أثَـرُ الذِّكْـر فِي حَياةِ المُسلِمِ
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
28/10/2009

خطبة الجمعة بتاريخ 11 ذو القعدة 1430هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أثَـرُ الذِّكْـر فِي  حَياةِ  المُسلِمِ

  الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ ذِكْرَهُ نُورًا لِلسَّالِكِينَ، وَطَمْأَنَةً لِقُلُوبِ المُؤْمِنِينَ، وَرَبْطًا لَهُمْ بِرَبِّهِمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ البَرُّ الكَرِيمُ، وَعَدَ عِبَادَهُ الذَّاكِرِينَ بِالخَيْرِ العَمِيمِ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، -صلى الله عليه وسلم-  وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَعَلَى كُلِّ مَنِ اهتَدَى بِهَدْيِهِ، وَاستَنَّ بِسُنَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   عِنْدَمَا نَقْرَأُ القُرآنَ الكَرِيمَ نَجِدُ عِنَايَةً كَبِيرةً بِذِكْرِ اللهِ، وَحَثًّا وَاضِحًا لِلْمُسلِمِينَ أَينَمَا كَانُوا عَلى أَنْ تَكُونَ لُغَتُهُمْ فِي كُلِّ حَرَكَةٍ وَسُكُونٍ هِيَ ذِكْرَ اللهِ، إِنَّ النَّهَارَ الوَاسِعَ المُمتَدَّ مُنْذُ شُروقِ الشَّمْسِ إِلَى غُرُوبِهَا يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ أَنْ يَبْدَأُوا فيهِ بِذِكْرِهِ، وَأَنْ يَخْتِمُوهُ بِذِكْرِهِ، فَيَقُولُ سُبْحَانَه: ((فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا))(1)، وَعِنْدَمَا تَلْبَسُ الأَرْضُ ثَوبَهَا الأَسْوَدَ وَيُخَيِّمُ اللَّيْلُ عَلَى أَرْجَائِهَا المُمتَدَّةِ وَتَبْدُو الحَيَاةُ هَادِئَةً سَاكِنَةً يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ أَنْ يَعْمُرُوا اللَّيلَ بِالذِّكْرِ وَالتَّسْبِيحِ فَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: ((وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى))(2)، وَالنَّظَرُ في رُقْعَةِ السَّمَاءِ المَبْسُوطَةِ وَمَا فِيهَا مِنْ كَوَاكِبَ وَنُجُومٍ وَمَجَرَّاتٍ، وَالنَّظَرُ في أَنْحَاءِ الأَرْضِ وَمَا أَودَعَ اللهُ فِيهَا مِنْ زُرُوعٍ وَثِمَارٍ وَخَيْرَاتٍ، مَدْعَاةٌ إِلَى ذِكْرِ اللهِ، بَلْ يَلْزَمُ المُؤْمِنَ وَهُوَ يَنْظُرُ في هَذِهِ الآيَاتِ العَظِيمَةِ أَنْ يَنْطَلِقَ لِسَانُهُ بِذِكْرِ اللهِ، يَقُولُ سُبْحَانَهُ: ((إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ))(3)، إنَّ ذِكْرَ اللهِ تَدفَعُ إِلَيْهِ الفِطْرَةُ السَّـلِيمَةُ وَالعَقلُ النَّظِيفُ؛ لأَنَّ كُلَّ مَا فِي هَذَا الكَونِ وَكُلَّ مَا فِي الإِنْسَانِ مِنْ خَلْقٍ وَتَكْوِينٍ وَمَا سُخِّرَ لَهُ فِي الأَرضِ مِنْ مَخلُوقَاتٍ دَافِعٌ إِلَى ذِكْرِ اللهِ. أَلاَ مَا أَحَرَانَا أَنْ نَستَعْرِضَ بَعْضَ صُوَرِ الذِّكْرِ وَآثَارِهِ فِي حَيَاتِنَا؛ حَتَّى تَصفُوَ النُّفُوسُ وَتَحْيَا الضَّمَائِرُ بِالعَيشِ مَعَ ذِكْرِ اللهِ.
   أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ :
   مَعَ انْبِلاجِ الفَجْرِ وَتَبَدُّدِ الظَّلامِ يَبْدَأُ النَّاسُ فِي الحَرَكَةِ وَيَستَعِدُّونَ فِي نَشَاطٍ وَهِمَّةٍ لأَدَاءِ فَرِيضَةِ الفَجْرِ. إِنَّ الجِسْمَ الهَاجِعَ قَدْ أَخَذَ قِسْطَهُ مِنَ النَّومِ، وَمَعَ افْتِتَاحِ العَيْنِ يُقَدِّمُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-  إِلَى الإِنْسَانِ هَذِهِ الكَلِمَاتِ: ((الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيهِ النُّشُورُ)) ، وعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  : ((إِذَا استَيقَظَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي رَدَّ عَلَيَّ رُوحِي، وَعَافَانِي فِي جَسَدِي، وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ))، إِنَّ هَذِهِ الكَلِمَاتِ الطَّيِّبَةَ الَّتِي يَذْكُرُ بِهَا الإِنْسَانُ رَبَّهُ، لَيْسَتْ وَظِيفَتُهَا حَلَّ عُقَدِ الشَّيطَانِ فَقَطْ، بَلْ يَكْسِبُ الإِنْسَانُ بِفَضلِهَا أُجُورًا عَظِيمَةً، كَذلِكَ تَمْسَحُ عَنْهُ ذُنُوبًا كَثِيرَةً أُخْرَى، وَفِي هَذَا فَضلٌ كَبِيرٌ لا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَتَهَاوَنَ فِيهِ، فَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  قَالَ: ((مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ عِنْدَ رَدِّ اللهِ تَعَالَى رُوحَهُ عَلَيْهِ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، إِلاَّ غَفَرَ اللهُ تَعَالَى لَهُ ذُنُوبَهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ)). إِنَّ هَذِهِ الكَلِمَاتِ الطَّيِّبَةَ تَشْرَحُ النَّفْسَ، وَتَطْبَعُ عَلَى القَلْبِ طُمَأْنِينَةً كَبِيرَةً؛ فَيَعُودُ إِلَى الإِنْسَانِ النَّشَاطُ وَالحَيَوِيَّةُ، لِيُصْبِحَ َكَأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ تَمْرِينٍ رِيَاضِيٍّ صَحِيحٍ، وَالعَجِيبُ أَنَّ قُوى الطَّبِيعَةِ قَدْ سُخِّرَتْ لِتُكْسِبَ هَذَا الإِنْسَانَ النَّشِيطَ مَزِيدًا مِنَ القُوَّةِ وَالحَيَوِيَّةِ، فَقَدْ ذَكَرَ الأَطِبَّاءُ أَنَّ مَسَامَاتِ جِسْمِ الإِنْسَانِ وَقْتَ الفَجْرِ تَبْدَأُ فِي التَّفَتُّحِ؛ لِتَلْتَقِطَ فِي تِلْكَ اللَّحَظَاتِ الجَمِيلَةِ غَازَ الأُوزُونِ، وَهُوَ غَازٌ مُنَشِّطٌ لِلْجِسْمِ ومُقَوٍّ لِلْعَضَلاتِ وَشَارِحٌ لِلنَّفْسِ، وَلا يَكُونُ إِلاَّ فِي وَقْتِ الفَجْرِ، وَلا يَتَحَقَّقُ إِلاَّ لإِنْسَانٍ قَامَ فِي تِلْكَ اللَّحَظَاتِ بِهِمَّةٍ وَانْشِرَاحٍ دَاخِلِيٍّ، وَذَلِكَ هُوَ مَا يُحَقِّقُهُ ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ))(4).
   أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ :
   لَقَدْ جَاءَتِ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ مُعَلِّمَةً المُسلِمَ أَنْ يَتَّخِذَ ذِكْرَ اللهِ تَعَالَى رَفِيقًا لَهُ فِي تَحَرُّكِهِ وَسُكُونِهِ، وَقِيَامِهِ وَنَومِهِ، وَلِبَاسِهِ وَمَطْعَمِهِ وَمَشْرَبِهِ، وَخُرُوجِهِ وَدُخُولِهِ، وَرُكُوبِهِ وَهُبُوطِهِ، وَفِي كُلِّ مُفْرَدَةٍ مِنْ مُفْرَدَاتِ حَيَاتِهِ. إِنَّ المُسلِمَ عِنْدَمَا يُقَرِّرُ الخُرُوجَ مِنَ البَيْتِ وَيَتَّجِهُ إِلَى المَسْجِدِ أَوْ العَمَلِ أَوْ أَيِّ مَكَانٍ آخَرَ عَلَيْهِ أَنْ يََبْدَأَ خَطَوَاتِهِ الأُولَى بِـ (بِسْمِ اللهِ)، حَتَّى يَحْصُلَ عَلَى رِعَايَةٍ تَامَّةٍ مِنَ اللهِ، مِنْ لَدُنْ خُرُوجِهِ إِلَى أَنْ يَعُودَ إِلَى أَهلِهِ وَأَولادِهِ، فَمِنَ السُّـنَّةِ أَنْ يَقُولَ المُسلِمُ إِذَا خَرَجَ مِنَ البَيْتِ: (بِسْمِ اللهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ، وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ). إِنَّ هَذِهِ الكَلِمَاتِ الطَّيِّبَةَ إِعْلانٌ مِنَ الإِنْسَانِ عَنْ عَجزِهِ وَضَعفِهِ، وَأَنَّهُ مُحتَاجٌ إِلَى اللهِ لِيَتَوَكَّلَ عَلَيهِ حَتَّى يَنَالَ الحِفْظَ وَالرِّعَايَةَ، نَعَمْ إِنَّ الإِنْسَانَ عِنْدَمَا يَخْرُجُ مِنَ البَيتِ قَدْ يَنْتَظِرُهُ فِي الخَارِجِ أَعْدَاءٌ مُتَعَدِّدُونَ، فَالشَّيْطَانُ يُرَتِّبُ أَورَاقَهُ فَيَستَنْفِرُ أَقْصَى مَا لَدَيهِ مِنْ طَاقَةٍ لِيَعُودَ الإِنْسَانُ وَفَوقَ رَأْسِهِ جِبَالٌ عَالِيَةٌ مِنَ الذُّنُوبِ وَالآثَامِ، أَوْ فِي الأَقَلِّ يَعُودُ إِلَى البَيتِ وَبَينَ عَينَيهِ إِعْصَارٌ مِنَ الغَضَبِ عَلَى زَوجِهِ وَأَولادِهِ، وَعَلى طُولِ الطَّرِيقِ المُمتَدِّ قَدْ يُوجَدُ أُنَاسٌ قَدْ فَرَغَتْ عُقُولُهُمْ مِنَ الحِكْمَةِ فَبَدَوا أَشْبَهَ بِالمَجَانِينِ عِنْدَمَا يَقُودُونَ سَيَّارَاتِهِمْ، إِنَّ كُلَّ هَؤُلاءِ يَحْمِيكَ اللهُ مِنْهُمْ عِنْدَمَا تَخْرُجُ مِنَ البَيتِ وَأَنْتَ تَقُولُ ذَلِكَ الذِّكْرَ المُبَارَكَ؛ فَعَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  : ((مَنْ قَالَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيتِهِ: بِسْمِ اللهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ، وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، يُقَالُ لَهُ: كُفِيتَ وَوُقِيتَ وَهُدِيتَ، وَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ، فَيَقُولُ: كَيفَ لِي بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ))، إِنَّ ذِكْرَ اللهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ المَوَاضِعِ أَمْرٌ عَظِيمُ الفَائِدَةِ كَبِيرُ النَّفْعِ، وَلِذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-  يُعَلِّمُ أُمَّـتَهُ أَنْ يُضِيفُوا إِلَى ذَلِكَ كَلِمَاتٍ أُخْرَى تَزِيدُ مِنَ الحَصَانَةِ وَالحِفْظِ، فَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-  كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيتِهِ قَالَ: ((بِسْمِ اللهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ)).
   فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَأَدِيمُوا ذِكْرَ اللهِ فِي قُلُوبِكُمْ وَعَلَى أَلسِنَتِكُمْ.
   نَفَعَنَا اللهُ بِهَدْيِ كِتَابِ اللهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم-  .
  أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
                                                  *** *** ***
   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   إِنَّ ذِكْرَ اللهِ لا يَنْبَغِي أَنْ يَنْقَطِعَ عِنْدَ الخُرُوجِ مِنَ البَيتِ وَالاتِّجَاهِ إِلَى السَّيَّارَةِ أَوِ المَركَبَةِ؛  فَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ إِنْ أَرَادُوا رُكُوبَ الرَّاحِلَةِ أَنْ يَتَقَدَّمُوا بِهَذَا الذِّكْرِ: ((سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ))(5)، وَهَكَذَا تَمُرُّ رِحلَةُ الذِّكْرِ فِي حَيَاةِ المُسلِمِ وَتَشْغَلُ كُلَّ تَفَاصِيلِ حَيَاتِهِ بِحَيثُ يَعُودُ إِلَى البَيتِ فِي نِهَايَةِ اليَومِ وَهُوَ يَقُولُ: ((اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ خَيْرَ المَولَجِ وَخَيْرَ المَخْرَجِ، بِسْمِ اللهِ وَلَجْنَا، وَبِسمِ اللهِ خَرَجْنَا، وَعَلَى اللهِ رَبِّنَا تَوَكَّلْنَا)).
   فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، وَادعُوا رَبَّكُمْ أَنْ يُعِينَكُمْ عَلَى ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ.
   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْمًا: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (6).
   اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُوْمًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُوْمًا، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْمًا.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَانًا صَادِقًا ذَاكِرًا، وَقَلْبًا خَاشِعًا مُنِيْبًا، وَعَمَلاً صَالِحًا زَاكِيًا، وَعِلْمًا نَافِعًا رَافِعًا، وَإِيْمَانًا رَاسِخًا ثَابِتًا، وَيَقِيْنًا صَادِقًا خَالِصًا، وَرِزْقًا حَلاَلاًَ طَيِّبًا وَاسِعًا، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظَّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
   عِبَادَ اللهِ :
(( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
(1) سورة طـه/ 130.
(2) سورة طـه/ 130.
(3) سورة آل عمران/ 190-191.
(4) سورة الرعد/ 28.
(5) سورة الزخرف/ 13.
(6) سورة الأحزاب / 56 .