خطبة الاسبوع
spacer

  

spacer
spacer  
spacer spacer

خُلُقُ المروءةِ طباعة ارسال لصديق
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
14/08/2007

خطبة الجمعة بتاريخ 3 شعبان 1428هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

خُلُقُ المروءةِ

  الحَمْدُ للهِ ربِّ العالَمين، حَلَّى عِبَادَه المُؤمِنينَ بِالفَضَائِلِ، وخَلاَّهُم عَنِ الرَّذائِلِ، سُبْحَانَه العَلِيم الخَلاَّق، يُحِبُّ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ، ويَفْتَحُ لِلحُصُولِ عَلَيْها بابَ التَّنَافُسِ وَالسِّباقِ، أَحْمَدُه تَعالَى بِما هُوَ لَهُ أَهلٌ مِنَ الحَمْدِ وأُثْنِي عَلَيهِ، وأُومِنُ بِهِ وأَتَوَكَّلُ عَلَيهِ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ومَنْ يُضلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، حَازَ مِنَ الأَخْلاَقِ أَزكَاها وأَفْضلَها، ومِنَ الصِّفَاتِ أَجْمَلَها وأَنبلَها، ومِنَ الأَعْمَالِ أَوْسَطَها وأَعْدَلَها، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عليه وَعَلَى آلِهِ وأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، والتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :

  المُروءةُ آدابٌ نَفْسَانِيَّةٌ تَحمِلُ مُرَاعَاتُها الإنْسانَ عَلَى الوقُوفِ عِنْدَ مَحَاسِنِ الأَخْلاِقِ وَجَمِيلِ العادَاتِ، إِذَا تَحَلّى وتَجَمَّلَ بِها إِنْسَانٌ؛ صَدَرَ مِنْهُ كُلُّ خَيْرٍ وَبَدَرَ مِنْهُ كُلُّ إِحْسانٍ، وسَارَ عَلَى النَّهْجِ السَّلِيمِ الصَّحِيحِ، وَتَجَنَّبَ كُلَّ مُسْتَهْجَنٍ وَقَبِيحٍ، فَذُو المُرُوءةِ سَابِقٌ إِلى الخَيرَاتِ، مُسَارِعٌ إِلى المَكْرُماتِ، إِنَّهُ إِنْ حَدَّثَ النَّاسَ صَدَقَ، وإِنْ وَعَدَهُمْ وَفَى، وإِنْ عَامَلَهُمْ أَنْصَفَ، وإِنْ تَمَكَّنَ مِنَ المَحظَورِ تَعَفَّفَ، فأَعْرَضَ عَنْهُ وتَوَقَّفَ، لاَ يَطْمَعُ فِيمَا فِي يَدِ غَيْرِهِ، بلْ إِنْ استَطَاعَ زَادَهُ مِنْ عَطَائِهِ وخَيْرِهِ، مَنْ صَادَقَهُ سَلِمَ، ومَنْ آخَاهُ رَبِحَ وغَنِمَ، وقَدْ جَاءَ فِي الأَثَرِ: ((مَنْ عَامَلَ النَّاسَ فَلَمْ يَظْلِمْهُمْ، وحَدَّثَهُمْ فَلَمْ يَكذِبْهُمْ، ووَعَدَهُمْ فَلَمْ يُخلِفْهُمْ؛ فَهُوَ مِمَّنْ كَمُلَتْ مُرُوءتُهُ، وظَهَرَتْ عَدَالتُهُ، ووَجَبَتْ أُخُوَّتُهُ))، وقَالَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : (( كَرَمُ المُؤمِنُ دِينُهُ، ومُرُوءتُهُ عَقلُهُ، وحَسَبُهُ خُلُقُهُ ))، إِنَّ غُرُورَ الهَوَى ونَوَازِعَ الشَّهْوةِ تَصْرِفانِ النَّفَسَ عَنْ فِعلِ الأَفْضَلِ وقَولِ الأَجْمَلِ، والتِماسِ الأَعْدَلِ، فَتَأْتِي المُروءَةُ دَافِعةً لِلنَّفْسِ نَحْوَ الفَضِيلَةِ، صَارِفةً لَها عَنْ كُلِّ رَذِيلَةٍ، وقَدْ قِيلَ: " العَقْلُ يَأْمُرُ بِالأَنْفَعِ، والمُرُوءَةُ تَأْمُرُ بِالأَجْمَلِ"، فَصَاحِبُ المُرُوءَةُ نَفْسُهُ بِاللهِ مَوْصُولةٌ، وبِرَحْمَتِهِ مَرْحُومةٌ، وعَنِ السُّوءِ مَعْصُومةٌ، فَهُو مِمَّنِ اسُتَثُنَاهُمُ اللهُ عُزَّ وجَلَّ فِي قَولِهِ: ((إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي)) (1) .

  عبادَ اللهِ :

  بِالمُرُوءَةِ تَشْرُفُ النَّفْسُ وتَسْمُو، وتَرقَى وتَعلُو، وإِذَا شَرُفَتِ النَّفْسُ وسَمَتْ كَانَتْ لِلآدَابِ طَالِبةً، وفِي الفَضَائِلِ رَاغِبةً، يَبْحَثُ صَاحِبُها عَنِ المَكْرُماتِ فَيُدْرِكُها، ويَرنُو إِلى الفَضَائِلِ فَيَنَالُها، يَنْأَى عَنْ كُلِّ خَسِيسةٍ، ويَأْنَفُ مِنْ كَلَّ نَقِيصَةٍ، لَقَدْ فَهَمَ ووَعَى قَولَ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- : ((إِنَّ اللهَ يَحِبُّ مَعَالِيَ الأُمُورِ ويَكْرَهُ دَنِيَّها وسَفَاسِفَها))؛ فأَحَبَّ مَا أَحَبَّ اللهُ، وكَرِهَ مَا كَرِهَ اللهُ، إِنَّهُ لاَ بُدَّ للإِنْسَانِ الذِي يُرِيدُ مِنَ النَّاسِ احتِرَاماً وتَقْدِيراً وَإِكْرَاماً أَنْ يُصلِحَ نَفْسَهُ ويُزَكِّيَها ويُهَذِّبَها، فَبِذَلِكَ يَتَحَقَّقُ الفَلاحُ ويُدْرِكُ النَّجاحَ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَها وَتَقْوَاها، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا))(2)، ومِنْ قَوَاعِدِ المُروءَةِ وَأُصُولِها العِفَّةُ، فَذُو المُرُوءَةِ يَصُونُ عِرْضَهُ، فَيَعِفُّ عَنْ كُلِّ ما يُعرِّضُهُ لِلقِيلِ والقَالِ وسُوءِ المَقَالِ، وبِذَلِكَ يَحْيا بَيْنَ النَّاس ِطَيِّبَ السِّيرَةِ، يُثْنِي عَلَيهِ النَّاسُ فِي غَيْبَتِهِ، ويَحتَرِمُونَهُ فِي حَضْرَتِهِ، وهَذَا مِنْ عاجِلِ البُشْرَياتِِ، فَقَدْ قَيلَ لِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : ((أَرأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ العَمَلَ مِنَ الخَيْرِ فَيَحمدهُ النَّاسُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى المُؤْمِنِ)).

  عِبَادَ اللهِ :

