خطبة الاسبوع arrow خطبة الاسبوع arrow كـُـنْ حَـكِيماًً
spacer

  

spacer
spacer  
spacer spacer

كـُـنْ حَـكِيماًً طباعة ارسال لصديق
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
19/09/2007

خطبة الجمعة بتاريخ 9 رمضان 1428هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

 كـُـنْ حَـكِيماًً  

  الحَمْدُ للهِ الذِي أَكْرَمَ بِالحِكْمَةِ عِبَادَهُ الأَصفِياءَ، وبَعَثَ بِها مَنِ اصطَفَى مِنَ الرُّسُلِ والأَنبِيَاءِ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَ اللُه وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، سُبْحَانَهُ (( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً)) (1) ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ ورَسُولُهُ، وصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وحَبِيبُهُ، أَرْسَلَهُ اللهُ بِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفاً رَحِيماً، وفِي إِرْشَادِهِ صَابِراً حَكِيماً، فَأَشْرَقَتْ بِنُورِ رِسَالَتِهِ الأَرْضُ والسَّمَاءُ، وعَبَّ مِنْ مَعِينِ هَدْيِهِ الحُكَماءُ، واستَنَارَ بِضِياءِ سِيرَتِهِ الأتقِياءُ، اللهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وبَارِكْ عَلَيْه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وأَتبَاعِهِ الأَوفِياءِ

  أَمَّا بَعْدُ، فَأُوصِيكُم ونَفْسِي -عِبَادَ اللهِ- بِتَقْوى اللهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِنَّهَا لَكُم إِلى اللهِ خيرُ زَادٍ، وسَلاَمَةٌ فِي الدُّنيَا ونَجَاةٌ فِي المَعَادِ، قَالَ تَعَالَى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ))(2)، واعلَمُوا -رَحِمَكُم اللهِ- أَنَّ الحِكْمَةَ صِفَةٌ عَظِيمَةٌ، وخَصْلَةٌ جَسِيمَةٌ، شَرَّفَها اللهُ بِأَنْ جَعَلَها مِنْ صِفَاتِهِ، ووَهَبَها مَنِ اختَصَّ بِلَطِيفِ رَحَماتِهِ، وأَنزَلَها عَلَى رُسُلهِ وأَنبِيائِهِ، وأَجْرَاها عَلَى أَلسِنَةِ أَولِيَائِهِ، مَنْ ظَفَرَ بِها نَالَ الهَنَاءَ والسَّعَادَةَ، ومَنْ عَمِلَ بِها كَانَ رُقِـيُّـهُ فِي زِيَادَةٍ، وهِيَ نُورٌ مِنَ اللهِ تَنْكَشِفُ بِهَا حَقَائِقُ الأَشيَاءِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيهِ، بِحَيْثُ لاَ تَلْتَبِسُ عَلَى صَاحِبِها الأُمُورُ المُتَشَابِهَةُ بَعْضُها مَعَ بَعْضٍ، ولاَ يَغْلَطُ فِي العِلَلِ والأَسبَابِ، فَالحَكِيمُ يَنْظُرُ بِنُورِ العِلْمِ، ويُجْرِي الفِعلَ عَلَى وِفْقِ ذَلِكَ العِلْمِ، لِيَضَعَ كُلَّ شَيءٍ فِي مَوْضِعِهِ، وقَدْ وَصَفَ اللهُ نَفْسَهُ بِصِفَةِ الحِكْمَةِ مَقْرُونَةً بِصِفَاتٍ أُخْرَى مِنْ صِفَاتِهِ العُلْيَا وأَسمَائِهِ الحُسْنَى، فَقَدْ قَرَنَها سُبْحَانَهُ بِصِفَتَي العِلْمِ والخِبْرَةِ، فَقَالَ: ((يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)) (3) ، وقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ((وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)) (4) ، وفِي هَذَا دَلاَلَةٌ لِلنَّاسِ أَنَّ الحِكْمَةَ مَطْلَبٌ لاَ يَتَحَقَّقُ إِلاَّ بِالعِلْمِ النَّافِعِ، والفَهْمِ الدَّقِيقِ الوَاسِعِ، فِي مُخْتَلَفِ القَضَايَا ومَجَالاتِ الحَيَاةِ، فَالحِكْمَةُ لاَ يَبْلُغُها إِلاَّ مَنْ تَزَوَّدَ مِنَ التِّجَارِبِ، واستَفَادَ مِنَ الحَوَادِثِ، خِبْرةً تُمَيِّزَهُ عَمَّنْ سِواهُ، قَالَ تَعَالَى: ((أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)) (5) ، إِنَّ الحِكْمَةَ خَيْرٌ كَثِيرٌ، وزَادٌ وَفِيرٌ ومَكْسَبٌ كَبِيرٌ، يَخْتَصُّ اللهُ بِهَا مَنْ طَهُرَتْ سَرِيرَتُهُ، وصَلُحَتْ فِي العَالَمِينَ سِيرَتُهُ، ووَهَبهُ اللهُ مِنْ نَفَحَاتِ رَحْمَتِهِ مَا جَعَلَهُ مُستَعِدّاً لإِدرَاكِها، ومِنْ خَفَايَا لُطْفِهِ مَا يُعِينُهُ عَلَى اقتِنَاصِها، مِنْ سَلاَمَةٍ فِي العَقْلِ واعتِدَالٍ فِي القُوى، حَتَّى يَكُونَ قَابِلاً لِفَهْمِ الحَقَائِقِ، مُنْقَاداً إِلى الحَقِّ إِذَا لاحَ لَهُ، فَلاَ يَصُدُّهُ عَنْ ذَلِكَ هَوىً ولاَ عَصَبِيَّةٌ، ولاَ تَمِيلُ بِهِ عَنِ الحَقِّ مُكَابَرَةٌ ولا أَنَفَةٌ، فَإِذَا انضَمَّ إِلى ذَلِكَ تَوَجُّهٌ إِلى اللهِ، وتَضَرُّعٌ لَهُ جَلَّ فِي عُلاَهُ، بِزِيَادَةِ أَسبَابِ الحِكْمَةِ تَيْسيراً، وإِبعَادِ كُلِّ مَا يَجْعَلُ الفَهْمَ عَسِيراً، فَقَدْ كَمُلَ لِذَلِكَ الإِنسَانِ التَّوفِيقُ والسَّدَادُ، وعُرِفَ بِالحِكْمَةِ بَيْنَ العِبَادِ، وأَتَى إِليهِ الخَيْرُ مِنْ كُلِّ وَادٍ، قَالَ تَعَالَى: ((يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ))(6).  

