خطبة الاسبوع
spacer

  

spacer
spacer  
spacer spacer

الـوَقْفُ وَدَوْرُهُ الحَـضَارِيُّ طباعة ارسال لصديق
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
21/10/2009

خطبة الجمعة بتاريخ 4 ذو القعدة 1430هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الـوَقْفُ وَدَوْرُهُ الحَـضَارِيُّ

    الْحَمْدُ للهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ، أَوْصَى عِبَادَهُ بِالسَّعْي إِلَى الخَيْرَاتِ، وَالمُسَارَعَةِ إِلَى المَبَرَّاتِ، فَقَالَ عَزَّ شَأْنُهُ: ((وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ))(1)، نَحْمَدُهُ تَعَالَى عَلَى جَزِيلِ إِنْعَامِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى وَافِرِ عَطَائِهِ وَإِكْرَامِهِ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، شَرَعَ مِنَ الدِّينِ مَا فِيهِ صَلاحُ العِبَادِ، وَيَسَّرَ لَهُمْ طُرُقَ الخَيرِ وَالرَّشَادِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، المَبْعُوثُ رَحْمَةً لِلعَالَمِينَ، وَهَادِيًا لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ، بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الأَمَانَةَ، وَنَصَحَ فِي ذَاتِ اللهِ، فَأَكْمَلَ اللهُ بِهِ الدِّينَ، وَأَتَمَّ النِّعْمَةَ عَلَى المُسلِمِينَ، صَلَى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   شَرَعَ اللهُ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا تَستَقِيمُ بِهِ الحَيَاةُ، وَتَسْعَدُ بِهِ البَشَرِيَّةُ، وَيَتَوَطَّدُ بِهِ النِّظَامُ، وَتَدُورُ بِهِ عَجَلَةُ التَّنْمِيَةِ وَالبِنَاءِ، وَتَتَرَسَّخُ بِهِ قِيَمُ الخَيْرِ وَالفَضلِ وَالعَطَاءِ، مَهْمَا تَبَايَنَ النَّاسُ فِي تَرَسُّمِ هَدْيِ ذَلِكَ النُّورِ الإِلَهِيِّ، وَالسَّيرِ وَرَاءَ خُطُوَاتِ المَنْهَجِ النَّبَوِيِّ، إلاَّ أَنَّ الفَضِيلَةَ أَصلٌ أَصِيلٌ فِي الخِلْقَةِ البَشَرِيَّةِ، وَمَا عَادَاهَا مَا هُوَ إِلاَّ طَارِئٌ لا يَلْبَثُ أَنْ يَتَوَارَى أَمَامَ مَبَادِئِ الفِطْرَةِ وَمَنْطِقِ الحَقِّ وَالصَّوَابِ، وَقَدْ فَطَرَ اللهُ النَّاسَ عَلَى حُبِّ الخَيْرِ وَبَذلِ المَعْرُوفِ وَالإِحْسَانِ وَالمُشَارَكَةِ فِي البِنَاءِ وَتَقْدِيمِ الأَنْفَعِ لِلنَّاسِ وَالأَصلَحِ لِحَالِهِمْ ((فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا))(2)، وَمَعَ قِيَمِ الخَيرِ الَّتِي تَنْبُعُ بِغَزَارَةٍ مِنْ دَوَاخِلِ الإِنْسَانِ يَأْتِي الدِّيْنُ لِيُؤَكِّدَ تِلْكَ المَبَادِئَ وَالمُثُلَ، وَهَذِهِ عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ لِلتَّشْرِيعِ، فَإِنَّهُ لا يَكِلُ النَّاسَ إِلَى مُقْتَضَيَاتِ الفِطْرَةِ وَمَنْطِقِ العَقْلِ فَحَسْب، لَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يُتْبِعُهُ بِالأَمْرِ بِهِ تَرْغِيبًا فِي الثَّوَابِ، وَحَثًّا لِلنُّفُوسِ عَلَى تَطَلُّبِ مَا عِنْدَ اللهِ، ((إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا))(3).
   أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ :
   مَعَ أَنَّ فِطْرَةَ الإِنْسَانِ وَطَبِيعَتَهُ تَمِيلُ إِلَى الخَيْرِ وَالإِحْسَانِ، إِلاَّ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ تَغلبُ عَلَيْهِ صِفَاتُ الشُّحِّ وَالضَّنِّ بِمَا يَملِكُونَ، وَهِيَ صِفَةٌ ذَمِيمَةٌ جَاءَتْ أَحكَامُ الدِّينِ بِخِلافِهَا، كَالأَمْرِ بِالزَّكَاةِ وَالحَثِّ عَلَى الإِنْفَاقِ فِي وُجُوهِ الخَيْرِ وَبَذْلِ المَعْرُوفِ وَفِعلِ البِرِّ وَالإِحْسَانِ، وَجَاءَتِ الآيَاتُ الرَّبَّانِيَّةُ مُرَغِّبَةً فِي بَذْلِ المَالِ بِشَتَّى الصُّوَرِ وَالوُجُوهِ، فَتَارَةً يَأْتِي ذِكْرُ مُضَاعَفَةِ اللهِ لِثَوَابِ المُنْفِقِ ((مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ))(4)، وَتَارَةً بِضَمَانِ الإِخْلافِ عَلَى العَبْدِ ((قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ))(5)، وَيَقُولُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-  فِي هَذَا الشَّأْنِ: ((مَا نَقَصَ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ))، ذَلِكَ لأَنَّ أَبْوَابَ الرِّزقِ مُشْرَعَةٌ، وَمَفَاتِحَ خَزَائِنِ اللهِ لا يَعلَمُهَا إِلاَّ هُوَ، فَكَمْ مِنْ نَفَقَةٍ قَلِيلَةٍ أَعقَبَهَا رِزقٌ وَافِرٌ، وَكَمْ مِنْ صَدَقَةٍ مُبَارَكَةٍ رَفَعَتْ مِنَ الشُّرُورِ وَالمَغَارِمِ مَا لا يَعلَمُهُ إِلاَّ اللهُ، قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-  : ((تَصَدَّقُوا؛ فَإِنَّ الصَّدَقَةَ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ وَمِيتَةَ السُّوءِ))، وَهَكَذَا يَستَعْمِلُ القُرآنُ الكَرِيمُ وَالسُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ أَسَالِيبَ التَّرْغِيبِ فِي أَمْرٍ فِيهِ مِنَ المَصلَحَةِ الاجتِمَاعِيَّـةِ مَا لاَ يَخْفَى.
   عِبَادَ اللهِ :
   لَقَدْ دَعَا النَّبِيُّ الكَرِيمُ -صلى الله عليه وسلم-  أَصْحَابَهُ إِلَى البَذْلِ فَأَجَابُوهُ، وَرَغَّبَهُمْ فِي البِرِّ فَكَانُوا فِي مُقَدِّمَةِ الرَّابِحِينَ الفَائِزِينَ، فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ  يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- : ((أَنَّهُ أَصَابَ أَرْضًا فَأَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-  فَقَالَ: أَصَبْتُ أَرْضًا لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ أَنْفَسَ مِنْهُ، فَكَيفَ تَأْمُرُنِي بِهِ؟ فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا، فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ عَلَى أَنْ لاَ يُبَاعَ أَصلُهَا، وَلا يُوهَبَ وَلا يُورَثَ، وَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى الفُقَرَاءِ وَالقُربَى وَالرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَالضَّيفِ وَابْنِ السَّبِيلِ، لا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالمَعْرُوفِ أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوّلٍ فِيهِ))، فَعُمَرُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقِفُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَرْضًا لا يَملِكُ أَنفَسَ مِنْهَا وَلا أَحْسَنَ، طَالِبًا مَا عِنْدَ اللهِ، وَهَذَا أَبُو طَلْحَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كَانَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ فِي المَدِينَةِ مَالاً مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحَبَّ مَالِهِ إِلَيهِ مَزْرَعَةٌُ يُقَالُ لَهَا بَيْرُحَاءُ، وَكَانَتْ مُستَقْبِلَةَ المَسْجِدِ، وَكَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-  يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، قَالَ أَنَسٌ  - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - رَاوِي الحَدِيثِ: فَلَمَّا نَزَلَ قَولُهُ تَعَالَى: ((لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ))(6)، قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: إِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاء، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ للهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللهِ حَيثُ أَرَاكَ اللهُ، فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-  : ((بَخٍ بَخٍ؛ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ))، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَسَّمَهَا فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ،  تِلْكَ - يَا عِبَادَ اللهِ - صُوَرٌ مُشْرِقَةٌ وَنَمَاذِجٌ مَاثِلَةٌ مِنْ صَحَابَةِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  تَسَابَقُوا إِلَى الخَيْرَاتِ، وَتَنَادَوا إِلَى المَبَِرَّاتِ، جَدِيرٌ أَنْ نَقْتَفِيَ أَثَرَهُمْ، وَنَسِيرَ عَلَى نَهْجِهِمْ.
   أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ :
   إِذَا كَانَتِ الصَّدَقَاتُ مُرَغَّبًا فِيْهَا لِجَزِيلِ المَثُوبَةِ وَعَظِيمِ الأَجْرِ؛ فَإِنَّ الوَقْفَ ثَوَابُهُ أَعظَمُ، لأَنَّهُ يَدُرُّ عَلَى صَاحِبِهِ الأَجْرَ مَا بَقِيَتْ عَينُ المَالِ وَلَوْ بَعْدَ وَفَاةِ الوَاقِفِ، يَقُولُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-  : ((إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ))، فَالوَقْفُ يَظَلُّ يَعُودُ بِالأَجْرِ وَالثَّوَابِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا دَامَتِ النَّاسُ تَنْتَفِعُ بِهِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا الثَّوَابُ يُمَثِّـلُ الجَانِبَ الأُخْرَوِيَّ لِلْوَقْفِ فَإِنَّ ثَمَّةَ جَانِبًا حَضَارِيًّا مُشْرِقًا، فَالوَقْفُ بِحَسَبِ مَا أَرَادَهُ لَهُ الوَاقِفُ، فَإِذَا وَقَفَهُ عَلَى مَسْجِدٍ صُرِفَ فِيهِ، وَإِنْ وَقَفَهُ عَلَى تَعلِيمِ الفُقَراءِ صُرِفَ فِيهِ، وَإِذَا أَوْصَى بِرَيْعِهِ عَلَى الفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ قُسِمَ فِيهِمْ، وَإِذَا جَعَلَهُ فِي أَيِّ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الخَيْرِ وَمَنْفَعَةِ النَّاسِ عُدَّ ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ مَا أَرَادَ الوَاقِفُ، وَفِي ذَلِكَ ضَمَانٌ لاستِمْرَارِ كَثِيرٍ مِنَ المَصَالِحِ الخَيْرِيَّةِ مِمَّا يَحتَاجُ إِلَى دَوَامِ التَّعَهُّدِ وَاستِمْرَارِ الرِّعَايَةِ، وَإِلاَّ انْدَثَرَ وَكَانَ سَبِيلُهُ إِلَى خَرَابٍ، فَالوَقْفُ يَضْمَنُ بِعَائِدَاتِهِ المَالِيَّةِ استِمْرَارَ تِلْكَ المَصَالِحِ وَانْتِفَاعَ النَّاسِ بِهَا مِمَّا يَدفَعُ المُجتَمَعَ إِلَى مَزِيدٍ مِنَ النُّمُوِّ وَالتَّطَوُّرِ وَالرُّقِيِّ إِلَى أَعلَى مَرَاتِبِ التَّنْمِيَةِ وَالبِنَاءِ الحَضَارِيِّ.
   أَيُّهَا المُسلِمُونَ :
   لَقَدْ كَانَ لِلأَوَائِلِ إِسْهَامٌ كَبِيرٌ وَجُهُودٌ مُبَارَكَةٌ طَيِّبَةٌ فِي مَجَالِ الوَقْفِ؛ طَلَبًا لِرِضْوَانِ اللهِ، وَسَعْيًا فِي خِدْمَةِ مُجتَمَعَاتِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ، فَمَا مِنْ مَصلَحَةٍ مِنَ المَصَالِحِ إِلاَّ وَتَجِدُ لَهَا وَقْفًا خَاصًّا بِها، تُصْرَفُ عَائِدَاتُهُ فِي صِيَانَتِهَا وَتَعْمِيرِهَا، وَتَعْيِينِ القَائِمِينَ عَلَيْهَا، فَكَمْ مِنَ الأَفْلاجِ يَقِفُ لَهَا النَّاسُ حَتَّى اليَوم؛ لِتَبقَى تَنْضَحُ بِالخَيرِ وَتَفِيضُ بِالحَيَاةِ، وَكَمْ مِنْ وَقْفٍ يَذْهَبُ رَيْعُهُ لِلأُسَرِ المُحتَاجَةِ وَالفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ، فَالوَقْفُ كَانَ وَلا يَزَالُ يَقُومُ بِوَظِيفَةٍ حَضَارِيَّةِ، لِيَستَمِرَّ العَطَاءُ، وَيَدُومَ الخَيْرُ وَالنَّفْعُ، فَحَيَّا اللهُ تِلْكَ النُّفُوسَ السَّخِيَّةَ عَلَى مَا بَذَلَتْ وَتَبْـذُلُ فِي خِدْمَةِ مُجتَمَعَاتِنَا وَرِفْعَةِ أَوْطَانِنَا، ((فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ))(7).
  أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
