الحوادثُ مسؤوليةُ كُلِّ عابثٍ
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
07/03/2009

خطبة الجمعة بتاريخ 15 ربيع الأول 1430هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحوادثُ مسؤوليةُ  كُلِّ عابثٍ

    الْحَمْدُ للهِ الذِي يُسَيِّرُنا فِي البَرِّ وَالبَحْرِ، سُبْحَانَهُ يُسَهِّـلُ الصَّعْبَ ويُيَسِّرُ العُسْرَ، أَحْمَدُهُ تَعَالَى بِمَا هُوَ لَهُ أَهْـلٌ مِنَ الحَمْدِ وَأُثْنِي عَلَيْهِ، وَأُومِنُ بِهِ وَأَتَوكَّلُ عَلَيْهِ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْـلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، أَمَرَنا بِالقَصْدِ فِي سَيْرِنَا، وَالبُعْدِ عَنْ كُلِّ مَا يُؤْذِي غَيْرَنَا، وَأَشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنا وَنَبِيَّنا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، حَرَصَ عَلَى حِفْظِ نَفْسِ الإِنْسَانِ، وَأَنْ يَعِيشَ جَمِيعُ النَّاسِ فِي أَمَانٍ، -صلى الله عليه وسلم-  وَعَلَى آلِهِ وَصحْبِهِ، وَعَلَى كُلِّ مَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

  أَمَّا بَعْدُ، فَيا أَيُّها المُؤمِنُونَ :
  ((اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) (1)، وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعالَى قَدْ مَنَّ عَلَى بَنِي الإِنْسَانِ، أَنْ يَسَّرَ لَهُمْ التَّنَقُّلَ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ، بِوَسَائِلَ تَختَلِفُ بِاختِلاَفِ الأَحوَالِ وَالأَزْمَانِ، فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ((وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ))(2)، فَقَدْ كَانَ الأَوَائِلُ بِالدَّوابِّ يَنْتَقِلُونَ، وَعَبْرَ البِغَالِ وَالحَمِيرِ يَرتَحِلُونَ، فَرَزَقَنا اللهُ مِنَ الوَسَائِلِ مَا لَمْ يَرَهُ الأَوَّلُونَ، وَلَمْ يَكُنْ يَتَصَوَّرُهُ الغَابِرُونَ، تَأْتِي فِي مُقَدِّمَتِها السَّيارَاتُ، تَلِكْ الوَسِيلَةُ التِي تَخْتَصِرُ لَنَا المَسَافَاتِ، وَتُوَفِّرُ لَنَا كَثِيرًا مِنَ الجُهْدِ وَالأَوقَاتِ، إِنَّها نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ تَحتَاجُ إِلَى شُكْرٍ، وَلاَ يَكُونُ شُكْرُها إِلاَّ بِالوَعْيِ الحَقِيقِيِّ لِجَوَانِبِ استِعمَالِهَا وَفَنِّ قِيَادَتِها، وَالقَائِدُ الوَاعِي هُوَ مَنْ يُرَاعِي النِّعْمَةَ وَيَحْرِصُ عَلَى شُكْرِهَا مِنْ جَمِيعِ الجَوَانِبِ، فَيُحَدِّدُ أَهْدَافَهُ مِنَ استِعْمَالِ المَركَبَةِ، وَيَجْعَلُ مِنْ أَوَّلِيَّاتِ ذَلِكَ أَنْ يَقْضِيَ حَاجَاتِ أَهْـلِهِ وَأُسْرَتِهِ، وَمَا يَنْفَعُ بِهِ مُجتَمَعَهُ، مُبْـتِعدًا عَنْ كَثْرَةِ الخُرُوجِ بِلاَ حَاجَةٍ، وَالتَّرَدُّدِ عَلَى الشَّوارِعِ بِلاَ دَاعٍ، فَقَدْ وَرَدَ فِي الأَثَرِ: ((إِيَّاكَ وَاللَّجَاجَةَ، وَالمَشْيَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ))، فَذَاكَ مَظِنَّةُ الإِسْرَافِ وَالتَّبْذِيرِ، فَضْلاً عَمَّا يُسَبِّبُهُ المُتَرَدِّدُونَ عَلَى الشَّوارِعِ بِلاَ دَاعٍ مِنَ الازْدِحَامِ، وَلَرُبَّمَا عَطَّلُوا المَصَالِحَ الضَّرُورِيَّةَ لِلنَّاسِ، فَإِذَا حَدَّدَ السَّائِقُ هَدَفَ خُرُوجِهِ، وَاطمَأَنَّ إِلَى أَهَمِّـيَّةِ انْطِلاَقَتِهِ، فَلْيَبْدَأْ سَيْرَهَ بِذِكْرِ اللهِ، كَمَا أَمَرَهُ مَولاَهُ، حَتَّى يَكُونَ شَاكِرًا للهِ؛ فَتَكْتَنِفَهُ رِعَايَةُ اللهِ وَعِنَايَتُهُ، وَيُكَلِّلَ المَولَى بِالتَّوفِيقِ مَسَاعِيَهُ، يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعالَى: ((لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ))(3)، ثُمَّ لِيَنْطَلِقْ عَلَى بَرَكَةِ اللهِ، مُجتَنِبًا المَرَحَ وَالخُيَلاَءَ، يَقُولُ اللهُ تَعالَى: ((وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً))(4)، وَلْيَتِّخِذِ العَاقِلُ فِي سَيْرِهِ الأَخْلاَقَ مَركَبًا، وَمُرَاعَاةَ الآخَرِينَ هَدَفًا وَمَطْلَبًا، فَيُفْسِحَ المَجَالَ لِغَيْرِهِ، مُبتَغِيًا الأَجْرَ وَالخَيْرَ، فَقَدْ أَمَرَنا اللهُ بِأَنْ نَفْسَحَ فِي المَجَالِسِ، يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعالَى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ))(5)، فَكَيْفَ بِالشَّوارِعِ وَالطُّرُقَاتِ؟ حَيْثُ الحَاجَةُ إِلَى ذَلِكَ أَشَدُّ إِلحَاحًا وَأَكْثَرُ تَأْكِيدًا. إِنَّ القَائِدَ الوَاعِيَ يَتَجَنَّبُ مُزَاحَمَةَ النَّاسِ فِي خَطِّ سَيْرِهِمِ المُقَرَّرِ، لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ لِلأَدَبِ الرَّفِيعِ، وَمَا يُحْدِثُهُ مِنَ الأَضْرارِ التِي لاَ تَخْفَى عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ، وَقَدْ نَهَانَا المُصطَفَى -صلى الله عليه وسلم-  عَنْ أَنْ نُقِيمَ النَّاسَ مِنْ مَجَالِسِهِمْ، ثُمَّ نَجْـلِسَ فِي أَمَاكِنِهِمْ، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-  : ((لاَ يُقِيمُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ مِنْ مَجْـلِسِهِ ثُمَّ يَجْـلِسُ فِيهِ)).
   عِبادَ اللهِ :
   إِنَّ النِّظَامَ أَسَاسٌ فِي كُلِّ عَمَلٍ، وَسِرٌّ مِنْ أَسرَارِ النَّجَاحِ فِيهِ، وَلِذَا يَجْـتَهِدُ المُختَصُّونَ فِي وَضْعِ القَواعِدِ وَالقَوَانِينِ التِي تَحْـفَظُ النِّظَامَ، وَتُهَيِّئُهُ لِلْقِيَامِ بِدَوْرِهِ فِي المُجتَمَعِ، إِنَّ الالتِزَامَ بِقَواعِدِ المُرُورِ أَمَانٌ مِنَ الكَثِيرِ مِنَ الأَخْطَارِ وَالشُّرُورِ، وَإِنَّ التَّغَافُلَ عَنْها أَو تَجَاهُلَهَا يُؤَدِّي إِلَى كَثِيرٍ مِنَ المَخَاطِرِ، وَيُكَلِّفُ المُجتَمَعَ مَادِّيًّا وَمَعْـنَوِيًّا مُختَلَفَ الخَسَائِرِ، وَمَا تُطَالِعُنَا بِهِ الجِهَاتُ الرَّسْمِيَّةُ مِنْ نَشَراتٍ دَوْرِيَّةٍ عَنْ إِحصَائِيَّاتِ الحَوَادِثِ، وَمَا يُسَبِّبُهُ كُلُّ عَابِثٍ مِنْ وَفَيَاتٍ وَإِصَابَاتٍ، وَخَسَائِرَ وَغَرَامَاتٍ، لَهُوَ أَكْبَرُ دَلِيلٍ عَلَى أَهَمِّـيَّةِ الالتِزَامِ بِالأَنْظِمَةِ وَالتَّشْرِيعَاتِ التِي مَا وُضِعَتْ إِلاَّ لِلصَّالِحِ العَامِّ، إِنَّ تِلْكَ الإِحصَائِيَّاتِ لَتَضَعُ المُتَهَوِّرِينَ فِي مَوقِعِ المَسؤولِيَّةِ، كَمَا أَنَّها تَدْعُو جَمِيعَ النَّاسِ لِلْوُقُوفِ عَلَى أَسبَابِ تِلْكَ الحَوَادِثِ المُرَوِّعَةِ التِي يَذْهَبُ ضَحِيَّةً لَهَا مِئَاتٌ مِنْ أَبنَاءِ المُجتَمَعِ سَنَوِيًّا، وَلَرُبَّما خَلَتْ بُيُوتٌ مِنْ أَهلِهَا، أَو يُتِّمَ أَطفَالٌ لَهَا فِي عُمرِ الزُّهُورِ، ضَحِيَّةَ إِهمَالِ مُتَهَوِّرٍ، أَو استِهَانَةِ عَابِثٍ فَخُورٍ، فَضْلاً عَنِ الإِصَابَاتِ وَالعَاهَاتِ الدَّائِمَةِ، وَالخَسَائِرِ المَاديَّةِ الهَائِلَةِ، إِنَّ إِحصَائِيَّاتِ الجِهَاتِ الرَّسْمِيَّةِ تُشِيرُ إِلَى أَنَّ عَدَمَ الانتِبَاهِ فِي أَثنَاءِ القِيَادَةِ يَتَصَدَّرُ قَائِمَةَ الأَسبَابِ المُؤَدِّيَةِ إلى الحَوَادِثِ، كَيْفَ لاَ؟ وَقَلْبُ الإِنسَانِ كَالوِعَاءِ إِذا امتَلأَ بِشَيءٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُتَّسَعٌ لِغَيْرِهِ، وَإِنِ اشتَغَلَ بِأَمْرٍ اشتَغَلَ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الأُمُورِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ))(6)، وَفِي هَذَا تَأْكِيدٌ لأَهَمِّـيَّةِ عَدَمِ الاشتِغَالِ بِأُمُورٍ جَانِبِيَّةٍ حَالَ القِيَامِ بِالأَعمَالِ الجِدِّيَّةِ التِي تَحتَاجُ إِلَى تَركِيزٍ، وَإِنَّ الحَوادِثَ المُرَوِّعَةَ التِي يُسَبِّبُها الإِهمَالُ وَالتَّسَاهُلُ كَفِيلَةٌ بِأَنْ يَتَفَهَّمَ الإِنْسَانُ أَهَمِّـيَّةَ الالتِزَامِ بِالتَّركِيزِ فيما هُوَ فِيهِ؛ حِفَاظًا عَلَى رُوحِهِ وَأَروَاحِ الآخَرِينَ.
