خطبة الاسبوع
spacer

  

spacer
spacer  
spacer spacer

مِنْ عِبَرِ الإِسراءِ والمِعراج طباعة ارسال لصديق
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
06/08/2007
خطبة الجمعة بتاريخ 26 رجب 1428هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
مِنْ عِبَرِ الإِسراءِ والمِعراج
   الحَمْدُ للهِ ذِي الجَلالِ والإِكْرَامِ، سُبْحَانَهُ أَسرَى بِعْبَدِهِ لَيْلاً مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلى المَسْجِدِ الأَقصَى بِرِفْقَةِ بَعْضٍ مِنَ المَلائِكَةِ الكِرَامِ، أَحمَدُهُ تَعَالى بِمَا هُوَ لَهُ أَهلٌ مِنَ الحَمْدِ وأُثنِي عَلَيه، وأُومِنُ بِهِ وأَتَوَكَّلُ عَلَيه، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، رَفَعَ اللهُ فِي العَالَمِينَ ذِكْرَهُ، وأَرَاهُ مِنْ آيَاتِهِ الكُبْرَى مَا أَثلَجَ فُؤَادَهُ وشَرَحَ صَدْرَه، اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبَارِكْ عَلَيه وَعَلَى آلِهِ وأصَحْابِهِ أجمَعِينَ، والتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإحسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
مَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   إِنَّ المُؤْمِنَ العَاقِلَ اللَّبِيبَ هُوَ مَنْ يَأْخُذُ مِنَ الأَحدَاثِ التِي تَقَعُ لَهُ أَو لِغَيْرِهِ عِبَراً وعِظَاتٍ، يَجْنِي مِنْ ورَائِها الكَثِيرَ مِنَ الخَيْرَاتِ، ويَقطِفُ العَدِيدَ مِنَ الثَّمَراتِ، إِنَّ دِرَاسَةَ المَاضِي وتَأَمُّلَ مَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ أَحْدَاثٍ، وتَحلِيلَها التَّحْلِيلَ السَّلِيمَ هُوَ بِمَثَابِةِ مَنَارَةٍ، تَهْدِي السَّائِرَ وتُوَضِّحُ مَسَارَهُ، والإِنسَانُ المُتَبَصِّرُ يَأخُذُ مِنْ مَاضِي غَيْرِهِ ومَاضِيهِ مَا يُعِينُهُ عَلَى  عِمَارَةِ حَاضِرِهِ الذِي هُوَ فِيهِ، ومُستَقْبَلِهِ الذِي هُوَ بِمَشِيئَةِ اللهِ سَوفَ يَأْتِيهِ، والقُرآنُ الكَرِيمُ حافِلٌ بِذِكْرِ أَحدَاثٍ مَضَتْ، فِي قُرُونٍ خَلَتْ؛ بُغْيَةَ تَوجِيهِ العُقُولِ والأَفكَارِ إِليهَا؛ لِيَأْخُذَ النَّاسُ مِنْهَا عِبْرَةً، تُعِينُهمْ عَلَى إِصلاَحِ حَالِهم ومُستَقبَلِهم ومَآلِهم، ضَمَاناً لِتَحقِيقِ آمَالِهم، فَاللهُ عَزَّ وجَلَّ يَقُصُّ فِي القُرآنِ الكَرِيمِ أَحدَاثاً وقَعَتْ ثُمَّ يُعَقِّبُ عَلَيها بِمِثلِ قَولِه تَعَالى: (( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ)) (1)، ((لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ)) (2)، ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى)) (3)، فَهِيَ دَعْوَةٌ إلهِيَّةٌ وأًوَامِرُ رَبَّانِيَّةٌ لأَخْذِ العِبَرِ مِمَّا مَضَى، فَلَيسَ مَا مَضَى انتَهى شَأْنُهُ وانقَضَى، كَلاَّ إِنَّ مَا حَدَثَ ووَقَعَ ودِيعَةٌ لَدَى التَّارِيخِ يَتَزَوَّدُ الدَّارِسُ لَهُ، المُتَمَعِّنُ لأَسرَارِهِ بِمَا يَنفَعُ ويُفِيدُ، فِي يَومِهِ الجَدِيدِ، وغَدِهِ الذِي لَيسَ عَنْهُ بِبَعيدٍ.
   عِبَادَ اللهِ :
   إِنَّ مِنَ الأَحدَاثِ الوَاضِحَةِ الجَلِيَّةِ الَّتِي حَدَثَتْ أَثنَاءَ فَتْرَةِ الرِّسَالَةِ المُحَمَّديَّةِ الإِسرَاءِ والمِعْرَاجِ، والإِسرَاءُ رِحلَةٌ أَرْضِيَّةٌ كَانَتْ بِدَايَتُها المَسْجِدَ الحَرَامَ ونِهَايَتُها المَسْجِدَ الأقصَى، والمِعْرَاجُ رِحلَةٌ سَمَاوِيَّةٌ بَدَأتْ مِنَ المَسْجِدِ الأَقصَى، وانتَهَتْ عِنْدَ مُستَوىً عَالٍ فِي السَمَوَاتِ العُلَى، وإِلى رِحلَةِ الإِسرَاءِ وحِكْمَتِهِ أَشَارَتْ آيَةُ الإِسرَاءِ حَيْثُ قَالَ اللهُ تَعَالى: ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)) (4)، وإِلى رِحلَةِ المِعْرَاجِ وثَمَرَتِهِ أَشَارَ مَفْهُومُ آيَاتِ سُورَةِ النَّجْمِ حَيْثُ قَالَ اللهُ تَعَالى: ((وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى، إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى، مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى، لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى)) (5)، لَقَدْ حَمَلَتْ آيَةُ الإِسرَاءِ عِلَّةَ الإِسرَاءِ بِقَولِهِ تَعَالى: ((لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا)) (6)، ثُمَّ وَضَّحَتْ سُورَةُ النَّجْمِ أَنَّ الرَّسُولَ -صلى الله عليه وسلم- رَأَى فِعْلاً بَعْضَ هَذِهِ الآيَاتِ، وذَلِكَ فِي قَولِهِ تَعَالى: ((لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى)) (7).
   عِبَادَ اللهِ :
   إِنَّ المُتَمَعِّنَ فِي الفَتْرَةِ الزَّمَنِيَّةِ التِي كَانَ فِيها الإِسرَاءُ والمِعْرَاجُ يُدْرِكُ لِمَاذَا كَانَتْ هَذِهِ المَرَائِي فِي تِلْكَ الفَتْرَةِ، لَقَدْ كَانَ الإِسرَاءُ والمِعْرَاجُ فِي مُنتَصَفِ فَتْرَةِ الرِّسَالَةِ التِي امتَدَّتْ ثَلاَثةً وعِشْرِينَ عَاماً؛ فَجَاءَتْ بِمَثَابِةِ عِلاَجٍ أَزَالَ مَتَاعِبَ المَاضِي وآلامَهُ، وأَعطَى الأَمَلَ لِمُستَقبَلٍ مُشْرِقٍ مُضِيءٍ، وغَدٍ مُتَألِّقٍ وَضِيءٍ، ثُمَّ إِنَّ الأَحدَاثَ التِي وَقَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَبلَ الإِسرَاءِ والمِعْرَاجِ مُبَاشَرَةً هِيَ أَحدَاثٌ آلَمَتْهُ، وضَايَقَتْهُ وأَحزَنَتْهُ؛ فَقَدِ ابتُلِيَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- فِي حَيَاتِهِ الخَاصَّةِ بِمَوتِ زوجَتِهِ الوَفِيَّةِ خَدِيجَةَ -رَضِي اللهُ عَنْهَا- وهِيَ التِي جَاءَها الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- فِي أَوَلِ سَاعَاتِ الوَحْيِ نُزُولاً فَطَمْأنَتْهُ وآزَرَتْهُ وأَعَانَتْهُ، وسَارَعَتْ فَصَدَّقَتْهُ، وظَلَّتْ طُوَالَ حَيَاتِها تُخَفِّفُ عَنْهُ دَاخِلَ الدَّارِ مَا يَلْقَاهُ خَارِجَهُ مِنْ مَشَقَّةٍ واستِهْزَاءٍ واستِهْتَارٍ؛ فَكَانَ يَجِدُ عِنْدَهَا السَّلْوَى ودِفْءَ المَأْوَى، كَمَا نُكِبَ -صلى الله عليه وسلم- فِي حَيَاتِهِ العَامَّةِ بِمَوتِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ الذِي كَفَلَهُ واحتَضَنَهُ وهُوَ صَغِيرٌ، ثُمَّ دَافَعَ عَنْهُ حِينَ نُبِّئَ وأُرسِلَ، وكَانَ بَيْنَ مَوتِ خَدِيجَةَ الوَفِيَّةِ وأَبِي طَالِبٍ النَّصِيرِ زَمَنٌ جِدُّ يَسِيرٍ، إِنَّ مَوتَهُمَا مُصَابٌ عَظِيمٌ مُؤْلِمٌ أَحَسَّ الرَّسُولُ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- بِوَقْعِهِ الشَّدِيدِ عَلَى نَفْسِهِ، ولَكِنَّ الأَلَمَ لَمْ يُقْعِدْهُ؛ فَوَاصَلَ المِشْوَارَ، مُمتَطِياً ظَهْرَ اللَّيلِ والنَّهَارِ، بَاحِثاً عَنْ بَلَدٍ آخَرَ يُؤوِيهِ، ويُسَانِدُ دَعوَتَهُ ويَحْمِيهِ، فَلَمْ يَجِدْ مَا كَانَ يَأْمَلُهُ ويَرجُوهُ، حَيْثُ امتَدَّتْ إِليهِ الأَيْدِي بِالإِيذَاءِ وعَبَسَتْ لُهُ الوُجُوهُ؛ فَعَادَ مِنْ حَيْثُ جَاءَ فَقُوبِلَ بِمَزِيدٍ مِنَ الصُّدودِ، وإِيذَاءٍ فَاقَ التَّصَوُّرَ والحُدُودَ، ولَمَّا لَمْ يُحَقِّقْ أَمَلَهُ ومُرَادَهُ؛ عَادَ الأَلَمُ مَرَّةً أُخْرَى يَعْصِرُ فُؤَادَهُ، وبَيْنَما هُوَ عَلَى هَذَا الوَضْعِ والحَالِ إِذْ أَكْرَمَهُ اللهُ تَعَالى لِتَفْرِيجِ الأَزَمَاتِ الشِّدادِ؛ بِرِحلَةِ القُرْبِ والوِدَادِ، فَكَانَتْ رِحلَتَا الإِسرَاءِ والمِعْرَاجِ شَرَفاً ونِعْمَةً لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ، فَالمِنْحَةُ تَكْمُنُ فِي المِحنَةِ، والعُسْرُ بَعْدَهُ يُسْرٌ، والضِّيقُ بَعْدَهُ سَعَةٌ، والكَرْبُ بَعْدَهُ فَرَجٌ، يَقُولُ اللهُ تَعَالى:((فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً))(8)، ويَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- لابْنِ عَمِّهِ عَبْدِاللهِ بنِ عَبَّاسٍ -رَضِي اللهُ عَنْهُمَا-: ((اعلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً)).
   عِبَادَ اللهِ :
   إِنَّ بِدَايَةَ الإِسرَاءِ بِالمَسْجِدِ الحَرامِ، وانتِهَاءَهُ بِالمَسْجِدِ الأَقصَى فِيهِ إِشَارَةٌ وَاضِحَةٌ إِلى أَهَمِّيَّةِ هَذيْنِ المَسْجِدَيْنِ خَاصَّةً، وأَهَمِّيَّةِ المَسَاجِدِ عَامَّةً، فَالمَسَاجِدُ بُيوتُ اللهِ فِي الأَرضِ ومَهْبطُ مَلائِكَةِ اللهِ المُقَرَّبِينَ، ومَثْوَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحينَ، فِيهَا يُزَكِّي المُسلِمُ بَدَنَهُ ونَفْسَهُ ورُوحَهُ، فَكَما يَزكُو بَدَنُ المُؤمِنِ لِدُخُولِ المَسْجِدِ بِالتَّطِهيرِ مِنَ الأَحدَاثِ والأَنجَاسِ والأَدرَانِ، فِي النَّفسِ والثَّوبِ والمَكانِ، فَكَذَلِكَ الأَخلاَقُ والأَرواحُ تَزكُو كُلَّمَا غَدَا المُؤمِنُ إِلى المَسْجِدِ أَو رَاحَ، وإِلى أَهَمِّيَّةِ هَذِه الأَمَاكِنِ الطَّاهِرَةِ يُشِيرُ القُرآنُ الكَرِيمُ فَيَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالى: ((وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً)) (9)، وفِي لَيلَةِ الإِسرَاءِ والمِعْرَاجِ فَرَضَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم- وعَلَى أُمَّتِهِ الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ، فَجَاءَ مَكَانُ وطَرِيقَةُ فَرضِيَّتِها دَلِيلاً وَاضِحاً، وبُرهَاناً سَاطِعاً عَلَى أَهَمِّيَّةِ هَذَهِ العِبَادَةِ، ورِفْعَةِ مَكَانَتِها وسُمُوِّ مَنزِلَتِها، لَقَدْ فُرِضَتْ فِي السَّمَاءِ، وبِدُونِ وَاسِطَةِ وَحْيٍ، ولَمَّا كَانَ الإِسْرَاءُ والمِعْرَاجُ تَسلِيَةً لِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وتَسْرِيةً عنه؛ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- فِي هَذِه اللَّيْلَةِ بِأَعظَمِ عِبَادَةٍ يُستَعانُ بِها عَلَى الكُرُبَاتِ، ويَستَرِيحُ المُؤمِنُ عِنْدَ أَدَائِها مِنْ جَمِيعِ الضَّوائِقِ والأَزَمَاتِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالى: ((وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)) (10)، ويَقُولُ: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)) (11)، وكَانَ -عَلَيه الصَّلاةُ والسَّلامُ- إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فَزِعَ إِلى الصَّلاةِ، ونَادَى بِلالاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَائِلاً: ((أَرِحْنَا بِها يَا بِلالُ))، وبَقِيَتْ هَذِه ِالعِبَادَةُ مِعْرَاجَاً يَرقَى بِها النَّاسُ إِلى عَالَمِ الطُّهْرِ والصَّفَاءِ، تَزكِيَةً لِلنُّفُوسِ وبُعْداً بِها عَنِ المُنْكَرِ والفَحشَاءِ.
   فاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، واعلَمَوا أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْمُرَ حَاضِرَهُ  ويُؤمِّنَ مَصِيرَهُ؛ فَعَلَيهِ أَنْ يَدْرُسَ الأَحدَاثَ بِتَمَعُّنٍ ونُورِ بَصِيرَةٍ.
  أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
  *** *** ***
   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   لَقَدْ كَانَ الإِسرَاءُ والمِعْرَاجُ بِمثَابَةِ تَمْحِيصٍ لِلمُؤمِنينَ فِي المَرحَلَةِ المَكِّيَّةِ، كَمَا كَانَ تَحوِيلُ القِبلَةِ بَعْدَهُ بِسَنَواتٍ قَلِيلَةٍ تَمْحِيصاً لِلمُؤمِنينَ فِي المَرحَلَةِ المَدَنِيَّةِ، لَقَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللهِ أَنَّ الرَّسُولَ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ مُقْدِماً عَلَى مَرحَلَةٍ جَدِيدَةٍ وهِيَ مَرحَلَةُ الهِجْرَةِ مِنْ مَكَّةَ إِلى المَدِينَةِ، والهِجْرَةُ وتَرْكُ الوَطَنِ أَمْرٌ عَلَى النَّفْسِ عَسِيرٌ، صَعْبٌ غَيْرُ يَسِيرٍ، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ المَرْءُ قَوِيَّ الإِيمَانِ فَإِنَّهُ سيتَرَدَّدُ فِي شَأْنِ الهِجْرَةِ ويُحْجِمُ عَنْهَا، لِذَلِكَ كَانَ الإِسرَاءُ والمِعْرَاجُ فِتْنَةً واخْتِبَاراً، نُقِّيَ بِهِ الصَّفُّ المُسْلِمُ مِنْ كُلِّ شَاكٍّ مُرْتَابٍ؛ فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ الإِسرَاءِ والمِعْرَاجِ عَلَى الإِسلاَمِ إِلاَّ مَنْ آمَنَ وحَسُنَ إِيمَانُهُ، وأَيقَنَ وصَدَقَ يَقِينُهُ، فَثَبَتَ عَلَى الإِيمَانِ المُؤمِنُونَ، وخَرَجَ الضِّعَافُ المُترَدِّدُونَ، وإِلى هَذَا أَشَارَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ فِي قَولِه: ((وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ)) (12).
   فاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، واعلَمُوا أَنَّ مِنْ عِبَرِ الإِسرَاءِ والمِعْرَاجِ أَنَّ مَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللهِ واعتَمَدَ عَلَيه، وفَوَّضَ كُلَّ الأُمُورِ إِليه؛ كَانَ لَه مِنَ اللهِ العَونُ، والحِفْظُ والصَّونُ.
   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: ((إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (13).
   اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
   عِبَادَ اللهِ :
   (( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
(1) سورة النور / 44 .
(2) سورة يوسف / 111 .
(3) سورة النازعات / 26 .
(4) سورة الإسراء / 1 .
(5) سورة النجم / 13-18 .
(6) سورة الإسراء / 1 .
(7) سورة النجم / 18 .
(8) سورة الشرح / 5-6.
(9) سورة الجن / 18 .
(10) سورة البقرة / 45 .
(11) سورة البقرة / 153 .
(12) سورة الإسراء / 60 .
(13) سورة الأحزاب / 56 .
 
< السابق   التالى >
 

استفتاء

ما رأيك بصفحة خطب الجمعة؟
 
spacer

spacer
© 2024 موقع خطب الجمعة
Joomla! is Free Software released under the GNU/GPL License.