عَلَى عَتَـبَاتِ رَمَضَانَ |
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء | |
23/08/2008 | |
خطبة الجمعة بتاريخ 27 شعبان 1429هـ أَيُّها المُسلِمُونَ : بُلُوغُ شَهْرِ رَمضَانَ نِعْمَةٌ كُبْرَى، ومَنْزِلَةٌ عَالِيَةٌ جُلَّى، يُقَدِّرُها حَقَّ قَدْرِهَا الصَّالِحُونَ، ويُؤَدِّي وَاجِبَها أَصْحَابُ الهِمَمِ المُشَمِّرونُ، وإِنَّ مِنْ شُكْرِ هَذِهِ النِّعْمَةِ جَمِيلَ استِشْعَارِها، ومِنْ أَدَاءِ الوَاجِبِ لِهَذِهِ الفُرْصَةِ حُسْنَ استِغْلاَلِها، إِنَّ العَمَلَ الجَادَّ لاَ يَكُونُ عَلَى تَمَامِهِ، ولاَ يَقُومُ بِهِ صَاحِبُهُ عَلَى كَمَالِهِ، إِلاَّ حِينَ يَتَهَيَّأُ لَهُ تَمَامَ التَّهَيُّؤِ، فَيَستَثِيرُ هِمَّةَ النَّفْسِ إِلَى الطَّاعَاتِ، ويُقَسِّمُ فِي ضُروبِ الخَيْرِ الأَيَّامَ والليَالِيَ والسَّاعَاتِ، مُستَغِلاًّ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ أَبْرَكَ الأَوقَاتِ، وإِذَا كَانَ المَرْءُ عَدُوَّ مَا جَهِلَ، فَإِنَّ مِنْ وَاجِبِ المُسلِمِ لِتَحقِيقِ غَايَةِ هَذَهِ العِبَادَةِ فِي أَكْمَلِ صُوَرِها، إِدْرَاكَ مَعنَى الصِّيَامِ والمَقَاصِدِ التِي شُرِعَ مِنْ أَجْلِها، فَالصِّيَامُ شُرِعَ لِتَرْبِيَةِ النَّفْسِ عَلَى الفَضَائِلِ، وَكَبْحِ جِمَاحِها عَنِ الرَّذَائِلِ، فِيهِ صَبْرٌ عَلَى حَمْأَةِ الظَّمَأِ ومَرارَةِ الجُوعِ، ومُجَاهَدَةُ النَّفْسِ فِي زَجْرِ الهَوَى، وتَذْكِيرٌ بِحَالِ المَسَاكِينِ والمُقْتِِرِينَ، يَستَوِي فِي الصِّيَامِ المُعْدِمُ والمُوْسِرُ، فَكُلُّهُمْ صَائِمٌ لِرَبِّهِ، مُستَغْفِرٌ لِذَنْبِهِ، يُمْسِكُونُ عَنِ الطَّعَامِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ، ويُفْطِرونَ فِي آنٍ وَاحِدٍ، يَتَساوونَ طِيلَةَ نَهَارِهِمْ بِالجُوعِ والظَّمأ، لِيَتَحَقَّقَ قَولُ اللهِ فِي الجَمِيعِ: ((إِنَّ هَـ?ذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَ?عْبُدُونِ))(5)، هَذَا وإِنَّ مِمَّا يَقْدِرُ عَلِيهِ كُلُّ صَائِمٍ، ويَستَطِيعُهُ كُلُّ ذَاكِرٍ وقَائمٍ، التَّوْبَةَ والاستِغْفَارَ، والنَّدَمَ عَلَى مَا فَرَّطَ فِي جَنْبِ الكَرِيمِ الغَفَّارِ، والصَّومُ طَاعَةٌ مِنَ الطَّاعَاتِ، لاَ تُقْبَلُ إِلاَّ مِنَ المُخْبِتِينَ التَّائِبِينَ التُّقَاةِ، قَالَ تَعالَى حَاثّاً عِبَادَهُ عَلَى التَّوبَةِ: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))(6)، والأَيَّامُ صَحَائِفُ الأَعْمَارِ، والسَّعِيدُ مَنْ يُخَلِّدُهَا بِأَحْسَنِ الأَعْمَالِ، ورَاحَةُ النَّفْسِ فِي قِلَّةِ الآثَامِ، ومَنْ عَرَفَ رَبَّهُ اشتَغَلَ بِطَاعَتِهِ عَنْ هَوَى نَفْسِهِ، وفِي هَذَا الشَّهْرِ المُبَارَكِ يُكْثِرُ المُسلِمُ مِنَ العِبَادَاتِ، ويُوَسِّعُ عَلَى الآخَرِينَ بِبَذْلِ المَعْروفِ وتَفْرِيجِ الكُرُبَاتِ، فَإِنِ استَطَعْتَ -يَا رَعَاكَ اللهُ- أَلاَّ يَسبِقَكَ إِلَى اللهِ أَحَدٌ فَافْعَلْ، فَفِي كُلِّ لَيْلَةٍ يُفْتَحُ بَابُ الإِجَابَةِ مِنَ السَّمَاءِ، وفِي كُلِّ لَيْلَةٍ للهِ مِنَ النَّارِ عُتَقاءُ، فَاظْفَرْ بِذَلِكَ لِئَلاَّ يَكُونَ حَظُّكَ مِنَ الصِّيَامِ الجَوُعَ والظَّمَأَ، وخَزَائِنُ الوَهَّابِ مَلأَى، فَسَلْ مِنْ جُودِ الكَرِيمِ، واطْلُبْ رَحْمَةَ الرَّحِيمِ، فَهَذَا شَهْرُ الإِجَابَةِ، ومَوْسِمُ الرُّجُوعِ والإِنَابَةِ، وأَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ الدُّعَاءِ. أَيُّها المُسلِمُونَ : مَا أَجْمَلَ ذَلِكَ الأَبَ الذِي استَعَدَّ لِرَمَضَانَ مَعَ أُسْرَتِهِ بِبَرنَامَجٍ حَافِلٍ بِالطَّاعَةِ، يَستَغِلُ أَجْواءَهُ الإِيمَانِيَّةَ لِتَهْذِيبِهِمْ قَدْرَ الاستِطَاعَةِ، يُنَوِّعُ لَهُمْ فِيهِ النَّافِعَ مِنَ البَرامِجِ، لِيَستَقِيمُوا بِهَا عَلَى أَقْوَمِ المَنَاهِجِ، يَنْتَقِلُونَ فِيهَا بَيْنَ صَلاَةٍ وصِيَامٍ، وذِكْرٍ ودُعَاءٍ وقِيَامٍ، وزِيَارَةٍ لِلأَقَارِبِ والأَرْحَامِ، دُونَ أَنْ يَكُونَ نَشَاطٌ مِنْها عَلَى حِسَابِ الآخَرِ، بَلْ كُلُّ شَيءٍ فِي وَقْتِهِ المَعلُومِ، وَإِذَا كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرَ القُرآنِ، شَهْرَ النُّورِ الذِي لاَ تَنْطَفِئُ مَصَابِيحُهُ، والذِّكْرِ الذِي لاَ يُسأَمُ مِنْهُ بِكَثْرَةِ تَرَدُّدِهِ، والجَلِيسِ الذِي لاَ يَمَلُّهُ الأَتْقِياءُ، والغِذَاءِ الذِي لاَ يَشْبَعُ مِنْهُ العُلَمَاءُ، فَمَا أَشْرَقَ بَيْـتاً يُضِيءُ أَيَّامَهُ ولَيَالِيَهُ بِحَلْقَةٍ قُرآنِيَّةٍ، يَتَربَّى فِيهَا أَفْرَادُ الأُسْرَةِ عَلَى آدَابِهِ الرَّبَّانِيَّةِ، لِيَنْشَؤُوا نَشْأَةً صَالِحَةً إِيمَانِيَّةً؛ عَمَلاً بِقَولِ الحَبِيبِ المُصْطَفَى، والرَّسُولِ المُجتَبَى -صلى الله عليه وسلم- : ((عَلِّمُوا أَولاَدَكُمُ القُرآنَ؛ فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَعلَّمَ مِنْ عِلْمِ اللهِ هُوَ))، إِنَّ القُرآنَ هُوَ الدَّواءُ والشِّفَاءُ، لِلْمُؤمِنينَ البَرَرةِ الأَتْقِياءِ، قَالَ تَعالَى: ((قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ هُدًى وَشِفَاء))(7)، يَهتَدِي بِهِ مَنْ أَدَامَ تِلاَوَتَهُ بِاللَّيْلِ والنَّهَارِ، والرَّحْمَةُ تَغْشَى أُسْرَةً قَامَتْ بِهِ فِي دُجَى الأَسْحَارِ. أَيُّها المُؤمِنونَ : إِنَّ مِنَ الخَطَأِ الوَاضِحِ أَنْ يَكُونَ المَرْءُ الذِي لاَ يَمْلِكُ إِلاَّ كَفَافاً مِنَ المَالِ، لاَ يُحْسِنُ تَرشِيدَ مَصْروفَاتِهِ ونَفَقَاتِهِ، فَإِذَا أَقْبَلَ رَمَضَانُ كَلَّّفَ مِيزَانِيَّتَهُ فَوقَ طَاقَتِها، أَو رَكِبَ لِذَلِكَ الدُّيُونَ مُتَجَاهِلاً سُوءَ عَاقِبَتِها، ثُمَّ يَأْتِيهِ العِيدُ سَالِكاً هَذَا المَنْهَجَ، وَسَائراً فِي إِنْفَاقِهِ بِهَذَا الأُسلُوبِ الأَعْوَجِ، فَأَيْنَ هُوَ فِي شَهْرِ القُرآنِ، مِنْ قَولِ الوَاحِدِ الدَّيَّانِ: ((وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً))(8)؟، وفِي مُقَابِلِ هَذَا الخَطَأِ خَطأٌ آخَرُ؛ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ بَسَطَ اللهُ لَهُ فِي الرِّزقِ، ولِكنَّهُ نَسِيَ بإِسْرافِهِ مَا وَجَبَ فِي مَالِهِ مِنْ حَقٍّ، مُتَجَاهِلاً المُحتَاجِينَ مِنَ الخَلْقِ، فَأَيْنَ هُوَ فِي شَهْرِ الإِحْسَانِ، مِمَّا أَمَرَ اللهُ بِهِ فِي مُحْكَمِ القُرآنِ حِينَ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ))(9)؟