خطبة الاسبوع arrow خطبة الاسبوع arrow العَقْلُ بَين التَّقليدِ والتَّجْديدِ
spacer

  

spacer
spacer  
spacer spacer

العَقْلُ بَين التَّقليدِ والتَّجْديدِ طباعة ارسال لصديق
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
26/12/2007
طبة الجمعة بتاريخ 19 ذي الحجة 1428هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
العَقْلُ بَين التَّقليدِ والتَّجْديدِ
   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ، خَلَقَ الإِنسانَ وكرَّمهُ، وسوَّى خَلْقَه وقوَّمهُ، وتَفضَّل علَيهِ فعلَّمَهُ، وحثَّهُ علَى الابتِكارِ والتَّجْديدِ، والتَّزوُّدِ بكُلِّ عِلْمٍ نَافِعٍ مُفيدٍ، سُبحانَهُ خَاطَبَ نَبيَّهُ مُحمَّداً -صلى الله عليه  وسلم- فَقالَ عَزَّ قَائلاً عَليما: ((وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً))(1)، أَحمَدُهُ تَعالَى بِما هوَ لهُ أَهلٌ مِنَ الحَمْدِ وأُثنِي علَيهِ، وأُومِنُ بهِ وأَتَوكَّلُ علَيهِ، مَنْ يَهدِهِ اللهُ فلاَ مُضِلََّ لهُ ومَنْ يُضلِلْ فلاَ هَادِيَ لهُ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ  وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَعلَى النَّاسِ قَدْراً، وأَنقاهُم صَدراً، وأَعظَمُهم لِربِّهِ شُكْراً، وأَكثَرُهم لهُ ذِكْراً، وأَسلَمُهم قَصْداً وفِكْراً، اللهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجمَعينَ، والتَّابِعينَ لهُم بإِحسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   لَقَد كرَّمَ اللهُ الإِنسَانَ بِعقْلٍ فَضَّلهُ بهِ علَى غَيْرِهِ مِنَ الأَحياء، وزَانَهُ بِفكْرٍ يُدرِكُ بهِ الأَشياءَ، فَهوَ بِهذا العَطاءِ الإلهيِّ، والفَضْلِ الربَّانِي، يُفرِّقُ بَيْنَ الحَسَنِ والقَبيحِ، والخَطأ والصَّحيحِ، بهِ يَسلُكُ طَرِيقَ الهُدى والنُّورِ، ويَتعرَّفُ علَى حَقِيقَةِ وكُنْهِ الأُمورِ، يُفكِّرُ فِي الكَونِ حَولَهُ فَيكْشِفَ ما بهِ مِنْ أَسرارٍ، ويَعمَلُ جَاهِداً علَى الاختِراعِ والابتِكارِ، ولَقَد أَثنَى اللهُ عزَّ وجَلَّ علَى أَصحابِ الأَلبَابِ، فَأثبَتَ لهُم صِفةَ الذِّكْرِ والتَّفكُّرِ فَقالَ -وقَولُهُ الحَقُّ-: ((إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)) (2) ، وبِهذا الذِّكْرِ والتَّفكُّرِ يُؤدِّي الإِنسَانُ واجِبَهُ نَحْوَ رَبِّه، ووظِيفَتِهُ نَحْوَ نَفسهِ ومُجتَمعِهِ ووطَنِه، فَيجْني مِنْ ورَاءِ ذلِكَ خَيْراً عَميماً، وأَجْراً مِنَ اللهِ عَظِيماً. إِنَّ العَقلَ هوَ الأَدَاةُ الكُبْرَى لِلمَعرِفَةِ، والحَاجِزُ بَيْنَ الإِنسَانِ وسُلوكِ السُّبُل المُنْحرِفَةِ، والإِنسَانُ مَسؤولٌ عَنْ عَقْلِهِ وعَنْ حَواسِّهِ، يَقولُ اللهُ تَعالَى: ((وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)) (3) ، وقَدْ أَنحَى القُرآنُ الكَريمُ باللائمَةِ علَى مَنْ عَطَّلوا حَواسَّهم وعُقولَهم، وعَدَّهم مِنَ الأَنعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا، يَقولُ اللهُ تَعالَى: ((أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً)) (4) ، كمَا ضَمَّهم فِي آيةٍ أُخْرَى إِلى الدَّوابِّ بَلْ هُمْ أَضَلُّ وأَحقَرُ وأَذَلُّ، يَقولُ اللهُ تَعالَى: ((إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ))(5)، وعندَما يُلقَى أَهلُ النَّارِ فِي النَّارِ يَعتَرِفونَ بِأَنَّ تَعْطيلَ حَواسِّهم وعُقولِهم هوَ سَببُ ما هُمْ فِيهِ مِنْ عَذابٍ، يَقولُ تَعالَى مُصوِّراً أَحادِيثَ هَؤلاءِ: ((وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ، فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السَّعِيرِ)) (6) ، ويَضِربُ اللهُ تعَالَى مَثلاً لِمَنْ أَغفَلوا عُقولَهم وحَادوا بِها عَنِ التَّفْكِيرِ السَّدِيدِ، وحَالوا بَيْنَها وبَيْنَ كُلِّ رَأْيٍ رَشيدٍ، فَيقُولُ سُبحانَهُ: ((وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ)) (7).
عِبَادَ اللهِ :
   إِنَّ اللهَ تَبارَكَ وتَعالَى -الذِي خَلَقَ العَيْنَ لِتُبْصِرَ، والأُذُنَ لِتَسمَعَ، والرِّجْلَ لِتَسعَى، وأَوكَلَ لِكُلِّ جَارِحَةٍ عَمَلاً تَعْمَلُهُ ومُهمِّةًتَقومُ بِها- خَلَقَ العَقْلَ لِيُفكِّرَ، فَالإِنسَانُ الذِي يَعيشُ بِعَقْلِ مُعَطَّلِ التَّفكِيرِ ردَّ الشَّيءَ عَنْ مَجْراهُ الطَّبِيعي، وذَلكَ قَلْبٌ لِلأَوضَاعِ وعَكْسٌ للأُمورِ. إِنَّ المُحافَظةَ علَى العَقْلِ وإِبقاءَهُ سَليماً مُعافىً مِنَ المَصالِحِ الضَّروريَّةِ والأَهدَافِ الأَساسِيَّةِ فِي الدِّينِ، ومِنْ هُنا شَرَعَ الإِسلاَمُ أَحكَاماً لِلمُحافَظَةِ علَيهِ، مِنْها الدَّعوةُ إِلَى المُحافَظَةِ علَى الصِّحَّةِ الجَسَديَّةِ والنَّفسيَّةِ، لأَنَّ العَقْلَ السَّليمَ فِي الجَسَدِ السَّليمِ، ومِنْها الدَّعوةُ إِلَى تَحْصيلِ العِلْمِ بِشتَّى فُروعِهِ، والأَخْذِ بِوسائلِهِ وأَسبابِهِ، وطَرْقِ جَميعِ أَبوابِهِ، ومِنْ مُنطَلَقِ احتِرامِ العَقْلِ وتَقديرِهِ، والحَثِّ علَى الفِكْرِ السَّليمِ؛ حَارَبَ الإِسلاَمُ التَّقليدَ العَقيمَ، لأَنَّ فِيهِ تَعطِيلاً لمِنْحةٍ ربَّانيَّةِ، وهِبَةٍ إلهيَّة، كمَا أَنَّ فِيهِ تَضِييقاً علَى الفِكْرِ وحِجْراً، وحَبْسا لهُ وخَطَراً، وفِي هَذا ما فِيهِ مِنْ رُكودٍ، وتَأخُّرٍ وجُمودٍ، ووَضعِ العَوائقِ أَمامَ كُلِّ تَقَدُّمٍ وتَفوُّقٍ وصُعودٍ، ولَقَد ذَمَّ اللهُ أَهلَ الجَاهِليَّةِ لاعتِمادِهم علَى التَّقلِيدِ الأَعمَى فَقالَ تَعالَى: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ))(8) ، وقَالَ جَلَّ شَأنُهُ: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ)) (9) ، إِنَّ التَّقلِيدَ دونَ تَفْكَيرٍ ورَوِيَّةٍ يَحولُ بَيْنَ الإِنسَانِ وبَيْنَ سُلوكِ الطُّرُقِ الصَّحيحَةِ السَّويَّةِ. إذ أن الإِنسَانُ العَاقِلُ الرَّشِيدُ ذو الفِكْرِ الصَّائبِ والرَّأيِ السَّديدِ هوَ مَنْ يتبصر في الأمور وزنها بكل دقة.
   عِبادَ اللهِ :
   إِنَّ الإِسلاَمَ فِيهِ مِنَ الثَّباتِ والمُرونَةِ ما يُحقِّقُ مَصلَحَةَ النَّاسِ، وهَذِه الخَصِيصَةُ فِيهِ آيةٌ مِنْ آياتِ صَلاَحِيَّتِهِ لِكُلِّ زَمانٍ ومَكانٍ، ودَليلٌ عَلَى أَنَّهُ يُحقِّقُ مَصلَحَةَ وحَاجَةَ الإِنسَانِ، فَالثَّباتُ فِي الإِسلاَمِ مَجالُهُ الأَهدافُ والغَاياتُ، والمُرونَةُ مَجالُها الوَسائلُ والأَسالِيبُ، إذِ الأَهدافُ والغَاياتُ فِي الإِسلاَمِ لاَ تَبْديلَ فِيها ولاَ تَغيير، أَمّا الوَسائلَ والأَسالِيبَ فَهِيَ صَالِحَةٌ لِلتَّجْديدِ والتَّطويرِ.
   فَاتَّقوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واعلَموا أَنَّ الابتِكارَ والاختِراعَ فِي أَساليبِ المَعِيشَةِ مَعَ صِحَّةِ النِّيةِ وسَلاَمَةِ الطَويَّةِ أَمورٌ ضَروريَّةٌ، ومِنْ أَجْلِ هَذا تَرَكها الإِسلاَمُ لِعقُولِ النَّاسِ وتَجارِبِهم، لتَحْقِيقِ مَصالِحِهم ومآرِبِهم.
  أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
  *** *** ***
   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
                                            
