خطبة الاسبوع
spacer

  

spacer
spacer  
spacer spacer

خُطْْْـبَةُ عِيدِ الـفِطْرِ السَّعِيدِ طباعة ارسال لصديق
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
14/09/2009

خطبة عيد الفطر السعيد 1 شوال 1430هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
خُطْْْـبَةُ عِيدِ الـفِطْرِ السَّعِيدِ

   اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ.
   اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ.
   اللهُ أَكْبَرُ مَا صَدَحَتِ الأَصْوَاتُ بِالتَّكْبِيرِ فِي المَسَاجِدِ، اللهُ أَكْبَرُ مَا سَبَّحَ للهِ رَاكِعٌ وَسَاجِدٌ، اللهُ أَكْبَرُ مَا اسْـتَبْـشَرَ الصَّائِمُونَ بِعَظِيمِ الأَجْرِ، اللهُ أَكْبَرُ مَا قَامَ المُتَهَجِّدُونَ للهِ يَرْجُونَ لَيْلَةَ القَدْرِ، اللهُ أَكْبَرُ مَا تَاقَتْ قُلُوبُ الصَّائِمِينَ لِهَذَا العِيدِ، اللهُ أَكْبَرُ مَا تَنَفَّسَ الصُّبْحُ بِهَذَا اليَوْمِ السَّعِيدِ.
   اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، لا إِلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَأَعَزَّ جُنْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّيْنَ وَلَو كَرِهَ الكَافِرُونَ.
   الحَمْدُ للهِِ العَزِيزِ الحَمِيدِ، خَتَمَ لَنَا شَهْرَ رَمَضَانَ بِهَذَا العِيدِ السَّعِيدِ، وَأَجْزَلَ لَنَا فِيهِ مِنَ الثَّوَابِ وَالعَطَاءِ وَهُوَ الكَرِيْمُ المَجِيدُ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، جَعَلَ عِيدَ الفِطْرِ فَرْحَةً لِعِبَادِهِ المُؤمِنِينَ، وَسُرُورًا يَنْشُرُهُ فِي قُلُوبِ الصَّائِمِيْنَ المُخْلِصِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، نَشَرَ الهُدَى وَالنُّورَ، وَسَنَّ العِيدَ لإِشَاعَةِ البَهْجَةِ وَالسُّرُورِ، -صلى الله عليه وسلم- وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى صَحْبِهِ الغُرِّ المَيَامِينِ، وَمَنْ سَارَ علَى نَهْجِهِمْ وَاهتَدَى بِهَدْيِهِمْ إِلى يَومِ الدِّيْنِ.

