خطبة الاسبوع
spacer

  

spacer
spacer  
spacer spacer

فلْْـنُـحافِظْ علَى مُكتَسَباتِ الوطَنِ وخَيراتهِ طباعة ارسال لصديق
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
09/11/2009

خطبة الجمعة بتاريخ 25 ذي القعدة 1430هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
فلْْـنُـحافِظْ علَى مُكتَسَباتِ الوطَنِ وخَيراتهِ

   الْحَمْدُ للهِ الَّذِي قَسَمَ النِّعَمَ بَيْنَ الأُمَمِ، وَفَاوَتَ بَيْنَهَا فِي الأَقْدَارِ وَالقِيَمِ، سُبْحَانَهُ جَعَلَ الأَرضَ مَهْدًا وَقَرَارًا، وَسَلَكَ فِيهَا لِلْبَشَرِ مَنَافِعَ وَخَيْرَاتٍ وَثِمَارًا، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، أَحَبَّ بَلَدَهُ مَكَّةَ وَأَعَزَّهَا، وَبَنَى دَولَتَهُ فِي المَدِينَةِ وَرَفَعَ شَأْنَهَا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ، وَسَلَّمَ تَسلِيمًا كَثِيرًا.

   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى حَقَّ التَّقْوَى، وَالتَمِسُوا مَا عِنْدَهُ بِطَاعَتِهِ، وَاستَعِينُوا بِهِ فِي سَعْيِكُمْ، ((ومَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى))(1)،  وَاعلَمُوا - وَفَّقَكُمُ اللهُ - أَنَّ الحِفَاظَ عَلَى مُكْتَسَبَاتِ الوَطَنِ مَسؤُولِيَّـتُنَا جَمِيعًا، كُلٌّ بِقَدرِ طَاقَتِهِ وَقُدرَتِهِ، سَوَاءً مَنْ كَانَ فِي المُؤَسَّسَاتِ العَامَّةِ أَمِ الخَاصَّةِ، رِجَالاً أَمْ نِسَاءً، فَالمَسؤُولِيَّةُ تَشْمَلُنَا جَمِيعًا بِقَدرِ شُمُولِ مُقَدَّرَاتِ الوَطَنِ عَلَينَا، فَنَحْنُ نَعِيشُ تَحْتَ سَمَائِهِ، وَنَسْعَى فِي أَرْضِهِ، وَنَأْكُلُ مِنْ خَيْرَاتِهِ، لَمْ تُحْجَبْ نِعَمُهُ عَنْ أَحَدٍ، وَلَمْ تُدفَعْ شَمْسُ نُورِهِ، بَلْ ظَلَّتْ وَفِيَّةً عَلَى مَنْ عَلَيْهَا، سَخِيَّةً عَلَى أَبنَائِهَا وَالمُقِيمِينَ فِيهَا، أَحَبَّ بِلادَنَا مَنْ زَارَهَا، وَأَكْبَرَهَا فِي عَينِهِ مَنْ رَآهَا، وَيَكْفِيهَا ذِكْرًا وَفَضلاً مَدْحُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-   حِينَ بَعَثَ رَجُلاً إِلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِِ العَرَبِ فَسَبُّوهُ وَضَرَبُوهُ، فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  ، فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-  : (( لَوْ أَنَّ أَهْـلَ عُمَانَ أتَيْتَ مَا سَبُّوكَ وَلا ضَرَبُوكَ ))، وَهَذَا الحَدِيثُ النَّبَوِيُّ يَمنَحُ عُمَانَ صِفَةَ أَرْضِ السَّلامِ؛ بِمَا يَتَضَمَّنُهُ مِنْ تَشْرِيفٍ وَتَكْلِيفٍ، تَشْرِيفٌ بِذِكْرِ فَضْـلِ أَهلِهَا وَأَخْلاقِهِمْ، وَتَكْلِيفٌ مِنْ أَجْـلِ حِرَاسَةِ هَذَا الفَضْـلِ، وَالعَمَلِ عَلَى تَوَخِّي الطُّرُقِ المُؤَدِّيَةِ إِلَيهِ، مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنيَا، وَالأَخْلاقِ وَالمُثُلِ، وَالسِّيرَةِ وَالمَسِيرَةِ، فَلا يَكْفِي التَّغَنِّي بِالإِطْرَاءِ، وَلا الإِشَادَةُ بِالمَدْحِ، بَلْ لا بُدَّ مِنَ السَّعْيِ إِلَى الأَفْضَلِ، وَالعَمَلِ الجَادِّ لِتَحقِيقِ الأَكْمَلِ، ((وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ))(2).                                    
  أَيُّهَا المُسلِمُونَ :
  إِنَّ النِّعَمَ مِمَّا يُستَعذَبُ ذِكْرُهُ، وَيُستَعْطَرُ نَشْرُ حَقَائِقِهِ، وَلا مَنَاصَ مِنْ مُقَابَلَتِهَا بِالشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ، كَيْ نَستَدِرَّ المَزِيدَ، وَنَستَحِقَّ إِلْحَاقَ الطَّرِيفِ بِالتَّلِيدِ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: ((لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ))(3)، وَلَمَّا كَانَتْ نِعْمَةُ الوَطَنِ مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ وَأَعْلاهَا، فَوَاجِبٌ عَلَينَا شُكْرُهَا فِي ذَاتِهَا، فَكَيفَ إِنْ ضَمَّتْ تَحْتَ مِظَلَّتِهَا الوَاسِعَةِ نِعَمًا أُخْرَى لا تُحْصَى؟ فَالأَمَانُ نِعمَةٌ، وَالوَحدَةُ نِعمَةٌ، وَكَذَا الاستِقْرَارُ وَالرِّزقُ الوَافِرُ، وَالرَّخَاءُ وَالصِّحَّةُ، وَالتَّعلِيمُ وَالنِّظَامُ وَالنَّظَافَةُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي نَرفُلُ فِي أَثوَابِهَا، وَنَتَقَلَّبُ فِي نَعِيمِهَا، وَكُلُّ بَلَدٍ طَيِّبٍ، وَمَا فِيهِ مِنَ الخَيْرَاتِ وَالنِّعَمِ، وَمَا يَلُفُّ أَهْـلَهُ مِنْ رِزقٍ وَكَرَمٍ، ذَلِكَ جَمِيعُهُ مِمَّا يَستَوجِبُ الشُّكْرَ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ))(4)، وَقَدْ أَثْنَى اللهُ عَلَى عِبَادِهِ الشَّاكِرِينَ فَقَالَ: ((وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ))(5)، مَعَ أَنَّ فَائِدَةَ الشُّكْرِ تَعُودُ إِلَى الإِنْسَانِ الشَّاكِرِ نَفْسِهِ، بِزِيَادَةِ النِّعَمِ عَلَيْهِ وَوَفْرَتِهَا وَبَرَكَتِهَا، يَقُولُ سُبْحَانَهُ: ((وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ))(6)، وَالمُحْسِنُ الخَيِّرُ الشَّاكِرُ أَلْطَفُ النَّاسِ قَلْبًا، وَأَلْيَنُهُمْ جَانِبًا، وَأَصدَقُهُمْ حَدِيثًا، وَأَشْرَحُهُمْ صَدْرًا، أَمَّا البَخِيلُ فَبِخِلافِ ذَلِكَ، يَضِيقُ صَدْرُهُ، وَيُنَكِّدُ عَلَى النَّاسِ مَعَايِشَهُمْ، وَلا يَسْعَى إِلَى مَنفَعَتِهِمْ، وَتِلْكَ مُفَارَقَةٌ بَيَّنَ تَفَاصِيلَهَا المَولَى سُبْحَانَهُ فَقَالَ: ((إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى، فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى، وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى))(7).
  أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ :
  إِذَا كَانَ الشُّكْرُ وَالثَّنَاءُ أُوْلَى طُرُقِ الحِفَاظِ عَلَى مُكْتَسَبَاتِ الوَطَنِ وَخَيْرَاتِهِ، فَإِنَّهُ لا بُدَّ أَنْ يُتْبَعَ بِالعَمَلِ الجَادِّ وَالإِتقَانِ فِيهِ، فَفِي هَذَا التَّرَقِّي وَالعُمْرَانُ، وَتَهْيِئَةُ جَوِّ الإِبدَاعِ فِي الصِّنَاعَاتِ المُختَلِفَةِ، وَمَا الإِتقَانُ إِلاَّ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ سَعَةِ العِلْمِ وَالخِبْرَةِ، يُرشِدُ إِلَى هَذَا المَعنَى قَولُ اللهِ تَعَالَى: ((صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ))(8)، وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-  كُلَّ صَاحِبِ عَمَلٍ بِأَنْ يُتْقِنَ مَا يَفعَلُهُ، عَبْرَ الدِّقَّةِ وَالمَتَانَةِ، وَتَقْدِيمِ أَفْضَلِ مَا لَدَيْهِ مِنْ حُسْنٍ فِي الإِنْتَاجِ وَالفَاعِلِيَّةِ، يَقُولُ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: ((إِنَّ اللهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ))، وَثَمَّةَ ارتِبَاطٌ وَثِيقٌ بَيْنَ الإِتقَانِ وَالإِحْسَانِ، إِذْ كِلاهُمَا صِفَتَانِ مِنْ صِفَاتِ الإِنْسَانِ النَّاجِحِ، القَادِرِ عَلَى بِنَاءِ الأَوطَانِ السَّعِيدَةِ، وَالبِلادِ المُنْتِجَةِ، وَنَفْيِ مَظَاهِرِ التَّخَلُّفِ الحَضَارِيِّ عَنِ المُجتَمَعِ وَالأَفْرَادِ، فَلا يَكُونُ المَرْءُ مُتْقِنًا لِعَمَلِهِ إِلاَّ إِنْ كَانَ مُحْسِنًا لِنَفْسِهِ وَلِلآخَرِينَ، عَارِفًا بِقِيمَةِ الإِحْسَانِ وَمُقَدِّرًا لَهُ، سُلُوكًا حَضَارِيًّا يَتَّبِعُهُ، وَمَنْهَجًا تَربَوِيًّا يَتَمَسَّـكُ بِهِ، فَلِذَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِهِ فَقَالَ: ((وَأَحْسِنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ))(9)، وَيُؤَيِّدُهُ قَولُهُ -صلى الله عليه وسلم- : ((إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ))، وَالعَمَلُ المُتقَنُ الجَادُّ ثَمَرَةٌ مِنْ ثِمَارِ رَدِّ الجَمِيلِ بِالإِحْسَانِ، وَهُوَ السَّبِيلُ إِلَى دَرْءِ الفَسَادِ وَرَدِّ المُفْسِدِينَ، فَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: ((وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ))(10)، فَلِذَا يَتَوَلَّدُ الإِحْسَانُ كُلَّمَا أَكْثَرَ الإِنْسَانُ مِنْهُ، وَابتَغَاهُ لِنَفْسِهِ وَوَطَنِهِ كَمَا قَالَ الحَقُّ جَلَّ جَلالُهُ: ((هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ))(11).
  فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - فِي أَنفُسِكُمْ وَأَوطَانِكُمْ، وَاعمَلُوا عَلَى إِسْعَادِ النَّاسِ وَمَنْفَعَتِهِمْ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ جَلْبًا لِلرِّزقِ وَإِطَالَةً فِي العُمرِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  يَقُولُ: ((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزقِهِ وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)).
  أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
                                                   *** *** ***
   الْحَمْدُ للهِ عَلَى آلائِهِ حَمْدًا عَامًّا، وَالشُّكرُ لَهُ عَلَى نَعْمَائِهِ شُكْرًا وَافِيًا تَامًّا، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، إِلَيهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ وَهُوَ العَلِيمُ الحَكِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، خَاتَمُ الرُّسُلِ أَجْمَعِينَ، -صلى الله عليه وسلم-  وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ.
  أَمَّا بَعْدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - يَا عِبَادَ اللهِ -، وَاعلَمُوا أَنَّ نِعَمَ اللهِ عَلَينَا سَابِغَةٌ، وَمَكَارِمَهُ وَافِرَةٌ، وَمِنْ أَلْطَفِهَا وَأَعْلاهَا أَنْ أَظَلَّنَا بِبَلَدٍ طَيِّبٍ، وَدَارِ أَمْنٍ وَاستِقْرَارٍ، مَعَ طِيبِ ذِكْرٍ بَيْنَ الأُمَمِ، وَمَكَانَةٍ جَلِيلَةٍ فِي قُلُوبِ الشُّعُوبِ، فَالَّلهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا وَافِرًا، نَستَنْزِلُ بِهِ مَكَامِنَ فَضْـلِكَ، وَنَستَكْثِرُ بِهِ جَلائِلَ مِنَنِكَ وَمَكَارِمِكَ. أَلاَ فَلْنَعلَمْ فِي ثَنَايَا ذَلِكَ أَنَّ حُسْنَ التَّدبِيرِ مِنْ كَمَالِ العَقْلِ، وَرِعَايَةَ المَصَالِحِ بَعْدَ إِثْبَاتِهَا مِنْ تَمَامِ الوَطَنِيَّةِ وَمَكَاسِبِهَا، فَلا تَذْهَبَ عَنَّا بَرَكَاتُ المِنَنِ الإِلَهِيَّةِ، بَلْ تَدُومُ أَسْبَابُهَا، وَلاَ تَظَلَّ الوَطَنِيَّةُ بِذَلِكَ دَعْوَى لا مَضْمُونَ لَهَا، كَأَنْ يَتَغَنَّى بَعْضُ النَّاسِ بِهَا وَهُمْ لاَ يَعْمَلُونَ فِي سَبِيلِهَا، وَيَدَّعُوا حُبَّ الوَطَنِ وَهُمْ بَعِيدُونَ عَنْ أَسْبَابِ نَهْضَتِهِ. إِنَّ الوَطَنِيَّةَ الحَقَّةَ شَرَفٌ وَمَسؤُولِيَّةٌ، وَالعَمَلَ مِنْ أَجْـلِ الوَطَنِ عِبَادَةٌ وَالتِزَامٌ، يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ عَرَفَ قِيمَةَ الأَرْضِ الَّتِي نَشَأَ عَلَيْهَا، وَأَحَبَّ التُّرَابَ الَّذِي خُلِقَ مِنْهُ، وَأَلِفَ صَدْرُهُ هَوَاءَ وَطَنِهِ؛ فَلا يَرْضَى سِوَاهُ بَدِيلاً، مِصْدَاقًا لِقَولِ اللهِ سُبْحَانَهُ: ((وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ))(12)، وَذَلِكَ لِمَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ النَّفْسُ مِنْ حُبٍّ لِلدِّيَارِ وَأَهلِهَا، وَتَمَسُّـكٍ بِتَلابِيبِ عَنَاصِرِهَا، وَقَدْ أَحَسَّ بِذَلِكَ المُصْطَفَى -صلى الله عليه وسلم-  فَقَالَ مُخَاطِبًا مَكَّةَ: ((وَاللهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَى اللهِ، وَلَولا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ))، وَالعَمَلُ مِنْ أَجْـلِ الوَطَنِ يَتَّخِذُ صُوَرًا كَثِيرَةً، بِحَسَبِ قُدرَاتِ الإِنْسَانِ وَإِمكَانَاتِهِ، وَمِنْ أَعمَقِ مَعَانِي الوَطَنِيَّةِ الشُّكْرُ وَالعِرفَانُ، وَمَحَبَّةُ الخَيْرِ لِلنَّاسِ، وَالسَّعْيُ مِنْ أَجْـلِ مَنْفَعَتِهِمْ، وَالتَّسَامِي فِي التَّعَامُلِ مَعَ الظُّرُوفِ وَالأَحْوَالِ المُخْتَلِفَةِ. إِنَّ الوَطَنِيَّةَ أَدَاءٌ لِلْوَاجِبَاتِ وَالمَسؤُولِيَّاتِ كَمَا يَنْبَغِي، فَهِيَ أَمَانَةٌ فِي الكَلِمَةِ وَالقَلَمِ، وَإِخْلاصٌ فِي النُّصْحِ وَالتَّوْجِيهِ، يَقُولُ الحَقُّ سُبْحَانَهُ: ((وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى))(13)، وَيَقُولُ جَلَّ فِي عُلاهُ: ((قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ))(14).
  فَاتَّقُوا اللهَ -عِِبَادَ اللهِ-، وَاعلَمُوا أَنَّ الوَطَنِيَّةَ لا تَقْتَصِرُ عَلَى الفَرَحِ  بِمُنْجَزَاتِ مَا تَحَقَّقَ عَلَى بَلَدِنَا، وَاستِعْذَابِ طَعْمِ الإِنْجَازِ عَلَى أَرْضِنَا، بَلْ لا بُدَّ مِنْ أَنْ نَطْلُبَ الأَفْضَلَ كَمًّا وَنَوْعًا، وَنَتَعَهَّدَ مَكَاسِبَ وَطَنِنَا بِالرِّعَايَةِ وَالاهتِمَامِ، مِنْ أَجْـلِ غَدٍ أَفْضَلَ لِلأَجْيَالِ مِنْ بَعْدِنَا، وَمُستَقْبَلٍ أَكْثَرَ إِشْرَاقًا وَنُورًا وَازدِهَارًا.
   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْمًا: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (15).
   اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُوْمًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُوْمًا، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْمًا.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَانًا صَادِقًا ذَاكِرًا، وَقَلْبًا خَاشِعًا مُنِيْبًا، وَعَمَلاً صَالِحًا زَاكِيًا، وَعِلْمًا نَافِعًا رَافِعًا، وَإِيْمَانًا رَاسِخًا ثَابِتًا، وَيَقِيْنًا صَادِقًا خَالِصًا، وَرِزْقًا حَلاَلاًَ طَيِّبًا وَاسِعًا، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظَّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
عِبَادَ اللهِ :(( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
(1) سورة البقرة/ 197.
(2) سورة التوبة/ 105.
(3) سورة إبراهيم/ 7.
(4) سورة سبأ/ 15.
(5) سورة آل عمران/ 145.
(6) سورة لقمان/ 12.
(7) سورة الليل/ 4-11.
(8) سورة النمل/ 88.
(9) سورة البقرة/ 195.
(10) سورة القصص/ 77.
(11) سورة الرحمن / 60.
(12) سورة النساء/ 66.
(13) سورة الأنعام/ 152.
(14) سورة الأعراف/ 33.
(15) سورة الأحزاب / 56 .

 
< السابق   التالى >
 

استفتاء

ما رأيك بصفحة خطب الجمعة؟
 
spacer

spacer
© 2024 موقع خطب الجمعة
Joomla! is Free Software released under the GNU/GPL License.