خطبة الاسبوع arrow خطبة الاسبوع arrow التَّّعاونُ حَضارةٌ وتقََدُّمٌ وبِناءٌ
spacer

  

spacer
spacer  
spacer spacer

التَّّعاونُ حَضارةٌ وتقََدُّمٌ وبِناءٌ طباعة ارسال لصديق
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
03/07/2007

خطبة الجمعة بتاريخ 29 جمادي الأولى 1428هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

التَّّعاونُ حَضارةٌ وتقََدُّمٌ وبِناءٌ

   الحَمْدُ للهِ المَعبودِ المُستَعانِ، يُعينُ مِنْ عِبادِه مَنْ أَعَانَ، ويَشمَلُ بِرَحمَتِهِ أَهلَ البِرِّ والإِحسَانِ، سُبحَانَهُ أَمَرَنا بِذِكْرِهِ وشُكْرِهِ فِي كُلِّ الأَوقَاتِ، وتَفَضَّلََ عَلَينا فَوَسَّعَ لَنا أَبْوَابَ الصَّدَقَاتِ، أَحمَدُهُ تَعالى بِمَا هو لَه أَهلٌ مِنَ الحَمْدِ وأُثْنِي عَلَيهِ، وأُومِنُ بِهِ وأَتَوَكَّلُ عَلَيهِ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ومَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، حَثَّنَا عَلَى العَطَاءِ والسَّخَاءِ، والمَحَبَّةِ والتَّعَاونِ والإِخَاءِ، ووَعَدَنا عَلَى ذَلِك الخَيْرَ والسَّعادةَ والرَّخَاءَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ ومُصطَفاهُ، خَيْرُ مَنْ تَوَكَّلَ عَلَى رَبِّهِ فَكَفاهُ، ووَهَبَهُ مِنَ الخُلُقِ العَظِيمِ أَكْمَلَهُ وأَوْفَاهُ، -صلى الله عليه وسلم-  وعَلَى آلِهِ وصَحبِهِ أَجمَعينَ، والتَّابِعينَ لَهُم بِإِحسَانٍ إِلى يَومِ الدِّينِ.

   

   أما بعد فيا عباد الله:

التَّعاوُنُ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى البِرِّ والتَّقوى مَطْلَبٌ رَبَّانِيٌّ، ومَنْهَجٌ إِيمَانِيٌّ، يَقُولُ اللهُ تعَالَى: (( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ )) (1) ، فَالإِسْلامُ يَجْعَلُ التَّعاوُنَ طَرِيقَهُ ومِنْهَاجَه، لأِنَّ بِهِ يَأْمَنُ كُلُّ إِنسَانٍ العَوَزَ والحَاجَةَ، وبِهِ تُحْفَظُ كَرَامَةُ الإِنسَانِ، وتُحمَى وتُصانُ، ومَنْ أَعَانَ غَيْرَهُ، وأَوصَلَ لِلآخَرينَ خَيْرَهُ؛ أَعَزَّهُ اللهُ وأَكْرَمَهُ، وأَحَبَّهُ أَخُوهُ واحتَرَمَهُ، قَالتِ السَّيِّدةُ خَدِيجَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- لِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  حِينَ جَاءَهَا مِنْ غَارِ حِرَاءَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ فِي اللَّحَظَاتِ الأُولَى مِنْ نُزولِ الوَحْيِ عَلَيه قَالتْ لَهُ: ((كَلاَّ واللهِ لاَ يُخْزِيكَ اللهُ أَبَداً، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحمِلُ الكَلَّ- أَي الضَّعِيف- وتَكْسِبُ المَعدومَ، وتَقري الضَّيفَ، وتُعِينُ عَلَى نَوائِبِ الحَقِّ)) -أي تُعِينُ غَيْرَكَ عَلَى أَحدَاثِ الزَّمَانِ ونَوَازِلهِ-، فَالذي يُعِينُ إِخوَانَهُ ويُسَاعِدُهم، ويُؤَازِرُهم فِي الحَقِّ ويُسَانِدُهم، لَنْ يَتَعرَّضَ فِي مُستَقبَلِهِ لِسُوءٍ؛ لأَنَّ صَنائعَ المَعْروفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ.

