خطبة الاسبوع arrow خطبة الاسبوع arrow لنَّصِيحةُ بواعِثُها وآدابها
spacer

  

spacer
spacer  
spacer spacer

لنَّصِيحةُ بواعِثُها وآدابها طباعة ارسال لصديق
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
24/08/2007
خطبة الجمعة بتاريخ 10 شعبان 1428 هـ
بسم الله الرحمن  الرحيم
لنَّصِيحةُ بواعِثُها وآدابها
   الْحَمْدُ للهِ ربِّ العالمين، أرْسَلَ رُسُلَه مُبَشِّرينَ وَمُنذِرين، وَهُدَاةً نَاصِحين، سُبْحَانَه ضَمِنَ الفَوزَ وَالفَلاحَ للمُتَوَاصِينَ بالحقِّ وَالصَبْرِ بُغيَةَ الإصلاحِ، أَحْمَدُه تَعالى بِمَا هو لَه أهلٌ مِنَ الحَمدِ وأُثنِي عليه، وَأُومِنُ بِه وَأَتَوكَلُ عليه، مَنْ يَهدِه اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه وَمَنْ يُضْللْ فَلا هَادِيَ له، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، خَيرُ مَنْ نَصَحَ وَوَجّه، وَأرشَدَ وَنَبَّه؛ فَهدى اللهُُ بِه الخَلقَ إلى الحَقِّ وَإِلى صِرَاطٍ مُستَقيمٍ، -صلى الله عليه وسلم-  وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَعَلَى كُلِّ مَنِ اهتَدَى بِهَدْيِهِ، وَاسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.  أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   كُلُّ قَولٍ فِيه حَثٌّ عَلى صَلاحٍ ونَهْيٌ عَنْ فَسادٍ هو قَولٌ طَيِّبٌ سَدِيدٌ، وَكَلِمٌ نَافِعٌ مُفِيدٌ، وَكَلُّ مَا كَانَ كَذلِكَ فَهو نَصِيحَة؛ لأنَّ فِيه سَدّاً لِلخَلَلِ، وَعِلاجاً للأدْواءِ والعِلَلِ، كَمَا أَنَّ فِيه تَنْقِيةً لِلشَوَائِبِ، وَدَرْءاً لِلعُيوبِ وَالمَثَالِبِ، فَالنَّصِيحَةُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ، مَعْنَاهَا حِيَازَةُ الخَيرِ لِلمَنْصُوحِ، وَقَدْ قِيلَ: لَيْسَ فِي كَلامِ العَرَبِ كَلِمَةٌ أَجْمَعُ للخَيرِ فِي الدَّارَينِ مِنَ النَّصِيحَةِ، فَلا عَجَبَ إِذَا حَصَرَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  الدِّينَ فِي النَّصِيحةِ فَقالَ: ((الدِّينُ النَّصيحَة))، فَفِي هَذا الحَصْرِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ وَبُرهَانٌ سَاطِعٌ عَلى أَنَّ النَّصِيحَةَ تَشْمَلُ خِصَالَ الإِسْلاَمِ وَالإِيمَانِ وَالإِحْسَانِ، نَفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ جِبْريلَ عَليهِ السَّلامُ، حَيْثُ سَألَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  عَنْ هَذِه الثَّلاثَةِ فَأَجَابَه الرَّسُولُ -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-، ثُمَّ قَالَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-  لأَصْحَابِه: ((هَذَا جِبْرِيلُ أتَاكُم يُعَلِّمُكُم دِينَكُم)).
   عِبَادَ اللهِ :
   حُقَّ للنَّصِيحَةِ أنْ تَتَبَوَّأَ هَذهِ المَنْزِلَةَ الرَفِيعَةَ وَالمَكَانَةَ الرَّاقِيَةَ المَنِيعَةَ، ولِمَ لاَ؟ وهيَ مُهِمَّةُ رُسُلِ اللهِ؟ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نُوحٍ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- لِقَومِه:(( أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ))(1)، وَيَقُولُ سُبْحَانَه عَلى لِسَانِ هُودٍ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- لِقومِه: ((أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ))(2)، وَيَقُولُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ صَالحٍ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- لِقَوْمِهِ:((لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ))(3)، وَيَقولُ جَلَّ شَأْنُهُ عَلَى لِسَانِ شُعَيبٍ-عَلَيْهِ السَّلاَمُ- لِقَوْمِهِ: ((لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ))(4)، إِنَّ النَّصِيحَةَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ المُؤمِنِ عَلَى أَخِيهِ، فإِذَا طَلَبَها مِنْهُ ازْدَادَ هَذَا الحَقُّ تَحقِيقاً وتَأَكِيداً وَتَوثِيقاً، يَقُولُ الرَّسولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((حَقُّ المُؤمِنِ عَلى المُؤمِنِ سِتٌ، وَذَكَرَ مِنْها: وَإِذَا استََنْصَحَكَ فِانْصَحْ لَه))، وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: ((إِذَا استَنْصَحَ أَحَدُكُم أَخَاه فَلْيَنْصَحْ لَه)). إِنَّ نَصِيحَةَ الإِنْسَانِ لأَخِيهِ الإِنْسَانِ حِمَايَةٌ، وَحِفْظٌ وَوِقَايَةٌ، لأَنَّهَا قَدْ تُنْقِذُ المَنْصُوحَ مِنْ أَخْطَارٍ مُحْدِقَةٍ، وَكَوَارِثَ تَكَادُ تَكُونُ مُحَقَّقَة، وَقَدْ ذَكَرَ القُرْآنُ الكَرِيمُ نَصِيحَةَ رَجُلٍ لِمُوسى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فَكانَتِ النَّصِيحَةُ سَبباً فِي إِنْقَاذِ حَياةِ مُوسى مِمَّا أُرِيدَ لَه مِنْ قَتْلٍ، ثُمَ أُكِرمَ بِالرِّسَالةِ بَعْدَ ذَلِكَ، يَقُولُ اللهُ تَعالى: ((وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ))(5)، فَكمْ لِلنَّصِيحَةِ مِنْ ثَمَرَاتٍ، وَكمْ لَها مِنْ خَيْرَاتٍ وَمُعْطَيَات؟.
   عِبَادَ اللهِ :
   إِنَّ النَّصِيحَةَ حَقٌّ مِنَ الحُقُوقِ المُتَبَادَلَةِ بَيْنَ الإِنْسَانِ وأَخِيهِ الإِنْسَانِ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا لأَخِيهِ نَاصِحٌ مُوَجِّهٌ، مُرْشِدٌ مُنَبِّهٌ، والنَّصِيحَةُ تُوَجَّهُ مِنَ الكَبِيرِ إِلى الصَّغِيرِ ومِنَ الصَّغِيرِ إِلى الكَبِيرِ، يَنْصَحُ الأَبُ وَلَدَهُ ويَنْصَحُ الوَلَدُ أَبَاهُ، وعَلَى المَنْصُوحِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ النَّصِيحَةَ بِتِرْحَابٍ لاَ تَشُوبُهُ مَضَاضَة،ٌ حَيْث لاَ حَرَجَ فِي ذَلِكَ ولاَ غَضَاضَةَ، ولَقَدِ احتَضَنَ القُرْآنُ الكَرِيمُ نَمَاذِجَ مِنَ النَّصَائِحِ، مِنْهَا مَا كَانَ مِنَ الأَبِ لِوَلَدِه كَنَصَائِحِ لُقْمَانَ لابْنِهِ، وفِيهَا يَقولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)) (6)، وكَنَصِيحَةِ يَعقُوبَ لِوَلَدِه يُوسفَ -عَلَيْهِما السَّلاَمُ- حِيِنَ قَصَّ عَلَيْه رَؤْيَا رَآهَا فَقَالَ يَعْقُوبُ -كَمَا حَكَاهُ القُرْآنُ الكَرِيمُ-: ((قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ))(7)، ومِمَّا جَاءَ ذِكْرُه فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ نَصِيحَةُ إِبْرَاهيمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- لأَبِيهِ، وقَدْ جَاءَ فِيِها قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: ((وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً، إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً)) (8)، ومِنَ النَّصِيحَةِ مَا كَانَ مِنَ الصَّاحِبِ لِصَاحِبِهِ، كَنَصِيحَةِ يوسفَ-عليه السلام- لِصَاحِبَيْهِ فِي السِّجْنِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ يُوسفَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-: ((يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ))(9) ، وحِيِنَ اغْتَرَّ صَاحِبُ الجَنَّتَيْنِ بِجَنَّتَيْهِ ومَا فِيهِمَا مِنْ كَثِيرِ ثَمَرٍ، واغْتَرَّ بِمَا عِنْدَه مِنْ عَزِيزِ نَفَرٍ، حَتَّى أَوْصَلَهُ الكِبْرُ والغُرُورُ إِلى إِنْكَارِ يَوْمِ البَعْثِ والنُّشُورِ، حِينَذَاكَ نَصَحَهُ صَاحِبُهُ حَاثَّاً إِيَّاهُ عَلَى الإِيمَانِ بِاللهِ وذِكْرِهِ وحَمْدِهِ وشُكْرِهِ، وحَذَّرَهُ مِنْ سَوءِ حَالِهِ وضَيَاعِ مَالِهِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً، لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً، وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ)) (10).
   عِبَادَ اللهِ :
   إِنَّ نَصِيحَةَ الإِنْسَانِ لأَخِيهِ الإِنْسَانِ يَجِبُ أَنْ تَتَّسِمَ باللُّطْفِ والإِحْسَانِ، وإرْشَادِهِ إِلى مَا فِيهِ صَلاَحُهُ، وظَفْرُهُ ونَجَاحُهُ، ودَفْعُ الأَذَى والمَكْروهِ عَنْهُ مَا استَطَاعَ النَّاصِحُ إِلى ذَلِكَ سَبِيلا، ويَجِبُ أَنْ يَقْصِدَ مِنْ وَرَاءِ نَصِيحَتِهِ الحِفْظَ والصَّوْنَ، وتَقْدِيمَ العَوْنِ، وسَدَّ الخَلَلِ وَرَدَّ المَنْصُوحِ إِلى الحَقِّ إِنْ ضَلَّ، واسْتِنْهَاضَهُ مِنْ عَثْرَتِهِ إِنْ زَلَّ، كُلُّ ذَلِكَ بِلِينٍ ويُسْرٍ، لاَ عُنْفَ فِيه ولاَ عُسْرَ، فإِنْ كَانَتِ النَّصيحَةُ عَامَّةً فَيَجِبُ تَوَخِّي الحِيطَةِ والحَذَرِ فِي تَقْدِيمِها، بِحَيْثُ لاَ يَذْكُرُ فِيهَا اسْمَ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، فإِنَّ ذَلِكَ مِنَ التَّشْهِيرِ، الذي ضَرَرُه أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهِ بِكَثِيرٍ، ولَقَدْ كَانَ مِنْ هَدْيِ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم-  إِذَا أَرَادَ نُصْحَ إِنْسَانٍ أَخْطَأَ لَمْ يَزِدْ عَلَى قَولِه: ((ما بَالُ أقوامٍ يَفعلُونَ كَذَا وكَذا)) رَغْمَ عِلْمِهِ التَّامِّ بِهَؤلاءِ الأَقْوَامِ، وإِنْ كَانتِ النَّصِيحَةُ خَاصَّةً فَمِنَ الأُمُورِ الضَّرُوريَّةِ الهَامَّةِ أَنْ تَكونَ فِي سِرِّيَّةٍ تَامَّةٍ، وقَدْ قِيلَ: "مَنْ وَعَظَ أَخَاهُ سِرَّاً فَقَدْ نَصَحَهُ وزَانَهُ، ومَنْ نَصَحَهُ عَلاَنِيَةً فَقَدْ فَضَحَهُ وشَانَهُ".
   فاتَّقُوا اللهَ – عِبَادَ اللهِ -، والتَزِمُوا بِآدَابِ النَّصِيحَةِ، خَشْيَةَ أَنْ تَنْقَلِبَ إِلى فَضِيحَةٍ. 
  أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
  *** *** ***
   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   لِكَيْ تُؤْتِيَ النَّصِيحَةُ ثِمَارَهَا المَرْجُوَّةَ وفَوَائِدَهَا المَأْمُولَةَ يَجِبُ أَنْ تَتَّسِمَ بِالإِخْلاَصِ، لأَنَّهُ فِي كُلِّ شيءٍ قَاعِدَةٌ وأَسَاسٌ، وإِذَا خَلَتِ النَّصِيحَةُ مِنَ الإِخْلاَصِ كَانَتْ نَصِيحَةً شَيْطَانِيَّةً، فَالشَّيْطَانُ أَوَّلُ مَنْ نَصَحَ وَغَشَّ فِي نَصِيحَتِهِ، لَقَدْ قَالَ لآدَم وزَوْجِهِ: ((مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ، وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ))(11)، إِنَّ مِنْ أَهَمِّ بَوَاعِثِ النَّصِِيحَةِ ودَوَاعِيها حُبَّ النَّاصِحِ لِلمَنْصُوحِ، ورَغْبَتَهُ فِي إِصْلاَحِ حَالِهِ، وسَلاَمَةِ مُسْتَقبَلِه ومَآلِهِ، ومِنْ هُنَا وَجَبَ عَلَى المَنْصُوحِ أَنْ يَسْتَقَبِلَ نَصِيحَةَ النَّاصِحِ الحَبِيبِ، بِصَدْرٍ مُنْشَرِحٍ رَحِيبٍ، بَلْ ولِسَانٍ شَاكِرٍ وثَنَاءٍ عَاطِرٍ، فَأَصْحَابُ القُلُوبِ السَّلِيمَةِ الفَسِيحَةِ لاَ يَتَبَرَّمُونَ ولاَ يَسْخَطُونَ مِنَ النَّصِيحَةِ، ولأَهَمِّيَّةِ النَّصِيحَةِ ومَوقِعِها مِنَ الدِّينِ كَانَ أَصْحَابُ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم-  يُبَايِعُونَ الرَّسُولَ عَلَيْهَا تَمَاماً كَمَا يُبَايِعُونَهُ عَلَى إِقَامَةِ أَركَانِ الدِّينِ، يَقُولُ جَرِيرُ بنُ عبدالله     -رَضِيَ اللهُ عَنْه- : ((بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  عَلَى إِقَامَةِ الصَّلاةِ وإِيتَاءِ الزَّكَاةِ والنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ))، وذِكْرُ المُسْلِمِ بِاعتِبَارِ الأَعَمِّ الأَغْلَبِ، وإِلاَّ فَالنُّصْحُ مَطْلوبٌ لِكُلِّ إِنْسَانٍ، بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ جِنْسٍ أَوْ عَقِيدَةٍ أَوْ لَوْنٍ أَوْ لِسَانٍ، وهُو أَيْضاً مَطْلوبٌ فِي شَتَّى المَجَالاتِ ومُخْتَلَفِ الحَالاتِ، ومِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ النُّصْحُ فِي البَيْعِ والشِّرَاءِ، فَمَنْ بَاعَ شَيْئاً مَعِيباً فَمِنَ النُّصْحِ الوَاجِبِ بَيَانُ العَيْبِ ووصْفُهُ، وتَوْضِيحُهُ وكَشْفُهُ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-  : ((لاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ يَبِيعُ شَيْئاً إِلاَّ بَيَّنَ مَا فِيهِ، ولاَ يَحِلُّ لِمَنْ عَلِمَ ذَلِكَ إِلاَّ بَيَّنَهُ))، ولَقَدْ كَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ مَنْ إِذَا بَاعَ شَيْئَاً أَو اشْتَرَاه قَالَ لِصَاحِبِهِ: ((اعْلَمْ أَنَّ مَا أَخَذْنَا مِنْكَ أَحَبُّ إِلينَا مِمَّا أَعْطَينَاكَ؛ فَاخْتَرْ)) - يُرِيِدُ بِذَلِكَ إِتْمَامَ الصَّفْقَةِ بِالتَّرَاضِي والنُّصْحِ-، ومَنِ اشْتَرَى شَيئاً فَمِنَ النُّصْحِ عَدَمُ ذَمِّهِ دُونَ حَقٍّ، بِقَصْدِ شِرَائِهِ بِثَمَنٍ بَخْسٍ، ومَنْ صَنَعَ شَيئاً فَمِنَ النُّصْحِ إِتْقَانُهُ، ومَنْ أُوكِلَ إِليْهِ أَيُّ عَمَلٍ مِنَ الأَعْمَالِ، فَمِنَ النُّصْحِ أَدَاؤُهُ دُونَ تَقْصِيرٍ وإِهْمَالٍ، ومِنْ أَنْوَاعِ النَّصِيحَةِ المَشُورَةُ، فَمَنِ استَشَارَ أَخَاهُ فِي أَمْرٍ مِنَ الأُمُورِ فَعَلى مَنِ استُشِيرَ أَنْ يَعلَمَ أَنَّهُ حُمَّلَ أَمَانَةً مَِنْ أَعْظَمِ الأَمَانَاتِ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-  : ((المُستَشَارُ مُؤْتَمَنٌ؛ فإِذَا استُشِيرَ فَلْيُشِرْ بِمَا هُوَ صَانِعٌ لِنَفْسِهِ)).
   فاتّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ -، وأَعطُوا النَّصِيحَةَ وتَقَبّلُوهَا مِنَ الغَيْرِ؛ فَهِيَ سَبِيلٌ لِلسَّعَادَةِ والخَيْرِ.
   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (12).
   اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا  يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
   عِبَادَ اللهِ :
(( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
(1) سورة الأعراف / 62 .
(2) سورة الأعراف / 68 .
(3) سورة الأعراف / 79 .
(4) سورة الأعراف / 93 .
(5) سورة القصص / 20 .
(6) سورة لقمان / 13 .
(7) سورة يوسف / 5 .
(8) سورة مريم / 41-42 .
(9) سورة يوسف / 39 .
(10) سورة الكهف / 37-39 .
(11) سورة الأعراف / 20-21 .
(12) سورة الأحزاب / 56 .
آخر تحديث ( 23/09/2007 )
 
< السابق   التالى >
 

استفتاء

ما رأيك بصفحة خطب الجمعة؟
 
spacer

spacer
© 2024 موقع خطب الجمعة
Joomla! is Free Software released under the GNU/GPL License.