خطبة الاسبوع arrow خطبة الاسبوع arrow وأقِيمُوا الشَّهادةَ لله
spacer

  

spacer
spacer  
spacer spacer

وأقِيمُوا الشَّهادةَ لله طباعة ارسال لصديق
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
19/01/2008
خطبة الجمعة بتاريخ 10 محرم 1428هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
وأقِيمُوا الشَّهادةَ لله
   الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَعَزَّنَا بِالإِسلامِ، وامتَنَّ علَينا بِالإِيمَانِ، وأمرَنَا بأَدَاءِ الشَّهادَةِ ونَهانَا عَنِ الكِتْمَانِ، أَحمَدُهُ سُبْحانَهُ بِما هُوَ لَهُ أَهلٌ مِنَ الحَمْدِ وأُثْنِي علَيهِ، وأُومِنُ بِهِ وأَتوكَّلُ علَيهِ، مَنْ يَهدِهِ اللهُ فَلاَ مُضلَّ لَهُ، ومَنْ يُضللْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، أَرسلَ رُسلَهُ وأَنْزلَ كُتبَهُ بالحَقِّ والمِيزَانِ، ودَعا إلى كُلِّ قَولٍ وعَمَلٍ يُحقِّقُ سَعادَةَ الإنسانِ، وأشهدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَصَفَهُ رَبُّهُ بِأَحسنِ الصفاتِ فقالَ في مُحكَمِ الآياتِ: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً)) (1) ، اللهم صلِّ وسلِّمْ وباركْ عليهِ، وعلى آلِه وأَصحابِهِ أَجمَعينَ، والتَّابعينَ لَهُمْ بِإحسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ:
   شَرَعَ الإسلامُ الشَّهادَةَ في بَعْضِ الأُمُورِ؛ لِتَوضِيحِ الحَقِّ وكَشْفِ المَستُورِ، وَوَعَدَ على إِقَامتِها أَعظَمَ الأُجُورِ، فَالشَّهادَةُ أَمَانٌ، وإِثْباتٌ لِلْحَقِّ وَضَمانٌ، ولأَهَمِّيَّةِ الشَّهادةِ وَعُلُوِّ قَدرِها ورِفْعَةِ مكَانَتِها وعَظِيمِ دَوْرِها؛ نَصَبَ اللهُ عزَّ وجلَّ ذَاتَهُ المُقدَّسةَ شَاهِداً علَى أَعظَمِ حَقِيقَةٍ، والَّتي بالإيمانِ بها يَسلُكُ المَرءُ سَواءَ الطَّريقَةِ، ويَتَمسَّكُ بِالعُروَةِ الوثِيقَةِ، وهو أُلُوهِيَّتُهُ ورُبُوبيَّتُهُ، قَالَ اللهُ تَعالَى: ((شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ))(2)، كَما أَشْهَدَ اللهُ عَزَّ وجلَّ أَنبِياءَهُ وكانَ مَعَهُمْ مِنَ الشَّاهدِينَ علَى صِحَّةِ نُبُوَّةِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، يَقُولُ اللهُ تَعالَى: ((وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ))(3)، وَقَدْ شَرَّفَ اللهُ الشَّهادَةَ، وَعَظَّمَ أَمْرَها، ورَفَعَ قَدرَها؛ فَجَعلَ مِنْ أَسمائِهِ الحُسنَى وصِفَاتِه العُلْيَا الشَّهيدَ، قالَ اللهُ تَعالَى: ((إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً)) (4)، وقالَ: ((وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً))(5)، كَما جَعلَها صِفَةً مِنْ صِفَاتِ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-فَقَالَ: ((إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً))(6)، وقَالَ: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)) (7)، كَما شَرَّفَ اللهُ عَزَّ وجلَّ الشَّهادَةَ وشرَّفَ بها مَلائِكتَهُ الكِرامَ فقالَ: ((لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً)) (8).
   عبادَ اللهِ :