    عِبَادَ اللهِ :

    إِنَّ إِعَانَةَ الإِنسَانِ لأَخِيهِ الإِنسَانِ مَظْهَرٌ رَاقٍ وخُلُقٌ حضاريٌّ، لأَنَّهُ مِنْ أَخْلاَقِ الإِسْلاَمِ، وهوَ دِينُ المَدَنيّةِ الرَّاقيَةِ، والحَضَارَةِ الزَّاكيَةِ، ولَقَدْ كَانَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  يَزْدَادُ تَهلُّلاً -أَي يُضِيءُ فَرَحاً وسُروراً- حِينَ يُشَاهِدُ النَّاسَ مُتَعاونِينَ؛ يَحمِلُ قَويُّهُم ضَعِيفَهم، ويُسَاعِدُ غَنِيُّهم فَقِيرَهم، بَيْنَما يَتَمَعَّرُ -أي يَتَغيَّرُ وَجهُهُ مِنَ الغَضَبِ- حِينَ يَرَى خِلاَفَ ذَلِكَ، فَعِندَمَا جَاءَهُ قَومٌ تَبْدُو عَلَيهمُ الفَاقَةُ - أَيِ الفَقْرُ-، ويَظْهَرُ عَلَى مَلاَبِسِهم شِدَّةُ الاحتِيَاجِ تَمَعَّرَ وَجْهُهُ فَدَخَلَ مَنزِلَهُ ثُمَّ خَرَجَ، فَأَمَرَ بِلاَلاً فَأَذَّنَ وأَقَامَ، فَصَلَّى -صلى الله عليه وسلم-  ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً))(2) ،  ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ))(3) ، تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ، حَتَّى قَالَ: ولَو بِشِقِّ تَمْرَةٍ)) يَقُولُ رَاوي الحَديثِ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعجَزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، ثُمَّ تَتابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيتُ كُومَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وثِيَابٍ؛ حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-   يَتَهلَّلُ كَأنَّهُ مَذْهَبَةٌ - أي يُضِيءُ كَالذَّهَبِ- فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  : ((مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِها مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ ينْقُصَ مِنْ أُجُورِهمْ شَيءٌ، ومَنْ سَنَّ فِي الإسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيه وِزْرُها ووِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِها مِنْ بَعْدهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ ينقُصَ مِنْ أَوزَارِهمْ شَيءٌ)).

    عِبَادَ اللهِ :

