خطبة الاسبوع
spacer

  

spacer
spacer  
spacer spacer

تَأَمُّلاتٌ فِي سُورَةِ المُؤْمِنُونَ طباعة ارسال لصديق
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
07/01/2010

22 محرم  1431هـ
بسم الله الرحمن الرحيم

تَأَمُّلاتٌ فِي سُورَةِ المُؤْمِنُونَ


 
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، كَتَبَ الفَلاحَ لِعِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ، وَصَدَقَهُمْ وَعْدَهُ فَأَورَثَهُمُ الجَنَّةَ يَدْخُلُونَهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ مِنَ الْحَمْدِ وَأُثْنِي عَلَيْهِ، وَأُومِنُ بِهِ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، أَنْزَلَ كُتُبَهُ تُتلَى، وَأَرْسَلَ رُسُلَهُ تَتْرَى، إِنَارَةً لِلسَّبِيلِ وَتِبيَانًا لِلْمَحَجَّةِ، لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، حَلاَّهُ رَبُّهُ بِكُلِّ خُلُقٍ عَظِيمٍ، وَأَمَرَهُ بِالاستِعَاذَةِ بِهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَقَالَ فِي سُورَةِ المُؤْمِنُونَ: )وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ، وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ)، -صلى الله عليه وسلم- وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَرَضِيَ اللهُ عَنِ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ :


سُورَةُ المُؤْمِنُونَ سُورَتُكُمْ، فِيهَا صِفَاتُكُمُ المَحْبُوبَةُ، وَمَا ضَمِنَ اللهُ لَكُمْ بِسَبَبِهَا مِنْ حُسْنِ المَثُوبَةِ، فَهَلاَّ تَحَلَّيتُمْ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ وَكُلُّهَا فَضَائِلُ، وَتَخَلَّيتُمْ عَنْ أَضْدَادِهَا وَكُلُّ أَضْدَادِهَا رَذَائِلُ؟ وَلْنَستَمِعْ جَمِيعًا إِلَى عُمَرَ ابْنِ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وَهُوَ يَقُولُ: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ نَسْمَعُ عِنْدَ وَجْهِهِ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، فَلَبِثْنَا سَاعَةً فَاسْتَقْبَلَ القِبلَةَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلا تَنْقُصْـنَا، وَأَكْرِمْـنَا وَلا تُهِنَّا، وَأَعْطِنَا وَلا تَحْرِمْـنَا، وَآثِرنَا وَلا تُؤْثِرْ عَلَيْـنَا وَارْضَ عَنَّا وَأَرْضِنَا، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيَّ عَشْرُ آيَاتٍ، مَنْ أَقَامَهُنَّ دَخَلَ الجَنَّةَ: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).