أَيُّها المُسْلِمونَ : 

  إِنَّ الحِكْمَةَ ضَالَّةُ المُؤمِنِ يَبْحَثُ عَنْها، ويَسْعَى فِي سَبِيلِها، فَفَي الحَدِيثِ عَنِ الرَّسُولِ-صلى الله عليه وسلم-أَنَّهُ قَالَ: ((الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤمِنُ أَنَّى وَجَدَها فَهُوَ أَحَقُّ بِها))، إِنَّهُ يَبْحَثُ عَنْها بِمُجَالَسَةِ أَهلِها، والشُّرْبِ مِنْ مَوارِدِها، والرُّجُوعِ إِلى مَصَادِرِها، فَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ       -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: ((إِنَّ لُقْمَانَ قَالَ لابْنِهِ: يَا بُنَيَّ عَلَيكَ بِمُجَالَسَةِ العُلَمَاءِ، واسمَعْ كَلاَمَ الحُكَمَاءِ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يُحْيِـي القَلْبَ المَيِّتَ بِنُورِ الحِكْمَةِ كَمَا يُحْيِـي الأَرْضَ المَيتَةَ بِوَابِلِ المَطَرِ))، وإِنَّ أَعْذَبَ مَوَارِدِ الحِكْمَةِ وأَصفَاهَا، وأَفَضَلَ مَصَادِرِها وأَنْقَاهَا، ذَلِكَ الوَحْيُ الإِلَهيُّ، والهَدْيُ الرَّبَّانِيُّ، الذِي أَرْسَلَ اللهُ بِهِ رُسُلَهُ، وأَنزَلَ بِهِ كُتُبَهُ، فَمَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ وأُرْسِلَ بِالنُّورِ والحِكْمَةِ، والخَيْرِ والرَّحْمَةِ، قَالَ تَعَالَى فِي شَأْنِ رَسُولِهِ دَاودَ -عَليهِ السَّلامُ-:((وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ))(7)، وعَنْ عِيسَى -عَليهِ السَّلامُ- قَالَ تَعَالَى: ((وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ)) (8) ، ويَذْكُرُ سُبْحَانَهُ امتِنَانَهُ عَلَى آلِ خَلِيلِهِ إبرَاهِيمَ -عَلَيهِ السَّلاَمُ- بِأَنْ رَزَقَهُمُ الحِكْمَةَ، فَضْلاً مِنْهُ تعَالَى ونِعْمَةً، يَقُولُ سُبْحَانَهُ: ((أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً)) (9) ، هَذَا وإِنَّ مِنْ أَعظَمِ مَوَارِدِ الحِكْمَةِ التِي أَنزَلَها اللهُ عَلَى رُسُلِهِ، القُرآنَ الكَرِيمَ الذِي وَصَفَهُ اللهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: (( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ، لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)) (10) ، وقَالَ تَعَالَى: (( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ))(11)، وقَالَ سُبْحَانَهُ: (( ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ))(12)، فَمَا أَحوَجَنَا - إِخوَةَ الإِيمَانِ - ونَحْنُ نَتَـفَيَّءُ ظِلاَلَ شَهْرِ رَمضَانَ، شَهْرِ النُّورِ والقُرآنِ، أَنْ نَسْتَلْهِمَ مِنْ هَذَا الكِتَابِ العَظِيمِ الحِكْمَةَ التِي تُصلِحُ أَنفُسَنا، وتُسْعِدُ أُسَرَنَا، وتَرقَى بِمُجتَمَعِنا، فَإِنَّ فِيهِ المَعْرِفَةَ لِكُلِّ جَاهِلٍ، والجَوابَ لِكُلِّ سَائِلٍ، قَالَ تَعَالَى: ((وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ)) (13).   