   إِنَّ الإِسلاَمَ دِينُ الفِطْرَةِ لاَ يَنْهَى عَنْ أَمْرٍ يُصادِمُها أَو يتَعارَضُ مَعَ الطَّبِيعَةِ البّشَريَّةِ، ومِنْ هَذا المُنْطَلَقِ فَإِنَّهُ لاَ يُحْظَرُ التَّقلِيدُ علَى إِطلاَقِهِ، وكَيفَ يَحْظُرُ الإِسلاَمُ ذَلكَ ويَمْنَعُهُ والإِنسَانُ يَبْدأُ حَياتَهُ مُقلِّداً لِلآخَرينَ مُحاكِياً لَهُم، خُصوصاً أَلصَقَ النِّاسِ بِهِ، وهُمْ والِداهُ ومَنْ يَكْبُرونَهُ مِنْ إِخوانِهِ وبَعْدَ ذَلِكَ أَصحابَهُ؟ إِنَّهُ لَولاَ التَّقلِيدُ مَا نَطَقَ لِسانٌ، ومَا نَما فِكْرُ إِنسَانٍ؛ فَلاَ غَرابَةَ أَنْ يَحْظُرَ الإِسلاَمُ علَى التَّقلِيدِ السَّيء، ويُبِيحَ بَلْ ويَحُثَّ عَلَى التَّقلِيدِ الحَسَنِ، يَقولُ الرَّسولُ -صلى الله عليه  وسلم- : ((لاَ يَكُنْ أَحَدُكُم إِمَّعةً؛ يَقولُ: أَنا مَعَ النَّاسِ، إِنْ أَحسَنَ النَّاسُ أَحسَنْتُ وإِنْ أَساءوا أَسأْتُ، ولَكِنْ وطِّنوا أَنفُسَكُم إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنوا، وإِنْ أَساءوا أَنْ تَجْتَنِبوا إِساءَتهم))، ولَقَد حَثَّ اللهُ تَبارَكَ وتَعالَى علَى الاقتِداءِ بأَنبياءِ اللهِ ورُسلِهِ مِنْ خِلاَلِ حَثِّ رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه  وسلم- علَى الاقتِداءِ بِمَنْ سَبَقهُ مِنهم، فَفِي سُورَةِ  الأَنعَامِ يَذْكُرُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ ثَمانِيَةَ عَشْرَ نَبيّاً ثُمَّ يَأَمُرُ الرَّسولَ -صلى الله عليه  وسلم- بالاقتِداءِ بِهم فَيقول : (( أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)) (10) ، وجَاءَ الأَمْرُ الإِلهيُّ لَنا بالاقتِداءِ والتَّأسِي بهِ -صلى الله عليه  وسلم- فِي أَقوالِهِ وأَفعَالِهِ؛ فَقالَ اللهُ جَلَّ شَأْنُهُ: ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)) (11) ، فَكُلُّ مَنْ تأسَّى بِالرَّسُولِ -صلى الله عليه  وسلم- واقتَدى بِهِ تَأسَّى بِالضَّرورَةِ بِجمِيعِ أَنبياءِ اللهِ ورَسولِهِ علَيهمُ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، فَالاقتِداءُ بِأَهلِ الخَيْرِ والصَّلاَحِ سَبَبُ الفَوزِ والفَلاَحِ، وسَبيلُ الظَّفَرِ والنَّجاحِ، وهوَ مِنْ مُقتَضَياتِ العَقْلِ الرَّشِيدِ وثَمراتِ الفِكْرِ السَّديدِ، وإِذا كَانَ الأَمرُ كَذلِكَ فمَا أَفضَلَ الاقتِداءَ ومَا أَحسَنَ التَّقلِيدَ، فَليسَ كُلُّ مَنْ قلَّدَ كَبا، وضَلَّ الهُدى ونَبا.
   فَاتَّقوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، وليَكُنِ الوالِدانَ قُدوةً حَسَنةً لأَولادِهما، وليَكنِ المُعلِّمونَ قُدوةً طيِّبةً لِتَلامِيذِهم؛ فَعَنْ طَريقِ القُدْوةِ الحَسنَةِ يُحصَّنُ الأَولادُ، وهُم زينَةُ الحَياةِ الدُّنيا وثَمَرةُ الفُؤادِ.
  هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (12).
  اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
  اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
  اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
  اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
  اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.
  اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
  اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
  اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
  رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
  رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
  رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
  اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
  عِبَادَ اللهِ :
((إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ)) .
(1) سورة النساء / 113 .
(2) سورة آل عمران / 190-191 .
(3) سورة الاسراء / 36 .
(4) سورة الفرقان / 44 .
(5) سورة الأنفال / 22 .
(6) سورة الملك / 10-11 .
(7) سورة البقرة / 171 .
(8) سورة البقرة / 170 .
(9) سورة المائدة / 104 .
(10) سورة الأنعام / 90 .
(11) سورة الاحزاب / 21 .
(12) سورة الأحزاب / 56 .
 
< السابق   التالى >
 

استفتاء

ما رأيك بصفحة خطب الجمعة؟
 
spacer

spacer
© 2024 موقع خطب الجمعة
Joomla! is Free Software released under the GNU/GPL License.