عِبَادَ اللهِ :
سُورَةُ المُؤْمِنُونَ سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، يَبْدَأُ مَطْلَعُهَا بِإِثْبَاتِ الفَلاحِ لِلْمُؤْمِنِينَ مُحَقَّقًا (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)، وَفِي خِتَامِهَا يَنْفِي اللهُ الفَلاحَ عَنِ الكَافِرِينَ نَفْيًا مُؤَكَّدًا مُوَثَّقًا (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ)( )، وَبَعْدَ ذِكْرِ المُؤْمِنِينَ وَمَا قَامُوا بِهِ مِنْ عِبَادَاتٍ، وَمَا أَدَّوهُ مِنْ صُنُوفِ الطَّاعَاتِ، وَمَا تَحَلَّوا بِهِ مِنْ حُسْنِ الأَخْلاقِ وَجَمِيلِ الصِّفَاتِ، بَعْدَ ذَلِكَ تَضَعُ السُّورَةُ الدَّلائِلَ وَالبَرَاهِينَ فِي الأَنْفُسِ وَالآفَاقِ عَلَى حَتْمِيَّةِ الإِيْمَانِ بِاللهِ الوَاحِدِ الخَلاَّقِ، فَفِي مَجَالِ الأَنْفُسِ يَذْكُرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَرَاحِلَ خَلْقِ الإِنْسَانِ وَأَطْوَارَ نَشْأَتِهِ، ثُمَّ مَوتَهُ ثُمَّ بَعثَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، إِنَّهَا الرِّحْلَةُ الَّتِي لا بُدَّ مِنْهَا، وَلا مَحِيدَ عَنْهَا، يَقُولُ تَعَالَى: ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ)، ثُمَّ تَنْتَقِلُ الآيَاتُ الكَرِيمَةُ مِنْ دَلائِلِ الإِيْمَانِ فِي النَّفْسِ البَشَرِيَّةِ إِلَى دَلائِلِهِ فِي المَشَاهِدِ الكَوْنِيَّةِ، وَأَوَّلُ مَا تَبْدَأُ الآيَاتُ بِهِ مِنْ هَذِهِ المَشَاهِدِ مَظْهَرٌ كَوْنِيٌّ لَهُ عَلاقَةٌ وَثِيقَةٌ بِهَذَا الإِنْسَانِ، فَهُوَ سَبَبُ اسْتِمْرَارِ حَيَاتِهِ وَحَيَاةِ غَيْرِهِ مِنْ مُخْتَلَفِ الأَشْيَاءِ، ذَلِكُمْ هُوَ المَاءُ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ بِحِكْمَةٍ وَتَدْبِيرٍ، المُستَكِنُّ فِي الأَرْضِ حِفَاظًا عَلَيْهِ؛ لِيَجِدَهُ الإِنْسَانُ حِينَ يَكُونُ فِي حَاجَةٍ إِلَيْهِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ( وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ)( )، ثُمَّ يُذَكِّرُ اللهُ النَّاسَ بِفَضْلِهِ عَلَيْهِمْ وَنِعَمِِهِ، فَيُبَيِّنُ أَنَّ الَّذِي أَنْزَلَ المَاءَ مِنَ السَّمَاءِ بِرَحْمَتِهِ وَأَسْكَنَهُ فِي الأَرْضِ بِقُدْرَتِهِ قَادِرٌ عَلَى تَبْدِيدِهِ وَإِضَاعَتِهِ، فَلْيَستَعْمِلِ الإِنْسَانُ هَذَا المَاءَ بِتَرشِيدٍ وَتَقْدِيرٍ؛ مُتَجَنِّبًا كُلَّ مَظْهَرٍ لِلإِسْرَافِ وَالتَّبذِيرِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ)، ثُمَّ تَدْعُو السُّورَةُ الكَرِيمَةُ إِلَى النَّظَرِ وَالتَّفَكُّرِ فِيمَا يُنْشِئُهُ المَاءُ مِنْ حَيَاةٍ لِلنَّبَاتِ وَحَيَاةٍ لِلْحَيَوَانِ؛ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً لِلإِنْسَانِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ، وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ)، إِنَّهَا لَفْتَةٌ إِلَى الثَّرْوَةِ النَّبَاتِيَّةِ وَالحَيَوَانِيَّةِ، عَلَى أَنَّهَا دَلِيلٌ سَاطِعٌ وَبُرْهَانٌ قَاطِعٌ عَلَى قُدْرَةِ اللهِ وَسَابِغِ نِعَمِهِ عَلَى عِبَادِهِ؛ لِيَتَلَقَّى الإِنْسَانُ هَذِهِ النِّعَمَ بِالشُّكْرِ وَالعِرفَانِ، وَشُكْرُهَا يَكْمُنُ فِي الاهتِمَامِ بِهَا وَالمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَتَثْمِيرِهَا لِمَصْلَحَةِ الفَرْدِ وَالجَمَاعَةِ؛ لِيَعُمَّ الرَّخَاءُ وَيَنْتَشِرَ، وَيَزُولَ العَوَزُ وَيَنْدَثِرَ، فَأََوْجُهُ النَّشَاطِ البَشَرِيِّ يُكَمِّـلُ بَعْضُهَا بَعْضًا.
عِبَادَ اللهِ :
تَعْرِضُ سُورَةُ المُؤْمِنُونَ مُهِمَّةَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ لَدُنْ نُوحٍ – عَلَيْهِ السَّلامُ- إِلَى خَاتَمِهِمْ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- ، مُبَيِّـنَةً أَنَّ مُهِمَّـتَهُمْ جَمِيعًا مُهِمَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَالدَّعْوَةُ الَّتِي جَاءَ بِهَا نُوحٌ هِيَ ذَاتُهَا الَّتِي جَاءَ بِهَا كُلُّ نَبِيٍّ وَرَسُولٍ بَعْدَهُ، فَكُلُّهُمْ قَالُوا: (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)، وَتَحتَضِنُ السُّورَةُ نِدَاءً عُلْويًّا كَرِيمًا إِلَى رُسُلِ اللهِ جَمِيعًا: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)، وَالطَّيِّبَاتُ كُلُّ مَا يُستَلَذُّ وَيُستَطَابُ مِنَ الحَلالِ، وَأَفْضَلُهُ مَا جَاءَ ثَمَرَةَ كَدِّ اليَمِينِ وَعَرَقِ الجَبِينِ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-: ((مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ دَاوُدَ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ))، وَمَا أُمِرَ بِهِ المُرْسَلُونَ أُمِرَ بِهِ المُؤْمِنُونَ عَلَى مَرِّ العُصُورِ وَكَرِّ الدُّهُورِ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)، وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)، وَقَدْ نَفَّذَ رُسُلُ اللهِ هَذَا الأَمْرَ بِكُلِّ دِقَّةٍ، حَيْثُ زَاوَلَ كُلٌّ مِنْهُمْ حِرفَةً يَأْكُلُ مِنْهَا، وَعَلَى المُؤْمِنِينَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ أَنْ يَتَأَسَّوا بِهِمْ، وَيَسِيرُوا عَلَى دَرْبِهِمْ، فَيُبَاشِرُوا بِكُلِّ هِمَّةٍ مُخْتَلَفَ أَعْمَالِهِمْ؛ لإِنْجَازِ أَهْدَافِهِمْ وَتَحقِيقِ آمَالِهِمْ، فَكُلُّ رِزقٍ يَأْتِي نَتِيجَةَ جُهْدٍ طَيِّبٍ وَعَمَلٍ شَرِيفٍ هُوَ أَطْيَبُ الحَلالِ، وَأَفْضَلُ ضَمَانٍ مِنَ العَوَزِ وَالفَاقَةِ وَذُلِّ السُّؤَالِ. إِنَّ المُؤْمِنَ الَّذِي يُرِيدُ الرُّقِيَّ وَيَنْشُدُ السَّعَادَةَ؛ يُوَاصِلُ سَعْيَهُ وَاجتِهَادَهُ، وَيَجْعَلُ ذَلِكَ دَأْبًا لَهُ وَعَادَةً، وَمِنْ ثَمَّ فَهُوَ يَعْمُرُ أُخْرَاهُ وَلا يَنْسَى دُنْيَاهُ؛ إِيْمَانًا مِنْهُ بِأَنَّ هَذِهِ رِسَاَلَتُهُ، وَمُهِمَّـتُهُ وَغَايَتُهُ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ :

بَعْدَ هَذَا تَعُودُ سُورَةُ المُؤْمِنُونَ إِلَى الحَدِيثِ عَنْ صِفَاتٍ أُخْرَى مِنْ صِفَاتِ المُؤْمِنِينَ؛ فَمِنْ صِفَاتِهِمْ يَقَظَةُ قُلُوبِهِمْ، وَخَوفُهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ، وَإِيْمَانُهُمْ بِأَنَّهُ مِنْهُمْ قَرِيبٌ، وَعَلَى أَعْمَالِهِمْ رَقِيبٌ، وَفِي ظِلالِ هَذَا الشُّعُورِ بِالرِّقَابَةِ الإِلَهِيَّةِ يُؤَدُّونَ مَا وُكِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ أَعْمَالٍ دُونَ تَقْصِيرٍ وَدُونَ إِهْمَالٍ؛ إِيْمَانًا مِنْهُمْ بِأَنَّهُمْ إِنْ نَجَوا مِنَ المُسْاءَلَةِ فِي العَاجِلَةِ، فَلَنْ يَنْجُوا مِنَ المُسْاءَلَةِ فِي الآجِلَةِ، يَقُولُ تَعَالَى فِي وَصفِهِمْ أَوَّلاً: ( إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ)، وَالمُؤْمِنُونَ كَذَلِكَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ التَّكْوِينِيَّةِ وَآيَاتِهِ التَّنْزِيلِيَّةِ، وَهَذَا الإِيْمَانُ يَدفَعُهُمْ إِلَى الإِخْلاصِ فِي أَعْمَالِهِمُ ابْـتِغَاءَ الجَزَاءِ مِنْ رَبِّهِمْ، فَالإِخْلاصُ فِي العَمَلِ لَهُ بَرَكَاتُهُ الغَزِيرَةُ وَثَمَرَاتُهُ الكَثِيرَةُ، إِنَّهُ يُخَالِطُ القَلِيلَ مِنَ الأَعْمَالِ، فَيُنَمِّيهَا حَتَّى تَصِيرَ زِنَةَ الجِبَالِ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((أَخْلِصْ دِينَكَ؛ يَكْفِكَ العَمَلُ القَلِيلُ))، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى هُنَا فِي وَصفِهِمْ: (وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ)، وَالمُؤْمِنُونَ كَذَلِكَ يَعْمَلُونَ العَمَلَ الصَّالِحَ دُونَ أَنْ يُدَاخِلَهُمْ عُجْبٌ بِهِ أَوِ استِحْسَانٌ لَهُ، بَلْ يَعْمَلُونَهُ مُتَّهِمِينَ أَنْفُسَهُمْ بِالتَّقْصِيرِ، وَبِهَذَا الإِحْسَاسِ وَالشُّعُورِ يَنْجُو المُؤْمِنُ مِنْ آفَةِ الغُرُورِ، يَقُولُ سُبْحَانَهُ: ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ). 
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَاعلَمُوا أَنَّ المُؤْمِنِينَ بِاللهِ حَقًّا يَدفَعُونَ عَجَلَةَ الحَيَاةِ لِصَالِحِ الحَقِّ وَالخَيْرِ، وَيَصُونُونَهَا مِنْ كُلِّ أَذًى وَضَيْرٍ، وَيَستَطِيعُونَ بِإِيْمَانِهِمْ أَنْ يُحَوِّلُوا الإِخْفَاقَ إِلَى نَجَاحٍ، وَالضَّعْفَ إِلَى قُوَّةٍ وَفَوزٍ وَفَلاحٍ، فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ، وَاعْمَلُوا صَالِحًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
*** *** ***
الْحَمْدُ للهِ عَلَى العَافِيَةِ وَالبَلاءِ، وَالشُّكْرُ لَهُ تَعَالَى عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ الحَلِيمُ الغَفُورُ، وَاسِعَةٌ رَحْمَتُهُ، عَظِيمٌ فَضلُهُ وَإِحْسَانُهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الدَّاعِي إِلَى الخَيْرِ وَالمَعْرُوفِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ وَسلَّمَ تَسلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
فِي سُورَةِ المُؤْمِنُونَ تَوْجِيهَاتٌ إِلَهِيَّةٌ، وَأَوَامِرُ رَبَّانِيَّةٌ، لِمُنْقِذِ الإِنْسَانِيَّةِ وَهَادِي البَشَرِيَّةِ -صلى الله عليه وسلم-، يَقُولُ تَعَالَى مُخَاطِبًا لَهُ: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ، وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ، وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ)( )، إِنَّهُ أَمْرٌ لِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَالأَمْرُ لَهُ أَمْرٌ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ إِلاَّ فِيمَا اخْتُصَّ بِهِ، فَالمُؤْمِنُ بِدَافِعٍ مِنْ إِيْمَانِهِ يُقَابِلُ السَّيِّـئَةَ بِالحَسَنَةِ، وَيُقَابِلُ الجُحُودَ وَالنُّكْرَانَ بِفَيْضٍ مِنَ الفَضْلِ وَمَزِيدٍ مِنَ الإِحْسَانِ، إِنِ استَفَزَّهُ إِنْسَانٌ بِسُوءِ فِعْلٍ أَوْ بَذَاءَةِ لِسَانٍ؛ قَابَلَ ذَلِكَ بِفِعْلٍ طَيِّبٍ نَبِيلٍ، وَقَولٍ حَسَنٍ جَمِيلٍ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - تَلَقَّى إِسَاءَةً مِنْ إِنْسَانٍ؛ فَرَدَّ عَلَيْهِ قَائِلاً: (أَرَدْتَ أَنْ يَستَفِزَّنِي الشَّيْطَانُ؛ فَأَنَالَ مَا تَنَالُهُ مِنِّي غَدًا – أَيْ فِي الآخِرَةِ –، قُمْ عَافَاكَ اللهُ، لا حَاجَةَ لَنَا فِي مُقَاوَلَتِكَ). إِنَّ المُؤْمِنَ يَحْفَظُ صَحَائِفَهُ؛ فَيَمْلَؤُهَا بِالحَسَنَاتِ وَالخَيْرَاتِ، بَدَلَ أَنْ يُكْتَبَ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ السَّيِّـئَاتِ، وَإِذَا شَتَمَهُ آخَرُ وَأَسَاءَ إِلَيْهِ؛ لا يَرُدُّ الإِسَاءَةَ عَلَيْهِ، بَلْ يَقُولُ لَهُ كَمَا قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: (إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَغَفَرَ اللهُ لِي، وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَغَفَرَ اللهُ لَكَ).
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ :
إِنَّ الشَّيَاطِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِالمُؤْمِنِ، يُرِيدُونَ مِنْهُ الوُقُوعَ فِي المَحْظُورِ وَاقْتِرَافَ المَحْذُورِ، بَيْدَ أَنَّهُ يُؤْمِنُ بِأَنَّ اللهَ يَقِيهِ، وَيَحفَظُهُ وَيَحْمِيهِ، إِنِ احتَمَى بِاللهِ وَاستَعَاذَ بِهِ، وَلِذَا فَهُوَ يَستَعِيذُ بِاللهِ؛ فَيَنْجُو مِنَ الشَّيْطَانِ وَوَسَاوِسِهِ، وَحِيَلِهِ وَدَسَائِسِهِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- يُكْثِرُ مِنَ الاسْتِعَاذَةِ بِاللهِ؛ تَنْفِيذًا لأَمْرِ رَبِّهِ وَتَوْجِيهًا لأُمَّـتِهِ، فَمَا أَكْثَرَ مَا كَانَ يَقُولُ: ((أَعُوذُ بِاللهِ السَّمِيعِ العَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ))، وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ أَنْ يَقُولُوا عِنْدَ الفَزَعِ مِنَ النَّومِ: ((أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَةِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ، وَمِنْ شَرِّ عِبَادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ)).
فَاتَّقُوا اللهَ -عِِبَادَ اللهِ-، وَتَدَبَّرُوا سُورَةَ المُؤْمِنُونَ، وَاتَّصِفُوا بِصِفَاتِ المُؤْمِنِينَ الوَارِدَةِ فِيهَا، اُعفُوا عَنِ المُسِيئِينَ، وَتَحَصَّنُوا بِاللهِ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ.

هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْمًا: (إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا).
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُوْمًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُوْمًا، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْمًا.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَانًا صَادِقًا ذَاكِرًا، وَقَلْبًا خَاشِعًا مُنِيْبًا، وَعَمَلاً صَالِحًا زَاكِيًا، وَعِلْمًا نَافِعًا رَافِعًا، وَإِيْمَانًا رَاسِخًا ثَابِتًا، وَيَقِيْنًا صَادِقًا خَالِصًا، وَرِزْقًا حَلاَلاًَ طَيِّبًا وَاسِعًا، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظَّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.

اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
عِبَادَ اللهِ :
(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ).

آخر تحديث ( 07/01/2010 )
 
< السابق   التالى >
 

استفتاء

ما رأيك بصفحة خطب الجمعة؟
 
spacer

spacer
© 2024 موقع خطب الجمعة
Joomla! is Free Software released under the GNU/GPL License.