   إِنَّ لِلْشَّهادَةِ دَوْراً عَظِيماً في إِقْرارِ العَدلِ وتَثْبِيتِ أَركانِهِ، وإحقَاقِ الحَقِّ وتَدعِيمِ بُنْيانِهِ، لِذَلِكَ لَزِمَ على مَنْ دُعِيَ لِلْشَّهادَةِ أَنْ يَشْهَدَ ولاَ يَكتُمَ؛ فَإِنَّ كِتْمَانَ الشهادةِ مَعَ تَحقُّقِ الرُّؤْيَةِ والعِلْمِ إِثْمٌ عَظِيمٌ وذَنْبٌ جَسِيمٌ؛ لِمَا يَتَرَتَّبُ علَيهِ مِنْ آثارٍ، وَما يَحدُثُ بِسَبَبِهِ مِنْ أَضْرَارٍ، فَمَنْ دُعِيَ لِلْشَّهادَةِ وأَبَى أَداءَهَا وَهُو بِها علَيمٌ؛ وَقَعَ فِيما نَهَى عَنْهُ القُرآنُ الكَرِيمُ، وكَفَى بِذَلِكَ إِثْماً، يَقُولُ اللهُ تَعالَى: (( وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ))(9)، ويَقُولُ جلَّ شَأْنُهُ: ((وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الآثِمِينَ))(10)، ولِخُطُورَةِ كِتْمَانِ الشَّهادَةِ حَكَمَ اللهُ تَبارَكَ وتَعالَى على قَلْبِ كَاتِمِها بِالإِثْمِ، يَقُولُ اللهُ تعالى: (( وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ))(11)، ومَكْمَنُ الخُطُورَةِ في هَذَا أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ نَسَبَ الإثْمَ إلى قَلْبِ كَاتِمِ الشَّهادَةِ بِالذَّاتِ مَعَ أنَّ الإثمَ وَاقِعٌ مِنْ جُملَةِ الذَّاتِ؛ لأنَّ إسنادَ الفعلِ إِلى الجَارِحَةِ التي تَقُومُ بِهِ أَبلَغُ وآكَدُ؛ فَالإنسانُ إِذَا أَرادَ تَوكِيدَ رُؤْيَةِ شَيءٍ أَوْ سَماعِهِ قَالَ: هَذَا مِمَّا رَأَتْهُ عَينايَ أَوْ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، كَما أَنَّ القَلْبَ هُوَ رَئِيسُ الأَعضاءِ، فَإِذَا أَثِمَ القَلْبُ أَثِمَتْ بِالضَّرُورةِ كُلُّ الأَعضَاءِ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا إنَّ في الجَسَدِ مُضغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ))، كما أنَّ القَلْبَ هُوَ مَحَلُّ الكِتْمَانِ وَمَكَانُهُ. إنَّ كِتْمَانَ الشَّهَادَةِ لَيْسَ بِالأَمْرِ الهَيِّنِ، وكَيفَ يكونُ هَيِّناً واللهُ عزَّ وجلَّ حكَمَ بِأَنَّهُ ظُلْمٌ واضِحٌ وحَيفٌ بَيِّنٌ؟ إنْ خَفِيَ علَى النَّاسِ فلاَ يَخفى على اللهِ الَّذي يَعلَمُ ما يَجُولُ في القُلُوبِ وما يَدُورُ، سُبحانَهُ يَعلَمُ خَائِنَةَ الأَعيُنِ وما تُخفِي الصُّدورُ، يَقُولُ اللهُ تَعالَى: (( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)) (12).
   عِبَادَ اللهِ :
   إِنَّ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الشَّهَادَةَ وَلاَ يُمِيلُونَها، وَيُعلِنُونَها ولاَ يَكْتُمُونَها، وَيُظْهِرُونَها وَلاَ يَخفُونَها، هُمْ مِنَ أولئكَ الَّذينَ تَسلَّحُوا بِحُسْنِ العَمَلِ، وسَلِمَتْ أَخْلاَقُهُمْ مِنَ الخَلَلِ، وتَطَهَّرَتْ قُلُوبُهُمْ مِنْ كُلِّ دَخَلٍ، فَهُمْ لِصَلاَحِ أَعمَالِهِمْ، وَحُسْنِ أَخْلاَقِهِمْ وَخِلاَلِهِمْ؛ لاَ يَخَافُونَ وَلاَ يَهلَعُونَ، وَلاَ يََسخَطُونَ ولاَ يَجزَعُونَ، أَيَادِيهِمْ بِالخَيْرَاتِ مَمْدُودَةٌ، وَعَزَائِمُهُمْ علَى نَفْعِ الغَيْرِ مَعقُودَةٌ، وَمَنْ كَانَ شَأْنُهُ كَذَلِكَ صَفَتْ فِطْرَتُهُ، واعتَدلَتْ طَبِيعتُهُ، فَالمُحَافَظَةُ علَى العِبَادَاتِ، والتَّخلُّقُ بِجَمِيلِ الصِّفَاتِ وَحُسْنِ السِّمَاتِ أُمُورٌ تَأْخُذُ بِيَدِ الإِنْسَانِ إِلَى كُلِّ سَبِيلٍ قَوِيمٍ وَنَهْجٍ سَلِيمٍ، وَتُعِيدُهُ إِلَى فِطْرَتِهِ النَّقِيَّةِ، وَتُهَذِّبُ طَبِيْعَتَهُ البَشَرِيَّةَ، وَمِنَ الأَخْلاَقِ الَّتِي تُحَقِّقُ لِلْطَّبِيعَةِ الإِنْسَانِيَّةِ نَقَاءَهَا، وَتَجلُوها فَتُعِيدُ إِلَيْهَا صَفَاءَهَا، أَدَاءُ الشَّهَادَةِ قَائِمَةً؛ حَيْثُ لاَ كِتْمَانَ ولاَ تَغْيِيرَ، وَلاَ تَحْرِيفَ ولاَ تَحْوِيرَ، يَقُولُ اللهُ تَعالَى: (( إِنَّ الأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً، إِلاَّ الْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ، وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ، لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ، وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ، وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ، إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ)) (13) ، وَالمُتَدَبِّرُ في هَذِهِ الصِّفَاتِ المَذكُورَةِ يَجِدُ أَنَّهَا تَضَمَّنتْ بَعْضَ أَركَانِ الإِسْلاَمِ، وَبَعْضاً مِنْ أَركَانِ الإِيمَانِ، وَجُملَةً مِنَ الأَخْلاَقِ الرَّشِيدَةِ وَالصِّفَاتِ الحَمِيدَةِ، وَمِنْهَا مُراعَاةُ الأمَانَاتِ والعُهُودِ، وَإِقَامَةُ الشَّهَادَةِ لله الوَاحِدِ المَعبُودِ، وقَدْ أَفْرَدَهَا اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالذِّكْرِ - مَعَ أَنَّهَا أَمَانَةٌ مِنَ الأمَانَاتِ - لِلْتَّعظِيمِ مِنْ شَأْنِهَا وَإِبْرَازِ أَهَمِّيَّتِها، وَرِفْعَةِ قَدرِها وَمَكَانَتِها، وَقَدْ جَعَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الشَّهَادَةَ لَهُ لِيَربِطَهَا بِطَاعَتِهِ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعالَى: ((وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ))(14)، إِذْ لاَ مُجَامَلَةَ في الشَّهَادَةِ لِقَريبٍ أَوْ صَدِيقٍ أَوْ حَبِيبٍ؛ مَا دَامَتِ الشَّهَادَةُ مُقَامَةً للهِ القَرِيبِ المُجِيبِ، إِنَّ الشُّعُورَ بِالرَّقَابَةِ الإِلهِيَّةِ حِيْنَ تُطْلَبُ الشَّهَادَةُ مِنْ إِنْسَانٍ، تَجعَلُهُ يُؤَدِّيها بِأَمَانَةٍ وَإِتْقَانٍ وإِحْسَانٍ، بِلاَ تَحْرِيفٍ ولاَ كِتْمَانٍ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ))(15).
   فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَاعلَمُوا أَنَّ الشَّهَادَةَ الحَقَّةَ تُؤَدِّي في النِّهَايَةِ إِلَى المَحَبَّةِ والائتِلاَفِ، وَتَدْرَأُ كُلَّ نِزَاعٍ وَخِلاَفٍ، وَالحُكْمُ علَى الأَشْيَاءِ بِنِهَايَاتِها، وَشَرَفِ مَقَاصِدِهَا وَنُبلِ غَايَاتِهَا.
   أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
  *** *** ***
   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   إِنَّ مِنْ مُسلَّمَاتِ الأُمُورِ أَنَّ كُلَّ مَيلٍ عَنِ الحَقِّ هُوَ كَذِبٌ وَزُورٌ، وَكِلاَهُمَا عَواقِبُهُ وَخِيمَةٌ وَنِهَايَتُهُ أَلِيمَةٌ، وَبِقَدرِ ما يُحَذِّرُ الإِسْلاَمُ مِنْ كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ يُحَذِّرُ مِنْ تَزوِيرِهَا، وَتَحرِيفِها وَتَغْيِيرِهَا؛ فَكَمْ مِنْ حَقٍّ اندَثَرَ وَضَاعَ، وَبَاطِلٍ انتَشَرَ وَشَاعَ، بِسَبَبِ شَهَادَةٍ مُفْتَرَاةٍ، خَسِرَ بِسَبَبِهَا صَاحِبُهَا دُنْيَاهُ وأُخْرَاهُ، وَذِلَك هُوَ الخُسْرَانُ المُبِينُ، وَلأَنَّ لِشَهَادَةِ الزُّورِ أَضْرَاراً جَسِيمَةً، وأَخْطَاراً عَظِيمَةً؛ جَعلَها الإِسْلاَمُ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ، فَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ((أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ ثَلاَثاً؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: الإشراكُ بِاللهِ وَعُقُوقُ الوَالِدَينِ، وَكَانَ مُتَّكِئاً فَجلَسَ وَقَالَ: أَلاَ وَقَولُ الزُّورِ، أَلاَ وَشَهَادَةُ الزُّورِ، فَما زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيتَهُ سَكَتَ))، لَقَدْ أَكْبَرَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-خَطَرَ شَهَادَةِ الزُّورِ، وأَعْظَمَ جُرْمَهَا، حِيْنَ قَرَنَها بِالشِّركِ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَحِيْنَ جَلَسَ بَعْدَ اتِّكَائِهِ اهتِمَاماً بِشَأْنِهَا، وَحِينَ صَدَّرَ قَولَهُ بِأَدَاةِ التَّنْبِيهِ "أَلاَ"، وَحِينَ كَرَّرَ "شَهادةَ الزُّورِ" أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ حَتَّى شَقَّ علَى نَفْسِهِ، وَظَهَرَ الغَضَبُ في وَجْهِهِ؛ لِدَرَجَةٍ جَعَلَتِ الصَّحَابَةَ يَتَمنَّونَ سُكُوتَهُ إِشْفَاقاً علَيهِ، وَيَكْفِي شَهَادَةَ الزُّورِ وَضَاعَةً، وَفَظَاعَةً وَبَشَاعةً وَسُوءَ بِضَاعَةٍ، أَنَّ الإِشْرَاكَ بِاللهِ تَعالَى شَهَادَةُ زُورٍ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-: ((عَدلتْ شَهَادَةُ الزُّورِ الإِشْراكَ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ)) ثُمَّ قَرأَ قَولَ اللهِ تَعالَى: ((فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ))(16)، وَلِشَهَادَةِ الزُّورِ مَدلُولاَتُها الوَاسِعَةُ فَكُلُّ مَنْ قَالَ بَاطِلاً فَقَدْ شَهِدَ زُوراً، فَالتَّقَوُّلُ على اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَو نِسْبَةِ قَولٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-لَمْ يَقُلْهُ هُوَ شَهَادَةُ زُورٍ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ))(17)، وَيَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-: ((إِنَّ كَذِباً عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ؛ فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ))، وَرَمْيُ الأَبْرِيَاءِ بِمَا هُمْ مِنْهُ بَرَاءٌ هُوَ شَهَادَةُ زُورٍ، وَمِنْهُ التَّشْهِيرُ بِالنَّاسِ على غَيْرِ بَيِّنَةٍ وأَسَاسٍ، إِنَّ التَّشْهِيرَ بِإِنْسَانٍ، واتِّهَامَه لِمُجَرَّدِ نَقْلِ لِسَانٍ عَنْ لِسَانٍ، هُوَ ظُلْمٌ وَزُورٌ وَبُهتَانٌ، يَقُولُ اللهُ تَعالَى: ((إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ))(18)، وَيَقُولُ جَلَّ شَأْنُهُ: ((وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً ))(19).
   فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَإِيَّاكُمْ وَشَهادةَ الزُّورِ؛ فَإِنَّها قَلْبٌ لِلْحَقَائِقِ وَعكْسٌ لِلأُمُورِ، واعلَمُوا أَنَّ مَنْ صَدَقَ في أَقْوالِهِ وأَفْعَالِهِ سَلَكَ طَرِيقَ الهُدَى والنُّورِ؛ فَنَالَ مِنْ رَبِّهِ أَعظَمَ الأُجُورِ.
   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (20).
   اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ. اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
عِبَادَ اللهِ :(( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
(1) سورة الاحزاب / 45-46 .
(2) سورة آل عمران / 18 .
(3) سورة آل عمران / 81 .
(4) سورة النساء / 33 .
(5) سورة النساء / 79 .
(6) سورة المزمل / 15 .
(7) سورة البقرة / 143 .
(8) سورة النساء / 166 .
(9) سورة البقرة / 282 .
(10) سورة المائدة / 106 .
(11) سورة البقرة/ 283 .
(12) سورة البقرة / 140 .
(13) سورة المعارج / 19-35 .
(14) سورة الطلاق / 2 .
(15) سورة المائدة / 8 .
(16) سورة الحج / 30.
(17) سورة النحل / 116 .
(18) سورة النور / 15 .
(19) سورة الأحزاب / 58.
(20) سورة الأحزاب / 56 .
آخر تحديث ( 20/01/2008 )
 
< السابق   التالى >
 

استفتاء

ما رأيك بصفحة خطب الجمعة؟
 
spacer

spacer
© 2024 موقع خطب الجمعة
Joomla! is Free Software released under the GNU/GPL License.