خطبة الاسبوع arrow خطبة الاسبوع arrow مِنْ قَـوَاعِدِ الصِّحَّةِ الـنَّفْسِيَّةِ فِي الإِسْلامِ
spacer

  

spacer
spacer  
spacer spacer

مِنْ قَـوَاعِدِ الصِّحَّةِ الـنَّفْسِيَّةِ فِي الإِسْلامِ طباعة ارسال لصديق
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
12/09/2009

خطبة الجمعة بتاريخ 28 رمضان 1430هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
مِنْ قَـوَاعِدِ الصِّحَّةِ الـنَّفْسِيَّةِ فِي الإِسْلامِ

   الْحَمْدُ للهِ مُولِي النِّعَمِ وَمُرسِلِهَا، وَمُنْزِلِ الخَيْرَاتِ وَمُكْمِلِهَا، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، نَشكُرُهُ عَلَى وَافِرِ آلائِهِ، وَنَستَعِينُ بِهِ عَلَى قَدَرِهِ وَقَضَائِهِ، وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، المَبْعُوثُ بِبَدَائِعِ الحِكَمِ، وَالنَّاشِرُ لِوَاءَ السَّعْدِ وَالخَيْرِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُنْزِلَ عَلَيْهِ أَجَلُّ الكُتُبِ وَأَخْلَدُهَا، فَأَرشَدَنَا بِهِ إِلَى أَدْوَاءِ النُّفُوسِ وَعِلَلِهَا، وَسُبُلِ العَافِيَةِ وَطُرُقِهَا، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ، مَا بَلَغَتِ النُّفُوسُ آمَالَهَا، وَتَهَلَّلَتْ بِمَطَالِعِ البِشْرِ قُلُوبُهَا.

  أَمَّا بَعْدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - أيُّهَا المُسلِمُونَ -، وَاعلَمُوا أَنَّ الاهتِمَامَ بِالصِّحَّةِ النَّفْسِيَّةِ مِنْ أَجَلِّ المَصَالِحِ، وَالسَّعْيَ نَحْوَ اتِّزَانِهَا مِنْ أَهَمِّ الأَعْمَالِ وَأَعْلاهَا، فَالعَافِيَةُ رُوحُ الحَياةِ وَزِينَتُهَا، وَلا قِيَامَ لِلدُّنيَا إِلاَّ بِهَا، فَلِذَا ظَلَّتْ سَلامَةُ الفَرْدِ نَفْسِيًّا وَجَسَدِيًّا مِنْ مَقَاصِدِ الدِّينِ وَأَهْدَافِ الدُّوَلِ، وَمِنَ الضَّرُورَاتِ التِي جَاءَتِ الفَلْسَفَاتُ كُلُّهَا لِلْحِفَاظِ عَلَيْهَا. والعَافِيَةُ أَفْضَلُ النِّعَمِ بَعْدَ الإِيْمَانِ، وَمِنَ النَّعِيمِ الَّذِي يُساءَلُ عَنْهُ المَرْءُ فِي قَولِ اللهِ تَعَالَى: ((ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ))(1)، وَقَولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ -: ((نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ))، فَمَنْ أُوتِيَ صِحَّةً فِي بَدَنِهِ وَنَفْسِهِ فَلْيَغتَنِمْ ذَلِكَ فِي إِصْلاحِ دُنيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَمَنْفَعَةِ النَّاسِ وَإِسْعَادِهِمْ، وَخَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ، وَشَرُّهُمْ مَنِ اتَّقَاهُ النَّاسُ لِشَرِّهِ. وَالوِقَايَةُ مِنَ الأَمْرَاضِ وَالعِلَلِ دَرْءٌ لِمَخَاطِرِهَا وَحِصْنٌ مِنْ تَبِعَاتِهَا، وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ حِفْظِ الحَياةِ وَالأَحْيَاءِ، وَلا جَرَمَ أَنْ جَاءَتْ وَصَايَا القُرآنِ مُبتَدَأةً بِقَولِ اللهِ تَعَالَى: ((وَلاَ تَقْرَبُوا)) أَيْ كُلَّ فَسَادٍ مُتْلِفٍ، أَوْ خَلَلٍ مُجْحِفٍ. وَمَعَ أَنَّ العَافِيَةَ هِيَ الأَصْـلُ فِي الإِنْسَانِ، وَإِلَيْهَا يَسْعَى البَشَرُ وَيَطْلُبُونَ، إِلاَّ أَنَّ الجَسَدَ قَدْ تُصِيبُهُ العِلَلُ، أو يَعتَرِيهِ المَرَضُ، أَوْ تَهْجُمُ عَلَيهِ الأَدْوَاءُ، وَلَوْ كَانَ فِي خَيْرِ البِيئَاتِ وَأَفْضَلِهَا، إِذْ هُنَالِكَ أَسْبَابٌ كَثِيرَةٌ لِنُشُوءِ الأَمْرَاضِ وَانتِقَالِهَا، وَمَدَاخِلُ مُتَعَدِّدَةٌ لِلتَّأْثِيرِ فِي الصِّحَّةِ وَالعَافِيَةِ، إلاَّ أَنَّهُ فِي المُقَابِلِ - بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ - جَعَلَ فِي النَّفْسِ البَشَرِيَّةِ فِطْرَةَ السَّعْيِ نَحْوَ السَّلامَةِ، وَغَرِيزَةَ حُبِّ الحَيَاةِ، فَيَحْدُثُ التَّوازُنُ الطَّبِيعِيُّ بَيْنَ طَرَفَيِ المُعَادَلَةِ، إِذْ يَحْسُنُ عَمَلُ المَرْءِ بِطَلَبِ العِلاَجِ عِنْدَ المَرَضِ، وَلا يَركَنْ إِلَى ذَاتِهِ وَيَنسَى قُدْرَةَ رَبِّهِ.
   أيُّهَا المُسلِمُونَ :
   لَقَدْ رَكَّبَ اللهُ فِي المَرْءِ مِنْ مُقَوِّمَاتِ الصِّحَّةِ مَا يَجْعَلُهُ سَلِيمَ النَّفْسِ قَوِيَّ البَدَنِ، وَشَرَعَ لَهُ مِنَ الأَحكَامِ مَا يَحفَظُ لَهُ ذَلِكَ، وَيَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَسقَامِ وَالعِلَلِ، فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ تَعَالَى الإِضْرَارَ بِالنَّفْسِ بِما يُؤَدِّي إِلَى تَلَفِهَا بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ، يَقُولُ سُبْحَانَهُ: ((وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ))(2)، أَمَّا قَوَاعِدُ العَافِيَةِ وَطُرُقُهَا فَتَأْتِي مِنَ التَّجْرِبَةِ والحَوَاسِّ والعَقْلِ، وَبِمَا تُعُورِفَ عَلَيهِ مِنْ تَبِعَاتِ العَاجِلِ وَالآجِلِ، وَمَا يَضُرُّ الجَسَدَ وَمَا يَنفَعُهُ، فَالنَّاسُ - عَبْرَ المُتَخَصِّصِينَ فِي أُمُورِ الطِّبِّ وَالعِلاَجِ - أَعْلَمُ بِأَحْوَالِهِمْ وَأَدْرَى، وَالأَصلُ فِي العِلاجَاتِ وَالأَدْوِيَةِ الحِلُّ إِلاَّ مَا جَاءَ الشَّرْعُ بِتَحْرِيمِهِ، لِقَولِ اللهِ تَعَالَى: ((هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا))(3)، أمَّا مَا وَرَدَ فِي الدِّينِ لِتَحقِيقِ الصِّحَّةِ فِي المُجتَمَعِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَحِمَايَةِ أَفرَادِهِ مِنَ الوُقُوعِ فِي الاضطِرَابَاتِ النَّـفْسِيَّةِ وَالأَمْرَاضِ وَالعِلَلِ فَهِيَ قَواعِدُ كُلِّيَّةٌ يُسْـتَهدَى بِهَا، وَتَشْرِيعَاتٌ يُستَضَاءُ بِأَحكَامِهَا، وَكَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَتْرُكُ أُمُورَ الدُّنيَا وَالصِّحَّةِ لِمَا تَعَارَفَ عَلَيهِ النَّاسُ، وَمَا يُلائِمُ ظُرُوفَهُمْ، وَدَلََّتْ عَلَيهِ تَجَارِبُهُمْ، فَعَنْ عَائِشَةَ                  - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - : ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ نَخْلاً؛ فَقَالَ: لَو لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلَحَ، قال: فَخَرَجَ شِيْصًا (أَيْ رَدِيئًا)، قَالَ: فَمَرَّ بِهِمْ، فَقَالَ: مَا لِنَخْلِكُمْ؟  فَقَالُوا: قُلْتَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: أنتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنيَاكُمْ))، وَفِي هَذَا دَلالَةٌ عَلَى ضَرُورَةِ الرُّجُوعِ إِلَى التَّجْرِبَةِ فِي كُلِّ عِلْمٍ، وَأَنَّ الدِّينَ هِدَايَةٌ لِلْبَشَرِ يَستَرشِدُونَ بِهِ فِي أُمُورِ دُنيَاهُمْ بِمَا يُرضِي اللهَ تَعَالَى ويُحَقِّقُ لَهُمْ مَصَالِحَهُمْ.
