خطبة الاسبوع arrow خطبة الاسبوع arrow خطبة عيدِ الأضحَى المبَارَك
spacer

  

spacer
spacer  
spacer spacer

خطبة عيدِ الأضحَى المبَارَك طباعة ارسال لصديق
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
12/12/2007
خطبة عيد الأضحى المبارك 10 ذي الحجة 1428هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة عيدِ الأضحَى المبَارَك
    اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ،
    اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ.
    اللهُ أَكبرُ مَا لبَّى مُلبٍّ وهلَّلَ وكبَّر، اللهُ أَكبرُ ما ضَحَّى مُضحٍّ فِي هَذا اليَومِ فَذبَحَ أَو نَحرَ، اللهُ أَكبرُ ما سَلِمَ قَلبٌ مِنَ الحِقْدِ وتَطهَّر.
    اللهُ أَكبرُ ما وَقفَ الحَجِيجُ عَلى صَعيدِ عَرفاتَ يَحْدوهمُ الأَملَ والرَّجاءَ، اللهُ أَكبرُ مَا لَهجَتِ الأَلسِنةُ بِالذِّكْرِ والدُّعاء، اللهُ أَكبرُ مَا أَشرَقَ هَذا اليَومُ بِالسُّرورِ والهَناء، فَتلأَلأَتِ الوجُوهُ بالبِشْرِ والصَفاء، وعَمَرتِ القُلوبُ بِالحُبِّ والوَفاء، وسَلِمتْ مِنَ الكَراهِيَّةِ والحِقْدِ والجَفاء.
   اللهُ أَكبرُ كَبيراً، والحَمْدُ للهِ كَثيراً، وسُبحانَ اللهِ بُكْرةً وأَصيلاً. الحَمْدُ للهِ الذِي بِنعَمِه تَتِمُّ الصَّالِحاتُ، وبِاللجُوءِ إِليهِ تُدْرَكُ الحَاجَاتُ، وبِفَضلِهِ تَنَزَّلُ الخَيراتُ وتَتضَاعَفُ البَركَاتُ، وبِتَوفِيقهِ تَتحقَّقُ الأَهدافُ والغَاياتُ، وأَشهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لهُ، صَدقَ وَعْدَه، ونَصَرَ عَبدَه، وأَعَزَّ جُندَه، وهَزمَ الأَحزابَ وَحدَه، سُبحانَهُ يُبدِئُ ويُعيدُ، ويَفْعلُ ما يَشاءُ ويُريدُ، نَشْكُرهُ عَلَى أَنْ فَسَحَ لنَا فِي الأَجَلِ لنَذْكُرَهُ فِي هَذا اليَومِ السَّعيدِ، وأَشهدُ أَنَّ سيِّدَنا مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولهُ، خَيرُ عَابدٍ وذَاكرٍ ونَاسك، هَدَى البَشَريَّةَ إِلى الرُّشدِ وعَلَّمَ النَّاسَ المَناسِك، وحَجَّ واعتَمر، وانتَهى عمَّا نهَى اللهُ والتَزمَ بمَا أَمَر، اللهُمَّ صَلَّ وسَلِّمْ وبَارِكْ عَلَيهِ، وعَلَى آلهِ وأَصحَابِهِ الغُرِّ المَيامِين، ومَنْ تَبِعَهم بإِحسَانٍ إِلى يَومِ الدِّينِ.
   أَمَّا بَعْدُ، فَيا عِبادَ اللهِ :
   لَقَدْ بَزَغَ فَجرُ هَذا اليَومِ، فَعمَّ الكَونَ الضِّياءُ والنُّورُ، فاستَقبلَهُ المُسلِمونَ بِالبِشْرِ والسُّرورِ، والفَرَحِ والحَبورِ، ولهَذا الفَرحِ أَسبابٌ هَامَّةٌ؛ فَهوَ يَومُ الإِكمَالِ والإِتمَامِ والإِنعَامِ، يَقولُ اللهُ تَعالَى: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً)) (1)، وهَلْ بَعْدَ هَذا الإِكْمالِ والإِتمَامِ والإِنعَامِ واختِيارِ الإِسلاَمِ لنَا دِيناً مِنْ نِعمَةٍ؟ إِنَّها نِعمَةٌ فِي طَياَّتِها نِعَمٌ، كُلُّ نِعمَةٍ منْها أََهْلٌ لأَنْ تُذْكَر، وتُشكَرَ ولاَ تُكفَر، فَليَفرَحِ المُسلِمونَ بِهذا الفَضْلِ مِنْ ذِي الفَضْلِ العَظِيمِ، والرَّحمَةِ منَ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ((قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ))(2)، إِنَّ العِيدَ صَفحةٌ مَجِيدةٌ، ولَحظَاتٌ طيِّبةٌ سَعيدةٌ، يَظْهرُ الفَرحُ فِيهِ ويُنشَر، ويُذكَرُ فِيهِ اللهُ ويُشكَر.
   عِبادَ اللهِ :
