الـتَّعاوُنُ بـَيْنَ الزَّوْجَيْنِ |
|
|
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء
|
25/11/2007 |
خطبة الجمعة بتاريخ 19 ذي القعدة 1428هـ بسم الله الرحمن الرحيم الـتَّعاوُنُ بـَيْنَ الزَّوْجَيْنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، شَرَعَ لِلزَّوْجَيْنِ مِنَ الأَحكَامِ، مَا يُنَظِّمُ حَيَاتَهُمَا بِإتْقَانٍ وإِحكامٍ، سُبْحَانَهُ بَوّأَ التَّعَاوُنَ عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى مَكَاناً عَلِيّاً، وَجَعَلَهُ مَطْلَباً شَرْعِيّاً وَأَمْراً حَتْمِيّاً، فَقَالَ جَلَّ وَعَلاَ: ((وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى)) (1) ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ مِنَ الحَمْدِ وَأُثْنِي عَلَيْهِ، وَأُومِنُ بِهِ وَأَتَوكَّلُ عَلَيْهِ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، كَانَ أَرحَمَ النَّاسِ بِأَهْلِهِ وَأَشْفقَهُم، وَأَلْطَفَهُم وَأَرفَقَهُم، فُهُوَ القَائلُ: ((خَيْرُكُم خَيْرُكُم لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُم لأَهْلِي))، اللهُمَّ صَلِّ وَسلِّمْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : إِنَّ الإِسْلامَ بِتَعالِيمِهِ وَإِرْشَادَاتِهِ لِلأَفْرَادِ، وَأوَامِرِهِ وتَوْجِيهَاتِهِ لِلجَمَاعاتِ، يَهْدِفُ إِلى إِقَامَةِ مُجتَمعٍ مُتَضَامِنٍ، مُتُكافِلٍ مُتَعاوُنٍ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((تَرَى المُؤْمِنينَ فِي تَرَاحُمِهِم وَتَوادِّهِم وَتعَاطُفِهم كَمَثَلِ الجَسَدِ الوَاحِدِ إِذَا اشتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَداعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى))، إِنَّ تَعَالِيمَ الإِسْلاَمِ فِي هَذَا المَجَالِ وَغَيْرِهِ مِنَ المَجَالاَتِ قَائِمَةٌ عَلَى أَسَاسٍ مِنَ الحَقِّ وَالفَضْلِ، وَعَلَى قَوَاعِدَ مِنَ البِرِّ وَالعَدْلِ، بِالتَّمَسُّكِ بِهَذِهِ الأُسُسِ وَالقَواعِدِ يَعِيشُ النَّاسُ مُتحَابِّينَ مُتَعَاطِفِينَ مُتَعَاوِنينَ، فَتَحْتَ ظِلاَلِ المَحَبَّةِ وَالتَّعَاطُفِ وَالتَّعاوُنِ تَصلُحُ الأَعْمَالُ فَتَتحَقَّقُ الآمَالُ، وَيَحْيا الجَمِيعُ حَياةً سَعِيدَةً، وَيعِيشُونُ عِيشَةً هَنِيئَةً رَغِيدَةً، ولِمَ لاَ؟ وَقَدْ تَضَافَرَتِ الجُهُودُ لِمَحْوِ الأَنَانِيَّةِ، وَإِزَالَةِ الكَرَاهِيَةِ، وَوَاصَلَ الجَمِيعُ سَيْرَهُم نَحْوَ التَّفَوُّقِ وَالصُّعُودِ، مُحَطِّمِينَ فِي طَرِيقِهِم كُلَّ العَوائِقِ وَالسُّدُودِ، إِنَّ تَبَايُنَ الأَفْكَارِ واختِلاَفَ الآرَاءِ ظَاهِرَةٌ صِحِّيَّةٌ يَجِبُ أَنْ تُستَغلَّ لِلوُصُولِ إِلى الأَمثَلِ، وَإِدْرَاكِ كُلِّ مَا هُوَ أَفْضَلُ، فَالاختِلاَفُ فِيهَا سَبَبٌ لِلتَّعَاوُنِ وَالائتِلاَفِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ((وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)) (2) ، إِنَّ الذِي يَعِيشُ لِنَفْسِهِ فَقَطْ، لاَ لِنَفْسِهِ وَأَخِيهِ؛ لاَ خَيْرَ فِيهِ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِشِرَارِكُم؟ قَالُوا: بَلَى إِنْ شِئْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: إِنَّ شِرَارَكُم الذِي يَنْزِلُ وَحْدَهُ، وَيَجْلِدُ عَبْدَهُ، وَيَمنَعُ رِفْدَهُ)). عِبَادَ اللهِ : إِنَّ مِنْ أَهَمِّ مَا يَجِبُ التَّعاوُنُ فِيهِ التَّعاوُنَ فِي الحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ؛ فَهُوَ سَبِيلٌ لِبَقاءِ الأُسْرَةِ مُتَماسِكَةً قَوِيَّةً، وَسَبَبٌ لِمَنْحِها النَّشَاطَ وَالحَيَويَّةَ، وَلَنْ يَكُونَ التَّعَاوُنُ بَيْنَ الزَّوْجِ وَزَوْجَتِهِ قَائِماً مُحَقَّقاً، وَمُؤَكَّداً مُوَثَّقاً، إِلاَّ إِذَا عَرَفَ كُلٌّ مِنْهُما مَا لَهُ فَطَلَبَهُ دُونَ زِيَادَةٍ وَتَحَامُلٍ، وَعَرَفَ مَا عَلَيْهِ فَأَدَّاهُ دُونَ تَقَاعُسٍ وَتَكَاسُلٍ، وَلقَدْ عَبَّرَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ هَذِهِ الحُقُوقِ المُتَبادَلَةِ فِي الخُطْبَةِ الوَدَاعِيَّةِ، وَالتِي أَشَارَ فِيهَا إِلَى العَلاَقَاتِ الأُسَرِيَّةِ والاجتِمَاعِيَّةِ، حَيْثُ قَالَ -صلى الله عليه وسلم- : ((أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ لَكُم عَلَى نِسَائِكُم حَقّاً وَلَهُنَّ عَلَيكُم حَقّاً))، وَالتَّعْبِيرُ بِـ (لَكُم وَلَهُنَّ) يَعنِي الإِلْزَامَ وَالوجُوبَ، وَقَدْ فَسَّرَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- بِذَلِكَ مَا قَرَّرهُ القُرآنُ الكَرِيمُ فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ((وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ))(3) ، فَإِنْ أَدَّى كُلٌّ مِنَ الزَّوجَيْنِ مَا عَلَيهِ، ونفَّذَ مَا هوَ مُوكَلٌ إِلَيهِ، فَذَلِكَ خَيْرٌ، غَيْرَ أَنَّ البَابَ يَبقَى مَفْتُوحاً لِكُلٍّ مِنْهُما لِتَجَاوُزِ العَدْلِ إِلَى الفَضْلِ؛ تَحقِيقاً لِقَولِ اللهِ تَعَالَى: ((وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)) (4) ، إِنَّ الرَّجُلَ مَسْؤولٌ عَنْ زَوْجَتِهِ مَسؤولِيَّةً أَقَرَّ بِها مُنْذُ اللَّحَظَاتِ الأُولَى لِلزَّوَاجِ، حَيْثُ أَعلَنَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بِصَراحَةٍ وَأَمَامَ شُهودٍ بِأَنَّهُ عَنْ زَوْجِهِ مَسْؤولٌ، أَعلَنَ ذَلِكَ وَهُوَ مُدْرِكٌ وواعٍ لِمَا يَقُولُ، فَعَلَيْهِ إِنْ حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ وَسَوَّلَ لَهُ الشَّيْطَانُ أَنْ يَقْسُوَ عَلَى زَوْجَتِهِ أَو يُوَجِّهَ أَيَّ إِسَاءَةٍ إِليْهَا أَنْ يَتَذَكَّرَ مَا أَخَذَهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ وَعْدٍ، ومِيثَاقٍ وَعَهْدٍ، وَهُوَ مِيثَاقٌ وَصَفَهُ اللهُ بِالغِلْظَةِ -أَي الشِّدَّةِ- فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ((وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً))(5)، وَالمَسْؤولِيَّةُ لاَ تَقْتَصِرُ عَلَى مُجَرَّدِ تَوفِيرِ النَّفَقَةِ والسُّكْنَى والكِسْوَةِ، بَلْ تَتعَدَّى ذَلكَ إِلى إِحَاطَتِها بِالحِفْظِ وَالصَّوْنِ، وإِعَانَتِها إِنْ كَانَتْ فِي حَاجَةٍ إِلى عَوْنٍ، وَقَدْ أَثْبَتَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- الخَيْرِيَّةَ لِمَنْ حَفِظَ زَوْجَتَهُ وَصَانَها، وَشَارَكَها فِي البَيْتِ وَأَعَانَها؛ فَقَالَ -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-: ((خَيْرُكُمْ خَيْرُكُم لأَهلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُم لأَهلِي))، وَقَالَ: ((خِيَارُكُم خِيارُكُم لِنسَائِهم))، وَقَدْ سُئِلَتِ السَّيِّدَةُ عَائشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْها- عَنْ شَأْنِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي بَيتِهِ فَقَالَتْ: ((كَانَ يَكُونُ فِي مِهنَةِ أَهلِهِ)). عِبَادَ اللهِ : إِذَا كَانَ الزَّوجُ مَسؤولاً عَنْ أَهلِهِ فَإِنَّ المَرأَةَ مَسْؤولَةٌ عَنْ زَوجِها كَذَلِكَ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((الرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهلِهِ وَهُوَ مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوجِها وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِها))، ومِنَ المَسْؤولِيَّةِ المُلْقَاةِ عَلَى عَاتِقِ الزَّوْجَةِ طَاعَةُ زَوْجِها طَاعَةً نَابِعَةً مِنَ القَلْبِ، مَعَ الرِّضَا وَالحُبِّ، فِي حُدودِ المَعْروفِ لاَ تَتَعدَّاهُ، ولاَ تَتَجاوَزُهُ ولاَ تَتَخطَّاهُ، إِذْ لاَ طَاعَةَ لِمَخْلوقٍ مَهْمَا كَانَ فِي مَعْصِيةِ مُبْدِعِ الخَلْقِ وَبَارئ الأَكْوَانِ، فَمِنَ الأثَرِ المَعْروفِ: ((إِنَّما الطَّاعَةُ فِي المَعْروفِ))، كَمَا أَنَّ عَلَى الزَّوْجَةِ أَنْ تُحسِنَ عِشْرَةَ زَوْجِها وَتُكْرِمَ مُعَامَلَتَهُ، وَتُحَافِظَ عَلَى البَيْتِ وَما فيهِ، وَعَلَى مَالِهِ وَكُلِّ مَا يَقْتنِيهِ، وَتَحفَظَهُ إِذَا غَابَ، وَتَطْرُقَ فِي سَبِيلِ إِعَانَتِهِ كُلَّ الأَبْوابِ. عِبَادَ اللهِ : إِنَّ مِنْ أَهَمِّ مَجَالاتِ التَّعَاوُنِ بَيْنَ الزَّوجَيْنِ التَّعَاونَ فِي تَنْشِئَةِ الأَولادِ عَلَى الفَضِيلَةِ، وَحِمَايَتِهم مِنَ التَّرَدِّي فِي مُستَنْقَعِ الرَّذِيلَةِ. إِنَّ الأَولادَ هُمْ هِبَةُ اللهِ رَبِّ العِبَادِ لِلعِبَادِ، وَتَرْبِيَتُهُمْ تَرْبِيَةً سَلِيمَةً تَكْمُنُ فِي تَعْوِيدِهم عَلَى الأَخْلاَقِ الحَسَنَةِ وَالصِّفَاتِ الحَمِيدَةِ، إِنَّ العِبْرَةَ فِي التَّرْبِيَةِ لَيْسَتْ فِيمَا يُغْدِقُهُ الأَبَوانِ عَلَى أَولاَدِهمَا مِنْ مَالٍ ووَسائِلَ تَرفِيهٍ، بَلْ فِيمَا يُسْدِيانِ إِليْهم مِنْ نُصْحٍ وَتَقْويمٍ وَتَوْجِيهٍ، فَأَعْظَمُ نِحْلَةٍ وَأَثْمَنُ هَدِيَّةٍ يُقدِّمُها الأَبَوانِ لِلأَولاَدِ هُوَ خُلُقٌ حَسَنٌ وَسُلوكٌ رَشِيدٌ، وَالتَّعَوُّدُ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ صَادِقٍ سَديدٍ، وفِي هَذَا يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدَهُ أَفضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ))، وَالتَّعْبيرُ بِالوَالِدِ يَشْمَلُ الأَبَ والأُمَّ، فَكُلٌّ مِنْهُما وَالِدٌ. إِنَّهُ لَيسَ مِنَ التَّعَاونِ فِي شَيءٍ أَنْ يَدَعَ أَحَدُ الأَبَوَيْنَ أَو كِلاَهُما هَذِه المُهِمَّةَ الأَسَاسِيَّةَ بِحُجَّةِ الانشِغَالِ أَو الاتِّكَالِ؛ فَهَذا التَّصَرُّفُ فِيهِ تَفْرِيطٌ وإِهمَالٌ، يَحُولُ دونَ تَحقِيقِ الأَهدَافِ وَالآمَالِ، فَلَيسَ مِنَ المَقْبُولِ بِحَالٍ أَنْ يَظَلَّ الأَبُ فِي شُغلٍ كُلَّ النَّهَارِ، وَسَهَرٍ طُولَ الَّليْلِ خَارِجَ الدَّارِ، إِنَّهُ بِذَلِكَ هَضَمَ حَقَّ زَوْجَتِهِ وَحَقَّ أَولاَدِهِ، وَقَدْ حَذَّرَ البَشِيرُ النَّذِيرُ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ ذَلِكَ أَشَدَّ تَحْذِيرٍ فَقَالَ: ((كَفَى بِالمَرْءِ إِثماً أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ))، ومِنْ أَهَمِّ مَجَالاَتِ التَّعَاوُنِ بَيْنَ الزَّوجَيْنِ التَّغَلُّبُ عَلَى مَا يَعتَرِضُ طَرِيقَ الأُسْرَةِ مِنْ عَقَباتٍ، وَمَا يَقِفُ فِي سَبِيلِ سَعَادَتِها مِنْ صُعُوبَاتٍ، ومَا يَحْدُثُ أَحيَاناً فِي مُحِيطِها مِنْ مُشْكِلاتٍ، فَإِنْ حَدَثَ هَذَا فَعَلَى الزَّوجَيْنِ أَنْ يَتَعاونَا فِي إِيجَادِ الحُلُولِ النَّاجِعَةِ، وَالآراءِ المُخْلِصَةِ النَّافِعَةِ؛ لإِزَالَةِ العَقَباتِ وَتَذْلِيلِ الصُعُوبَاتِ؛ وَلْيَكُنْ ذَلِكَ فِي حُدودُ السِّرِّيَّةِ مَا استَطاعا إِلى ذَلِكَ سَبِيلا، فَرُبَّ مُشْكِلةٍ صَغِيرَةٍ إِذا تَخَطَّتْ عَتَبَةَ الدَّارِ تَضَخَّمَ الأَمْرُ وَنَفخَ الشَّيْطَانُ فِي الجَمْرِ؛ فَأَصْبَحَ الأَمْرُ خَطِيراً، وَغَدا اليَسيرُ عَسِيراً. فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، واعلَمُوا أَنَّ التَّعَاوُنَ بَيْنَ الزَّوجَيْنِ صِيَانَةٌ لِلأُسْرَةِ وحِمَايَةٌ، وحِفْظٌ لَها ورِعَايَةٌ. أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ. *** *** *** الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : مِنْ مَجَالاتِ التَّعَاوُنِ بَيْنَ الزَّوجَيْنِ التَّعَاونُ فِي ظُرُوفِ المَعِيشَةِ، فَالإِسلاَمُ الذِي أَوجَبَ النَّفَقةَ عَلَى الزَّوجِ حَثَّ الطَّرَفَيْنِ عَلَى التَّنْظِيمِ والتَّرشِيدِ، والتَّصَرُّفِ الحَكِيمِ السَّدِيدِ، وَليسَ مِنَ الحِكْمَةِ والسَّدَادِ التَّصَرُّفُ فِي الدَّخْلِ دونَ تَرتِيبٍ واقتِصَادٍ، فَالاقتِصَادُ نِصفُ المَعِيشَةِ، ومَنْ حَافَظَ عَلَى زَرْعِهِ حَصَدَ، ومَا عَالَ مَنِ اقتَصَدَ، ولَيسَ مِنَ التَّعاونِ فِي شَيءٍ أَنْ تُطَالِبُ الزَّوجَةُ زَوْجَها بِمَا يَتَجاوَزُ طَاقَتَهُ ومَا يَفُوقُ استِطَاعَتَهُ. إِنَّ الزَّوجَةَ مُطَالَبَةٌ بِالإِنْفَاقِ مِنْ مَالِ زَوْجِها بَقَدَرٍ، والتَّصَرُّفِ فِي دَخْلِهِ بِحَذَرٍ، عَلَيْها أَنْ تَتَجنَّبَ الإِسرَافَ والتَّبْذِيرَ، ومُحَاكَاةَ الأُخرَياتِ فِيمَا هوَ عَلَى زَوْجِها عَسيرٌ، وعَلَيهِ أَنْ يَتَجنَّبَ البُخْلَ والتَّقْتِيرَ، وبِفَضْلِ اللهِ ثُمَّ بِفَضْلِ التَّعاوُنِ سَتَجنِي الأُسرَةُ طَيِّبَ الثِّمَارِ، وتَتَجنَّبُ الفَاقَةَ ومَا تَجُرُّهُ مِنْ أَخْطَارٍ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً))(6)، وَفِي تَذْييلِ الآيَةِ بِقَولِ اللهِ سُبْحَانَهُ: ((سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً)) تَلْمِيحٌ لِلدَّعْوَةِ إِلى التَّحَمُّلِ والصَّبْرِ، فَإِذا ضَاقَتِ النَّفَقَةُ اليْومَ سَتتَوسَّعُ غَداً بِإِذْنِ اللهِ؛ فَاللهُ لَنْ يُضِيعَ صَبْرَ عِبَادِهِ سُدىً. وإِذَا ضَاقَ بِالزَّوجِ الحَالُ، وكَانَتِ الزَّوجَةُ ذَاتَ مَالٍ؛ فَمَا أَجْمَلَ التَّعاوُنَ فِي هَذَا المَجَالِ؛ فَالزَّوجَةُ حِينَ تُعِينُ زَوجَها بِمَالِها تُحقِّقُ فَضِيلتَيْنِ: فَضِيلَةَ صِلَةِ القُرْبَى وَفَضِيلَةَ الصَّدَقَةِ وَالبَذْلِ، فَعَنْ زَينبَ امرأَةِ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : ((تَصَدَّقَنَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ ولَو مِنْ حُلِيِّكُنَّ، قَالَتْ: فَرَجَعْتُ إِلى عَبْدِاللهِ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّكَ رَجُلٌ خَفِيفُ ذَاتِ اليَدِ -أَي قَلِيل المَالِ-، وإِنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ أَمَرَ بِالصَّدَقَةِ، فَأتِهِ فَاسأَلْهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يُجزِي عَنِّي وإِلاَّ صَرفْتُها إِلى غَيْرِكُم، فَقَالَ عَبْدُاللهِ: بَل ائتِيهِ أَنْتِ، فَانطَلَقْتُ، فَإِذا امرَأَةٌ مِنَ الأَنصَارِ حَاجَتُها حَاجَتِي، فَأُخبِرَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِذَلِكَ فَقَالَ: ((لَهُما أَجْرَانِ: أَجْرُ القَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ)). فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، واجعَلُوا التَّعَاوُنَ لَكُم مَسْلَكاً وعَادَةً؛ تَنَالُوا الخَيْرَ والسَّعَادَةَ، وتَحْظَوا بِالحُسنَى وزِيَادَة. هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: ((إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (7). اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين. اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ. اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ. اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ. رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ. عِبَادَ اللهِ : ((إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )). (1) سورة المائدة / 2 . (2) سورة هود / 118-119 . (3) سورة البقرة / 228 . (4) سورة البقرة / 237 . (5) سورة النساء /21 . (6) سورة الطلاق / 7 . (7) سورة الأحزاب / 56 . |