كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء
|
17/04/2007 |
خطبة الجمعة بتاريخ 2 ربيع الثاني 1428هـ بسم الله الرحمن الرحيم إشراقاتٌ منْ آيةِ الدَّين الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين، أنْعَمَ عَلى العِبَادِ بِإِنْزَالِ الكِتَابِ، هُدَىً وذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ، سُبْحَانَهُ جَعَلَ مِنَ الأَمَانَةِ وفِعْلِ الخَيْرِ المُحَافَظَةَ على مَالِ الغَيْرِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الصَادِقُ الأَمِينُ، دَعَا إِلى حُسْنِ التَّقَاضِي بَيْنَ الدَّائِنِ والمَدِينِ، -صلى الله عليه وسلم- وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَعَلَى كُلِّ مَنِ اهْتَدَى بِهَدْيِهِ، وَاسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
لَقَدْ جَاءَ الإِسْلامُ بِمَا يُحَقِّقُ مَصَالِحَ النَّاسِ وَيَدْفَعُ الضُّرَّ عَنْهُم، فَيَسَّرَ لَهُم سُبُلَ التَّعَامُلِ فِيمَا بَيْنَهُم، وَشَرَعَ مِنَ الأَحْكَامِ مَا يَضْمَنُ حُقُوقَهُم ويَحْفَظُ أمْوَالَهُم، لِكَيْ تَسُودَ المَحَبَّةَ وتَبقَى المَودَّةَ، فَيَحْيَونَ حَيَاةً سَعِيدَةً نَقِيَّةً، لا يُعَكِّرُ صَفْوَهَا كَدَرٌ ولا ضَغِينَةٌ، وَمِنْ جُمْلَةِ ذلِكَ مَا قَرَّرَتْهُ آيَةُ الدَّينِ التي هِيَ أَطْوَلُ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللهِ، فَقَدْ تَضَمّنَتْ هَذِه الآيَةُ أحْكَاماً عَظِيْمَةً لِمَا يَلْزَمُ لِلأمْوَالِ مِنْ حِفْظٍ وتَوْثِيقٍ، ونَصّتْ عَلَى مَا للدّائِنِ والمَدِينِ مِنْ حُقُوقٍ، صَوْناً لِعَلاقَتِهِمَا مِنْ أنْ يَعْصِفَ بِها الجِدَالُ، وتَسْهِيلاً لِمَا يَضْمَنُ لَهُمَا السَّلامَةَ فِي المَآلِ. أَيُّهَا الْمُسْلِمِوْنَ : يُخَاطِبُ اللهُ عَزَّوَجَلَّ عِبَادَهُ فِي بِدَايَةِ هَذِه الآيَةِ بالصِّفَةِ التي تُمَيِّزُهُم، وتُحَرِّكُ مَشَاعِرَهُم، فَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)) (1)، إنَّهَا صِفَةُ الإيِمَانِ التِي تَرْبِطُهُم باللهِ، وتَدْعُوهُم لِلوَعْيِ والانتِبَاهِ، فَخَالِقُ البَشَرِ أعْلَمُ بِما فِيه صَلاحُهُم فِي الدُّنيا، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَليه فَلاحُهُم فِي العُقْبَى، لَقَدْ فَطَرَهُم عَلى حُبِّ المَالِ، وأَمَرَهُم أنْ يَسْتَخْدِمُوه فِي صَالِحِ الأعْمَالِ، بِمَا يَعُودُ عَلَيهِم وعَلَى بَنِي جِنْسِهِم بالنَّفْعِ فِي الحَالِ والمَآلِ، فَكَانَ تَشْرِيعُ الإسْلامِ لِعَقْدِ التَّدَايُنِ بَيْنَ النَّاسِ لِمَا فِيه مِنْ مُسَاعَدَةِ المُحْتَاجِينَ وتَنْفِيسِ كُرْبَتِهِمْ وَحِفْظِ حَيَائِهِم وكَرَامَتِهم، فَيَنْتَفِعُ بِه ذَووا القَرابَاتِ، وَيُغَاثُ بِه أَهْلُ الحَاجَاتِ، ويُتَوَصَّلُ عَنْ طَرِيقِه إِلى