خطبة الاسبوع arrow خطبة الاسبوع arrow أدِمْ صِلَتَكَ بِربّكَ
spacer

  

spacer
spacer  
spacer spacer

أدِمْ صِلَتَكَ بِربّكَ طباعة ارسال لصديق
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
23/09/2009

خطبة الجمعة بتاريخ 5 شوال 1430هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أدِمْ صِلَتَكَ بِربّكَ

   الْحَمْدُ للهِ ذِي المُلْكِ وَالمَلَكُوتِ، الحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ مِنَ الحَمْدِ وَأُثْنِي عَلَيْهِ، وَأُومِنُ بِهِ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، مَنْ اتَّصَلَ بِهِ عَزَّ وَاهتَدَى، وَاستَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، خَيْرُ مَنْ أَدَامَ الصِّـلَةَ بِرَبِّ العَالَمِيْنَ، وَعَبَدَ اللهَ حَتَّى أَتَاهُ اليَقِينُ، -صلى الله عليه وسلم-  وَعَلَى آلِهِ الغُرِّ المَيَامِينِ، وَصَحْبِهِ المُجتَهِدِينَ، وَعَلَى كُلِّ مَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.

   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا المُؤمِنُونَ :
   تَتَعَاقَبُ اللَّيَالِي وَالأَيَّامُ، وَتَمُرُّ الشُّهُورُ وَالأَعْوَامُ، غَيْرَ أَنَّ المُؤْمِنَ الَّذِي يَنْبِضُ قَلْبُهُ بِاليَقِيْنِ، وَتَغَذَّى بِالفِكْرِ السَّلِيمِ، يُدْرِكُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ هَمَلاً، وَلَمْ يُخْلَقْ عَبَثًا، بَلْ خُلِقَ لِحِكْمَةٍ جَلِيلَةٍ، وَغَايَةٍ عَظِيمَةٍ، تَبَيَّـنَهَا مِنْ قَولِ الحَقِّ سُبْحَانَهُ:((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ))(1)، فَتَظَلُّ عِبَادَةُ رَبِّهِ نُصْبَ عَيْنَيْهِ، يَعْمُرُ لأَجْـلِهَا دُنْيَاهُ، وَيَستَعِدُّ بِهَا لأُخْرَاهُ، مُوقِنًا أَنَّ عِبَادَةَ اللهِ، وَدَوَامَ الصِّـلَةِ بِمَوْلاهُ، هِيَ سِرُّ وُجُودِهِ، وَمَصْدَرُ قُوَّتِهِ، وَأَنَّ مَنِ اعتَصَمَ بِاللهِ فَقَدْ أَوَى إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ، فَتَمْلأُ قَلْبَهُ العِزَّةُ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا))(2)، إنَّ إِيْمَانَهُ بِرَبِّهِ يَبُثُّ فِي قَلْبِهِ النُّورَ وَالضِّيَاءَ، ((وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ))(3)، كَمَا أنَّ صِلَتَهُ الدَّائِمَةَ بِرَبِّهِ تُرشِدُ مَسْلَكَهُ، وَتُنِيرُ حَيَاتَهُ، فَيَسِيرُ فِي دَرْبِ الهِدَايَةِ، وَيَتَجَنَّبُ طُرُقَ الغَوَايَةِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ))(4)، وَيَقُولُ: ((وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ))(5)، وَكَلَّمَا زَادَ المُؤْمِنُ صِلَةً وَاجتِهَادًا؛ ازْدَانَ قَلْبُهُ هِدَايَةً وَرَشَادًا، فَيَكُونُ مِمَّنْ وَعَدَهُمْ رَبُّهُمْ بِقَولِهِ: ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ))(6)، نَعَمْ فَقَدْ كَانَ مَعَ اللهِ فِي سَائِرِ الأَيَّامِ وَالأَعْوَامِ، فَكَانَ اللهُ مَعَهُ فِي كُلِّ الظُّرُوفِ وَالأَحْوَالِ، وَوَفَّقَهُ لِكُلِّ تَقْوى وَخَيْرٍ، وَيَسَّرَ لَهُ سُبُلَ الإِحْسَانِ وَالبِرِّ، ((إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ))(7).
   أَيُّهَا المُسلِمُونَ :
   لَقَدْ رَبَّى الإِسْلامُ أَتْبَاعَهُ عَلَى دَوَامِ الصِّلَةِ بِاللهِ، وَأَنَّ عِبَادَةَ اللهِ لَيْسَ لَهَا زَمَانٌ وَمَكَانٌ، فَالإِنْسَانُ مُلْكٌ للهِ، وَكُلُّ يَومٍ نَعِيشُ فِيهِ عَلَى هَذِهِ البَسِيطَةِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ خَلْقِ اللهِ، وَكُلُّ الشُّهُورِ وَالأَعْوَامِ إِنَّمَا هِيَ مِنْ صُنْعِ اللهِ، فَلِذَا جَعَلَ اللهُ عِبَادَتَهَ مُوَزَّعَةً عَلَى الأَوقَاتِ، غَيْرَ مَحْصُوْرَةٍ فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ، فَهَا