خطبة الاسبوع
spacer

  

spacer
spacer  
spacer spacer

دروس من وحي الهجرة طباعة ارسال لصديق
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
16/12/2009

خطبة الجمعة بتأريخ 1 محرم 1431هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
دُرُوسٌ مِنْ وَحْي الهِجْرَةِ

  الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ الأَوْطَانَ مَأْوَى الأَرْوَاحِ وَقَرَارَهَا، وَسَكَنَ الأَبْدَانِ وَانْشِرَاحَهَا، سُبْحَانَهُ لَطَفَ بِعِبَادِهِ بِالفَرَجِ مِنَ الغُمَّةِ بَعْدَ اشْتِدَادِهَا، وَبِاليُسْرِ بَعْدَ تَعَقُّدِ عُسْرِهَا، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، قَرَّتْ عُيُونُ المُؤْمِنِينَ بِالهِجْرَةِ بَعْدَ إِتْمَامِهَا، فَلَمْ يَزَلْ فِيهِمْ خَيْرُهَا وَسَنَاهَا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صلى الله عليه وسلم وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُ بِإِحْسَانٍ مَا جَمَعَتْ فَضَائِلُ الخَيْرِ فِي الأَرْضِ قَاصِيَهَا وَدَانِيَهَا.

  أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، فَإِنَّ التَّقْوَى جِمَاعُ كُلِّ خَيْرٍ، وَسَبَبُ كُلِّ فَضِيلَةٍ، وَمَا أَخَذَ امْرُؤٌ لِنَفْسِهِ بِأَفْضَلَ مِنَ التَّخَلُّقِ بِهَا وَالتَّعَلُّقِ بِصِفَاتِهَا، وَاعلَمُوا  - رَحِمَكُمُ اللهُ - أَنَّ حَدَثَ الهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ مَدْرَسَةٌ فِكْرِيَّةٌ وَسُلُوكِيَّةٌ، وَأَنَّ تَجْدِيدَ دِرَاسَةِ هَذَا الحَدَثِ، وَوَضْعَ أَحْدَاثِهِ تَحْتَ مِجْهَرِ التَّحْلِيلِ، مُعِينٌ عَلَى الفَهْمِ الصَّحِيحِ لِهَذَا الدِّينِ، وَرِسَالَتِهِ فِي الأَرْضِ، وَدَوْرِهِ فِي الحَيَاةِ، ذَلِكَ أَنَّهَا هِجْرَةٌ جَمَعَتْ بَيْنَ دَفَّتَيْهَا مَلامِحَ المُؤْمِنِ الصَّابِرِ، المُستَشْرِفِ لِوَعْدِ اللهِ، المُتَفَائِلِ بِالغَدِ، النَّاظِرِ بِعَيْنِ الأَمَلِ إِلَى المُستَقْبَلِ، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ صُعُوبَةِ المَوقِفِ وَشِدَّتِهِ، وَتَغَلُّقِ الأَبْوَابِ وَانْسِدَادِهَا، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا))(1)، وَمَا سَرْدُ قِصَصِ الهِجْرَةِ وَدِرَاسَةُ أَحْدَاثِهَا إِلاَّ مِنْ أَجْـلِ الاعتِبَارِ وَالعِظَةِ، عَمَلاً بِقَولِ اللهِ جَلَّ وَعَلا: ((لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ))(2)، وَقَولِهِ: ((فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ))(3)، فَمَا الاحتِفَالُ مَطْلُوبًا لِذَاتِهِ، بَلْ لِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ تَذَكُّرٍ وَتَذْكِيرٍ، وَتَعَلُّمٍ وَتَعْـلِيمٍ، ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً))(4).
  أَيُّها المُؤمِنونَ :
  لَقَدْ أَسَّسَتِ الهِجْرَةُ النَّبَوِيَّةُ عَالَمًا أَفْضَلَ، وَبَنَتْ مُجتَمَعًا تَسُودُهُ القِيَمُ وَالأَخْلاقُ، وَجَعَلَتْ ثَمَّ مَرْحَلَةً جَدِيدَةً لِلْعَلاقَةِ بَيْنَ أَصْحَابِ الشَّرَائِعِ، رَسَمَتْ مَلامِحَهَا عَلَى قَاعِدَةِ التَّسَامُحِ، وَانْطَلَقَتْ مِنْ مَبَادِئ ِالاحتِرَامِ، وَالانتِفَاعِ بِمَنَافِعِ الأَرْضِ وَالاشْتِرَاكِ فِيهَا، فَقَدْ وَقَّعَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الهِجْرَةِ عَلَى وَثِيقَةٍ مُهِمَّةٍ مَعَ أَهْـلِ الكِتَابِ، تَتَضَمَّنُ سُبُلَ التَّعَايُشِ وَالسَّلامِ، عَلَى قَاعِدَةِ "لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ فِي الإِسْلامِ"، وَأَنَّ لَهُمْ حُقُوقًا وَعَلَيْهِمْ وَاجِبَاتٍ، وَمِمَّا جَاءَ فِي بَعْضِ بُنُودِهَا: (لِلْيَهُودِ دِينُهُمْ وَلِلْمُسلِمِينَ دِينُهُمْ، وَإِنَّ عَلَى اليَهُودِ نَفَقَتَهُمْ وَعَلَى المُسلِمِينَ نَفَقَتَهُمْ، وَإِنَّ بَيْنَهُمُ النَّصْرَ عَلَى مَنْ حَارَبَ أَهْلَ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، وَإِنَّ بَيْنَهُمُ النُّصْحَ وَالنَّصِيحَةَ، وَالبِرَّ دُونَ الإِثْمِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَأْثَمِ امْرُؤٌ بِحَلِيفِهِ، وَإِنَّ النَّصْرَ لِلْمَظْلُومِ، وَإِنَّ الجَارَ كَالنَّفْسِ غَيْرُ مُضَارٍّ وَلا آثِمٍ)، وَمِنَ النَّاحِيَةِ الاقْتِصَادِيَّةِ فَقَدْ أَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سُوقًا جَدِيدَةً، وَنَهَى النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - عَنْ فَرْضِ أَيِّ رُسُومٍ لِدُخُولِ هَذَا السُّوقِ عَلَى المُسلِمِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ، بَلْ أَصْبَحَتْ سُوقًا حُرَّةً قَائِمَةً عَلَى التَّنَافُسِ الشَّرِيفِ، وَالأَخْلاقِ فِي التَّعَامُلِ، مِنْ غَيْرِ غِشٍّ وَلا احتِكَارٍ، وَلا فُحشٍ وَلا إِثْمٍ. 
  أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ :
  مِنْ أَهَمِّ مَعَالِمِ تِلْكَ الرِّحْـلَةِ المُبَارَكَةِ مَا كَانَ مِنْ آثَارِهَا الإِيْجَابِيَّةِ عَلَى المُجتَمَعِ، وَمَا نَتَجَ عَنْهَا مِنْ تَصَالُحِ النُّفُوسِ وَتَسَامِيهَا، وَعُلُوِّ القِيَمِ وَرُسُوخِهَا، فَقَدْ كَانَ فِي الهِجْرَةِ زَرْعُ قِيَمِ المَحَبَّةِ بَيْنَ الأَفْرَادِ، وَالتَّآخِي بَيْنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَقَدْ وَصَفَ اللهُ تِلْكَ الأُخُوَّةَ بَيْنَهُمْ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ((وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ))(5)، لَقَدْ كَانُوا مِثَالاً عَالِيًا فِي تَطْبِيقِ قَوْلِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم : (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ )‏، ثُمَّ بَنَى صلى الله عليه وسلم المَسْجِدَ النَّبَوِيَّ الشَّرِيفَ، لِيَكُونَ مَسْجِدًا جَامِعًا لِلْمُؤْمِنِينَ، تُقَامُ فِيهِ صَلَوَاتُهُمْ، وَتُرفَعُ فِيهِ أَسْمَاءُ اللهِ وَآيَاتُهُ، وَكَانَ هُوَ مَرْكَزَ القَضَاءِ وَالإِفْتَاءِ، وَالتَّشَاوُرِ فِي أُمُورِ الدِّينِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَهَمِّيَّةِ المَسَاجِدِ فِي الأُمَّةِ، وَدَوْرِهَا فِي المُجتَمَعِ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: ((لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ))(6)، وَيَقُولُ جَلَّ وَعَلا: ((فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ، رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ))(7).
  فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ تَقْوَاهُ، وَتَدَارَسُوا سِيرَةَ المُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم؛ فَفِيهَا الخَيْرُ وَالعِبْرَةُ، وَالمَوْعِظَةُ وَالقُدْوَةُ.
   أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ  إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
  *** *** ***
   الْحَمْدُ للهِ مَا تَعَاقَبَتِ الأَزْمَانُ، وَبَلِيَ الجَدِيدَانِ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، جَعَلَ لِكُلِّ أُمَّةٍ مَا تَستَحِقُّهُ مِنَ المَالِ وَالشَّأْنِ، وَجَعَلَ لِذَلِكَ سُنَنًا وَاضِحَةَ الأَثَرِ وَالعِيَانِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ مَنِ التَزَمَ العَدْلَ وَالإِحْسَانَ، صلى الله عليه وسلم وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ مَا خَفَقَ قَلْبٌ وَنَطَقَ لِسَانٌ. 
   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ :
   اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاشْكُرُوهُ عَلَى آلائِهِ، وَأَرُوهُ أَثَرَ نِعَمِهِ عَلَيْكُمْ، وأَثَرَ َفَضْـلِهِ فِي أَنْفُسِكُمْ، وَاعلَمُوا أَنَّ الهِجْرَةَ النَّبَوِيَّةَ الشَّرِيفَةَ - عَلَى صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلاةِ وَالسَّلامِ- كَانَتِ الحَدَثَ الَّذِي اتَّخَذَهُ المُسلِمُونَ مُبتَدَأَ تَأْرِيخِهِمْ، يَحفَظُونَ بِهِ أَحْدَاثَهُمْ وَمُنَاسَبَاتِهِمْ، وَيُدَوِّنُونَ بِهِ دَوَاوِينَهُمْ وَأَحْوَالَ بِلادِهِمْ، وَقِصَّةُ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَائِلاً: إِنَّهُ يَأْتِينَا مِنْكَ كُتُبٌ لَيْسَ لَهَا تَأْرِيخٌ، فَجَمَعَ عُمَرُ النَّاسَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرِّخْ بِالمَبْعَثِ، وَبَعْضُهُمْ: أَرِّخْ بِالهِجْرَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: (الهِجْرَةُ فَرَّقَتْ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ فَأَرِّخُوا بِهَا)، فَتَكُونُ هَذِهِ الحَادِثَةُ تَذْكِيرًا لَنَا بِهَذَا التَّأْرِيخِ الإِسْلامِيِّ، اللَّصِيقِ بِقِيَمِنَا، وَالمُستَمَدِّ مِنْ ثََقَافَتِنَا، يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ: ((إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ))(8)، فَالسَّـنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، وَسُمِّيَتْ كَذَلِكَ لِعِظَمِ حُرْمَتِهَا، وَقَدْ بَيَّنَهَا الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم فِي خُطْبَةِ حَجَّةِ الوَدَاعِ فَقَالَ: (إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ استَدَارَ كَهَيْـئَتِهِ يَومَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القِعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ).
   أَيُّهَا المُسلِمُونَ :
   إِنَّ الأُمَمَ يُحْسَبُ عُمرُهَا بِمَا أَنْتَجَتْ، وَتُكْتَبُ آثَارُهَا بِمَا قَدَّمَتْ، وَإِلاَّ فَإِنَّ الأَعْوَامَ تَمْضِي كَالأَرقَامِ، لا قِيمَةَ لَهَا وَلا وَزْنَ، إِلاَّ إِنِ اقْتَرَنَتْ بِأَمْنٍ وَأَمَانٍ، وَعَدْلٍ وَإِحْسَانٍ، أَوْ بِحَدَثٍ كَبِيرٍ أَوِ اكْتِشَافٍ مُثِيرٍ، أَوْ إِضَافَةٍ لِلْعِلْمِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تُبْدِعُهُ العُقُولُ وَالأَفْكَارُ، فَحِينَئِذٍ تَتَذَكَّرُ الأُمَمُ هَذَا التَّأْرِيخَ أَوْ ذَاكَ، وَيُكْتَبُ عَلَى جَبِينِ الدَّهْرِ، وَيَبقَى خَالِدًا فِي ذَاكِرَةِ الشُّعُوبِ.
   أَلاَ فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ -، وَلْنُقَدِّمْ لِلْبَشَرِيَّةِ مَا يَسُرُّهَا، وَلْتُنْتِجْ عُقُولُنَا مَا يُخَلِّدُ ذِكْرَ أُمَّـتِنَا وَوَطَنِنَا، فَخَيْرُ الذِّكْرِ مَا كَانَ فِي الخَيْرِ وَنَفْعِ الإِنْسَانِ، وَخَيْرُ الأَعْمَالِ أَجْمَلُهَا عَاقِبَةً وَمَا مَضَى ذِكْرُهُ الحَسَنُ عَلَى كُلِّ لِسَانٍ.
   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً))(9).
   اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُوْمًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُوْمًا، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْمًا.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَانًا صَادِقًا ذَاكِرًا، وَقَلْبًا خَاشِعًا مُنِيْبًا، وَعَمَلاً صَالِحًا زَاكِيًا، وَعِلْمًا نَافِعًا رَافِعًا، وَإِيْمَانًا رَاسِخًا ثَابِتًا، وَيَقِيْنًا صَادِقًا خَالِصًا، وَرِزْقًا حَلاَلاًَ طَيِّبًا وَاسِعًا، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
   عِبَادَ اللهِ : ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)).

(1) سورة التوبة/ 40.
(2) سورة يوسف/ 111.
(3) سورة الأعراف/ 176.
(4) سورة الأحزاب / 21 .
(5) سورة الحشر/ 9.
(6) سورة التوبة/ 108.
(7) سورة النور/ 36-37.
(8) سورة التوبة/ 36.
(9) سورة الأحزاب / 56 .

 
التالى >
 

استفتاء

ما رأيك بصفحة خطب الجمعة؟
 
spacer

spacer
© 2024 موقع خطب الجمعة
Joomla! is Free Software released under the GNU/GPL License.