  إِنَّ مِنَ المُروءَةِ كَفَّ اللِّسَانِ عَنِ الأَعْرَاضِ، والعَمَلَ عَلَى صِيَانَتِها وحِفْظِها وحِمَايَتِها، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((أَلاَ إِنَّ دِمَاءَكُم وأَمْوَالَكُم وأَعْرَاضَكُم حَرَامٌ عَلَيكُم))، فَجَمَعَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ الدَّمِ والعِرْضِ لِمَا فِي النَّيْلِ مِنَ العِرْضِ مِنْ عَظِيمِ الشُّرورِ وإِيغَارِ الصُّدُورِ، وغَرْسِ العِدَاءِ وكَثْرَةِ الأَعْدَاءِ، ومَنْ صَانَ أَعْرَاضَ النَّاسِ صَانَ النَّاسُ أَعْرَاضَهُ، ومَنِ اتَّخَذَ أَعْرَاضَ الآَخَرِينَ غَرَضاً اتَّخَذَهُ الآخَرونَ غَرَضاً، وقَلَّ أَنْ يَحْظَى امْرؤٌ بِسَلامٍ مَعْ كَثْرَةِ وَوَفْرَةِ السِّهَامِ، ومَنِ اتَّصَفَ بِالمُروءَةِ حَفِظَ عَنْ كُلِّ مُسْتَهْجَنٍ لِسَانَهُ، وصَانَ عَنْ كُلِّ مُستَقْبَحٍ جَوَارِحَهُ وَأَركَانَه، فإِنْ قَالَ أَحْسَنَ القَولَ وَأَجَادَ، وإِنْ فَعَلَ فَعَلَ الخَيْرَ فَأَفَادَ واستَفَادَ، يَقُولُ اللهُ تَعَالى: ((وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً))(3) ، وقَالَ جَلَّ شَأْنُه: ((وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) (4) ، ومَنْ تَحَرَّى القَولَ السَّدِيدَ؛ وفَّقَهُ اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى لِلعَملِ الرَّشِيدِ، وغََفَرَ لَهُ زَلَّتَه، وأَدْخَلَهُ بِفَضلِهِ جَنَّّتَهُ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً))(5)، ويَقُولُ الرَّسولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((إِنَّ فِي الجَنَّةِ غَُرَفاً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِها وبَاطِنُها مِنْ ظَاهِرِها، قِيلَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: لِمَنْ أَطَابَ الكَلاَمَ وأَطْعَمَ الطَّعامَ)). إِنَّ ذَا المُروءَةِ إِذَا تَكَلَّمَ اخْتَارَ اللَّفْظَ الجَمِيلَ الصَّرِيحَ، وتَجَنَّبَ كُلَّ مَا فِيهِ تَحرِيفٌ أَو تَجْرِيحٌ، فَبِهَذَا أَدَّبَ القرآنُ الكريمُ المُؤمنينَ، يَقُولُ اللهُ تعَالَى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا))(6)، فَقَدْ أَمَرَ اللهُ المؤمنينَ أَنْ يَتَجَنَّبُوا اللَّفْظَ الذي يَحتَمِلُ مَعنَىً غَيرَ طَيِّبٍ، وأَنْ يَخْتَارُوا مُرَادِفَهُ مِمَّا لا يَحتَمِلُ تَأْويلاً، أَو تَحرِيفاً وتَحْوِيلاً؛ فَكَلِمَةُ "رَاعِنَا" تَحتَمِلُ مَعنَى الإِمْهَالِ والإِِنْظَارِ، وقَدْ تَحتَمِلُ مَعنَى الرُّعُونَةِ؛ فَفِيهَا مَجَالٌ لِلتأْويِلِ والتَّحريفِ والتَّحويلِ، أَمَّا كَلِمَةُ "انظُرنَا" فَلاَ تَحتَمِلُ سِوَى الإِمْهَالِ والإِنْظَارِ؛ فَهِيَ كَلِمَةٌ سَلِيمَةٌ مِنْ كُلِّ شُبْهَةٍ تُنَافِي الأَدَبَ والمُروءَةَ. إِنَّ المُتَخَلِّقَ بِخُلُقِ المُروءَةِ طَيِّبُ الخِلالِ، جَمِيلُ الخِصَالِ، يُبغِضُ القَطِيعَةَ ويُحِبُّ الوِصَالَ، إِنَّهُ وَاسِعُ الصَّدرِ، كَثِيرُ الصَّبرِ، وَفِيرُ الشُّكْرِ، إٍنْ أُوذِيَ صَبَرَ فَتَسَامَى وغَفَرَ، وإِنْ أُعطِيَ أَثْنَى وشَكَرَ، مُروءَتُهُ تَدفَعُهُ إِلى العَفْوِ عَنِ الهَفَواتِ، والتَّجَاوُزِ عَنِ الزَّلاَّتِ، وهَذهِ صِفَاتُ المُتَّقِينَ الذين يَعلَمُونَ عِلْمَ اليَقِينِ أَنَّ الإِنْسانَ لَيسَ مُبَرَّءاً مِنْ سَهْوٍ وزَلَلٍ، ولاَ خَالِياً مِنْ نَقْصٍ أَو خَلَلٍ، فَعَامَلُوا كَلَّ النَّاسِ عَلَى هَذَا الاعتِبَارِ والأَسَاسِ، فَكَانُوا مِنَ المُهتَدِينَ، وفَازُوا بِالجَنَّةِ يَوْمَ الدِّينِ، يَقُولُ اللهُ تعَالَى: ((وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ))(7)، ويَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((مَنْ أُعْطِيَ فَشَكَرْ، ومُنِعَ فَصَبَرَ، وَظَلَمَ فاسْتَغْفَرْ، وظُلِمَ فَغَفَر، فَقَالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَالَهُ؟ قَالَ: أُولئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وهُمْ مُهْتَدُون)).

  فاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، واعلَمُوا أَنَّ المُرُوءَةَ فِي الإِنْسَانِ حِلْيَةٌ وَجَمَالٌ، وزِينَةٌ وَكَمَالٌ؛ فَتَحلّوا بِهَا وتَجَمَّلُوا؛ تَنَالُوا الخَيْرَ والسَّعَادَةَ، والحُسْنَى وزِيَادَة.

  أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.

 *** *** ***

              

  الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

  أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :

  إِنَّ مِنَ المُروءَةِ صِيانةَ النَّفْسِ مِنَ التَّعَرُّضِ لِذُلِّ السُّؤَالِ، وذَلِكَ بِالتِمَاسِ عَمَلٍ أَو امتِهَانِ مِهنَةٍ وحِرفَةٍ، فَذَلِك خَيْرٌ لِلإِنْسَانِ مِنْ سُؤَالٍ يَهْبِطُ بِهِ مَكَانَةً، أَوْ مِنَّةٍ يَتَعرَّضُ بِسَبَبِهَا لِمَهَانَةٍ، ولَقَدْ كَانَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- يُعْطِي مَنْ سَأَلَهُ، فِإِذَا رَآهُ اسْتَمْرأَ السُّؤَالَ واتَّخَذَه عَادةً أَعْطَاهُ ثُمَّ حَذَّرَهُ مِنَ السُّؤَالِ ونَهَاهُ، يَقُولُ حَكِيمُ بنُ حزَام: سَأْلتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأْلتُه فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلتُه فَقَالَ: ((يَا حكيمُ، إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ، مَنْ أَخَذَه بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيه، ومَنْ أَخَذَهُ بإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيِه، وكَانَ كَالذي يَأْكُلُ ولاَ يَشْبَعُ)). إِنَّ مَنْ طَلَبَ المَالَ وجَمَعَهُ بَكَدِّ يَمِينِهِ وعَرَقِ جَبِينِهِ أَرْضَى رَبَّهُ وصَانَ عِرْضَهُ، فَخَيْراً جَمَعَ، وشَرَّاً مَنَعَ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُم حَبْلَهُ؛ فَيَأْتِي بِحِزْمَةٍ مِنْ حَطَبٍ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا؛ فَيَكُفَّ اللهُ بهَا وَجْهَهُ  خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوهُ أَو مَنَعُوه))، وقَدْ سُئِلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ الكَسْبِ أَطْيَبُ؟ قَالَ: ((عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ، وكَلُّ كَسْبٍ مَبْرُور))، وقَدْ قِيلَ: " لاَ تَكُنْ عَلَى أَحَدٍ كَلاًّ؛ فَإِنَّكَ تَزْدَاُد ذُلاَّ، ولاَ تَقْعُدْ أَسَفاً عَلَى مَالٍ ذَهَبَ، بَلْ دَاوِمِ السَّعْيَ ووَاصِلِ الطَّلبَ"، إِنَّ التَّعَوّدَ عَلَى سُؤَالِ النَّاسِ ابْتِذَالٌ، ومَهَانَةٌ وإِذْلاَلٌ، والمَالُ يُرَادُ لِصيَانَةِ الأَعْرَاضِ لاَ لابْتِذَالِها، وَلِعِزِّ النُّفُوسِ لاَ لإِذْلاَلِهَا، إِنَّ ذَا المُروءَةِ حَييٌّ أبيٌّ؛ يَمْنَعُهُ عَنِ السُّؤَالِ حَيَاؤُهُ، ويَصُونُهُ عَنِ المَذَلَّةِ إِبَاؤُهُ، حَتَّى يَحْسَبُهُ مَنْ لاَ يَعْرِفُ حَالَهُ غَنِيَّاً وهُوَ فِي حَاجَةٍ مَاسَّةٍ، ومَا ذَلِكَ إِلاَّ لأَنَّهُ جَعَلَ القَنَاعَةَ قِنَاعَهُ، والتَعَفُّفَ لِبَاسَه؛ فهو مِنَ الذينَ أَثْنَى اللهُ عَلَيهم فِي كِتَابِه الكَرِيمِ فَقَالَ:((يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً))(8).

  فاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وتَجَمَّلُوا بِالمُروءَةِ واجْعَلُوهَا سِربَالَِكُم؛ يَهْدِكُمُ اللهُ ويُصلِحْ بَالَكُمْ.      

  هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (9).

  اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.

  اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.

  اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.

              

  اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.

  اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.

  اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.

  اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ. اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.

  رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

  رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.

  رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.

  اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.

عِبَادَ اللهِ :

(( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).

(1) سورة يوسف / 53 .

(2) سورة الشمس / 7-10 .

(3) سورة البقرة / 83 .

(4) سورة الحج / 77 .

(5) سورة الأحزاب / 70-71 .

(6) سورة البقرة / 104 .

(7) سورة آل عمران / 133-134 .

(8) سورة البقرة / 273 .

(9) سورة الأحزاب / 56 .

 
< السابق   التالى >
 

استفتاء

ما رأيك بصفحة خطب الجمعة؟
 
spacer

spacer
© 2024 موقع خطب الجمعة
Joomla! is Free Software released under the GNU/GPL License.