هِيَ الصَّلاةُ عَمُوْدُ الدِّينِ وَمِقْيَاسُ الإِيْمَانِ، افْتَرَضَهَا اللهُ عَلَيْنَا خَمْسًا فِي اليَومِ وَاللَّيْلَةِ، بَلْ وَصَلَ بَعْضَهَا بِوَقْتِ الَّتِي تَلِيهَا، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِتَكُونَ قُلُوبُنَا بِاللهِ مُتَّصِلَةً، وَأَفْئِدَتُنَا بِهِ مُعَلَّقَةً، إِنَّهَا عَوْنٌ دَائِمٌ عَلَى عِبَادَةِ اللهِ، وَعِمَارَةِ هَذِهِ الحَيَاةِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ))(8)، وَهِيَ اغْتِسَالٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنَ الذُّنُوبِ وَالأَخْطَاءِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ  -صلى الله عليه وسلم-  : (( أَرَأَيْتُمْ لَو أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَومٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيءٌ؟ قَالُوا: لا يَبقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيءٌ، قَالَ: فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّـلَوَاتِ الخَمْسِ يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الخَطَايَا))، وَجَعَلَ اللهُ مِنَ الصَّلاةِ مَا يُخْتَمُ بِهِ كُلُّ أُسْبُوعٍ، وَيَجْمَعُ المُؤْمِنِينَ فِي لِقَاءٍ رُوْحَانِيٍّ، فَشَرَعَ لَهُمْ صَلاةَ الجُمُعَةِ، وَأَمَرَهُمْ بِالسَّعْيِ إِلَيْهَا، وَعَدَمِ الاشْتِغَالِ عَنْهَا فَقَالَ: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ))(9)، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِكَي يَتَرَبَّى المُؤْمِنُ عَلَى حُسْنِ الصِّلَةِ بِرَبِّهِ، وَيَبقَى للهِ ذَاكِرًا، فَبِالذِّكْرِ حَيَاةُ قَلْبِهِ وَرُوحِهِ، وَلِذَا أَمَرَ اللهُ بِهِ بِالقَلْبِ قَبْلَ اللِّسَانِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ))(10)، وَأَمَرَ بِالإِكْثَارِ مِنْهُ فَقَالَ: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا))(11)، بَلْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ وَقْتًا مُحَدَّدًا، فَهُوَ شُغْلُ اليَومِ وَاللَّيلَةِ، فَقَالَ عَزَّ قَائِلاً حَكِيمًا: ((فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى))(12)، وَقَالَ: ((وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً))(13)، وَقَدْ يَسَّرَ اللهُ أَمْرَهُ، وَشَرَعَهُ بِكُلِّ الأَحْوَالِ وَلَمْ يَحْصُرْهُ فِي حَالٍ مُعَيَّنَةٍ، بَلْ قِيَامًا وَقُعُودًا وَحَتَّى وَالإِنْسَانُ مُضْطَجِعٌ، وَأَشَادَ بِمَنْ يُلازِمُهُ فَقَالَ: ((الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ))(14)، إِنَّ المُؤْمِنَ حِينَ يُلازِمُ ذِكْرَ اللهِ تَعَالَى يَشْعُرُ بِالطُّمَأْنِينَةِ تَمْلأُ قَلْبَهُ وَوِجْدَانَهُ، كَمَا قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: ((الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ))(15)، فَيُحِسُّ أَنَّ رَبَّهُ قَرِيبٌ مِنْهُ، فَإِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ أَحْسَنَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ وَصَبَرَ وَرَضِيَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ.
   عِبادَ اللهِ :
   لَقَدْ يَسَّرَ اللهُ لَنَا فِي تَشْرِيْعَاتِ الدِّينِ الحَنِيفِ مَا يُعِينُنا عَلَى دَوامِ الصِّـلـَةِ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَدَعَانَا إِلى أَنْ نُلازِمَ عِبَادَتَهُ مَا دُمْنَا أَحْيَاءً، فَالمُؤْمِنُ لا يَعْرِفُ رَبَّهُ فِي شَهْرٍ وَيَنْسَاهُ فِي آخَرَ، بَلْ يَظَلُّ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ فِي كُلِّ الأَيَّامِ وَالشُّهُورِ، وَهَذَا مَا دَأَبْـتُمْ عَلَيْهِ بِحَمْدِ اللهِ، فَطُوبَى لَكُمْ أَنْ خَتَمْـتُمْ شَهْرَ رَمَضَانَ بِالتَّوبَةِ وَالإِنَابَةِ، ثُمَ وَاصَلْتُمُ المَسِيرَةَ بِحُسْنِ العَمَلِ وَجَمِيلِ السِّيرَةِ، فَلْيَكُنْ لَكُمْ بَعْدَ الشَّهْرِ الفَضِيلِ مَا تُكْمِلُونَ بِهِ مَا بَدَأْتُمْ، فِإِنَّ القَلِيلَ الدَّائِمَ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مُنْقَطِعٍ، وَهَذَا مَا وَجَّهَنَا إِلَيْهِ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم-  حِيْنَ قَالَ: ((أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ))، فَهَا أَنْتُمْ تَلْتَزِمُونَ مَا افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ، وَهَذَا أَوَّلُ مَا يُعِينُ عَلَى دَوامِ الصِّـلَةِ بِاللهِ، وَأَحَبُّ مَا يُقَرِّبُكُمْ مِنْهُ زُلْفَى، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى فِي الحَدِيثِ القُدُسِيِّ: ((وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ))، وَمَا أَجْمَلَ أَنْ تَحْرِصُوا عَلَى النَّوَافِلِ وَتُكْثِرُوا مِنَ القُرُبَاتِ، لِتَنَالُوا مَحَبَّةَ رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، القَائِلِ: ((وَمَا زَالَ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ)).                                      
   أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ :                                        
   إِنَّ الدُّعَاءَ سِلاحُ المُؤْمِنِ، يَلْجَأُ بِهِ إِلَى رَبِّهِ، فَيَجِدُهُ مِنْهُ قَرِيْبًا، وَلَهُ مُجِيبًا، فَتَقْوَى بِهِ صِلَتُهُ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ))(16)، وَالدُّعَاءُ لَيْسَ مَحْصُورًا بِزَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ، وَلَيْسَ مَقْصُورًا عَلَى الدُّعَاءِ الأُخْرَوِيِّ، بَلْ أَنْتُمْ فِي حَاجَةٍ دَائِمَةٍ إلى اللهِ، وَقَدْ فَتَحَ اللهُ لَكُمْ أَبْوَابَهُ فَقَالَ: ((وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ))(17)، وَحَثَّكُمْ عَلَى الإِخْلاصِ فِي دُعَائِكُمْ فَقَالَ: ((قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ))(18)، إِنَّكُمْ حِينَ تَدْعُونَ اللهَ بِصِدْقٍ وَإِخْلاصٍ، فَإِنَّمَا ذَاكَ دَلِيلٌ عَلَى خَوْفِكُمْ وَرَجَائِكُمْ، فَهَنِيْئًا لَكُمْ بُشْرَى رَبِّكُمْ: ((أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا))(19).
   فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَأَدِيمُوا الصِّـلَةَ بِرَبِّكُمْ كَمَا كُنْتُمْ فِي رَمَضَانَ، وَاحْرِصُوا عَلَى أَنْ تَزْدَادُوا كُلَّ يَومٍ مِنْهُ قُرْبًا، تَجِدُوهُ رَحِيْمًا كَرِيمًا مُجِيبًا.
  أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
                                                  *** *** ***
   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   إنَّ تَنْظِيمَ الأَوقَاتِ، وَحُسْنَ تَرتِيبِهَا، وَاستِغْلالَهَا الاستِغْلالَ الأَمثَلَ، سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ النَّجَاحِ فِي شَتَّى مَيادِينِ الحَيَاةِ، فَإِذَا أَرَادَ المُؤْمِنُ أَنْ يَنْجَحَ فِي دَوَامِ صِلَتِهِ بِرَبِّهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَضَعَ أَمَامَهُ الأَهْدَافَ جَلِيَّةً، وَالغَايَاتِ وَاضِحَةً، ثُمَّ يُرَتِّبَ أَوَّلِيَّاتِهِ، فَيَبْدَأُ بِالأَهَمِّ ثُمَّ المُهِمِّ، وَيُعْطِي كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فِإِنَّ عِبَادَةَ اللهِ لا تَقْتَصِرُ عَلَى المَسَاجِدِ، أَوْ أَدَاءِ الصَّلَوَاتِ وَالشَّعَائِرِ، فَمَتَى مَا أَخْلَصَ الإِنْسَانُ قَلْبَهُ لِمَولاهُ؛ أَثَابَهُ اللهُ عَلَى كُلِّ عَمَلٍ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ))(20)، فَالعَمَلُ عِبَادَةٌ، وَخِدْمَةُ الوَالِدَيْنِ عِبَادَةٌ، وَرِعَايَةُ الأَهْلِ وَالقِيَامُ بِشُؤُوْنِهِمْ عَبَادَةٌ، وَهَكَذَا تَدُوْرُ سَاعَاتُ المُؤمِنِ وَأَيَّامُهُ، يَتَنَقَّلُ مِنْ طَاعَةٍ إِلَى طَاعَةٍ وَمِنْ ثَوَابٍ إِلَى ثَوَابٍ، مَتَى مَا صَفَّى نِيَّـتَهُ وَأَقَامَ وَاجِبَهُ، وَاجتَنَبَ مَا نَهَاهُ اللهُ عَنْهُ، وَفِي الحَدِيثِ أَنَّ سَلْمَانَ الفَارِسِيَّ قَالَ لأَبِي الدَّرْدَاءِ: إِنَّ لِرَبِّـكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلأَهلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَـقَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-  فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-  : ((صَدَقَ سَلْمَانُ))، إِنَّ التَّوَازُنَ فِي تَزْكِيَةِ النَّفْسِ مِنْ أَكْبَرِ مَا يُعِينُ المُؤْمِنَ عَلَى حُسْنِ المُجَاهَدَةِ وَدَوَامِ الصِّـلَةِ، فإِنَّ النَّفْسَ إِذَا أُعْطِيَتْ كُلَّ مَا تُرِيدُ بَطِرَتْ وَخَابَ صَاحِبُهَا، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا))(21)، وَكَذَا إِذَا حُرِمَتْ وَلَمْ تَجِدْ مُتَنَفَّسًا وَرَاحَةً، فَإِنَّهَا تَمَلُّ وَتَنْفِرُ فَيَصْعُبُ قِيَادُهَا، وَالقُلُوبُ إِذَا كَلَّتْ عَمِيَتْ، فَلا بُدَّ مِنَ التَّرْوِيحِ عَنِ النَّفْسِ بَعْدَ كُلِّ عَمَلٍ يُتْعِبُهَا، سَوَاءً كَانَ بَدَنِيًّا أَوْ فِكْرِيًّا؛ تَجْدِيدًا لِلنَّشَاطِ، وَاسْتِعْدَادًا لِمُوَاصَلَةِ السَّيْرِ إِلَى اللهِ، وَامتِدَادًا لِلصِّـلَةِ بِهِ سُبْحَانَهُ، وَإِنَّ حُسْنَ صِلَتِكُمْ بِمُجتَمَعِكُمْ مِمَّا يُقَوِّي صِلَتَكُمْ بِرَبِّكُمْ، فَالتَّعَاوُنُ الأُسْرِيُّ، وَالتَّكَاتُفُ الاجْتِمَاعِيُّ، وَالتَّعَاوُنُ عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى، وَالتَّنَاصُحُ فِي الخَيْرِ، وَاصْطِنَاعُ المَعْرُوفِ، وَالإِحْسَانُ إِلَى النَّاسِ، مِمَّا يُحَبِّبُكُمْ إِلَى اللهِ، وَيُقَرِّبُكُمْ إِلَيْهِ.
   فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَلْتَكُنْ حَيَاتُكُمْ بِالخَيْرِ عَامِرَةً؛ تَكُنْ صِلَتُكُمْ بِاللهِ دَائِمَةً.
   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْمًا: ((إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (22).
   اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُوْمًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُوْمًا، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْمًا. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَانًا صَادِقًا ذَاكِرًا، وَقَلْبًا خَاشِعًا مُنِيْبًا، وَعَمَلاً صَالِحًا زَاكِيًا، وَعِلْمًا نَافِعًا رَافِعًا، وَإِيْمَانًا رَاسِخًا ثَابِتًا، وَيَقِيْنًا صَادِقًا خَالِصًا، وَرِزْقًا حَلاَلاًَ طَيِّبًا وَاسِعًا، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ. اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
عِبَادَ اللهِ : ((إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
(1) سورة الذاريات/ 56.
(2) سورة فاطر/ 10.
(3) سورة التغابن/ 11.
(4) سورة آل عمران/ 101.
(5) سورة لقمان/ 22.
(6) سورة العنكبوت/ 69.
(7) سورة النحل/ 128.
(8) سورة البقرة/ 45.
(9) سورة الجمعة/ 9 .
(10) سورة الأعراف/ 205.
(11) سورة الأحزاب/ 41.
(12) سورة طـه/ 130.
(13) سورة الأحزاب/ 42.
(14) سورة آل عمران/ 191.
(15) سورة الرعد/ 28.
(16) سورة البقرة/ 186.
(17) سورة النساء/ 32.
(18) سورة الأعراف/ 29.
(19) سورة الإسراء/ 57.
(20) سورة الأنعام/ 162.
(21) سورة الشمس/ 9-10.
(22) سورة الأحزاب / 56 .

 
< السابق   التالى >
 

استفتاء

ما رأيك بصفحة خطب الجمعة؟
 
spacer

spacer
© 2024 موقع خطب الجمعة
Joomla! is Free Software released under the GNU/GPL License.