   عنْدمَا جَاءَ الإِسلاَمُ واجَهَ بِواقعيَّتِه بَعْضَ العَاداتِ المُتأصِّلَةِ والتَّقالِيدِ المُتوارَثَةِ؛ فلَم يُقِرَّها جُملَةً، ولَم يُنكِرْها جُملَةً، بَلْ أَقرَّ الصَّالِحَ مِنْها، لاَ عَلَى أَسَاسِ أَنَّهُ مُجرَّدُ عَادةٍ، بَل عَلَى اعتِبارِ أَنَّهُ أَصبَحَ طَاعةً وعِبادةً، فَكانَ يُقِرُّ أَصلَ الفِكْرَةِ، لِما لَها مِنِ اعتِبارٍ، ولَكِنَّهُ يُنِيرُ الصُّورةَ والهَدفَ والوجهَةَ والمَسارَ، ومِنْ هَذا الذِي أَقرَّهُ فِكرةَ العِيدِ، فَعَن أَنسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: ((قَدِمَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- المَدِينَةَ فَوجَدَ للأَنصَارِ يَومَيْنِ يَلعَبُونَ فِيهِما؛ فَقالَ: مَا هَذانِ اليَومَانِ؟ قَالُوا: يَومَانِ كنَّا نَلعَبُ فِيهِما فِي الجَاهِليَّةِ؛ فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم- : قَدْ أَبدلَكُمُ اللهُ خَيراً مِنهُما: يَوْمَ الأَضحَى ويَوْمَ الفِطْرِ))، إِنَّ العِيدَ فِي الإِسلاَمِ لهُ ارتِباطٌ وثِيقٌ بِالدِّينِ، فَهوَ لَيسَ انفِلاَتاً مِنه ولاَ بُعداً عَنهُ، ومِنْ أَجلِ هَذا كَانَ شِعارُ العِيدِ ذِكْرُ اللهِ عزَّ وجَلَّ، ليَظلَّ المُسلِمُ عَلَى صِلةٍ بِربِّهِ، فَلاَ تُنسيهِ فَرْحتُهِ بِالعِيدِ مَنْ خَلقَهُ فَسوّاهُ، ووفّقَهُ للطَّاعَةِ وهَداهُ، فَفِي عِيدِ الفِطْرِ يَقُولُ اللهُ تَعالَى: ((وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) (3) ، وفِي عِيدِ الأَضحَى يَقولُ اللهُ تَعالَى: ((وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ)) (4) ، وفِي شَأنِ الأُضحِيةِ والهَدْيِ يَقولُ اللهُ تَعالَى: ((كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)) (5) ، وذِكْرُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ يَبدأُ مِنذُ السَّاعاتِ الأُولَى ليَومِ العِيدِ، آخِذاً صُورةَ الجَهرِ لاَ الإِسرارِ، إِعلاَناً ورَفعاً للشِّعارِ، فَفِي هَذا اليَومِ تَلهَجُ الأَلسِنةُ وتَنطِقُ الحَناجِرُ، مُعلِنةً كِبرياءَ اللهِ وعَظَمتَهُ، وحَمْدَهُ ووحَدانِيَّتَه، يُعلَنُ ذَلِكَ فِي المَساجِدِ والمُصَلَّياتِ، بَلْ وفِي البُيوتِ والطُّرُقاتِ، ويَظلُّ المُسلِمُ مُردِّداً هَذهِ الأَذكَارَ عَقِبَ كُلِّ صَلاةٍ حتَّى تَنتَهِيَ الأَيَّامُ المَعدوداتِ، وبِذلكَ يَضمُّ المُسلمُ إِلى راحتِهِ الجَسديَّةِ والبَدنيَّةِ رَاحتَهُ الرُّوحيَّةَ وطُمأنِينَتهُ القَلبِيّةَ، يَقولُ اللهُ تعَالَى: ((الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ))(6)، إِنَّ المُحافَظةَ عَلَى ذِكْرِ اللهِ يَومَ العِيدِ وأَيَّامَ التَّشريقِ، وفِي كُلِّ وقْتٍ وحِينٍ، يَصلُ بهِ الذَّاكِرُ لربّهِ بإِخلاَصٍ إِلى الجَّنةِ بَأَيسرِ جُهْدٍ وأَقصَرِ طَريقٍ، فَعَن عَبدِاللهِ بنِ بِسْر      -رَضيَ اللهُ عَنهُ- أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسولَ اللهِ، إِنَّ شَرائعَ الإِسلاَمِ قَدْ كَثُرَتْ فَأخبِرْنِي بِشَيءٍ أَتشبَّثُ بِهِ؟ فَقالَ: ((لاَ يَزالُ لسَانُكَ رَطِباً بِذكْرِ اللهِ))، ويَقولُ مُعاذُ بنُ جَبلٍ –رَضيَ اللهُ عنهُ-: ((مَا شَيءٌ أَنجَى مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ))، إِنَّ ذِكْرَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ أَحَبُّ شَيءٍ إِلى اللهِ، ومَنْ فَعَلَ مَا أَحَبَّ اللهُ فَازَ فِي الدَّارَيْنِ، وسَعِدَ فِي الحَياتَيْنِ، فَعَن أُمِّ أَنسٍ -رَضيَ اللهُ عَنها- أَنَّها قَالَتْ: (( يَا رَسولَ اللهِ أَوصِني، قَالَ: أُهجُري المَعاصِي فَإِنَّها أَفضَلُ الهِجْرةِ، وحَافِظي عَلَى الفَرائِضِ فَإِنَّها أَفضلُ الجِهادِ، وأَكثِري مِنْ ذِكْرِ اللهِ فَإنَّكِ لاَ تَأتِينَ اللهَ بِشيءٍ أَحَبُّ إِليهِ مِنْ ذِكْرِه)).
   اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ، واللهُ أَكبرُ، وللهِ الحَمْد.
                                            