   أَيُّها النَّاسُ :
   لِلْصِّحَّةِ جَانِبَانِ: صِحَّةٌ فِي النَّفْسِ، وَصِحَّةٌ فِي البَدَنِ، وَهُمَا جَنَاحَا العَافِيَةِ، وَرُكْنَانِ لِلحَيَاةِ المُثلَى، وَهَمَا فِي الوَقْتِ ذَاتِهِ يُؤثِّرُ أَحَدُهُمَا فِي الآخَرِ سَلْبًا وَإِيجَابًا، وَقُوَّةً وَضَعْفًا. وَثَمَّةَ قَواعِدُ دِينِيَّةٌ تَحْفَظُ صِحَّةَ الإِنسَانِ النَّفْسِيَّةَ، لِيَبقَى سَلِيمَ الفِطْرَةِ، مَوفُورَ العَطَاءِ، مُتَوازِنَ الشَّخْصِيَّةِ، وَمِنْ ذَلِكَ تِلْكَ القَاعِدَةُ الكُلِّيَّةُ مِنْ تَبْدِيلِ السَّيِّئاتِ إِلَى حَسَنَاتٍ، فِي التَّائِبِ مِنْ ذُنُوبِهِ، وَالمُقْلِعِ عَنْ آثَامِهِ، إِذْ تَؤُولُ تِلْكَ الذُّنُوبُ كُلُّهَا إِلَى حَسَناتٍ عَلَى كِبَرِهَا وَكَثْرَتِهَا، وَتَتَحَوَّلُ ظُلمَتُهَا فِي القَلْبِ إِلَى نُورٍ، وَلا يَبقَى لَهَا أَثَرٌ أَوْ خَبَرٌ، فَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ:((إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا))(4)، فَهَذَا التَّبْدِيلُ نِعْمَةٌ كُبْرَى، وَعِلاجٌ لِلنَّفْسِ، وَرَاحَةٌ لِلْقَلْبِ، وَاستِقْرَارٌ لِلْفِكْرِ. إِنَّ مِنْ أَسْبَابِ العِلَلِ النَّفْسِيَّةِ - كَمَا يَقُولُ عُلَمَاءُ النَّفْسِ- النَّظَرَ إِلَى المَاضِي، وَتَذَكُّرَ الأَحْدَاثِ السَّـيِّـئَةِ، وَالخَوفَ مِنْ آثَارِهَا، أَوْ كَأَنْ يُفْتَنَ المَرْءُ فِي أُصُولِهِ وَأَنْسَابِهِ، أَوْ لَونِهِ، أَوْ يَكُونَ قَدْ وَقَعَ عَلَيهِ فِي صِغَرِهِ اضطِرَابٌ أَوِ اعتِدَاءٌ، مِمَّا لا يَدَ لَهُ فِيهِ وَلا حِيلَةَ، فَهَذَا كُلُّهُ – فِي مِيْزَانِ الدِّينِ - هَبَاءٌ، لا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي القَلْبِ مِنْهُ مَكَانٌ، وَلا فِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيءٌ، فَالإِسْلامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ، وَالتَّوبَةُ تَمْحُو مَا اقْتَرَفَهُ الإِنْسَانُ، وَالصَّغِيرُ مَرفُوعٌ عَنهُ قَلَمُ التَّكْلِيفِ، وَكَذَا المُكْرَهُ وَالنَّاسِي، وَمَا أَلْطَفَ وَقْعَ قَولِهِ تَعَالَى عَلَى العَقْلِ وَالقَلْبِ: ((وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ))(5)، فَالصَّلاةُ بِمَا فِيهَا مِنْ سُمُوٍّ رُوحِيٍّ تَمْحُو كُلَّ قَنَاعَةٍ سَلْبِيَّةٍ مِنَ النَّفْسِ، وَتَغْرِسُ فِيهَا قِيَمَ العَطَاءِ وَالخَيْرِ، وَتُذْهِبُ السَّـيِّـئَاتِ، بَلْ تُبَدِّلُها حَسَنَاتٍ، وَتِلْكَ كَرَامَةٌ إِلَهِيَّةٌ عُظْمَى، وَذِكْرَى ((لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ))(6)، إِنَّ الدِّينَ بِهَذِهِ المَرَاشِدِ الكُبْرَى يَهْدِي إِلَى حَقِيقَةٍ عِلْمِيَّةٍ، وَعِلاَجٍ فَاعِلٍ لأَعْرَاضِ الخَوفِ والاضطِرَابِ وَالقَلَقِ، إِنَّهَا عَمَلِيَّةُ مَسْحٍ شَامِلَةٌ لِكُلِّ البَيَانَاتِ السَّـلْبِيَّةِ الَّتِي تُسَيْطِرُ عَلَى العَقْلِ، ثُمَّ تَمْلأُ الفَرَاغَ بَعْدَ ذَلِكَ بِبَيَانَاتٍ إِيجَابِيَّةٍ، يَكُونُ لَهَا مَفْعُولُهَا عَلَى الوَاقِعِ وَالمُستَقْبَلِ، وَذَلِكَ بِالتَّركِيزِ فِي القَنَاعَاتِ الإِيجَابِيَّةِ، وإِهْمَالِ مَا سِوَاهَا مِمَّا يَهْدِمُ الصِّحَّةَ وَالبَدَنَ، وَيُمْرِضُ القَلْبَ وَالفِكْرَ؛ وَبِهَذَا تَتَأَتَّى لِلْمَرْءِ قُوَّةٌ في القَلْبِ، فَلا تُزْعِجُهُ الأَوْهَامُ، وَقُوَّةٌ فِي الفِكْرِ فَلا تُقْعِدُهُ الخَيَالاتُ، وَلاَ تَتَكَاثَرُ عَلَيهِ الأَفْكَارُ السَّيِّئَةُ، وَهِيَ الأبْوَابُ المُشْرَعَةُ عَلَى القَلَقِ وَالوَسَاوِسِ، والاضطِرَابِ وَالعُزلَةِ، وأَمْرَاضِ الفِصَامِ وَالصَّرْعِ وَسِوَاهَا.
   عِبادَ اللهِ :
   ثَمَّةَ قَاعِدَةٌ لَهَا أَهَمِّيَّـتُهَا وَعِظَمُهَا، أَلاَ وَهِيَ مَبْدَأُ السَّـتْرِ، وَهُوَ مَبْدَأٌ مُتَنَوِّعٌ لَبُوسُهُ وَقَوَالِبُهُ، بِقَدَرِ النِّيَّةِ وَالإِنَابَةِ إِلَى اللهِ والإِخْلاصِ لَهُ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يَنْزِعُ مِنْ قُلُوبِ العِبَادِ مَا يَشَاءُ، أو يُثْبِتُ مَا يَشَاءُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتَابِ، وَقِوَامُ السَّـتْرِ عَلَى جَانِبَينِ: جَانِبٍ يَخُصُّ الإِنْسَانَ المُبتَلَى بِبَعْضِ الآثَامِ فَيَستُرُهُ اللهُ، فَعَلَيهِ عَدَمَ كَشْفِ أَمْرِهِ لِلنَّاسِ، وَلاَ التَّحَدُّثِ عَنْهَا، كَيْ لاَ يَتَعَدَّى أَثَرُهَا السَّيِّئُ إِلَى مَنْ حَولَهُ، وَفِي هَذَا يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((اجتَنِبُوا هَذِهِ القَاذُورَاتِ، فَمَنْ أَلَمَّ فَلْيَستَتِرْ بِسِتْرِ اللهِ وَلْيَتُبْ إِلَى اللهِ))، وَقَدْ فَارَقَ هَذَا التَّصَوُّرُ فِي الإِسْلامِ كَثِيرًا مِنَ التَّصَوُّرَاتِ الأُخْرَى، الَّتِي تَرَكَّزَتْ عَلَى الإِيغَالِ فِي المَعْصِيَةِ وَالمُجَاهَرَةِ بِهَا مِنْ أَجْـلِ تَخْلِيصِ النَّفْسِ مِنْ إِدْبَارِهَا واضطِرَابِهَا، فَوَقَعُوا فِيمَا مِنْهُ هَرَبُوا، وَلَمْ يَنَالُوا خَيْرًا. أَمَّا الجَانِبُ الآخَرُ فَهُوَ السَّـتْرُ عَلَى مَنْ وَقَعَ فِي أَمْرٍ يَطْعَنُ فِي دِينِهِ أَوْ شَرَفِهِ، وَيُطْلِقُ أَلْسِنَةَ السُّوءِ عَلَيهِ، وَيُنْدَبُ السَّـتْرُ عَلَى المُسْلِمِ فِي الأحْوَالِ كُلِّهَا، فَالنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ))، وَهَذَا المَبْدَأُ لَهُ أَثَرُهُ الطَّيِّبُ فِي النَّفْسِ وَالمُجتَمَعِ، وَيُشِيعُ جَوَّ الطُّمَأْنِينَةِ وَالمُرُوءَةِ، وَقَدْ أُثِرَ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَقَالَ لَهُ: ((إِنَّ ابنَتِي أَصَابَتْ شَيئًا مِنْ هَذِهِ القَاذُورَاتِ، أَفَأُمْسِكُهَا؟ قَالَ: بَلْ زَوِّجْهَا عَفِيفَةً كَرِيمَةً))، فَأَمَرَهُ بِتَزْوِيجِهَا وَالسَّـتْرِ عَلَيهَا وَعَدَمِ فَضْحِهَا.                                         
   أَيُّها المُؤمِنونَ :                                         
   ثَمَّةَ قَوَاعِدُ دِينِيَّةٌ أُخْرَى لِلْصِّحَّةِ النَّفْسِيَّةِ، وَمِنهَا الأَمَلُ بِتَحقُّقِ الخَيْرِ، وَالتَّفَاؤُلُ بِالمُستَقْبَلِ، وَحُسْنُ الظَّنِّ بِاللهِ فِي القَضَاءِ وَالقَدَرِ، فَهَذِهِ مَشَاعِرُ يُفِيضُها الإِيمَانُ عَلَى القَلْبِ، فَيَسْرِي فِيهِ نُورٌ يَقُودُ نَحْوَ الخَيْرِ وَالسَّعْدِ، فَلا يَأْسَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَلا قُنُوطَ مِنْ مَغْفِرَتِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَمَتَى شَعَرَ المَرْءُ بِطُمَأْنِينَةٍ وَسُرُورٍ أَقْبَلَ عَلَى العَمَلِ وَالإِنتَاجِ، وَارتَقَى فِي سُلَّمِ النَّجاحِ، إِنِ اقتَرَنَ ذَلِكَ بِقُوَّةِ اليَقِينِ والإِيمَانِ بِاللهِ، بِأَنَّ مَا أَصَابَهُ مِفْتَاحٌ لأُفُقٍ جَدِيدٍ فِي حَياتِهِ، اللهُ بَاعِثُهُ إِلَيهِ، وَعَنْ قَرِيبٍ مُلاقِيهِ. وَمِنْ أَعْظَمِ القَوَاعِدِ أَيضًا حُسْنُ الظَّنِّ بِاللهِ، فَإنَّهُ يَبْطُلُ عِنْدَهُ كُلُّ كَيْدٍ، وَيَصْغُرُ إِزَاءَهُ أَيُّ بَلاءٍ، فَتَرتَفِعُ القِيَمُ فِي القَلْبِ، بِمُستَقْبَلٍ أَزْهَرَ وَأَجْمَلَ، وَحَيَاةٍ أَكْرَمَ وَأَفْضَلَ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الحَدِيثِ القُدُسِيِّ العَظِيمِ قَولُهُ تَعَالَى: ((أَنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي؛ فَلْيَظُنَّ بِي عَبْدِي مَا شَاءَ))، فَمَنْ ظَنَّ بِاللهِ ظَنًّا حَسَنًا نَالَهُ الخَيْرُ بِحَسَبِ مَا ظَنَّ، وَمَنْ ظَنَّ بِهِ شَرًّا نَالَهُ الشَّرُّ بِحَسَبِ مَا ظَنَّ، فَعَلَينَا الانتِبَاهَ لِلظُّنُونِ الَّتِي فِي قُلوبِنَا، والأَفْكَارِ الَّتِي نَحْمِلُهَا، لأنَّهَا المُستَقْبَلُ الَّذِي يَنتَظِرُنَا، وَفِي الحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّهُ قَالَ: ((لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ))، وَإحْسَانُ الظَّنِّ جَلِيلُ القَدْرِ، عَالِي المَنْزِلَةِ، إِذْ تَهُبُّ نَسَمَاتُهُ عَلَى القَلْبِ فَتَحْمِيهِ مِنَ الأَمْرَاضِ، ثُمَّ تَسكُبُ عَلَيهِ بَرْدَ المَوَدَّةِ وَالحُبِّ، وَالرِّضَا وَالقَنَاعَةِ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي حَقِّ مَنْ تَرَدَّى وَهَوَى: ((وَذَلِكُمُ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُم فَأَصْـبَحتُم مِّنَ الخَاسِرِينَ))(7)، فَكَانَ ظَنُّهُمْ بِاللهِ الظَّنَّ السَّيِّئَ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ هَلاكِهِمْ، وَلَوْ ظَنُّوا بِاللهِ ظَنًّا حَسَنًا لَحَسُنَ عَمَلُهُمْ، وَاسْتَقَامَ أَمْرُهُمْ وَصَلَحَتْ أَحْوَالُهُمْ.
    أيُّهَا المُسْلِمُونَ :
   مِنْ قَوَاعِدِ الصِّحَّةِ النَّفْسِيَّةِ تَفْوِيضُ الأُمُورِ للهِ، والرِّضَا بِمَا قَضَى، إِذْ لَهُ سُبحَانَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ، والحُكْمُ وَالقَهْرُ، قَالَ بَعْضُ الحُكَمَاءِ: عَجِبْتُ لِمَنْ كِيدَ فِي أَمْرٍ كَيفَ غَفَلَ عَنْ قَولِ:((وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ))(8)، فَلا تَنْظُرْ إِلَى الفَرقِ بَيْنَكَ وَبَيْنَ فُلانٍ، فِي المَالِ أَوِ العِلْمِ أَوِ الجَاهِ، فَيَدْخُلَ فِي قَلْبِكَ الحَسَدُ، وَلا تُقَارِنْ نَفْسَكَ بِمَا لَدَى الآخَرِينَ، بَلْ كُنْ أَنْتَ نَفْسَكَ، وَثِقْ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ، وَلَو كَانَ فِي نَفْسِكَ نَقْصٌ مَا فَاجْعَلْهُ كَمالاً بِسِيرَتِكَ الحَسَنَةِ، وَسُمُوِّ أَفْكَارِكَ، وَحُسْنِ تَصَرُّفِكَ. إِنَّ الإِيغَالَ فِي النَّظَرِ فِي أَحْوَالِ النَّاسِ، وَمُقَارَنَةَ ذَلِكَ بِمَا لَدَيكَ يُوَلِّدُ فِي النَّفْسِ عَدَمَ الرِّضَا، المُفْضِيَ إِلَى الاستِدْرَاكِ عَلَى اللهِ فِي مَشِيئَتِهِ، وَذَلِكَ مَدْخَلٌ إِلَى القَلَقِ والاضطِرَابِ، كَمَا فَعَلَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِأنبِيَاءِ اللهِ، (( وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ))(9)، فَجَاءَ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ فِي قَولِ اللهِ تَعَالَى: ((اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ))(10)، وَكَذَا فِي أُمُورِ النَّاسِ العَامَّةِ، فَاللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ ذَاكَ غَنِيًّا وَهَذَا فَقِيرًا، وَذَاكَ حَاكِمًا وَهَذَا مَحكُومًا، فَلا تَشْغَلْ نَفْسَكَ – أيُّهَا المَرْءُ - بِمَا قَضَاهُ اللهُ، بَلْ اعْمَلْ عَلَى إِصْلاَحِ نَفْسِكَ وَتَقْوِيمِهَا، وَلَكَ السَّاعَةُ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا، فَاجْعَلْهَا لَكَ طَاعَةً، وَسِرْ حَيثُ أَرَدْتَ فِي طَرِيقِ الخَيْرِ، وَكُنْ مُطْمَئِنًّا، مُشْرِقَ الخَاطِرِ، مُبتَسِمَ القَلْبِ، فَمَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَيكَ القُرآنَ لِتَحْزَنَ أَوْ تَشقَى، بَلْ لِتَسْعَدَ وَتَرقَى. وَمِنَ القَواعِدِ الدِّينِيَّةِ المُهِمَّةِ فِي الصِّحَّةِ النَّفْسِيَّةِ، وَلَهَا صِلَةٌ بِالإِيمَانِ وَالرِّضَا، عَدَمُ امتِحَانِ اللهِ فِي نَوامِيسِهِ وَفِي قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الآثَارِ أَنَّ عِيسَى بنَ مَريَمَ - عَلَيهِ السَّلامُ-  جَاءَهُ إِبلِيسُ فَقَالَ لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ عَلِمْتَ أنَّهُ لا يُصِيبُكَ إِلاَّ ما قُدِّرَ عَلَيكَ، فَأَوفِ بِذُرْوَةِ الجَبَلِ فَتَرَدَّ مِنْهُ، فَانْظُرْ أتَعِيشُ أَمْ لاَ؟ فَقَالَ لَهُ عِيْسَى - عَلَيهِ السَّلامُ -: إِنَّ اللهَ يَقُولُ: ((إنَّ العَبْدَ لا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُجَرِّبَنِي، وَمَا شِئْتُ فَعَلتُ))، وَقَالَ لَهُ: ((إنَّ العَبْدَ لا يَبتَلِي رَبَّهُ، وَلَكِنَّ اللهَ يَبتَلِي عَبْدَهُ))، وَجَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلَهُ أَنْ يُوصِيَهُ وَصِيَّةً جَامِعَةً فَقَالَ: ((لا تَتَّهِمِ اللهَ فِي قَضَائِهِ))، قَالَ أبُو الدَّردَاءِ: ((إنَّ اللهَ إذا قَضَى قَضَاءً أَحَبَّ أَنْ يُرضَى بِهِ))، وَالرِّضَا بِالقَضَاءِ انشِرَاحُ الصَّدْرِ بِهِ، وَكَفُّ الجَوارِحِ عَنْ إِظْهَارِ الجَزَعِ، وَتِلْكَ صِفَةُ المُتَّقِينَ، وَعِبَادِ الرَّحْمَنِ الصَّالِحِينَ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ، لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ))(11).                 
   أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
                                                      *** *** ***
   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعلَمُوا أَنَّ الإِفْضَالَ مَطِيَّةٌ إلى قُلُوبِ الرِّجَالِ، وَمَنْ نَثَرَ حُبَّ المَوَدَّةِ وَزَرَعَ الخَيْرَ؛ حَصَدَ مِنَ النَّاسِ أَزَاهِيرَ الوُدِّ وَعَبَقَ التَّقْدِيرِ، وَمَنْ وُهِبَ الإِحْسَانَ سَرَى ذِكْرُهُ الحَسَنُ عَلَى كُلِّ لِسَانٍ، وَأَطْيَبُ مِنَ الثَّمَرِ الزَّكِيِّ زَارِعُهُ، وَأَجْمَلُ مِنَ الفِعلِ الحَسَنِ صَانِعُهُ، وَإِنَّ الإِفْرَاطَ فِي الزِّيَادَةِ يُؤَدِّي إِلَى النُّقْصَانِ، وَكَمْ مِنْ نِعْمَةٍ أَتْلَفَتْ صَاحِبَهَا بِظُلْمِهِ، وَكَمْ مِنْ شَهْوَةٍ فَوَّتَتْ خَيْرًا كَثِيرًا.   