أَيُّها المُسْلِمُونَ : 

  إِنَّ الحِكْمَةَ مَطْلَبٌ نَبِيلٌ، وهَدَفٌ سَامٍ جَلِيلٌ، وهِيَ مَطْلُوبَةٌ فِي كَافَّةِ المَجَالاتِ، ومَرْغُوبَةٌ فِي كُلِّ التَّصَرُّفاتِ، فَهِيَ مَطْلُوبَةٌ مِنَ الإِنسَانِ فِي فِكْرِهِ وتَأَمُّلاتِهِ، لِيُفَكِّرَ بِمَا لَدَيْهِ مِنْ مُعْطَياتٍ، ويَسْتَفِيدَ مِنْ تَأَمُّلِهِ مُخْتَلَفَ الدَّلالاتِ، فَالحَكِيمُ لاَ تَمُرُّ بِهِ المَوَاقِفُ والحَوادِثُ إِلاَّ ولَهُ فِيَها عِبْرَةٌ، ويَسْتَفيدَ مِنْ خِلاَلِها مَا يُصلِحُ فِكْرَهُ، قَالَ تَعَالَى: ((إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ))(14)، وكَمَا تَكُونُ الحِكْمَةُ فِي الفِكْرِ والتَّأَمُّلِ تَكُونُ كَذَلِكَ فِي القَولِ والخِطَابِ، والنَّصِيحَةِ والعِتَابِ، وذَلِكَ باختِيارِ أَفْضَلِ الكَلِمَاتِ، واستِعْمَالِ أَلطَفِ العِبَارَاتِ، فَإِنَّ لِلكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ والعِبَارَةِ المُهَذَّبَةِ أَثَراً عَظِيماً، أَلَمْ تَرَوا أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ مُوسَى وهَارونَ - عَليِهما السَّلامُ-  قَائلاً لَهُمَا: ((اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى، فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى، قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى، قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)) (15) ، وقَالَ تَعَالَى: ((وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)) (16)، وقَالَ جَلَّ فِي عُلاَهُ: (( وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً))(17)، وتَتَجَلَّى الحِكْمَةُ فِي عَمَلِ الإِنسَانِ، كَمَا تَتَجَلَّى فِي قَولِ الِّلسَانِ، فَالحِكْمَةُ فِي العَمَلِ إِتقَانُهُ، وهَذَا لاَ يَتَأَتَّى إِلاَّ بِإخلاَصِ النِّيَّةِ، وتَعَلُّمِ مَا يَلْزَمُ لإِجَادَةِ الحِرفَةِ، وهُوَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ صَفْوَتَهُ مِنْ خَلْقِهِ، فَهَا هُوَ يُوَجِّهُ رَسُولَهُ دَاودَ -عَليهِ السَّلامُ- أَنْ يَكُونَ حَكِيماً فِي صَنْعَتِهِ، مُتْقِناً حَاذِقاً فِي حِرفَتِهِ، قَالَ عَزَّ مِنْ قَائلٍ:((وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ، أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) (18) .  

 فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، واحرصُوا عَلَى الحِكْمَةِ فِي كُلِّ شُؤونِكُم، ومَعَ جَمِيعِ مَنْ حَولَكُم، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ صَلاَحَ أَنْفِسِكُم وأُسَرِكُم ومُجتَمَعاتِكُم. 

 أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.  *** *** ***   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. 

     أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :  

     إِنَّ فِي الاتِّصَافِ بِالحِكْمَةِ إِصْلاَحاً لِلمُجتَمَعَاتِ، وحَلاًّ لِكَثِيرٍ مِنَ المُشْكِلاَتِ، لِذَا كَانَ التَّصَرُّفُ الحَكِيمُ ضَرورياً بَيْنَ الأَفْرَادِ والجَمَاعَاتِ، فَالعَاقِلُ هُوَ مَنْ يَسِيرُ فِي مُجتَمَعِهِ بِحِكْمَةٍ ودِقَّةٍ، فِي القَولِ والعَمَلِ، والأَخْذِ والتَّركِ، والأَمْرِ والنَّهْيِ، إِنَّهُ كَذَلِكَ فِي كُلِّ المَوَاقِعِ، يَعْمَلُ بِالحِكْمَةِ فِي مُخْتَلَفِ المَواضِعِ، ومَهْمَا تَنَوَّعَتِ الدَّوَافِعُ، فَالطَّبِيبُ حَكِيمٌ فِي طِبِّهِ، يَمْتَهِنُهُ بِإِخلاَصٍ وجَدَارَةٍ، والصَّانِعُ حَكَيمٌ فِي صَنْعَتِهِ، وقَدْ ذَكَرَ لَنَا القُرآنُ الكَرِيمُ مَواقِفَ تَجَلَّتْ فِيَها حِكْمَةُ المُؤمِنينَ فِي مُجتَمَعاتِهِم، وظَهَرَتْ ثِمَارُ جُهْدِهِم وإِخلاَصِهِم، فَهَذَا نَبِيُّ اللهِ يُوسُفُ -عَليهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ- الذِي شَرِبَ مِنْ مَعِينِ الحِكْمَةِ،  يُدْرِكُ خَطَراً يَكَادُ يَعْصِفُ بِمِصْرِهِ، ويُهلكُ أَهلَ عَصْرِهِ، فَتُشْرِقُ الحِكْمَةُ مِنْ تَصَرُّفِهِ، ويَكْثُرُ الخَيْرُ مِنْ جَمِيلِ مَوقِفِهِ، بِحُسْنِ التَّدْبِيرِ وتَرشِيدِ الإِنفَاقِ، قَالَ تَعَالَى حَاكِياً عَنْهُ: ((قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ))(19)، والحِكْمَةُ فِي التَّعَامُلِ بَيْنَ أَفْرَادِ المُجتَمَعِ أَمْرٌ حَضَّ عَلَيهِ القُرآنُ الكَرِيمُ، ونَصَّتْ عَلَيهِ آيَاتُ الذِّكْرِ الحَكِيمِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى مُخَاطِباً نَبِيَّهُ الكَرِيمَ-صلى الله عليه وسلم-: ((ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)) (20) ، نَعَمْ ادْعُ -أَيُّهَا الرَّسُولُ- أَنْتَ ومَنِ اتَّبَعَكَ إِلى دِينِ رَبِّكَ وطَرِيقِهِ المُستَقِيمِ، بِالطَّرِيقَةِ الحَكِيمَةِ وخَاطِبِ النَّاسَ بِالأُسلُوبِ المُنَاسِبِ لَهُم، وانصَحْ لَهُم نُصْحاً حَسَناً، يُرَغِّبُهم فِي الخَيْرِ، ويُنَفِّرُهُم مِنَ الشَّرِّ، وجَادِلْهُم بِأَحسَنِ طُرُقِ المُجَادَلَةِ مِنَ الرِّفْقِ والِّلينِ، فَمَا عَليْكَ إِلاَّ البَّلاَغُ، وقَدْ بلَّغْتَ، أَمَّا هِدَايَتُهم فَعَلَى اللهِ وحْدَهُ، فَهُوَ أَعلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ، وهُوَ أَعلَمُ بِالمُهتَدِينَ، إِنَّهُ مَنْهَجُ الحِكْمَةِ، مَنْهَجٌ مَا أَحْوَجَنَا إِلى التَّمَسُّكِ بِهِ فِي مُجتَمَعَاتِنَا، والعَمَلِ عَلَى أَسَاسِهِ فِي تَعَامُلاَتِنا، إِنَّ الرِّفْقَ والحِكْمَةَ، والتَّوَاضُعَ والرَّحْمَةَ، أَخْلاَقٌ لاَ تَأْتِي عَلَى بَابٍ إِلاَّ فَتَحتْ مَغَالِيقَهُ، يَقُولُ تَعَالَى مُخَاطِباً أَعقَلَ الخَلْقِ وأَحْكَمَهُم -صلى الله عليه وسلم-: ((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)) (21) ، نَعَمْ بِرَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لَكَ ولأِصحَابِكَ -أَيُّهَا النَّبِيُّ- مَنَّ اللهُ عَلَيكَ فَكُنْتَ رَفِيقًا بِهِمْ، ولَوْ كُنْتَ سيِّئَ الخُلُقِ قَاسِيَ القَلْبِ، لانْصَرَفَ أصحَابُكَ مِنْ حَولِكَ، فَلاَ تُؤَاخِذُهُم بِسُوءِ تَصَرُّفِهِم، واسأَلِ اللهَ أَنْ يَغْفِرَ لَهُمْ، وشَاوِرْهُمْ فِي الأُمُورِ التِي تَحتَاجُ إِلى مَشُورَةٍ، فَإِذَا عَزَمْتَ عَلَى أَمْرٍ مِنَ الأُمُورِ فَأمْضِهِ مُعتَمِداً عَلَى اللهِ وَحْدَهُ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ عَلَيْهِ، إِنَّها الحِكْمَةُ فِي الإِدَارَةِ، والحِكْمَةُ فِي التَّعَامُلِ.  

      فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، واحرِصُوا عَلَى الحِكْمَةِ فِي أَقْوَالِكُم وأَفْعَالِكُم، وعُضُّوا بِالنَّوَاجِذِ عَلَى كِتَابِ رَبِّكُم، فَإِنَّهُ الحِكْمَةُ التِي لاَ تَزِيغُ، والمَنْهَجُ الذِي لاَ يَنْحَرِفُ أَو يَمِيلُ، فَفِيهِ السَّلامَةُ مِنْ كُلِّ الشُّرورِ، والحَلُّ لِمَا أَشْكَلَ مِنَ الأُمُورِ.   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: ((إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (22).   اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.   عِبَادَ اللهِ :   (( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).

(1) سورة البقرة / 269 .

 (2) سورة الحديد / 28.

(3) سورة النساء / 26 .

(4) سورة الانعام / 18 .

 (5) سورة الزمر / 99 .

 (6) سورة البقرة /269 .

 (7) سورة ص / 20  .

 (8) سورة الزخرف / 63 .

 (9) سورة النساء / 54 .

 (10) سورة فصلت / 41- 42 .

 (11) سورة هود / 1.

 (12) سورة آل عمران / 58 .

 (13) سورة الأنعام / 38 .

 (14) سورة البقرة / 164 .

 (15) سورة طـه / 42-46 .

 (16) سورة العنكبوت / 46 .

 (17) سورة البقرة / 83 .

 (18) سورة سبأ / 10-11 .

 (19) سورة يوسف / 47 .

 (20) سورة النحل / 125 .

 

 (21) سورة آل عمران / 159.

 (22) سورة الأحزاب / 56 .

آخر تحديث ( 23/09/2007 )
 
< السابق   التالى >
 

استفتاء

ما رأيك بصفحة خطب الجمعة؟
 
spacer

spacer
© 2024 موقع خطب الجمعة
Joomla! is Free Software released under the GNU/GPL License.