   أَيُّها المُؤمِنونَ :
   لَقَدْ أَمَرَ الإِسلاَمُ الحَنِيفُ بِالقَصْدِ فِي المَشْيِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ لُقْمَانَ فِي وَصِيَّـتِهِ لابْنِهِ: ((وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ))(7)، كَمَا جَعَلَ اللهُ مِنْ صِفَاتِ عِبَادِهِ المُؤمِنِينَ أَنَّهُمْ يَمْـشُونَ هَوْنًا، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا))(8)، وَهَذا الوَصْفُ وَذَاكَ الأَمْرُ عَامَّانِ فِي كُلِّ سَيْرٍ، يَشْمَلاَنِ الرَّاجِلَ وَالرَّاكِبَ، بَلْ هُمَا فِي السَّيْرِ بِالمَرَاكِبِ الحَدِيثَةِ أَشَدُّ تَأْكِيدًا، يَشْهَدُ عَلَى ذَاكَ مَا يُحْدِثُهُ التَّهَوُّرُ وَالقِيَادَةُ بِالسُّرُعَاتِ الجُنُونِيَّةِ مِنْ حَوَادِثَ مُمِيْـتَةٍ، وَإِصَابَاتٍ بَالِغَةٍ، وَمَا تُشِيرُ إِلَيْهِ التَّقَارِيرُ الرَّسْمِيَّةُ مِنْ أَنَّ تَجَاوُزَ الحَدِّ المُقَرَّرِ لِلسُّرْعَةِ يَحتَلُّ المَرتَبَةَ الثَّانِيَةَ فِي قَائِمَةِ الأَسبَابِ المُؤَدِّيَةِ إِلَى الحَوَادِثِ. إِنَّ تَحْدِيدَ السُّرْعَةِ مِنْ قِبَلِ الجِهَاتِ المُختَصَّةِ، إِنَّمَا يَأْتِي بَعْدَ دِرَاسَاتٍ مُستَفِيضَةٍ، لِمَا يَتَنَاسَبُ وَطَبِيعَةَ كُلِّ شَارِعٍ وَانِحنَاءَاتِهِ وَتَقاطُعَاتِهِ، مَعَ مُرَاعَاةِ وُصُولِ النَّاسِ إِلَى أَهدَافِهِمْ وَغَايَاتِهِمْ فِي الأَوقَاتِ المُنَاسِبَةِ - بِإِذْنِ اللهِ -، فَأَكْرِمْ بِأُنَاسٍ يَعُونَ مَصلَحَتَهُمْ وَمَصلَحَةَ المُجتَمَعِ، فِي التِزَامِهِمْ بِمَا سُنَّ وَشُرِعَ، وَانضِبَاطِهِمْ بِمَا حُدِّدَ وَقُرِّرَ، وَعَجَبًا لِمَنْ جَعَلَ الهَوَى مَطِيَّـتَهُ، يُجَادِلُ فِي الحَقِّ بَعْدَما تَبَيَّنَ لَهُ، يَزْهُو بِسُرْعَتِهِ، وَيُفَاخِرُ بِتَهَوُّرِهِ، وَكَأَنَّ الأَرقَامَ المُذْهِلَةَ لاَ تَقْرَعُ سَمْعَهُ، وَمَا يُخَلِّفُهُ تَهَوُّرُ أَمثَالِهِ لاَ يَعْنِيِه! يَظُنُّ أَنَّهُ فَرِيدٌ فِي شَجَاعَتِهِ، مُتَمَيِّزٌ فِي جَسَارَتِهِ، وَأَنَّهُ قَدْ بَلَغَ الغَايَةَ حِينَ يَصِلُ قَبْلَ الجَمِيعِ، وَمَا دَرَى أَنَّ مَا مَضَى مِنْ سَلاَمَتِهِ إِنَّمَا هِيَ لُطْفٌ مِنَ العَلِيمِ السَّمِيعِ، وَأَنَّ نَهْجَهُ إِلَى الهَلاَكِ يَقُودُهُ، وَلِلضَّرَرِ بِنَفْسِهِ وَالآخَرِينَ يَجُرُّهُ.
   فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، وَاحذَرُوا التَّغَافُلَ وَالإِهمَالَ، وَالتَّهَوُّرَ وَالاستِعْجَالَ، فَإِنَّ الأَرقَامَ تَحكِي الكَثِيرَ، بِلُغَةٍ يَعِيها كُلُّ مَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَو أَلقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ.
  أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
                                                                    *** *** ***
   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أيُّها المُسلِمُونَ :     
   مَا أَجمَلَ أَنْ يَجِدَ الإِنْسَانُ مَا يُرِيحُهُ مِنْ عَنَاءِ المُخَاطَرَةِ، وَيُجَنِّبُهُ شَرَّها، وَهَذَا مَا وُضِعَتْ لأَجلِهِ الإِشَارَاتُ، عِنْدَ المَدَاخِلِ وَالتَّقَاطُعَاتِ، لِيَجِدَ النَّاسُ الأَمَانَ وَهُمْ يَمُرُّونَ، وَيَسِيرُونَ وَهُمْ مُطْمَئِنُّونَ، فَإِذا تَغَافَلَ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ أَهَمِّيَّـتِها، وقَصَرَ وَعْيُهُمْ عَنْ إِدْرَاكِ خَطَرِ تَجَاهُلِهَا، فَانْطَلَقُوا فِي غَيْرِ الوَقْتِ المُحَدَّدِ لَهُمْ انقَلَبَ الحَالُ، وَتَحَوَّلَ الأَمَانُ إِلَى وَبَالٍ، حَيْثُ يَأْتِي مِنَ الجَانِبِ الآخَرِ المُطْمَئنُّونَ، ومَنْ عَلَى النِّظَامِ بَعْدَ اللهِ يَتَّكِلُونَ، فَإِذَا بِالمُتَهَوِّرِ يَعْبَثُ بِمَصِيرِهِ وَمَصِيرِهِمْ، حتَّى إِذَا فَاتَ الأَوَانُ، تَمَنَّى أَنْ لَوِ انتَظَرَ ثَوَانِيَ. هَذِهِ - عِبَادَ اللهِ - أَهَمُّ أَسبَابِ الحَوَادِثِ، وَهُنَاكَ أَسبَابٌ أُخْرَى لاَ تَقِلُّ فِي مُجْمَلِها أَهَمِّيَّةً، يَأْتِي فِي مُقَدِّمَتِها الإِهمَالُ، وَعَدَمُ الاكتِرَاثِ لِمَا فِي السَّيارَةِ مِنْ أَعْطَالٍ، وَالدُّخُولُ المُفَاجِئُ، أَو الخُرُوجُ الطَّارِئُ مِنَ الشَّارِعِ، الأَمْرُ الذِي يَرْبِكُ الآخَرِينَ، فَلاَ يُسعِفُهُمُ الوَقْتُ لِلتَّلاَفِي، فَيَقَعُونَ ضَحِيَّةَ التَّصَرُّفَاتِ الخَاطِئَةِ.
   فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، وَاعلَمُوا أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الأَسبَابِ المُؤَدِّيَةِ إِلَى وُقُوعِ حَوَادِثِ المُرُورِ، مَقْدُورٌ عَلَى تَلاَفِيهَا، مُمْـكِنٌ تَوَقِّيهَا وَتَجَنُّبُها، متَى مَا فَقِهَ النَّاسُ الخَطَرَ، وَأَدْرَكُوا حَجْمَ الضَّرَرِ، وَجَعَلُوا نُصْبَ أَعيُنِهِمْ أَنَّهُمْ مَسؤولُونَ أَمَامَ اللهِ وَأَمَامَ المُجتَمَعِ عَنْ كُلِّ مَا يُسَبِّبُهُ تَجَاهُلُهُمْ لِلْقَوانِينِ، وَتَغَافُلُهُمْ عَنِ القَواعِدِ.
   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (9).
   اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
   عِبَادَ اللهِ :
   (( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
(1) سورة  آل عمران/102  .
(2) سورة النحل/ 8.
(3) سورة الزخرف/ 13-14.
(4) سورة الإسراء/ 27.
(5) سورة المجادلة/ 11.
(6) سورة الأحزاب/ 4.
(7) سورة لقمان/ 19.
(8) سورة الفرقان/ 63.
(9) سورة الأحزاب / 56 .