ، وَقَدْ عَقَقْتَهُ قَبْلَ أَنْ يَعُقَّكَ، وَأَسَأْتَ إِلَيْهِ قَبْـلَ أَنْ يُسِيءَ إِلَيْـكَ، فَيَا أَيُّهَا الأَبُ الغَيُورُ عَلَى أَوْلاَدِكَ، وَيَا أَيَّـتُها الأُمُّ الحَرِيصَةُ عَلَى مَصْـلَحَةِ فِلْذَاتِ كَبِدِكِ، أَكْسِبَا أَوَلاَدَكُمَا العِلْمَ وَالأَخْلاَقَ، وَلْتَتَضَافَرْ جُهُودُكُمَا فِي ذَلِكَ مَعَ جُهُودِ المُؤَسَّسَاتِ التَّرْبَوِيَّةِ.
   فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، وَقُومُوا بِمَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْكُمْ فِي أَوْلاَدِكُمْ، اعطِفُوا عَلَيْهِمْ بِمَا يَحتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنَ الرِّفْقِ وَالحَنَانِ، وَرَبُّوهُمْ عَلَى مَكَارِمِ الأَخْلاَقِ وَالإِحْسَانِ، تَعِيشُوا وَإِيَّاهُمْ عِيشَةً مُفْعَمَةً بِالسَّعَادَةِ وَالأَمَانِ، وَيَجْمَعْـكُمُ اللهُ بِهِمْ فِي الجِنَانِ.
   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْمًا: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا ))(8).
   اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُوْمًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُوْمًا، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْمًا.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَانًا صَادِقًا ذَاكِرًا، وَقَلْبًا خَاشِعًا مُنِيْبًا، وَعَمَلاً صَالِحًا زَاكِيًا، وَعِلْمًا نَافِعًا رَافِعًا، وَإِيْمَانًا رَاسِخًا ثَابِتًا، وَيَقِيْنًا صَادِقًا خَالِصًا، وَرِزْقًا حَلاَلاًَ طَيِّبًا وَاسِعًا، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
   عِبَادَ اللهِ :
(( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
(1) سورة يونس/ 25.
(2) سورة الأنفال/ 29.
(3) سورة العلق/ 1.
(4) سورة المجادلة/ 11.
(5) سورة طـه/ 114.
(6) سورة لقمان /13-18.
(7) سورة المائدة/ 2.
(8) سورة الأحزاب / 56 .

 
< السابق   التالى >
 

استفتاء

ما رأيك بصفحة خطب الجمعة؟
 
spacer

spacer
© 2024 موقع خطب الجمعة
Joomla! is Free Software released under the GNU/GPL License.