                                                  *** *** ***
   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   ذَلِكَ هُوَ الوَقْفُ فِي الإِسْلامِ، صُورَةٌ حَضَارِيَّةٌ مُشْرِقَةٌ لِعَطَاءِ المُسلِمِ وَبَذْلِهِ وَإِيْجَابِيَّـتِهِ فِي الحَيَاةِ، وَسَعْيِهِ وَاهتِمَامِهِ بِالمُجتَمَعِ مِنْ حَولِهِ، وَتَقَاسُمِ التَّكَالِيفِ وَالأَعْبَاءِ مَعَهُ، وَهُوَ فِي الوَقْتِ ذَاتِهِ تَرْبِيَةٌ عَلَى التَّكَافُلِ الاجتِمَاعِيِّ، وَتَوكِيدٌ لِدَورِ المُجتَمَعِ فِي التَّنْمِيَةِ وَالرُّقِيِّ، كَمَا أَنَّ الوَقْفَ يُعَزِّزُ ثَقَافَةَ المُبَادَرَاتِ الفَرْدِيَّةِ وَالأَعْمَالِ التَّطَوُّعِيَّةِ فِي المُجتَمَعِ فِي مَجَالاتِ الحَيَاةِ المُختَلِفَةِ وَالمُتَنَوِّعَةِ، فِي إِطَارٍ مِنَ العَمَلِ المُؤَسَّسِيِّ المُنَظَّمِ، المُتَّفِقِ مَعَ التَّشْرِيْعَاتِ وَالنُّظُمِ، يَستَلْهِمُ قَوَاعِدَ الشَّرْعِ وَيَهتَدِي بِأَحكَامِ الدِّينِ، وَيَبتَغِي الصَّلاحَ وَالخَيْرَ فِي كُلِّ قَصْدٍ وَمُرَادٍ، وَمَهْمَا تَنَوَّعَتْ مَنَاحِي الحَيَاةِ وَتَعَدَّدَتِ الحَاجَةُ إِلَى مُؤَسَّسَاتٍ قَادِرَةٍ عَلَى تَلْبِيَةِ احتِيَاجَاتِ الفَرْدِ وَإِشْبَاعِهَا وَتَثْمِيرِ طَاقَاتِهِ وَتَوجِيْهِها فِيمَا يَعُودُ عَلَيْهِ وَعَلَى المُجتَمَعِ بِالنَّفْعِ وَالفَائِدَةِ، فَالفَردُ فِي المُجتَمَعِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ دَوْرٌ فَاعِلٌ فِي خِدْمَةِ وَطَنِهِ وَمُجتَمَعِهِ، كُلٌّ حَسَبَ طَاقَتِهِ وَعَلَى قَدْرِ استِطَاعَتِهِ، ((لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا))(8)، ((لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا))(9)، وَثَوَابُ اللهِ لا حُدُودَ لَهُ، مُمتَدٌّ مَهْمَا امتَدَّتْ يَدُ الإِنْسَانِ فِعْلاً لِلخَيْرِ وَإِرْسَاءً لِلفَضِيلَةِ، وَتَوكِيدًا لِلْقِيَمِ الإِنْسَانِيَّةِ النَّبِيلَةِ.
   فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ -، وَتَوَاصَوا بِالخَيْرِ وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ، وَلْيَكُنْ لَكُمْ فِي كُلِّ خَيْرٍ سَهْمٌ، وَفِي كُلِّ بِرٍّ نَصِيبٌ، ((الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ))(10).
   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْمًا: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (11).
   اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُوْمًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُوْمًا، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْمًا.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَانًا صَادِقًا ذَاكِرًا، وَقَلْبًا خَاشِعًا مُنِيْبًا، وَعَمَلاً صَالِحًا زَاكِيًا، وَعِلْمًا نَافِعًا رَافِعًا، وَإِيْمَانًا رَاسِخًا ثَابِتًا، وَيَقِيْنًا صَادِقًا خَالِصًا، وَرِزْقًا حَلاَلاًَ طَيِّبًا وَاسِعًا، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظَّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.          
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
   عِبَادَ اللهِ :
(( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
(1) سورة آل عمران/ 133.
(2) سورة الروم/ 30.
(3) سورة الإسراء/ 9.
(4) سورة البقرة/ 261.
(5) سورة سبأ/ 39.
(6) سورة آل عمران/ 92.
(7) سورة الزلزلة/ 7.
(8) سورة البقرة/ 233.
(9) سورة الطلاق/ 7.
(10) سورة البقرة/ 262.
(11) سورة الأحزاب / 56 .

 
< السابق   التالى >
 

استفتاء

ما رأيك بصفحة خطب الجمعة؟
 
spacer

spacer
© 2024 موقع خطب الجمعة
Joomla! is Free Software released under the GNU/GPL License.