، فَالمَالُ مَالُ اللهِ، والخَلْقُ عَبِيدُهُ وعِيَالُهُ، ومَنْ وَاسَاهُمْ نَالَهُ خَيْرُهُ ونَوالُهُ، قَالَ تَعالَى: ((آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ))(10)، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُضَاعِفُ إِنْفَاقَهُ فِي رَمَضَانَ، ويُكْثِرُ مِنَ الجُودِ والإِحْسَانِ، بِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُ كَانَ أَجْودَ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ، لاَ يَرُدُّ مُحتَاجاً ولاَ ذَا مَسأَلَةٍ، فَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤمنِينَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُا- قَالَتْ: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَجْوَدَ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرسَلَةِ، وكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ))، وَإِذَا كَانَ الإِنْفَاقُ عَلَى المُحتَاجِينَ مِنْ أَجـَـلِّ الطَّاعَاتِ، فَإِنَّ الإِسْرافَ مِنْ أَخْطَرِ المُوبِقَاتِ، إِنَّهُ يَحْرُمُ صَاحِبَهُ مَحَبَّةَ اللهِ، ويُبْعِدُهُ عَنْ رَحْمَتِهِ ورِضَاهُ، قَالَ تَعالَى: ((يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ))(11)، إِنَّ الإٍسْرَافَ مُخَالَفَةٌ صَرِيحَةٌ لِتَعالِيمِ الدِّينِ، وأَوَامِرِ رَبِّ العَالَمِينَ، لِذَا كَانَ فَاعِلُهُ مِنْ إِخْوانِ الشَّيَاطِينِ، قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً))(12). فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واستَقْبِلُوا رَمَضَانَ بِالإِكْثَارِ مِنَ الطَّاعَاتِ وَفْقَ مَنْهَجٍ مُثْمِرٍ خَلاَّقٍ، واجْعَلُوهُ فُرْصَةً لِلتَّحَلِّي بِمَكَارِمِ الأَخْلاَقِ، واحْرِصُوا فِيهِ عَلَى تَرشِيدِ الإِنْفَاقِ، تَتَجَنَّبُوا بِذَلِكَ الفَقْرَ والإِمْلاَقَ. أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ. *** *** *** الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : إِنَّ المُتَأَمِّلَ فِي حِكَمِ الصَّوْمِ وفَوائِدِهِ، ومَقَاصِدِهِ وعَوَائِدِهِ، يَجِدُ أَنَّ لِلتَّكَافُلِ الاجتِمَاعِيِّ مَكَاناً بَارِزاً فِيهَا، ومَحَلاًّ عَالِياً مِنْهَا، فَرَمَضَانُ فِي تَأْرِيخِ الأُمَّةِ وفَلْسَفَتِها شَهْرُ الجُودِ والإِنْفَاقِ، شَهْرُ الرَّحْمَةِ والإِحْسَانِ، شَهْرُ النُّفُوسِ الكَرِيمَةِ السَّخِيَّةِ، والأَكُفِّ البَاذِلَةِ النَّدِيَّةِ، فَلْيَكُنْ لَكُمْ فِيهِ -إِخْوَةَ الإِيمَانِ- السَّهْمُ الرَّابِحُ، ومِنْ حَسَنَاتِهِ المِيزَانُ الوَافِرُ الرَّاجِحُ، قُولُوا لِدُعَاةِ التَّكَافُلِ: مَرْحَباً وأَهْلاً وَسَهْلاً، ولاَ يَتَرَدَّدَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسَاعَدَةِ المُعْوِزِينَ واليَتَامَى، ومَنْ ذَا الذِي يَبْخَلُ عَلَى نَفْسِهِ بِثَوابٍ يَحْصُلُ لَهُ بِلاَ عَنَاءٍ، إِذْ يُكْتَبُ الأَجْرُ العَظِيمُ لِمَنْ فَطَّرَ صَائِماً ولَوْ عَلَى شَرْبَةِ مَاءٍ، فَعَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- خَطَبَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ فَقَالَ: ((يَا أَيُّها النَّاسُ: قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ مُبَارَكٌ، شَهْرٌ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، جَعَلَ اللهُ صِيَامَ نَهَارِهِ فَرِيضَةً وقِيَامَ لَيْلِهِ تَطَوُّعاً، مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الخَيْرِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِواهُ، ومَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِواهُ، وهُوَ شَهْرُ الصَّبْرِ، والصَّبْرُ ثَوابُهُ الجَنَّةُ، وشَهْرُ المُواسَاةِ، وشَهْرٌ يُزَادُ فِيهِ رِزْقُ المُؤمِنِ، مَنْ فَطَّرِ فِيهِ صَائِماً كَانَ مَغْفِرَةً لِذُنُوبِهِ وعِتْقاً لِرَقَبَتِهِ مِنَ النَّارِ، وكَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيءٌ))، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، لَيْسَ كُلُّنَا يَجِدُ مَا يُفَطِّرُ الصَّائِمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم- : ((يُعْطِي اللهُ هَذَا الثَّوابَ مَنْ فَطَّرَ صَائِماً عَلَى تَمْرَةٍ، أَو عَلَى شَرْبَةِ مَاءٍ، أَو مَذْقَةِ لَبَنٍ، وهُوَ شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ وأَوسَطُهُ مَغْفِرَةٌ وآخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ، واستَكْثِروا فِيهِ مِنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: خَصلَتَينِ تُرْضُونَ بِهِمَا رَبَّكُمْ، وَخَصلَتَينِ لاَ غِنىً بِكُمْ عَنْهُمَا، فَأَمَّا الخَصلَتَانِ الَّلتَانِ تُرضُونَ بِهِمَا رَبَّكُمْ فَشَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وتَستَغْفِرُونَهُ، وأَمَّا الَّلتَانِ لاَ غِنَىً بِكُمْ عَنْهُمَا فَتَسأَلُونَ الجَنَّةَ وتَعُوذُونَ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ سَقَى صَائِماً سَقَاهُ اللهُ مِنْ حَوْضِي شَرْبَةً لاَ يَظْمَأُ بَعْدَهَا حَتَّى يَدْخُلَ الجَنَّةَ))، وَبَعْدَ أَنْ سَمِعتُمْ هَذَا الحَدِيثَ النَّبَوِيَّ الشَّرِيفَ: أَلَيْسَ هَذَا الشَّهْرُ حَرِيَّاً بِأَنْ يَتَنَافَسَ فِيهِ المُتَنَافِسُونَ؟ وجَدِيراً بِأَنْ يَتَسَابَقَ لأَجْلِهِ المُتَسَابِقُونَ؟!. أَلاَ فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واجْعَلُوا مِنْ رَمَضَانَ مُنْطَلَقاً لِتَكَافُلِكُمُ، وبِدَايَةً صَادِقَةً لِتَعاوُنِكُمْ وتآزُرِكُمْ، تَسْعَدْ بِذَلِكَ مُجتَمَعَاتُكُمْ، وتَصْلُحْ أَحْوَالُكُمْ، ويُبَارِكِ اللهُ فِي أَرْزَاقِكُمْ وأَعْمَارِكُمْ. هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (13). اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين. اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ. اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ. اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ. رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ. عِبَادَ اللهِ : (( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )). (1) سورة المائدة / 100 . (2) سورة البقرة / 183 . (3) سورة البقرة / 185 . (4) سورة المائدة / 15-16 . (5) سورة الأنبياء / 92 . (6) سورة التحريم / 8 . (7) سورة فصلت / 44 . (8) سورة الإسراء / 29 . (9) سورة النور / 33 . (10) سورة الحديد/ 7 . (11) سورة الأعراف / 31 . (12) سورة الإسراء / 26-27 . (13) سورة الأحزاب / 56 . |