خطبة الاسبوع
spacer

  

spacer
spacer  
spacer spacer

خطبة عيد الأضحى لعام 1430هـ طباعة ارسال لصديق
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
25/11/2009

خُطْــبَةُ عِيدِ الأَضْحَى المُبارَكِ لعام 1430هـ


اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ.
اللهُ أَكْبَرُ مَا لَبِسَ الحُجَّاجُ وَالعُمَّارُ مَلابِسَ الإِحْرَامِ، اللهُ أَكْبَرُ مَا لَبَّوا وَطَافُوا بِالبَيْتِ الحَرَامِ، اللهُ أَكْبَرُ مَا وَقَفُوا عَلَى صَعِيدِ عَرَفَاتٍ، اللهُ أَكْبَرُ مَا أَفَاضُوا إِلَى مُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَرَمَوُا الجَمَرَاتِ، اللهُ أَكْبَرُ مَا نَحَرُوا هَدَايَاهُمْ، وَشَكَرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاهُمْ، اللهُ أَكْبَرُ مَا ذَكَرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ، فَرَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَفَعَ لَهُمُ الدَّرَجَاتِ.
اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً.


الْحَمْدُ للهِ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاءَ وَبَسَطَ الأَرْضَ، وَفَضَّـلَ بَعْضَ الأَيَّامِ عَلَى بَعْضٍ، لَهُ فِي أَيَّامِ دَهْرِنَا نَفَحَاتٌ، يُجزِلُ فِيهَا العَطَاءَ وَيُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهلٌ مِنَ الْحَمْدِ وَأُثْنِي عَلَيْهِ، وَأُومِنُ بِهِ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، يَذْكُرُ مَنْ يَذْكُرُهُ، وَيُضَاعِفُ الخَيْرَ وَالثَّوَابَ لِمَنْ يَشْكُرُهُ، جَعَلَ الأَعْيَادَ مِيقَاتًا لِتَنَزُّلِ الخَيْرِ وَالبَرَكَاتِ، وَأشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الكَرِيمُ، الهَادِي بِإِذْنِ رَبِّهِ إِلَى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تَقْوَاهُ، فَتَقْوَى اللهِ هِبَةٌ تَشْرَحُ الصُّدُورَ وَتُنِيرُ القُلُوبَ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ))( )، ويَقُولُ جَلَّ شَأْنُهُ: ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))( ).
وَاعلَمُوا -عِبَادَ اللهِ- أَنَّ يَومَكُمْ هَذَا غُرَّةُ جَبِينِ العَامِ، وَهُوَ مِنْ أَعظَمِ الأَيَّامِ، كَيفَ لا؟ وَهُوَ اليَومُ الَّذِي شَرَّفَهُ اللهُ فَعَظَّمَ شَأْنَهُ وَأَعلَى قَدرَهُ، فَسَجَّـلَ فِي القُرآنِ العَظِيمِ ذِكْرَهُ، وَسَمَّاهُ يَومَ الحَجِّ الأَكْبَرِ فَقَالَ: ((وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ))( )، وَهُوَ خَاتِمَةُ الأَيَّامِ العَشْرِ المُبَارَكَاتِ، الَّتِي أَقْسَمَ اللهُ بِلَيَالِيهَا فِي مُحكَمِ الآيَاتِ، فَقَالَ: ((وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ))( )، وَقَدْ جَعَلَ اللهُ يَومَكُمُ المُبَارَكَ هَذَا وَاسِطَةَ العِقْدِ بَيْنَ أَيَّامٍ مَعلُومَاتٍ سَبَقَتْهُ، وَأَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ لَحِقَتْهُ، فَمَا سَبَقَهُ مِنْ أَيَّامٍ هِيَ الأَيَّامُ المَعنِيَّةُ بِقَولِ اللهِ تَعَالَى: ((وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ))( )، وَمَا لَحِقَهُ مِنْ أَيَّامٍ هِيَ الأَيَّامُ المَقْصُودَةُ بِقَولِ اللهِ تَعَالَى: ((وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ))( )، فَحُقَّ لِهَذَا اليَومِ الأَغَرِّ السَّعِيدِ أَنْ يُستَقْبَلَ بِالتَّهلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ؛ شُكْرًا للهِ عَلَى كَرَمِهِ وَعَطَائِهِ، وَفَضلِهِ وَرَحْمَتِهِ وَآلائِهِ، ((قُلْ بِفَضلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ))( )، كَمَا حُقَّ لَكُمْ أَيُّهَا المُسلِمُونَ أَنْ تَستَبشِرُوا بِقُدُومِهِ حَيْثُ نَسَأَ اللهُ فِي آجَالِكُمْ فَاسْتَقْبَلْتُمُوهُ وَعَايَشْتُمُوهُ، وَمَجَّدتُمُ اللهَ فِيهِ وَعَظَّمتُمُوهُ، فَنِلْتُمُ الأَجْرَ العَظِيمَ، وَتَبَوَّأْتُمْ مَكَانَ العِزَّةِ وَالرِّضَا وَالتَّكْرِيمِ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
عِبَادَ اللهِ :
إِنَّ يَوْمَكُمْ هَذَا هُوَ أَحَدُ يَوْمَيْنِ عَظِيمَيْنِ، اختَارَهُمَا اللهُ لَكُمْ عِيدَيْنِ، ((وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ))( )، فَحِينَمَا قَدِمَ الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم - المَدِينَةَ وَجَدَ لِلأَنْصَارِ يَوْمَيْنِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ: (مَا هَذَانِ اليَوْمَانِ؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ خَيْرًا مِنْهُمَا: يَومَ الأَضْحَى وَيَومَ الفِطْرِ)، وَقَدْ رَبَطَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ العِيدَ فِي الإِسْلامِ بِعِبَادَةٍ كُبْرَى وَشَعِيرَةٍ عُظْمَى، فَعِيدُ الفِطْرِ يَأْتِي بَعْدَ عِبَادَةِ الصَّومِ، وَعِيدُ الأَضْحَى -وَهُوَ يَومُكُمْ هَذَا- يَأْتِي بَعْدَ يَومٍ عَظِيمٍ مِنْ أَيَّامِ الحَجِّ وَهُوَ يَومُ عَرَفَةَ، بَلْ إِنَّ الرَّسُولَ - صلى الله عليه وسلم - قَصَرَ الحَجَّ عَلَيْهِ فَقَالَ: (الحَجُّ عَرَفَةُ)، فَالأَعْيَادُ فِي الإِسْلامِ مَصْدَرُ هَنَاءٍ وَسَعَادَةٍ؛ لارتِبَاطِهَا ارتِبَاطًا وَثِيقًا بِالعِبَادَةِ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ :
إِنَّ الفَرَحَ المُنْضَبِطَ المُهَذَّبَ، وَالسُّرُورَ المُتَّزِنَ المُؤَدَّبَ، هُوَ ذَلِكُمُ الفَرَحُ وَالسُّرُورُ الَّذِي يُرِيدُهُ الإِسْلامُ فِي الأَعْيَادِ وَالمُنَاسَبَاتِ، لأَنَّ الإِسْلامَ وَضَعَ اعتِبَارًا لِلْجَانِبِ المَادِيِّ فِي الإِنْسَانِ فَأَذِنَ لَهُ فِي قِسْطٍ مِنَ الرَّاحَةِ الجَسَدِيَّةِ فِي كُلِّ يَومٍ مِنْ أَيَّامِ حَيَاتِهِ، وَوَسَّعَ ذَلِكَ فِي العِيدِ، وَلَكِنْ فِي حُدُودِ الوَسَطِيَّةِ وَالاعتِدَالِ؛ فَلا صَخَبَ وَلا رَفَثَ وَلا جِدَالَ، فَالإِنْسَانُ لا يَستَقِيمُ لَهُ عَيشُهُ إِلاَّ إِذَا اعتَدَلَ فِي تَصَرُّفَاتِهِ، وَاتَّزَنَ فِي أَلْفَاظِهِ وَعِبَارَاتِهِ، وَبِذَلِكَ يَسلَمُ إِيْمَانُهُ وَيَصِحُّ كِيَانُهُ، وَيَمتَلِئُ بِالسَّعَادَةِ زَمَانُهُ، لَقَدْ وَسَّعَ الإِسْلامُ فِي العِيدِ؛ فَسَنَّ لِلْمُسلِمِ أَنْ يَلْبَسَ الجَدِيدَ، وَيَتَمَتَّعَ بِالمَأْكَلِ الطَّيِّبِ المُفِيدِ، والتَّرفِيهِ عَنِ النَّفْسِ في الحُدُودِ المعقُولَةِ، فَلَيسَ الفَرَحُ فِي العِيدِ انْفِلاتًا مِنْ ضَوابِطِ الدِّينِ، وَلا تَرْوِيعًا لِلآمِنِينَ، وَلا إِيْذَاءً لِلآخَرِينَ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا))( )، وَيَقُولُ الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم - : (المُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ، وَالمُسلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ)، إِنَّ الوَحْدَةَ وَالتَّآلُفَ مَطْلَبٌ إِسْلامِيٌّ أَكِيدٌ، نَحَافِظُ عَلَيْهِ مَعَ كُلِّ إِشْرَاقَةِ يَومٍ جَدِيدٍ، وَتَتَأَكَّدُ المُحَافَظَةُ عَلَيْهِ فِي هَذَا اليَومِ السَّعِيدِ، لا لِيُنْسَى بَعْدَهُ وَيَنْدَثِرَ، بَلْ لِيَنْطَلِقَ وَيَعُمَّ وَيَنْتَشِرَ، وَيَبقَى قَاعِدَةً وَأَسَاسًا، وَمَنْهَجًا وَنِبْرَاسًا، فَبِالمَحَبَّةِ وَالإِخَاءِ يَعُمُّ الخَيْرُ وَيَنْتَشِرُ الرَّخَاءُ، وَبِائْتِلافِ القُلُوبِ وَاتِّحَادِ الغَايَاتِ نَصِلُ إِلَى أَحْسَنِ النِّهَايَاتِ، فَلا عَجَبَ أَنْ دَعَانَا القُرآنُ الكَرِيمُ إِلَيْهِ وَحَضَّنَا عَلَيْهِ، وَنَهَانَا عَنِ التَّفَرُّقِ وَالشِّقَاقِ؛ لِمَا يُسَبِّبُهُ مِنْ عَوَاقِبَ وَخِيمَةٍ، وَنَتَائِجَ مُوجِعَةٍ أَلِيمَةٍ، قَالَ تَعَالَى: ((واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا))( )، وَقَالَ: ((وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ))( )، إِنَّ الأُخُوَّةَ الإِيْمَانِيَّةَ حَقِيقَةٌ قُرآنِيَّةٌ، وَلأَنَّهَا مَطْلَبٌ مُهِمٌّ وَأَكِيدٌ؛ أَكَّدَهَا القُرآنُ بِكَثِيرٍ مِنْ أَلْوَانِ التَّأْكِيدِ؛ فَقَالَ: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ))( ).
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ :
مِنْ مُنْطَلَقِ الأُخُوَّةِ وَالمَحَبَّةِ الَّتِي حَثَّ عَلَيْهَا الإِسْلامُ جَعَلَ حُقُوقًا لِكُلِّ أَخٍ عَلَى أَخِيهِ، مِنْهَا العَمَلُ عَلَى إِعَانَتِهِ، وَبَذْلُ الجُهْدِ فِي سَبِيلِ تَفْرِيجِ كُرْبَتِهِ، وَسَتْرُهُ إِنْ زَلَّ، وَتَوْجِيهُهُ الوِجْهَةَ الصَّحِيحَةَ إِنْ زَاغَ وَضَلَّ، بِأُسلُوبٍ هَادِئٍ وَطَرِيقَةٍ حَضَارِيَّةٍ مُهَذَّبَةٍ، تُبَشِّرُ وَلا تُنَفِّرُ، وَتُقَارِبُ وَلا تُبَاعِدُ، فَالمُؤْمِنُ يَستُرُ وَلا يَفْضَحُ، وَلا يَبتَعِدُ عَنِ الحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَلا يَجْرَحُ، يَقُولُ الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم -: (المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ، لا يَظْلِمُهُ وَلا يُسلِمُهُ وَلا يَخْذُلُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ)، وَمِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ كَانَ لِلْعِيدِ فِي الإِسْلامِ مَغْزَاهُ الإِنْسَانِيُّ، فَالإِسْلامُ لا يُرِيدُ لِلْمُسلِمِ أَنْ يَفْرَحَ بِالعِيدِ وَحْدَهُ؛ لِذَلِكَ شَرَعَ الإِسْلامُ زَكَاةَ الفِطْرِ فِي عِيدِ الفِطْرِ، كَمَا شَرَعَ الأُضْحِيَّةَ فِي عِيدِ الأَضْحَى، وَذَلِكَ تَوْسِعَةٌ مِنَ المُسلِمِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهلِهِ، وَتَوْسِعَةٌ مِنْهُ عَلَى أَحِبَّائِهِ وَأَصْدِقَائِهِ وَجِيرَانِهِ، وَتَوْسِعَةٌ عَلَى الفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ، فَالإِسْلامُ لا يُرِيدُ مِنَ المُسلِمِ أَنْ يَعِيشَ بِمَعْزِلٍ عَنْ إِخْوَانِهِ فِي الإِنْسَانِيَّةِ، يَأْكُلُ وَحْدَهُ وَيَمْنَعُ رِفْدَهُ، فَمَا عَاشَ مَنْ عَاشَ لِنَفْسِهِ فَقَطْ، كَمَا أَنَّ لِلْعِيدِ مَغْزَاهُ الاجتِمَاعِيَّ وَالأُسْرِيَّ، مِنْ حَيْثُ هُوَ فُرْصَةٌ لِلتَّقَارُبِ وَالتَّوَاصُلِ التَّامِّ بَيْنَ ذَوِي القُرْبَى وَالأَرْحَامِ، هَذَا التَّوَاصُلُ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَستَمِرَّ عَلَى الدَّوَامِ، بَيْدَ أَنَّ العِيدَ يَأْتِي لِتَأْكِيدِهِ وَتَوثِيقِهِ، إِذِ الفُرْصَةُ فِي العِيدِ مُهَيَّأَةٌ لِهَذَا التَّوَاصُلِ، فِي ظِلِّ انْبِسَاطِ النُّفُوسِ وَانْشِرَاحِ الصُّدُورِ، مِمَّا يُعِينُ عَلَى التَّغَاضِي عَنِ الهَفَوَاتِ، وَالعَفْوِ عَنِ الزَّلاَّتِ، وَالإِحْسَانِ إِلَى مَنْ أَسَاءَ، وَهَذِهِ أَخْلاقٌ لا تَتَحَقَّقُ بِسُهُولَةٍ وَيُسْرٍ وَانْسِيَابٍ، إِلاَّ مِمَّنْ عَلَتْ هِمَمُهُمْ، وَتَسَامَتْ شِيَمُهُمْ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ))( )، أَلاَ مَا أَحْسَنَ وَأَجْمَلَ أَنْ يَجتَمِعَ أَفْرَادُ كُلِّ أُسْرَةٍ فِي يَومِ العِيدِ، يَستَظِلُّونَ بِظِلِّهِ الوَارِفِ المَدِيدِ، يَتَذَاكَرُونَ رَوْعَةَ الطَّاعَةِ وَالامتِثَالِ لأَوَامِرِ اللهِ الكَبِيرِ المُتَعَالِ، هَذِهِ الطَّاعَةُ الَّتِي تَمَثَّلَتْ فِي تَنْفِيذِ إِبْرَاهِيمَ الخَلِيلِ لأَمْرِ رَبِّهِ وَمَوْلاهُ، فِي أَثْمَنِ شَيْءٍ عِنْدَهُ وَأَغْلاهُ، حَيْثُ أُمِرَ فِي المَنَامِ بِذَبْحِ ابْنِهِ وَبِكْرِهِ الوَحِيدِ، فَعَرَضَ عَلَى ابْنِهِ رُؤْيَاهُ، فَكَانَ الوَلَدُ سِرَّ أَبِيهِ، حَيْثُ استَجَابَ لأَمْرِ رَبِّهِ الجَلِيلِ؛ مُتَسَلِّحًا بِالرِّضَا وَالصَّبْرِ الجَمِيلِ، كَذَلِكَ يَتَذَكَّرُ أَفْرَادُ الأُسْرَةِ مَا دَارَ بَيْنَ الأَبِ وَابنِهِ مِنْ حِوَارٍ هَادِئٍ لَطِيفٍ، لاَ غِلْظَةَ فِيهِ وَلاَ فَظَاظَةَ وَلا تَعنِيفَ، إِنَّهُ حِوَارٌ تَجَلَّتْ فِيهِ رَحْمَةُ الخَلِيلِ بِابنِهِ وَأَدَبُ الابنِ مَعَ أَبِيهِ، وَهُوَ مَثَلٌ يُحتَذَى بِهِ فِي رَحْمَةِ الآبَاءِ بِالأَبنَاءِ، وَاحتِرَامِ الأَبنَاءِ لِرَأْيِ الآبَاءِ، وَمَا أَجْمَلَ وَأَحْسَنَ أَنْ يَتَذَاكَرَ أَفْرَادُ الأُسْرَةِ مَا تَمَخَّضَتْ عَنْهُ هَذِهِ الأَحْدَاثُ مِنْ نَتَائِجَ حَمِيدَةٍ وَثِمَارٍ مُفِيدَةٍ؛ حَيْثُ كَانَ الفِدَاءُ لإِسْمَاعِيلَ، وَمَزِيدٌ مِنَ الذُّرِّيَةِ لإِبْرَاهِيمَ الخَلِيلِ - عَلَيْهِمَا السَّلامُ -، قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إِبْرَاهِيمَ: ((وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ، رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ، فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ، فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ، فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ، وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ، وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ، وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ، سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ))( ).
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ :
لَقَدْ سُئِلَ الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الأُضْحِيَّةِ فَقَالَ: (سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ)، وَلَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ضَحَّى بِكَبشَيْنِ أَملَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَبَيَّنَ الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم - مَا يَعْمَلُهُ المُسلِمُ فِي يَومِ العِيدِ بَالتَّرتِيبِ فَقَالَ: (إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ يَومَنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، مَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْـلُ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأَهلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ)، وَعَلَى المُضَحِّي أَنْ يُخلِصَ فِي أُضْحِيَّـتِهِ، مُحتَسِبًا الأَجْرَ عِنْدَ رَبِّهِ، يَقُولُ الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم - : (مَنْ ضَحَّى طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ مُحتَسِبًا لأُضْحِيَّـتِهِ؛ كَانَتْ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ)، وَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ))( )، وَعَلَى المُسلِمِ أَنْ يَخْتَارَ مِنَ الأَضَاحِيِّ مَا سَلِمَ مِنَ العُيُوبِ، لأَنَّ اللهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا، وَقَدْ قَالَ جَلَّ شَأْنُهُ: ((لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ))( ).
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَأَعِينُوا الضُّعَفَاءَ، وَوَاسُوا المَسَاكِينَ وَالفُقَرَاءَ، وَتَبَادَلُوا فِي هَذَا اليَومِ المُبَارَكِ التَّهَانِيَ؛ يُحَقِّقِ اللهُ لَكُمُ الأَمَانِيَّ.
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْمًا: ((إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا ))( ).
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُوْمًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُوْمًا، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْمًا.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَانًا صَادِقًا ذَاكِرًا، وَقَلْبًا خَاشِعًا مُنِيْبًا، وَعَمَلاً صَالِحًا زَاكِيًا، وَعِلْمًا نَافِعًا رَافِعًا، وَإِيْمَانًا رَاسِخًا ثَابِتًا، وَيَقِيْنًا صَادِقًا خَالِصًا، وَرِزْقًا حَلاَلاًَ طَيِّبًا وَاسِعًا، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظَّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
عِبَادَ اللهِ :
((إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).

 

آخر تحديث ( 25/11/2009 )
 
< السابق   التالى >
 

استفتاء

ما رأيك بصفحة خطب الجمعة؟
 
spacer

spacer
© 2024 موقع خطب الجمعة
Joomla! is Free Software released under the GNU/GPL License.