   أَيُّهَا المُسلِمُونَ :
   مِنْ قِوَامِ الصِّحَّةِ النَّفْسِيَّةِ العَدْلُ فِي الأُمُورِ؛ فَالكَمَالُ عَزِيزٌ، وَالوُقُوفُ عَنْ طَلَبِهِ تَفْرِيطٌ، وَلا يُفْضِي التَّرَفُ إِلاَّ إِلَى التَّلَفِ، وَمَا ثَمَّ كَمَالٌ فَوقَ هَدْيِ الدِّينِ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ أَحْكَامٍ، وَمَنْ نَازَعَ أَمْرَ اللهِ هَلَكَ، وَمَا نُزِعَ مِنْ قَلبِ إِنْسَانٍ الحُبُّ إِلاَّ امتَلأَ حِقْدًا، يَبْدَأُ بِهِ فَيُحْرِقُهُ ثُمَّ يُصلِيهِ فِي حَيَاتِهِ شَقَاءً، كَمَا أثْبَتَ اللهُ فِي كِتَابِهِ فِعلَ المُنَافِقِينَ فَقَالَ: ((فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ))(12)، وَمَا يُصِيبُ الإِنْسَانَ مِنْ شرٍّ أَوْ سُوءٍ أَوْ نَكْبَةٍ إِلاَّ كَانَ هُوَ السَبَبَ فِيهَا، يَقُولُ تَعَالَى: ((وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ))(13)، وَكَثِيرُونَ يَسْأَلُونَ اللهَ البَلاءَ لأَنفُسِهِمْ، وَيَستَجلِبُونَ الشَّرَّ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ، ثُمَّ إِذَا وَقَعَ عَلَيْهِمْ قَالُوا: أَنَّى هَذَا، ((أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))(14)، فَعَلَينَا الانتِبَاهَ لأَقْوالِنا وَنِيَّاتِنَا، فَمِنَ الأُمَّهَاتِ أَوِ الآبَاءِ مَنْ يَدعُونَ عَلَى أبنَائِهِمْ وَقْتَ الغَضَبِ بِمُصِيبَةٍ أَوْ عَاهَةٍ أَوْ مَرَضٍ، فَذَلِكَ وَاقِعٌ عَلَيهِمْ، إِلاَّ بِعَفْوِ اللهِ وَلُطْفِهِ، وَكَذَا الظُّنُونُ السَّـيِّـئَةُ إِذَا استَمَرَّ الإِنْسَانُ فِي تَتَبُّعِهَا فَإِنَّهُ يَستَجلِبُهَا، ثُمَّ تَحُلُّ عَلَيهِ.
   فاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ- فِي أَنفُسِكُمْ، وَرَاقِبُوا أَلْسِنَتَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ وَظُنُونَكُمْ، ولا تَستَجلِبُوا لأَنفُسِكُمْ إِلاَّ الخَيْرَ، ولا تَظُنُّوا بِاللهِ إِلاَّ خَيْرًا: ((اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ، وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ))(15).
   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْمًا: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (16).
   اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُوْمًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُوْمًا، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْمًا.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَانًا صَادِقًا ذَاكِرًا، وَقَلْبًا خَاشِعًا مُنِيْبًا، وَعَمَلاً صَالِحًا زَاكِيًا، وَعِلْمًا نَافِعًا رَافِعًا، وَإِيْمَانًا رَاسِخًا ثَابِتًا، وَيَقِيْنًا صَادِقًا خَالِصًا، وَرِزْقًا حَلاَلاًَ طَيِّبًا وَاسِعًا، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
   عِبَادَ اللهِ :
(( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
(1) سورة التكاثر/ 8.
(2) سورة البقرة/ 195.
(3) سورة البقرة/ 29.
(4) سورة الفرقان/ 70.
(5) سورة هود/ 114.
(6) سورة ق/ 37.
(7) سورة فصلت/ 23.
(8) سورة غافر/ 44.
(9) سورة الأنعام/ 124.
(10) سورة الأنعام/ 124.
(11) سورة الحديد/ 22-23.
(12) سورة الحشر/ 2.
(13) سورة الشورى/ 30.
(14) سورة آل عمران/ 165.
(15) سورة الأعراف/ 55-56.
(16) سورة الأحزاب / 56 .

 
< السابق   التالى >
 

استفتاء

ما رأيك بصفحة خطب الجمعة؟
 
spacer

spacer
© 2024 موقع خطب الجمعة
Joomla! is Free Software released under the GNU/GPL License.