   عِبادَ اللهِ :
   لَقَدْ بَيَّنَ لنَا رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا نَفعلُهُ فِي يَومِنا المُبارَكِ هَذا فَقالَ: ((إِنَّ أَولَ مَا نبَدأُ بهِ فِي يَومِنا هَذا أَنْ نُصلِّيَ ثُمَّ نَرجِعَ فَننحرَ، فَمَن فَعلَ ذلكَ فَقَد أَصابَ سُنَّتنا، ومَنْ ذَبحَ قَبلُ فَإِنَّما هوَ لَحمٌ قدَّمهُ لأَهلِهِ، لَيسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيءٍ))، وإِنَّ يَوماً يَبدأُ بِصلاةِ العِيدِ هوَ بِلاَ شَكٍّ يَومٌ طيِّبٌ سَعيدٌ، ثُمَّ هوَ يومٌ يَنحَرُ فِيهِ المُسلِمونَ ضَحايَاهُم وهَدايَاهُم قُربَةً للهِ عَزَّ وجَلَّ، وإِراقَةُ دِماءِ الأَضَاحِي والهَدايا قُربَةً للهِ وشُكراً هوَ عَملٌ صَالِحٌ يَبقَى لِمَنْ عَمِلَهُ رَصيداً وذُخْراً، يَقُولُ الرَّسولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((مَا عَمِلَ آدَميٌّ يَومَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلى اللهِ مِنْ إِهراقِ الدَّمِ، وإِنَّها لتَأتِي يَومَ القِيامَةِ بِقرونِها وأَظلاَفِها وأَشعارِها، وإِنَّ الدَّمَ ليَقعُ مِنَ اللهِ بمَكانٍ قَبلَ أَنْ يَقعَ علَى الأَرضِ؛ فَطِيبوا بِها نفساً))، ولَقدْ ثَبتَ أَنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- ضَحَّى، وضَحَّى أَصحابُهُ فِي حَياتِهِ وبَعْدَهُ، إِنَّ قَطَراتِ الدَّمِ التِي تَتقاطَرُ مِنَ الأُضحِيةِ المُحتَسبَةُ الأَجرِ عندَ اللهِ هيَ بمثَابَةِ أَداةِ تَطهيرٍ، لِما يَقعُ مِنَ الإِنسانِ مِنْ تَقصِيرٍ، فَمِنْ ثَمرَاتِها رفْعُ الدَّرجاتِ وتَكْفيرُ السَّيئاتِ، والإِسلاَمُ يَأمُرنا بِأَنْ نُوجِّهَ الأُضحِيةَ وِجهتَها الصَّحيحةَ، ووِجهتُها إِلى اللهِ وحْدَهُ لاَ شَريكَ لهُ، فَهيَ تُذبَحُ بإِسمِ اللهِ، وتُوجَّهُ إِلى اللهِ، لأَنَّها مِنهُ وإِليهِ، يَقولُ اللهُ تَعالَى: (( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ))(7)، ومَنْ لَم يَقْدِرْ عَلَى الأُضحِيةِ لضِيقِ ذَاتِ يَدهِ فلْيسعدْ حالاً، ويَطمَئنَّ بَالاً، فَقَد ضَحَّى عَنهُ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ، فَقَد رويَ ((أَنَّ الرَّسولَ -صلى الله عليه وسلم- ذَبحَ كَبشاً وقَالَ: بِسْمِ اللهِ واللهُ أَكبرُ، اللهُمَّ هَذا عنِّي وعَنْ مَن لَمْ يُضحِّ مِن أُمَّتى))، وكُلَّما وافانا هَذا العِيدُ طَالعَتنا ذِكرياتٌ إِسلاَمِيَّةٌ مَجيدَةٌ، فَعلَينا أَنْ نَتذكَّرَ فِي هَذا اليَومِ مَنْ شُرِعَتِ الأُضحِيةُ بِسبَبهِما، وهُما إِبراهيمُ الخَليلُ وابنُه إسماعيلُ -عَليهِما السَّلاَمُ-، وقَد جَاءَ فِي الحَديثِ الشَّريفِ: ((ضَحُّوا فَإنَّها سُنَّةُ أَبيكم إِبراهيم))، عَلَينا أَنْ نَتَذكَّرَ كَيفَ كَانَ مِنهُما الرَّقيُّ التامُّ، والطَّاعَةُ والاستِسلاَمُ، والذِي حَكاهُ القُرآنُ الكَريمُ فَقالَ سُبحانَهُ وتَعالَى: ((رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ، فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ، فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ، فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ، وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ))(8).
   اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ، واللهُ أَكبرُ، وللهِ الحَمْد.
   عِبادَ اللهِ :
   مَا أَجمَلَ وأَحسنَ أَنْ يَتزاورَ المُسلِمونَ فِي أَيّامِ العِيدِ ويَتقَارَبَ بَعضُهم إِلى بَعضٍ، ويَعطِفَ بَعضُهم عَلى بَعضٍ، نَاسينَ خِلاَفاتِهم ومتَواصِلينَ بِمَودَّاتِهم، فَمِن أَسرارِ العِيدِ وثِمارِهِ، ونَتائجِهِ وآثارِه، أَنْ يَتأكَّدَ الحُبُّ والصَّفاءُ، ويَظهَرَ البِرُّ والوَفاءُ، وتَصِلَ المَودَّةُ إِلى كُلِّ إِنسَانٍ حتَّى لو استَكنَّ فِي عُقرِ دَارِه، فإِنَّ الودَّ سَيأتِيهِ، والبِرَّ سَيوافيهِ، وتَحيّاتِ أَهلهِ وجِيرانهِ، وأَصدِقائهِ وإِخوانِه، سَتدقُّ عَلى بَابهِ، وتَرُنُّ فِي آذَانهِ، جَديرٌ بِالمُسلِمينَ فِي أَيّامِ العيدِ أَنْ يَعطِفوا عَلَى الفُقراءِ والمَساكينِ واليَتامَى، فَذلِكَ حَقُّهم عَلى إِخوانِهم، دونَ مَنٍّ بِعطَاءٍ عَليهم، أَو إيذاءٍ يُوجَّه إِليهم، وإِذا جَاءَ العِيدُ وبَيْنَ المُسلِمينَ مَكروبٌ لَم تُنفَّس كُربتُه، أَو مَحسورٌ لَم تُزَلْ حَسرتُه، فَما قَامَ المُسلِمونَ بِواجِبهم الذِي أَوجبَهُ عَليهِم الدِّينُ، وسَوفَ يُسألونَ عَنْ هَذا يَومَ الدِّينِ، إِنَّ مَظَاهِرَ التَّعاونِ الاجتِماعيِّ التِي يَجِبُ أَنْ تَشمَلَ كُلَّ أَيّامِ العَامِ أَحرَى أَنْ تَتأكَّدَ وتتَأصَّلَ فِي هَذِه الأَيّامِ، والمُؤمِنُ الحَقُّ هوَ الذِي يَشعُرُ بِالرِّضا والسَّعادَةِ حِينَ يُساهِمُ فِي إِسعَادِ إِخوانِهِ، وأَصدِقائهِ وجيرَانِهِ، يُبادِلُهم التَّهانِي