   إِنَّ الإنسَانَ وَحدَهُ لا يَستَطِيعُ التَّغَلُّّبَ عَلَى صُرُوفِ الحَياةِ وأَزَمَاتِها وضَوائِقِها وشَدَائِدِها، لِذَا كَانَ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ إِخْوَانٍ يُعِينُونَهُ، وأَصْدِقاءَ صِدْقٍ يُنَاصِرونَهُ، يَشْتَدُّ بِهِم أَزْرُهُ، ويَتَقوَّى بِهم ظَهْرُهُ. إِنَّ الإِنسَانَ وَحدَهُ مَهْمَا أُوتِيَ مِنْ قُوَّةٍ ومَالٍ وجَاهٍ لاَ يَستَطيعُ وحدَهُ مُواجَهةَ أَعباءِ الحَياةِ. إِنَّ كُلَّ إِنسَانٍ فِي حَاجَةٍ إِلى عَوْنٍ، ولَنْ يُعَانَ إِلاَّ إِذَا أَعَانَ، ومَنْ أَعَانَ اليَومَ فِي حَاجَةٍ يُعَانُ غَداًَ، ومَا عَاشَ إِنسَانٌ لِنَفسِهِ إِلاَّ نَدِمَ اليَوْمَ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ فِي أَمسِهِ. قَدْ يَظُنُّ إِنسَانٌ تَحتَ غُرورِهِ بِمَالِهِ أَو جَاههِ أو قُوَّتِهِ وصِحَّتِه أَنَّهُ فِي غِنَىً عَنْ إِخوَانِه فِي الإنسانيَّةِ فَيَعيشُ لِذَاتِه، لِسَانُ حَالِه يَقُولُ نَفسِي فَقَطْ، ومَا دَرَى أَنَّهُ بِهَذا التَّصَرُّفِ أَخطَأَ، إِذْ أَنَّ المَرءَ قَليلٌ بِنَفسِه كَثِيرٌ بِإِخوَانِهِ، فَالمُؤمِنُ الذي يُعِينُ إِخوَانَهُ، ويُسَانِدُ مَنْ هو فِي حَاجَةٍ إِلى مَسَانَدةٍ سَيكونُ الآخرونَ عَضُدَهُ وسَاعِدَهُ، إِنْ وَقَعَ فِي ضَائِقَةٍ وَجَدَ الأَيْدِيَ إِليهِ مَمدودةً، ووَجَدَ عَزَائِمَ إِخوَانِهِ عَلَى الخَلاَصِ مِنْ ضَائِقَتِهِ مَقصُودةً، والعَوْنُ الكَبِيرُ سَيَكونُ مِنَ اللهِ العَلِيِّ الكَبيرِ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-  : ((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، ومَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيه فِي الدُّنيَا والآخِرَةِ، ومَنْ سَتَرَ مُسلِماً سَتَرهُ اللهُ فِي الدُّنيَا والآخِرَةِ، واللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فَي عَوْنِ أَخِيهِ)).

    أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ :

    إِنَّ الإسلاَمَ يُرِيدُ لِلعَلاقَةِ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَكونَ مُوَثّقَةً، ويُرِيدُ لِلمَحَبَّةِ بَيْنَهم أَنْ تَكونَ مَوجُودةً ومُحقّقةً، ومِنْ أَسْبِابِ تَحقيقِ ذَلِكَ التَّعاونُ، وإِنَّ الوَقْتَ الذي يُنفِقُهُ الإنسَانُ فِي قَضَاءِ مَصَالِحِ أَخِيهِ لاَ يَضِيعُ سُدَىً، ولاَ يَذْهَبُ هَبَاءً، بَلْ إِنَّ القَدِيرَ العَلِيمَ الذي بِيَدِهِ خَزَائِنُ السَّماوَاتِ والأَرْضِ يُجَازي المُعِينَ بِحُسْنِ عَمَلِهِ فَيَقْضِي لَهُ حَاجَاتِه، ويُبَارِكُ لَهُ فِي أَوقَاتِه، ويَحفَظُه ويَرْعَاه، ويَختِمُ بِالتَّوفِيقِ مَسعَاهُ، فهو إِنْ بَذَلَ لأَخِيهِ فِي الإِنسَانيَّةِ قَلِيلاً، نَالَ بِهِ مِنَ اللهِ تعَالَى خَيْراً كَثِيراً وأَجْراً جَزِيلاً، فَلْيَستَعِنِ المَرءُ عَلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ بِقَضَاءِ حَاجَاتِ النَّاسِ. إِنَّ المَرءَ وحدَهُ يَنُوءُ تَحْتَ وَطَأَةِ صُروف               ِالحَياةِ وأَزَماتِها، ونَوازِلها ومُفَاجَآتِها، فِإذَا أُعينَ تَغَلَّبَ عَلَيها حَيْثُ مُنِحَ بِفَضلِ اللهِ ثُمَّ بِفََضلِ مُعَاونِيهِ قُوَّةً خَفَّتْ عَلَيه بِسَببِها الأَحمَالُ وإِنْ ثَقُلَتْ، ودَنَتْ إِلَيه الآمالُ وإِنْ بَعُدَتْ، ولَقَد ضَربَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-  مَثَلاً لِذَلِكَ فَقَالَ: ((المُؤمِنُ لِلمُؤمِنُ كَالبُنيَانِ يَشُدُّ بَعضُه بَعضاً ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعه)). إِنَّ الجِدَارَ إِذَا كَانَ قَائماً وحدَه فَهوَ مُعَرَّضٌ لِلتَّخَلْخُلِ أَو الانهِيارِ بِسبَبِ رِيحٍ عَصَفَتْ أَو عَاصِفةٍ قَصَفَتْ، فَإِذَا مَا اتَّصَل بِغَيْرِهِ رَسَخَ فِي مَكَانِه وصَلُبَ فِي مَقَامِه، فَالجِدَارُ وحدَه ضَعِيفٌ وبِأَمثَالِه شَديدٌ قَويٌّ عَتِيدٌ، ذَلِكَ مَثَلُ المُؤمِنِ لِلمؤمِنِ. إِنَّ شَأنَ المُؤمنينَ التَّعاونُ والتَّكاتفُ لِتَحقِيقِ مَصَالِحِهمُ الخَاصَّةِ والعَامَّةِ، وإنجَازِ كُلِّ المَآربِ الهَامَّةِ.

