خطبة الجمعة بتاريخ 17 ربيع الثاني 1428هـ بسم الله الرحمن الرحيم الخِدْماتُ الاجتماعيةُ في الإسلام الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمِين، عَالِمِ السِرِّ والنَّجْوى، أَمَرَ عِبَادَهُ بالتَّعَاونِ عَلى البِرِّ والتَقْوى، وَوَعَدَهُم عَلى ذَلِكَ صَلاحَ الحَالِ وسَعَادةَ العُقْبَى، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، المَعْبُودُ المُسْتَعَان، يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ مَنْ أَعَانَ، ويَشْمَلُ بِرَحْمَتِهِ أَهْلَ البِرِّ والإحْسَانِ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، اللهم صَلِّ وسلِّمْ وباركْ عليه وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : إِنَّ الإسْلامَ دِينٌ يُقَدِّرُ لِلحَيَاةِ قَدْرَهَا، فَيَهْتَمُّ بِها ويَرْعَاهَا، وَيَحُثُّ الإِنْسَانِيَّةَ عَلى عِمَارَتِها مُبَارِكاً عَمَلَهَا ومَسْعَاهَا، والحَيَاةُ فِي الإسْلامِ لا تَنْفَصِلُ عَنِ الأحْيَاءِ، ولِذَلِكَ فَهُو يُعَالِجُ كُلَّ مُشْكِلَةٍ تَتَعَلّقُ بِالأحْيَاءِ أَنْفُسِهِم، وبِكَافَّةِ مَا حَولَهُم مِمَّا خَلَقَ اللهُ، وَمِن هَذا المُنْطَلَقِ اعْتَنَى الإسْلامُ بِالخِدْمَاتِ الاجْتِمَاعِيةِ عِنَايَةً فَائِقَةً، لِيَتَغَلَّبَ المَرءُ عَلى كُلِّ مُشْكِلَةٍ طَارِئةٍ أَو أَزْمَةٍ أو ضَائِقَةٍ تحقيقاً للسعادةِ المَنْشُودَةِ والحَيَاةِ الكَرِيمَةِ، لِذَلِكَ اعْتَبَرَ الإسْلامُ كُلَّ خِدمَةٍ يُقَدِّمُهَا الإنْسَانُ لأِخِيِه الإنْسَانِ عَمَلاً صَالِحاً ودليلاً وبرهاناً عَلى حُسْنِ الإيِمَانِ، وبِالعَمَلِ الصَالِحِ والإيمَانِ يَحْيَا الإنسانُ حَيَاةً طَيِّبَةً سَعِيدَةً، وَيَعِيشُ عِيشَةً رَغِيدَةً، يَقُولُ اللهُ تَعالى: ((مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) (1) . عِبَادَ اللهِ : إِنَّ مَظَاهِرَ الخِدْمَاتِ الاجْتِمَاعِيِّةِ التي جَاءَ الإسْلامُ لِتَحقِيقِهَا، وَعَمِلَ عَلى تَأكِيدِهَا وتَوثِيقِها كَثِيرةٌ، وعَدِيدَةٌ وَوَفِيرَةٌ، فَالزَّكَاةُ التي فَرَضَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلى عِبَادِه مَعْ مَا اسْتَحَبَّهُ مِنْ صَدَقَاتٍ تَطَوُّعِيَّةٍ يُعْتَبَرُ مَظهَراً رَائِعاً ومَنْبَعاً وَاسِعاً مِنْ مَظَاهِرِ ومَنَابِعِ الخِدْمَاتِ الاجْتِمَاعِيَّةِ، لأنَّ ذَلِكَ يُؤدِّي إلى تَحقِيقِ التَّكَامُلِ وإِقْرَارِ التَّكَافُلِ فِي المُجْتَمَعِ، وَقَدْ وَعَدَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ كُلَّ مَنْ حَافَظَ عَلى هَذا وَأدّاه أَنْ يَحْصُلَ عَلى الخَيْرِ العَمِيمِ والأجْرِ العَظِيمِ فِي دُنْياه وَأُخْرَاه، يَقُولُ اللهُ تَعالى: ((وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ))(2)، وَيُقولُ جَلَّ شَأنُهُ: ((وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ))(3)، إِنَّ بَعْضَ النّاسِ يُعَانُونَ أحْيَاناً مِنْ شَدَائِدَ وكُرُبَاتٍ، وضَوائِقَ وأَزَماتٍ، فَواجِبُ إِخْوَانِهِم فِي الإنْسَانِيَّةِ حِينَذَاك الإسْهَامُ فِي تَنْفِيسِ مَا حلَّ بِهِم أو إِزَالَتِهِ أو عَلى الأَقَلِّ تَخْفِيفِه، وَقَدْ وَعَدَ اللهُ عَزّ وَجَلّ كُلَّ مَنْ نَفّسَ كُربَةً عَنْ مَكْرُوبٍ أَنْ يُنَفِّسَ عَنْه ويُعِينَه كَمَا أَعَانَ أَخَاهُ، يَقُولُ الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُنْيا نَفَّسَ اللهُ عَنْه كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَليه فِي الدُنْيا والآخِرَة، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُنْيا والآخِرة، واللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا دَامَ العَبْدُ فِي عَونِ أَخِيه)). عِبَادَ اللهِ : إِنَّ الذي يُحْرَمُ السَّعَةَ فِي المَالِ، وَيُمْنَحُ البَسْطَةَ فِي الجِسْمِ والسَلامَةَ فِي الصحِّةِ عَليه أَنْ يُسَاهِمَ فِي الخِدْمَاتِ الاجْتِمَاعِيَّةِ بِصِِحَّتِهِ، وَيُعِينَ الآخَرِينَ بِقُوَّتِهِ، فَمِنَ المَعْرُوفِ مُسَاعَدَةُ الضَّعِيفِ المَلهُوفِ، وَمَنْ مَهَرَ فِي صَنْعَةٍ مِنَ الصِّنَاعَاتِ عَليه أَنْ يَجْعَلَ صَنْعَتَهُ مَصْدَرَ خَيرٍ لَه وَلِوَلَدِه وللنَّاسِ مِنْ حَولِه، وَلْيُعَلِّمْها أو يُعِنْ بِهَا مَنْ لا يُجِيدُهَا مِنْ أبْنَاءِ وَطَنِهِ وَبَلَدِهِ، وَقَدْ سُئِلَ الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أفْضَلِ الأعْمَالِ فَذَكَرَ مِنْهَا: ((تُعِينُ صَانِعاً أو تَصنَعُ لأخْرَقَ))، والأخْرَقُ هو الجَاهِلُ بالشّيءِ، فَذُو الخِبْرَةِ فِي أَيِّ صَنْعَةٍ أو عَمَلٍ عليه أَنْ يُسَخِّرَ خِبْرَتَهُ لِمَنْ لا خِبْرَةَ عِنْدَهُ، لِيَكُونَ ظَهِيراً لأخِيه وَعَونَه وسَنَدَه. إِنَّ الخِبْرَاتَ فِي أيِّ عَمَلٍ مُفِيدٍ، تُحَقِّقُ مِنْ الخَيْرِ المَزيدَ، كَمَا أنَّ وَفرَةَ الخِبْرَاتِ فِي شَتَّى المَجَالاتِ تُدِرُّ عَلى المُجْتَمَعِ الكَثِيرَ مِنَ الخَيراتِ، وتَبَادُلُ الخِبْرَاتِ لونٌ مِنْ ألْوَانِ الخِدْمَاتِ الاجْتِمَاعِيةِ، فَقَدْ شَاءَ اللهُ جَلّتْ قُدْرَتُهُ، وتَسَامَتْ حِكْمَتُهُ أنْ يَجْعَلَ لِلنَّاسِ فِي الأرضِ مَعَايِشَ مُتَنَوِّعَةً، وأعْمَالاً مُتَعَدِّدَةً، وخِبْرَاتٍ مُتَجَدِّدَةً، بِها قَامَتْ حَيَاتُهُم، وَمِنْ خِلالِ مُبَاشَرَتِها يَطْلُبُونَ أرْزَاقَهُم، يَقُولُ اللهُ تَعالى: ((وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ))(4)، كََمَا أَنَّ مِنْ حِكْمَةِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى أنْ جَعَلَ لَكُلِ ذِي خِبْرَةٍ دَرَجَةً عَلى ذِي خِبْرَةٍ أُخْرَى، لِيُعِينَ كُلٌ مِنْهُمَا الآخَرَ ولِيُقَدِّمَ خِدْمَةً لأخِيه؛ فَبِذَلِكَ تُذَلّلُ الصِّعَابُ، وتَتَوثّقُ المَحَبَّةُ، ويَتَرَسَّخُ الإخَاءُ، وَيَعُمُّ الخَيرُ والرَّخَاءُ، يَقُولُ اللهُ تَعَالى: ((نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ))(5). عِبَادَ اللهِ : إِنَّ مِنْ حِكْمَةِ اللهِ تَفَاوُتَ النَّاسِ فِي مَوَاهِبِهِم، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ وَهَبَهُمُ أفْكَاراً ثَاقِبَةً وَآرَاءاً صَائِبَةً، فَمِنْ وَاجِبِ هَؤلاءِ إِعَانَةُ إِخْوَانِهِم بِآرَائِهِمُ السَّدِيدَةِ وَأفْكَارِهِمُ الرَّشِيدَةِ، فَالآرَاءُ إذا تَعَدَّدتْ مَعْ وُجُودِ الإخْلاصِ تَمَخَّضَتْ عَنْ رَأيٍ قَلَّمَا يَزِلُّ وَيَضِلُّ، وَقَدْ قِيلَ لِرَجُلٍ: "إِنَّكُم قَلَّمَا تُخْطِئُونَ فَقَالَ: إِنَََّا أَلفٌ وَفِينَا حَازِمٌ وَاحِدٌ –أَي حَكِيمٌ- نَأخُذُ بِرَأيِهِ فَكَأنَّا أَلفُ حَازِمٌ"، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ بَوَّأَهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى فِي المُجْتَمَعِ مَكَانَةً وَمَنْزِلَةً يَسْتَطِيعُ مِنْ خِلالِهَا إِعَانَةَ مَنْ هُو فِي حَاجَةٍ إِلى عَونٍ فَعَلَيِه أَنْ يُعينَ أَخَاهُ، وَلْيَتَحَرَّ العَدْلَ فِي ذَلِكَ وَيَتَوخَّاه، وَتِلْكَ هِي الشَّفَاعَةُ الحَسَنَةُ التي مَنْ قَامَ بِها لا يَخِيبُ، حَيْثُ لَهُ مِنْ أجْرِهَا نَصِيبٌ، يَقُولُ اللهُ تَعَالى: ((مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا)) (6) ، وَيَقُولُ الرَسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((اشْفَعُوا تُؤجَرُوا))، وَلَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَحُثُّ أَصْحَابَهُ عَلى أنْ يُبَلِّغُوه حَاجَةَ مَنْ لا يَسْتَطِيعُ إِبْلاغَهَا فَيَقُولُ: ((أَبْلِغُوا حَاجَةَ مَنْ لا يَسْتَطِيعُ إِبْلاغِي، فإنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ حَاجَةَ مَنْ لا يَسْتَطِيعُ إِبلاغَهَا آمَنَهُ اللهُ يَومَ الفَزَعِ الأكْبَرِ)). إِنَّ الإنْسَانَ مَدَنِّيٌ بِطَبْعِهِ، وَهُو قَلِيلٌ بِنَفْسِهِ كَثِيرٌ بِإخْوَانِهِ، وَمِنْ لَطِيفِ مَا أرادَ اللهُ وَدَبَّرَ، وَبَدِيعِ مَا قَضَى وَقَدَّرَ أَنْ خَلَقَ الإنْسَانَ ضَعِيفاً بِنَفْسِه، مُفْتَقِراً إِلى بَنِي جِنْسِهِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالى: ((وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً))(7)، وَلَو أَنَّ الإنْسَانَ شَعَرَ بِالاسْتِغنَاءِ بِنَفْسِهِ وَعَدَمِ الحَاجَةِ إِلى غَيْرِه لاستَكْبَرَ وَطَغَى، وَظَلَمَ وبَغَى، يَقُولُ اللهُ تَعَالى: ((إِنَّ الإنسَانَ لَيَطْغَى، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى))(8). فاتَقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ مَظَاهِرِ الرُقِيِّ وَالمَدَنِيَّةِ الحِرْصَ على أَداءِ الخِدْمَاتِ الاجْتِمَاعِيَّةِ. أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ. *** *** *** الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أخِيه كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، فاللهُ سُبْحَانَه وَتَعَالى إِذَا أَنْعَمَ عَلى أَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ بِنِعْمَةٍ فَسَخَّرَهَا لِخِدْمَةِ الآخَرَيِن أَعْطَاهَا اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى صِفَةَ الاسْتِقْرَارِ، والدَوَامِ والاسْتِمَرَارِ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((إِنَّ للهِ عِنْدَ أقْوَامٍ نِعَمَاً أَقَرَّهَا عِنْدَهُم مَا كَانُوا فِي حَوائِجِ المُسْلِمِينَ مَا لَمْ يَمَلّوهُم، فَإذا مَلُّوهُم نَقَلَهَا إِلى غَيرِهِم)). إِنَّ قَضَاءَ حَوَائِجِ النَّاسِ وَإِدْخَالَ السُرُورِ عَليهمْ مِنْ أَفضَلِ الأعْمَالِ وأزْكَاهَا وَأسْمَاهَا وَأرْقَاهَا، يَقُولُ الرَسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((أَفْضَلُ الأعْمَالِ إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلى المُؤمِنِ: كَسَوتَ عَورَتَهُ، أو أشْبَعْتَ جَوعَتَه, أو قَضْيتَ لَه حَاجَتَهُ))، وَمِنْ أعْظَمِ الخِدْمَاتِ الاجْتِمَاعِيَةِ قَدْرَاً وأعَمِّهَا نَفْعَاً المُحَافَظَةُ على المَرَافِقِ العَامَّةِ، إذْ هَذه المَرَافِقُ تُقَدِّمُ للنَّاسِ خِدْمَاتٍ رَائِعَةً جَلِيلَةً؛ فَالمُحَافَظَةُ عَلَيهَا خِدْمَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ عَظِيْمَةٌ، فَعَلى كُلِّ إِنْسَانٍ أنْ يَنْظُرَ إِلى كُلِّ مَرفَقٍ عَامٍ عَلى اعْتِبَارِ أَنْهُ صَاحِبُهُ وَمَالِكُهُ؛ لأنَّ نَفْعَهُ وَفَائِدَتَهُ تَعُودُ عَلى كُلِّ فَردٍ مِنَ الأفْرَادِ فِي سَائِرِ البِلادِ، فَمِنَ السُّلُوكِ الحَمِيدِ وَالعَمَلِ الرَّشِيدِ المُحَافَظَةُ عَليه، وَتَجَنُّبُ كُلِّ مَا يُوصِلُ ضَرَراً إِليه، وَمِنَ المَرَافِقِ التِي يَنْتَفِعُ بِها النَّاسُ الطُّرُق، إِذْ كُلَُّ وَاحِدٍ لا يَسْتَغْنِي عَنْ طَرِيقٍ يَعْبُرُه وَيَسْلُكُه لِيُحَقِّقَ مَطَالِبَه، وَيَقْضِيَ مَصَالِحَه وَمَآرِبَه، فَمِنَ الخِدْمَاتِ التي تَنْفَعُ المُجْتَمَعَ وَتُيَسِّرُ أُمُورَه المُحَافَظَةُ عَلى الطُّرُقَاتِ، وَذَلِكَ بِنَظَافَتِهَا وَالمُسَاهَمَةِ فِي إِبْقَائِها ذَاتَ مَظْهَرٍ جَمِيلٍ، كُلٌ حَسْبَ طَاقَتِهِ وَفِي حُدُودِ اسْتِطَاعَتِه، وَلَقَدْ اعْتَنَى الإسْلامُ بِالطُّرُقِ عِنَايَةً فَائِقَةً فَادّخَرَ لِكُلِّ مَنْ نَحّى عَنِ الطَّرِيقِ حَجَرَاً أَو غَيرَه -وِقَايَةً لِلمَارَّةِ مِنَ الخَطَرِ، وَصِيَانَةً لَهُم مِنَ الضَّرَرِ- ادَّخَرَ لَه أَجْرَاً عَظِيمَاً، وَرَصَدَ لَه جَزاءاً كَرِيمَاً، فَكُلُّ مَنْ أَمَاطَ عَنِ الطَّرِيقِ أَذَىً وَنَقَّاه، وَحَافَظَ عَلى أَيِّ مَظْهَرٍ جَمِيلٍ فِيه وَأَبْقَاه، قَامَ بِجُهْدٍ مَشْكُورٍ وَعَمَلٍ مَأجُورٍ. فاتَّقُوا اللهَ –عِبَادَ اللهِ-، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ مُقْتَضَى الأخُوَّةِ الإنْسَانِيَّةِ أَنْ يُقَدِّمَ كُلَُّ إِنْسَانٍ لإخْوَانِهِ مَا يُعِينُهُم عَلى أَعْبَاءِ الحَيَاةِ وَيُخَفِّفُ عَنْهُم مِنْ لأوَائِها؛ فَبِالتَّعَاوُنِ البَنَّاءِ يَعِيشُ الجَمِيعُ فِي سُرُورٍ وَهَنَاءٍ. هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (9). اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين. اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ. اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ. اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ. رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ. عِبَادَ اللهِ : (( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )). (1) سورة النحل / 97 . (2) سورة البقرة / 110 . (3) سورة المزمل / 20 . (4) سورة الأعراف / 10 . (5) سورة الزخرف / 32 . (6) سورة الناسء / 85 . (7) سورة النساء / 28 . (8) سورة العلق / 6-7 . (9) سورة الأحزاب / 56 . |