   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   إِنَّ اللهَ بِعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، بَيَّنَ لَنَا الزَّمَانَ الفَاضِلَ، الَّذِي يَتَضَاعَفُ فِيهِ أَجْرُ المُجِدِّ العَامِلِ، فَخَصَّـنَا بِشَهْرِ رَمَضَانَ، الَّذِي تَغَذَّتْ فِيهِ الرُّوحُ مِنْ غِذَاءِ الإِيمَانِ، وَفُطِمَتْ فِيهِ الجَوَارِحُ عَنْ مَألُوفَاتِهَا وَعَادَاتِهَا، وَانْكَسَرَتْ ثَوْرَةُ النَّفْسِ وَكُبِحَ جِمَاحُهَا، وَشَمَّرَ المُسْلِمُ فِيهِ عَنْ سَاعِدِ الجِدِّ بِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍِ، لِيَنَالَ فِي آخِرَتِهِ الأَجْرَ الرَّابِحَ، وَلَمَّا كَانَ مِنْ طَبِيعَةِ النَّفْسِ البَشَرِيَّةِ أَنَّهَا فِي بَعْضِ الأَحْيَانِ يَعْتَرِيهَا الضَّجَرُ وَالمَلَلُ، وَيَتَسَرَّبُ إِلى وِجْدَانِهَا السَّآمَةُ وَالكَسَلُ؛ نَقَلَ اللهُ عَبْدَهُ المُسْلِمَ إِلى حَالٍ أُخْرَى، فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الفِطْرَ فِي هَذَا اليَوْمِ، وَجَعَلَهُ عِيْدًا تَبْرُزُ فِيْهِ مَلامِحُ الفَرَحِ وَالسُّرُورِ، وَالبَهْجَةِ وَالانشِرَاحِ وَالحُبُورِ، وَأَحَلَّ فِيهِ مِنَ اللَّهْوِ المُبَاحِ مَا أَحَلَّ فِي غَيْرِهِ مِنَ الأَيَّامِ مِمَّا يَبْسُطُ النَّفْسَ، وَيُنَشِّطُ الحِسَّ، فَدِينُنَا بِجَمِيلِ شَرَائِعِهِ، وَعَظِيمِ مَقَاصِدِهِ وَمَنَافِعِهِ، حَرِيْصٌ عَلَى إِيْجَادِ التَّوَازُنِ بَيْنَ مُتَطَلَّبَاتِ الرُّوحِ وَمَا تَحتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ غِذَاءٍ إِيْمَانِيٍّ، وَحَوَائِجِ الجَسَدِ الَّتِي تُحَقِّقُ لَهُ كِيَانَهُ الإِنْسَانِيَّ، وَالإِسْلامُ كَمَا يَسْعَى إِلى تَرْغِيبِ أَتْبَاعِهِ فِي الطَّاعَاتِ، كَذَلِكَ يَدْعُوْهُمْ إِلى التَّمَتُّعِ بِالطَّيِّباتِ، وَيُرَغِّبُهُمْ فِي التَّجَمُّـلِ وَالزِّينَةِ بِسَائِرِ المُبَاحَاتِ، قَالَ تَعَالَى: ((قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ))(1)، فَالتَّوَازُنُ إِذًا بَيْنَ مُتَطَلَّبَاتِ الجَسَدِ وَالرُّوحِ، هَوَ الَّذِي يَنْشُدُهُ الإِسْلامُ فِي هَذِهِ الأُمُورِ، وَيَكْرَهُ كُلَّ مَا يُوقِعُ فِي السَّآمَةِ وَيُوْرِثُ الفُتُورَ، إِنَّهُ يَحُثُّ عَلَى إِعْطَاءِ النَّفْسِ القِسْطَ الوَافِرَ مِنَ الرَّاحَةِ، وَأَنْ تُجَنَّبَ كُلَّ مَا يُرْهِقُهَا مِنَ العَمَلِ وَلَوْ كَانَ طَاعَةً، وَالقُلُوبُ مِنْ طَبِيعَتِهَا -عِبَادَ اللهِ- تَحتَاجُ إِلى أنْ يُرَوَّحَ عَنْهَا بِمَا يُسْعِدُهَا، وَيُعِيْدُ إِلَيْهَا البَهْجَةَ بِمَا يُؤْنِسُهَا وَيُفْرِحُهَا، كَيْ تَستَمِرَّ فِي الإِقْبَالِ عَلَى العِبَادَاتِ، وَتُوَاصِلَ فِعْلَ الخَيْرَاتِ وَالطَّاعَاتِ، بِرُوحٍ مُتَجَدِّدَةٍ، وَهِمَّةٍ مُتَوَقِّدَةٍ، وَلَقَدْ بَيَّنَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- لأُمَّـتِهِ هَذَا المَبْدَأَ الرَّفِيعَ، فِي حَدِيثِهِ الشَّرِيفِ البَدِيعِ، حَيْثُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: ((إِنَّ لِبَدَنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِرَبِّـكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ)).
    اللهُ أكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ.
    أيُّهَا المُسلِمُونَ :
 مَا أَجَلَّ العِيدَ وَمَا أَعْظَمَ آثَارَهُ، وَمَا أَكْثَرَ مَقَاصِدَهُ وَحِكَمَهُ وَأَسْرَارَهُ، فَالعِيدُ لا تَتِمُّ فَرْحَتُهُ، وَلا تَتَحَقَّقُ فَضِيلَتُهُ، وَلا تَشِيعُ بَهْجَتُهُ، إِلاَّ بِإِبْرَازِ مَلامِحِ المَوَدَّةِ وَالتَّعَاضُدِ، وَإِظْهَارِ جَانِبِ التَّآخِي وَالتَّسَانُدِ، يَظْهَرُ ذَلِكَ جَلِيًّا مِنْ أَوَّلِ سَاعَاتِ صَبَاحِ عِيدِكُمْ، فَمَا أَرْوَعَكُمْ وَقَدْ جِئْتُمْ لِلصَّلاةِ بَقُلُوبٍٍ تَقِيَّةٍ، طَاهِرَةٍ نَقِيَّةٍ، تَمْلَؤُهَا مَشَاعِرُ الحُبِّ وَالصَّـفَاءِ، وَالوُدِّ وَالإِخَاءِ، رَافِعِيْنَ شِعَارَ التَّسَامُحِ، عَازِمِينَ عَلَى التَّصَافُحِ وَالتَّصَالُحِ، سَاعِيْنَ لإِشَاعَةِ رُوحِ التَّعَاوُنِ وَالتَّـسَامِي، وَتَبَادُلِ الدَّعَوَاتِ وَالتَّهَانِي، إِنَّ العِيدَ صُورَةٌ بَهِيَّةٌ مُشْرِقَةٌ، فَاجْعَلُوهُ فُرْصَةً لِلتَّزَاوُرِ فِيمَا بَيْنَكُمْ، وَمَحَطَّةً لِغَرْسِ مَبَادِئِ الحُبِّ فِي قُلُوبِكُمْ، فَكَمْ مِنْ مَحَبَّةٍ انْقَطَعَتْ، وَمَوَدَّةٍ انْدَثَرَتْ، وَصَلَهَا وَأَحْيَاهَا التَّزَاوُرُ فِي العِيدِ، فَعَادَتِ المِيَاهُ بَيْنَ المُتَخَاصِمِينَ إِلى مَجَارِيهَا مِنْ جَدِيدٍ، فَعَمَّـتْهُمْ مَحَبَّةُ المَولَى العَزِيزِ الحَمِيدِ، حَيْثُ قَالَ جَلَّ شَأْنُهُ فِي حَدِيثِهِ القُدُسِيِّ: ((وَجَبَتْ مَحَبَّـتِي لِلمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ))، إِنَّ مِنْ حُقُوقِ الأُخُوَّةِ أَنْ نَكُونَ مُتَحَابِّينَ، مُؤْتَلِفِيْنَ مُتَّحِدِيْنَ، يُعَاوِنُ كُلٌّ مِنَّا الآخَرَ فِيمَا يَنْفَعُهُ فِي دُنْيَاهُ وَدِينِهِ، وَمَا يَخْدُمُ أَهْـلَهُ وَمُجتَمَعَهُ وَوَطَنَهُ، وَأَنْ نَتَرَفَّعَ عَنِ الأَثَرَةِ وَالمَصَالِحِ الشَّخْصِيَّةِ، وَنُؤْثِرَ عَلَيْهَا المَصَالِحَ الاجتِمَاعِيَّةَ، الَّتِي تُحَقِّقُ لَنَا العِزَّةَ فِي مُجتَمَعِنَا، وَالمَجْدَ وَالازْدِهَارَ لِوَطَنِنَا، فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ((وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ))(2)، وَإِنَّ مِنْ أَهَمِّ صُوَرِ هَذَا التَّعَاوُنِ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ نَسْعَى لِتَحقِيقِهِ، وَنَحْرِصَ دَائِمًا عَلَى تَأْكِيدِهِ وَتَوثِيقِهِ، أَنْ نَتَعَاوَنَ جَمِيعًا عَلَى التَّخَلُّقِ بِالخُلُقِ الحَسَنِ، وَالاستِمْسَاكِ بِمَا وَصَّى بِهِ رَسُولُ الأَنَامِ  -عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلاةِ وَأَزكَى السَّلامِ-؛ فَالأَخْلاقُ الفَاضِلَةُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ عُنْوَانُ مَجْدِهَا، وَرَمْزُ سَعَادَتِهَا، وَتَاجُ عِزَّتِهَا وَكَرَامَتِهَا، فَمَا أَحْوَجَنَا أَنْ نَتَعَاوَنَ عَلَى ذَلِكَ لِيَعِيشَ مُجتَمَعُنَا أَعْلَى دَرَجَاتِ الرُّقِيِّ وَالازْدِهَارِ، وَتُرْسَى فِيهِ دَعَائِمُ الحَضَارَةِ وَالأَمْنِ وَالاستِقرَارِ، يَعْطِفُ فِيْهِ غَنِيُّنَا عَلَى فَقِيرِنَا وَيُسَانِدُهُ، وَيَنْصَحُ كُلٌّ مِنَّا الآخَرَ وَيَدُلُّهُ عَلَى طَرِيقِ الخَيْرِ وَيُسَاعِدُهُ، لِتَتَوَطَّدَ فِينَا مَبَادِئُ المَحَبَّةِ، وَتَتَوَثَّقَ بَيْنَنَا رَوَابِطُ الأُخُوَّةِ، وَيَكُونَ وَطَنُنَا الغَالِي قَوِيَّ الأَركَانِ، مُتَمَاسِكَ اللَّبِنَاتِ وَالبُنْيَانِ.
    اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ.
    عِبَادَ اللهِ :
    إِنَّ مُقَوِّمَاتِ نَهْضَةِ الأُمَمِ وَالمُجتَمَعَاتِ، وَدَعَائِمَ تَشْيِيدِ الأَمْجَادِ وَالحَضَارَاتِ، تَكْمُنُ فِي عِنَايَةِ الأُسْرَةِ بِأَبْنَائِهَا، لِيَكُونُوا أَجْيَالاً تَسْعَى لِنَهْضَةِ وَطَنِهَا، وَتَهْـتَمُّ بِوَاجِبِهَا فِي رِفْعَةِ مُجتَمَعِهَا، يَشِعُّ مِنْهَا نُورُ استِقَامَتِهَا وَصَلاحِهَا، وَهَذَا أَمْرٌ لَيْسَ مَنَالُهُ بِالصَّعْبِ العَسِيرِ، بَلْ هُوَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ هَيِّنٌ يَسِيرٌ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَبْنِيَ الأَبَوَانِ شَخْصِيَّةَ أَبْنَائِهِمَا عَلَى أُسُسِ العَقِيْدَةِ الصَّحِيحَةِ، الَّتِي تَغْرِسُ فِيهِمْ تَقْوَى اللهِ وَمُرَاقَبَتَهُ، وَحُبَّهُ وَطَاعَتَهُ، وَالاعتِزَازَ بِدِينِهِمْ وَمَبَادِئِهِمْ، وَالافْتِخارَ بِتُرَاثِ أُمَّـتِهِمْ وَمَجْدِ أَسْلافِهِمْ، لِيَنْشَؤُوا أَمَامَ مُوَاجَهَةِ المُؤَثِّرَاتِ أَقْوِيَاءَ، أتقياء بَرَرَةً فُضَلاءَ، لا يَلْتَفِتُونَ إِلى السُّلُوكِيَّاتِ السَّيِّئَةِ، وَلا المُمَارَسَاتِ الخَاطِئَةِ، فَيَسْعَدُ بِهِمُ المُجتَمَعُ، وَيَنْتَفِعُ مِنْهُمُ الوَطَنُ، بِذَلِكَ تَتَحَقَّقُ المَسْؤُولِيَّةُ الأُسْرِيَّةُ فِي رِعَايَةِ الأَبْنَاءِ، الَّتِي وَصَّى بِهَا الإِسْلامُ الأُمَّهَاتِ وَالآبَاءَ، إِنَّ مِنْ مَسْؤُولِيَّةِ الأُسْرَةِ أَنْ تَضَعَ أَبْنَاءَهَا عَلَى طَرِيقِ الخَيْرِ وَالصَّلاحِ، وَتَأْخُذَ بِأَيْدِيهِمْ نَحْوَ مَسْلَكِ السَّعَادَةِ وَالنَّجَاحِ، بِالتَّوْجِيهِ، وَالنُّصْحِ وَالتَّنْبِيهِ، إِنَّ الأَبْنَاءَ مَسْؤُولِيَّةٌ وَأَمَانَةٌ، وَإِهْمَالَهُمْ ضَرْبٌ مِنْ ضُرُوبِ الخِيَانَةِ، حَذَّرَ مِنْهُ المَولَى جَلَّ شَأْنُهُ، إِذْ قَالَ فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ:(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ))(3)، فَيَا أَيُّهَا الآبَاءُ وَالأُمَّهَاتُ: إِنَّ تَرْبِيَةَ الأَبْنَاءِ مَسْؤُولِيَّةٌ مِنْ أَعْظَمِ المَسْؤُولِيَّاتِ، فَكُونُوا قُدْوَةً لَهُمْ فِي الخَيْرِ لِيَقْتَدُوا بِكُمْ، وَإِيَّاكُمْ ثُمَّ إِيَّاكُمْ أَنْ تُهْمِلُوا تَرْبِيَتَهُمْ، رَاقِبُوهُمْ رِقَابَةً مَقْرُونَةً بِمَشَاعِرِ المَحَبَّةِ، وَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِمْ بِأَعْذَبِ العِبَارَاتِ، وَاجْعَلُوا مِنْ مُنَاسَبَةِ العِيدِ فُرْصَةً لِلْجُلُوسِ مَعَهُمْ، وَالتَّقَرُّبِ مِنْهُمْ، لِيَشْعُرُوا بِعَطْفِكُمْ وَاهتِمَامِكُمْ بِهِمْ، فَذَلِكَ مِنَ الخَيْرِ وَالإِحْسَانِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ المُصْطَفَى -صلى الله عليه وسلم- فِي حَدِيثِهِ حَيْثُ قَالَ: ((خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهلِي)).
   فَاتَّقُوا اللهَ –عِبَادَ اللهِ-، وَاحْرِصُوا عَلَى مَا فِيهِ صَلاحُكُمْ وَفَلاحُكُمْ، وَمَا يُؤَدِّي إلى تَآلُفِكُمْ وَوَحْدَتِكُمْ، وَكُونُوا نِبْرَاسَ خَيْرٍ فِي مُجْتَمَعِكُمْ، وَاجْعَلُوا مِنْ أَيَّامِ عِيدِكُمْ رَمْـزًا لِلْتَّعَاوُنِ الأَخَوِيِّ، وَالتَّلاحُمِ الأُسْرِيِّ.
   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْمًا: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (4).
   اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُوْمًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُوْمًا، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْمًا.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
                                            
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَانًا صَادِقًا ذَاكِرًا، وَقَلْبًا خَاشِعًا مُنِيْبًا، وَعَمَلاً صَالِحًا زَاكِيًا، وَعِلْمًا نَافِعًا رَافِعًا، وَإِيْمَانًا رَاسِخًا ثَابِتًا، وَيَقِيْنًا صَادِقًا خَالِصًا، وَرِزْقًا حَلاَلاًَ طَيِّبًا وَاسِعًا، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
   عِبَادَ اللهِ :
(( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
(1) سورة الأعراف/ 32.
(2) سورة المائدة / 2.
(3) سورة الأنفال/ 27.
(4) سورة الأحزاب / 56 .

 
< السابق   التالى >
 

استفتاء

ما رأيك بصفحة خطب الجمعة؟
 
spacer

spacer
© 2024 موقع خطب الجمعة
Joomla! is Free Software released under the GNU/GPL License.