    عِبَادَ اللهِ :

    مِنْ لُطْفِ اللهِ ورَحمَتِهِ، ويُسْرِ الإِسلاَمِ وسَمَاحتِهِ أَنْ جَعَلَ مَجَالاتِ التَّعَاونِ وفِعلِ الخَيْرِ والصَّدَقاتِ كَثِيرةً، وأَبوَابَها عَديدةً ووفيرةً، حَتَّى يَعُمَّ الخَيْرُ ويَنتَشِرَ، ويَنْدَحِرَ الشَّرُّ ويَندَثِرَ، فَالخَيْرُ يَنتَظِمُ كُلَّ بِرٍّ، ويَشمَلُ كُلَّ قَولٍ طَيِّبٍ وعَمَلٍ صَالحٍ، فَالمُؤمنُ الذي قَلَّّ مَالُه أَوِ انعَدَمَ؛ لَهُ فِي مَجَالِ الصَّدَقاتِ مَوضِعٌ وقَدَمٌ، فَلَيْسَتِ الصَّدَقَةُ مَقْصُورَةً عَلَى ذَوِي الأمْوَالِ مِنَ الأغْنِيَاءِ، أوْ أهلِ العَطَاءِ مِنَ الأثْرِيَاءِ، بَلْ هِيَ مُتَحَقِّقَةٌ عِنْدَ الفُقَرَاءِ كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-  أنَّهُ قَالَ: ((تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أخِيكَ صَدَقَةٌ، وَأمْرُكَ بِالمَعْرُوفِ وَنَهْيُكَ عَنِ المُنْكَرِ صدَقَةٌ، وَإرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أرْضِ الضَّلالَةِ صَدَقَةٌ، وَإمَاطَتُكَ الحَجَرَ وَالشَّوكَ وَالعَظْمَ عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ، وَإفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أخِيكَ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صدَقَةٌ)).

  أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.

  *** *** ***

   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

                      

   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :

   إنَّ مِمَّا لا شَكَّ فِيْهِ وَلا خِلافَ عَلَيْهِ أنَّ المَرَافِقَ العَامَّةَ تُؤدِّي عَمَلاً جَلِيلاً لِلْعِبَادِ، وتَسُدُّ خَلَلاً كَبِيراً فِي البِلادِ، وَلِذَا حَثَّ الإسْلامُ أتْبَاعَهُ عَلَى إنشَائِهَا وَدَعَا أبنَاءَهُ إلَى تَشيِيدِهَا، وَقَدِ اتَّفَقَ العُلَمَاءُ عَلَى أنَّهُ إذَا نَزَلَتْ بِالمُسلِمِيْنَ حَاجَةٌ فَإنَّهُ يَجِبُ عَلَى القَادِرِيْنَ أنْ يَتَعَاوَنُوا؛ لأنَّ المَالَ الَّذِي يَكْفِي لإذْهَابِ العَيلَةِ عَنِ المُعْوِزِينَ، وَاستِئْصَالِ الحِرْمَانِ مِنَ المُحْتَاجِيْنَ يَجِبُ عَلَى الناس تَعَاونُهُمْ وَتَكَافُلَهُمْ لِتَحقِيقِهِ، وَلَوْ تَجَاوَزَ هَذَا مَقَادِيرَ الزَّكاةِ المَعلُومَةِ والصَّدَقَةِ المَفْرُوضَةِ، إذْ هَذِهِ المَقَادِيرُ لَيْسَتْ إلاَّ الحَدَّ الأدنَى لِمَا يَجِبُ إنْفَاقُهُ وَيَنْبَغِي إخْرَاجُهُ، وَفِي هَذَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-  أنه قال: ((إنَّ فِي المَالِ حَقّاً سوى الزَّكَاةِ))، وقد قَالَ تَعَالىَ: ((الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ))(4)، لَقَدْ بَارَكَ الإسْلامُ كُلَّ الجُهُودِ المُثْمِرَةِ وَشَتَّى الأفكَارِ البَنَّاءَةِ الَّتِي تَمْضِي بِالنَّاسِ قُدُماً فِي مَيْدَانِ بِنَاءِ المَرَافِقِ العَامَّةِ وَرِعَايَةِ المَصَالِحِ الشَّامِلَةِ النَّافِعَةِ، وَلِذَا حَضَّ عَلَى التَّخْطِيطِ القَوِيْمِ، وَدَعَا إلَى اتِّخَاذِ الأسْبَابِ لِتَعْمِيرِ الخَرَابِ، يقول الحَقُّ سبحانه: ((وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ))(5)، كما جَعَلَ الإسْلامُ المَالَ العَامَّ رُكْناً أسَاسِيَّاً مِنْ أركَانِ نِظَامِهِ، لِيَجِدَ الفَقِيرُ فِيهِ حَاجَتَهُ وَبُغْيَتَهُ، وقد أشَارَ إلَى ذَلِكَ القُرآنُ الكَرِيمُ بِقَولِهِ: ((إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)) (6)، وَذَلِكَ مِمَّا يَضْمَنُ لِلمُجتَمَعِ وَحْدَتَهُ وَتَمَاسُكَهُ، وَيُبقِي لَهُ رَوَابِطَهُ وَقُوَّتَهُ؛ فَلا تَنَالُ مِنْهُ العَوَاصِفُ وَالأزَمَاتُ، وَلا تَهُزُّهُ الأعَاصِيرُ وَالمُلِمَّاتُ.

    فاتَّقوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، ولِيَكُنْ كُلٌّ مِنْكُم مَصدَرَ خَيرٍ لإِخوَانِهِ، يُسَاهِمُ بِمَا يَستطِيعُ فِي تَخفِيفِ كُربَةِ كُلِّ مَكْروبٍ؛ لِيُفَرِّجَ اللهُ عنهُ الشدائدَ والكُرُوبَ.

    هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: ((إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (7).

   اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.

   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.

   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.

   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.

   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.

   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.

   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.

   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.

   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.

   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.

   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.

   عِبَادَ اللهِ :

((إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).

(1) سورة المائدة / 2 .

(2) سورة النساء / 1 .

(3) سورة الحشر / 18 .

(4) سورة البقرة / 274 .

(5) سورة سبأ / 39 .

(6) سورة التوبة / 60 .

(7) سورة الأحزاب / 56 .

آخر تحديث ( 08/07/2007 )
 
< السابق   التالى >
 

استفتاء

ما رأيك بصفحة خطب الجمعة؟
 
spacer

spacer
© 2024 موقع خطب الجمعة
Joomla! is Free Software released under the GNU/GPL License.