والتَّحيّات، ويَبُرُّهم بأَخلَصِ الدَّعواتِ، والمُجتَمعُ الذِي يسُودُ فيهِ التَّواصُلُ والحُبُّ والجُودُ والإِكرامُ، مُجتُمعٌ رَاقٍ جَديرٌ بِالتَّقديرِ والاحتِرامِ، إِنَّهُ فِي كُلِّ يومٍ خُصوصاً فِي أَيّامِ العِيدِ يَجِبُ أَنْ تتَصافَى القُلوبُ، وتتَطّهرَ مِنَ المَساوئ والعُيوبِ، وذَلكَ بإِزالَةِ كُلِّ ما شَابها مِنْ حِقْدٍ وضَغِينَةٍ، ليَعيشَ الجَميعُ فِي أَمنٍ وسَكينَةٍ، وهُدوءٍ وطُمأنِينَةٍ، أَلا مَا أَحسنَ وأَجملَ أَنْ يسَعى الإِنسانُ إِلى أَخيهِ الذِي هَجَرهُ وقَاطَعهُ، وربَّما خَاصمَهُ ونَازَعهُ، فَيعتَذِرَ إِليهِ حتَّى وإِنْ رَأى أَنَّ الحَقَّ لهُ لا عَليه، فَأفضَلُ النَّاسِ وخَيرُهم مَنْ بَدأَ غَيرَه بِالسَّلامِ، أَملاً فِي استِقرارِ الحُبِّ وتَرسيخِ الوِئامِ، ولتَحقِيقِ هَذا فَإِنَّ الإِسلاَمَ يُثَمِّنُ ويُقدِّرُ جُهْدَ كُلِّ مَنْ سَاهمَ فِي التَّقرِيبِ بَيْنَ مُتباعِدَيْنِ، والصُّلحِ بَينَ مُتخاصِميَنِ، يَقولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((أَلاَ أُخبِرُكم بأَفضَلَ مِنْ دَرجَةِ الصِّيامِ والصَّلاةِ والصَّدقَةِ؟ قَالوا: بَلى، قَالَ: إِصلاَحُ ذَاتِ البَيْنِ، فَإِنَّ فَسادَ ذَاتِ البَيْنِ هيَ الحَالِقَةُ، لاَ أَقولُ تَحلِقُ الشَّعْرِ ولكِنْ تَحلِقُ الدِّينَ)).
   عِبادَ اللهِ :
   إِنَّهُ لَيسَ مِنَ العَدلِ فِي شَيءٍ أَن يَزهَدَ بَعضُ النَّاسِ فِي إِخوَانِهم مِنْ أَجلِ خُلُقٍ واحِدٍ لَم يَرضَوهُ، مَعَ أَنَّ أَكثَرَ أَخلاَقِهم مَحمودةٌ، كَما أَنَّهُ لَيسَ مِنَ الحِلْمِ فِي شَيءٍ أَنْ يُعامِلَ البَعضُ إِخوانَهُم بِجفوَةٍ، مِنْ أَجلِ زلَّةٍ أَو هَفوةٍ؛ إِنَّ المَنطِقَ السَّليمَ والتَّصَرُّفَ الحَكيمَ يَهيبُ بِالإِنسَانِ أَنْ يَتعامَلَ مَعَ أَخيهِ الإِنسانِ عَلى اعتِبارِ أَنَّهُ بَشَرٌ يُخطئُ ويُصِيبُ، فإِذا أَخطأَ مَرّةً أَصابَ مرَّاتٍ، وقَد قِيلَ: ((لاَ يُزهِّدَنَّكَ فِي رجُلٍ حَمدْتَ سِيرتَهُ، وعَرفْتَ فَضلَهُ، وخَبِرْتَ نُبلَهُ، وبَطِنْتَ عَقلَهُ، عيبٌ خفيٌ، تُحيطُ بهِ كَثرةُ فَضَائِلهِ، أَو ذَنْبٌ صَغيرٌ تَستَغْفرُ لهُ كَثْرَةُ شَمائِلهِ، فَإِنَّكَ لَن تَجِدَ ما بَقِيتَ مُهذَّباً لاَ يَكونُ فيهِ عَيْبٌ، أَو مُنزَّهاً لاَ يَقعُ منهُ ذَنْبٌ، حَاشا رُسلُ اللهِ وأَنبِيائُهُ)).
                                            
   فَاتَّقوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واعلَموا أَنَّ العِيدَ لَيسَ اقتِحاماً للحُرُماتِ واقتِرافاً للسِّيئاتِ وفِعلاً للمُنكَراتِ، إِنَّهُ يُومُ فَرحٍ مُلتَزِمٍ بِأَوامِرِ اللهِ مُنضَبطٍ بأَوامِرِ رَسولِهِ -صلى الله عليه وسلم- ، إِنَّهُ يَومُ زِينَةٍ فَيَجِبُ أَنْ يُجَمَّلَ بِألفَاظٍ طَيِّبَةٍ وأَفعالٍ رَزينَةٍ، فَهيَ زِينَةٌ لاَ تَطغَى ولاَ تَبْطَر، ولاَ يَشُوبُها تَعالٍ ولاَ إِجحاف، ولا يُدنِّسُها مَظْهرٌ مِنْ مَظَاهِرِ التَّبْذيرِ والإِسراف، ولاَ تَنسَ أَيُّها المُسلِمُ فِي هَذهِ الأَيامِ إِخوانَكَ المَرضَى والمُصابِينَ، أُذْكُرهُم ولاَ تَنساهُم، فُالمُؤمِنُ البَارُّ حَقّاً مَنْ دَعا لَهم وواسَاهُم.  
   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (9) .
   اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.
                                            
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
                                            
   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
   عِبَادَ اللهِ :
(( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ ))
(1) سورة المائدة / 3 .
(2) سورة يونس / 58 .
(3) سورة البقرة / 185 .
(4) سورة البقرة / 203 .
(5) سورة الحج / 37 .
(6) سورة الرعد / 28 .
(7) سورة الأنعام / 162-163 .
(8) سورة الصافات / 100-106 .
(9) سورة الأحزاب / 56 .
 
< السابق   التالى >
 

استفتاء

ما رأيك بصفحة خطب الجمعة؟
 
spacer

spacer
© 2024 موقع خطب الجمعة
Joomla! is Free Software released under the GNU/GPL License.