فِعْلِ الكَثِيرِ مِنَ الخَيْرَاتِ، إِلاَّ أَنَّ الإِسْلامَ وَفِي الوَقْتِ الذي أَبَاحَ فِيه مَالَ الغَيرِ بِإذْنِهِ ورِضَاه جَعَلَ لِهَذا المَالِ حُرْمَةً يَجِبُ مُرَاعَاتُها، وَيَلْزَمُ حِفْظُهَا وَصِيانَتُها، فَأَمَرَ بِتَوْثِيقِ العُقُودِ، حِمَايَةً لَهَا مِنَ النُّكْرَانِ والجُحُودِ، فَقَالَ جَلَّ شَأنُهُ: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ))(2)، إِنْهَا نِعْمَ الوَصِيّةُ مِنْ رَبِّ البَرِيَّةِ، فَقَدْ أَمَرَ سُبْحَانَهُ عِبَادَهُ المُؤمِنِينَ بِكِتَابَةِ الدَّينِ لِمَا فِيهَا مِنْ حِفْظِ الأمْوَالِ وأَدَاءِ الأَمَانَاتِ، ورَفْعِ الارتِيَابِ وسَدِّ أَبْوَابِ الخِلافِ والخُصُومَاتِ، فَقَدْ تَتَزعْزَعُ الثِّقَةُ وتَضْعَفُ الذِّمَمُ، وَيَطُولُ الأَمَدُ وَيَزْدَادُ الطَّمَعُ والجَشَعُ، فَتُنَازِعُ النَّفْسُ صَاحِبَها إِلى الإنْكَارِ، أوالكَذِبِ فِي أَصْلِ الدَّينِ أو المِقْدَارِ، فَحِمَايَةً للدَّائِنِ مِنْ ضَيَاعِ مَالِهِ، أو الإنْقَاصِ مِنْ مِقْدَارِه، أو نِسْيَانِهِ عِنْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ ومِيقَاتِهِ، شَرَعَ اللهُ تَوْثِيقَ الدَّينِ بِالكِتَابَةِ، لِيُرْجَعَ إليْهَا عِنْدَ الحَاجَةِ. عِبَادَ اللهِ : وَحَتَّى تَتَحقَّقَ الحِكْمَةُ المُرَادَةُ مِنْ كِتَابَةِ الدَّينِ أَمَرَ المولى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَتَولاهَا مَنْ كَانَ بِهَا عَارِفاً، ولِشُرُوطِهِا مُرَاعِياً؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ((وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ))، إِنَّهُ كَاتِبٌ مُخْتَصٌ بِتَوثِيقِ العُقُودِ، مَوْصُوفٌ بِالعَدْلِ، لَيْسَ فِي قَلْبِهِ وَلا قَلَمِهِ مَيْلٌ لأحَدِ المُتَعَاقِدَينِ عَلى الآخَر، فَلا يُنْقِصُ فِي مِقْدَارِ الدَّينِ ولا أَجَلِهِ ولا يَزِيدُ، بَلْ يُوضِحُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيَضْبِطُهُ بِالدِّقَّةِ والتَّحْدِيدِ، وَلَمْ يَجْعَلِ الحَقُّ سُبْحَانَهُ الكَاتِبَ أَحَدَ المُتَعَاقِدَينِ، لِمَا يُخْشََى مِنْ تَرْكِهِمَا لِبَعْضِ أُمُورٍ ضروريَّةٍ يَجْهَلُونَهَا، أَو اخْتِلافٍ فِي أُخْرَيَاتٍ يَتَوَهَّمُونَهَا، فَكَانَ مِنَ الحِكْمَةِ وَالحِيطَةِ والحَيْدَةِ المُطْلَقَةِ اسْتدعَاءُ ثَالثٍ غَيْرِهِما، وَقَدْ أَكَّدَ المَولى سُبْحَانَه عَلى الكاتَبِ فَنَهَاهُ عَنِ الإبَاءِ، أو أَنْ يَقَابِلَ المُتَعَاقِدَينِ بِالجَفَاءِ، فقال: (( وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ))، فَمَنْ آتاهُ اللهُ العِلْْمَ بِالكِتَابَةِ والأحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ والشُّرُوطِ المَرعِيَّةِ والاصْطِلاحَاتِ العُرفِيَّةِ وَتَعَيَّنَ لِهَذا الغَرَضِ عَليه ألاَّ يَضُنَّ بِمَعْلُومِاتِهِ، ولا يَبْخَلَ بِكِتَابَتِهِ؛ وَفَاءً وَشُكْراً لِفَضْلِ اللهِ عَليهِ، وإِحْسَاناً إِلى الخَلْقِ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِليهِ. أَيُّهَا الْمُسْلِمِوْنَ : لَقَدْ رَبَطَتْ هَذِه الآيَةُ الكَرِيَمَةُ التَّشرِيعَاتِ الرَبَانِيَّةَ بِوِجْدَانِ الإنْسَانِ، لِيَأتِيَهَا بِدَافِعِ الطَّاعَةِ والرِّضَا والإذْعَانِ، فَذَكَّرَتِ الكَاتِبَ بِفَضْلِ اللهِ عَليه، لِيَنْشَطَ فِي أَدَاءِ التَّكْلِيفِ، مِنْ غَيْرِ تَأخِيرٍ وَلا تَسْويفٍ، كَمَا حَدَّدتْ مَنْ يُمْلِي الدَّينَ عَلى الكَاتِبِ، لِيَقُومَ النَّاسُ بِأدَاءِ وَاجِبِهِم، ويَتَمَتَّعُونَ بالضَّمَانِ الذِي يَحْمِيهِم، فَلا يَقَعُ بَخْسٌ ولا إنْقَاصٌ، فِي أَيِّ حَقِّ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ، يَقُولُ تَعَالى: (( وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ))، فَالمَدِينُ الذِي عَلِيه الحَقُّ هو الذي يَقُومُ بِالإمْلاءِ أَمَامَ الكَاتِبِ، فَيَعْتَرِفُ بِالدَّينِ ومِقْدَارِهِ، والمَوعِدِ الذي يَتَعَهَّدُ بِالسَّدَادِ فِيه، لِيَكُونَ إِقْرَارُهُ حُجَّةً عَليه، وأَثْبَتََ فِي ذِمَّتِه، وأَقْوى فِي تَوثِيقِهِ، وَفِي الوَقْتِ ذَاتِهِ يَسْتَحِثُّ المَولى سُبْحَانَهُ ضَمِيرَ المَدِينِ، وَيُوقِظُ شُعُورَهُ، لِيَلْتَزِمَ بِالحَقِّ فِي إِمْلائِهِ، وَلا يَغْفَلَ عَنْ شَيءٍ مِنْ شُرُوطِهِ، فَيَكُونَ ذَلِكَ أَدْعَى لَهُ فِي رَدِّ الدَّينِ وَوَفَائِه، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (( وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً))، فَمَا أَعْظَمَ التِزَامَ التَّقْوى فِي كُلِّ شَيءٍ؛ إِنَّ المَدِينَ إِذا أَصْلَحَ نِيِّتَهُ واسْتَحْضَرَ نِيِّةَ الأَدَاءِ عِنْدَ أَخْذِهِ، والتَزَمَ التَّقْوى في تَعامُلِه مَعَ غَيرِه؛ أَعانَهُ اللهُ في سدادِ دَينِه، يقولُ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- : ((مَنْ أَخَذَ أَموالَ النَّاسِ يُريدُ أَدَاءَها أَدَّى اللهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَها يُريدُ إِتْلاَفَها أَتْلَفَهُ اللهُ))، ويَقُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((مَنْ أَخَذَ دَيناً وهو يُريدُ أَنْ يُؤدِّيَهُ أَعَانَهُ اللهُ)). عِبَادَ اللهِ : قَدْ لاَ يُحسِنُ المَدينُ التَّعبيرَ في إِملاَءِ حَقِّه، بِسَبَبِ سَفَهِه أَو خَلَلٍ في عَقْلِه، أو ضَعْفٍ في نَفْسِه، أو صِغَرٍ في سِنِّه وعَدَمِ إِينَاسِ رُشْدِه، بلْ قد لاَ يَستَطيعُ الإِملاءَ مُطْلقاً لِخَرَسٍ يَمنعُه منَ الخِطَاب، أو آفةٍ في لِسانِه أو نَحوِ ذَلِكَ منَ الأَسبابِ، فكانَ مِنْ يُسرِ الإسلامِ وحِرصِه على تَوثِيقِ الحقُوقِ أنْ أنابَ عَنْ هذا العاجزِ ولِيَّهُ الَّذِي يتولَّى أُمورَه، لِيقُومَ بِالإملاءِ عَنْهُ، يقولُ الحَقُّ سُبْحانَهُ: (( فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ))، وقدْ أكَّدَ اللهُ علَى الوليِّ التزامَ العَدلِ؛ لأَنَّهُ رُبَّما تَهاونَ في ذَلِكَ قَلِيلاً، علَى اعتِبار أَنَّ الدَّينَ لا يَخصُّهُ شَخصيّاً، معْ أنَّ الوَلايةَ تَقتَضِي الرِّعايةَ والحِمايةَ. أَيُّهَا الْمُسْلِمِوْنَ : إذا كانتْ كِتابةُ الدَّينِ سبِيلاً للاستِيثَاقِ في الحُقُوقِ، فإِنَّ هُنَاكَ سَبِيلاً آخَرَ يُؤكِّدُه ويُوثِّقُه، أَلاَ وهوَ الشَّهادَةُ، بلْ إِنَّها مِنْ أَقْوَى الأَدلَّةِ في إِثْباتِ الحُقُوقِ ونَفْيِها، لِذا عُنِيَ الإِسلامُ بِبَيَانِ شُرُوطِها وتَفْصيلِ أحكامِها، وما أكثرَ ما جاءَ مِنْ تَأكيدٍ على العَدالَةِ عِنْدَ تَحمُّلِها، ففِي كتابةِ الدَّينِ أَمَرَ سُبحانَهُ بِإِحضَارِ الشُّهُودِ، لِيُضفِيَ مَزيداً منَ الاستقرارِ في العُقُودِ، فَلاَ يكونُ هُناكَ مَجالٌ لإِنكَارِ حَقٍّ أو تَحْرِيفٍ، لِما قَدْ يَطرقُ الكِتَابةَ مِنْ مَسحٍ أو تَغْييرٍ، وأَكَّدَ تَعالى على صِفَةِ العَدالَةِ في الشُّهُودِ، فَقَالَ: ((مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ))، وكَما نَهى سُبْحانَهُ الكَاتِبَ عَنْ رَفْضِ الدَّعْوَةِ لِلكِتَابَةِ نَهَى أَيضاً الشُّهُودَ عَنِ الامتِنَاعِ أَوِ التَّحَرُّجِ مِنَ الشَّهَادَةِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ((وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا))، وبِالمُقَابِلِ شَدَّدَ سُبْحانَهُ علَى المُتداينَين أَنْ يُلحقَا الضَّررَ أَوِ المَشقَّةَ بِالكاتِبِ أو أَحَدِ الشُّهُود، واعتَبَرَ ذَلِكَ فُسُوقاً وخُرُوجاً عَنْ طَاعَةِ اللهِ، فقالَ: (( وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ))، كلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ إِشَاعَةِ التَّعاوُنِ بينَ أَفْرادِ المُجتمعِ لِحِفْظِ حُقُوقِهِم، وَعَدَمِ وُقُوعِ أَيِّ ضُرٍّ بِأَحَدِهِمْ. فَاتَّقُوا اللهَ -عبادَ اللهِ-، وأَقِيمُوا الشَّهادَةَ للهِ، وأدُّوا الأَمانَاتِ إِلَى أَهلِها، كَما أَمرَكُم بِذَلِكَ خَالِقُكُم مُدَبِّرُ أُمورِكُم، العالمُ بِسِرِّكُم وعَلاَنِيَتِكُم. أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ. *** *** *** الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ َلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : لَقَدْ عُنِيَ الإسلامُ بالنُّظُمِ الاقتصاديةِ فأَولاَها الاهتِمَامَ البالِغَ، ولَيْسَ أدلَّ علَى ذَلِكَ مِنْ جَعْلِ آيةِ الدَّينِ أَطْولَ آيةٍ في كِتَابِ اللهِ، فَقَدْ أصَّلَتْ هذِهِ الآيةُ الكريمةُ كُلِّيَّاتٍ مِنْ مسائلِ المُعاملاَتِ، لِيسلُكَها النَّاسُ في سَائِرِ المُفْرداتِ والجُزئِيَّاتِ، بِما يَعُودُ نَفْعُهُ على الأَفْرادِ والجَماعَاتِ، ففِي كِتَابةِ المُدايَنَاتِ وغيرِها منَ المُعاوَضَاتِ والاتِّفَاقِيَّاتِ حِفْظٌ لِلْحُقُوقِ مِنَ الضَّيَاعِ، وسَلاَمةٌ لِلصُّدُورِ مِنْ سَيِّءِ الظُّنُونِ، وحِمايةٌ لِلمُجتَمعِ مِنَ التَّصدُّعِ والشَّتَاتِ، لِذَا فَقَدِ استعملَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الكِتابةَ في كَثيرٍ منَ المَجالاتِ مِنْ عقودٍ ومُعاهداتٍ، بل أَرشدَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ المُسلمينَ إلى ذَلِكَ فقال: ((لا يحلُّ لامرئٍ مُسلمٍ لهُ شيءٌ يُوصِي بِهِ يَبِيتُ لَيلتَينِ إِلاَّ ووَصِيَّتُهُ مكتوبةٌ عندَ رأسِه)). إِنَّ بَعضَ النَّاسِ يتركُ كِتَابةَ الدَّينِ لِقِلَّتِهِ، أو اعتماداً علَى ثِقَتِهِ بِالآخرِ لِقَرابَتِهِ أو صَداقَتِه، أَو لأنَّهُ يَرى في الكِتَابةِ حَرجاً، أو يَدعُها تَكَاسُلاً وسأَماً، فَيَنْهَى اللهُ هؤلاءِ، ويُنَبِّهُهم أنَّ القليلَ والكثيرَ في ذَلِكَ سواء، وأنَّ هَذا أَعْدلُ عندَ اللهِ وأنفعُ لِعِبادِه، لأَنَّها أقطعُ للمنازعةِ والارتيابِ وأثبتُ للشَّهادَةِ، يقولُ سُبْحانَه: (( وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا))، إنَّ الإسلامَ بهذا التشريعِ العظيمِ يُعلِّمُ النَّاسَ حِفْظَ حُقُوقِهم وضَبْطَ أَموالِهم، وهو في الوقتِ ذَاتِه لا يُريدُ تَكليفَهم بِما يشقُّ عليهم، لذا استثنى الحقُّ سُبحانه التِّجارةَ الحاضرةَ بِعَدَمِ اشتراطِ الكتابةِ فيها، فقالَ عزَّ وجلَّ: (( إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةَ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلا تَكْتُبُوهَا)). إِنَّ الأحكامَ التي تَضمَّنتْها آيةُ الدَّينِ لها أهدافُها العُظمى وغاياتُها الكُبرى في حِفْظِ مصالحِ الأَفْرادِ، وتَوفِيرِ الأَمْنِ والاستِقْرارِ لِلمُجتَمعَاتِ. فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ -، وتَدَبَّرُوا في آيةِ الدَّينِ، وقُومُوا بِما أوجبَ اللهُ عليكُم مِنْ أداءِ الأمانةِ في جَميعِ أُمُورِكُمْ وتَعاملاتِكُم، مُخلِصينَ للهِ مُتَّبِعِينَ لأَمرِه، قَاصدِينَ بذلكَ إبراءَ ذِممِكُم وصلاحَ مُجتَمعِكُم. هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (3). اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين. اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ. اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ. اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ. رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ. عِبَادَ اللهِ :(( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )). (1) سورة البقرة / 282 . (2) سورة البقرة / 282 . (3) سورة الأحزاب / 56 . |