بناء المستقبل
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
01/02/2007
خطبة الجمعة بتاريخ 14 محرم 1428هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
بناءُ المستقبل
   الْحَمْدُ للهِ المُدبِّرِ الحكيم، الرزَّاقِ العليم، أمرنا بعمارةِ الأرضِ والسعيِ في مناكبِها، واستغلالِ خيراتِها، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ  وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، حَثَّ على حُسنِ الكسبِ والعمل، والسعيِ لتحقيقِ ما يُستطاعُ مِنْ جميلِ الأمل، -صلى الله عليه وسلم- وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

 أَمَّا بَعْدُ، فأوصيكم ونفسي -عبادَ الله- بتقواه، والعملِ بما فيهِ رضاه (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً)) (1) ، واعلموا -رحمكم اللهُ- أنَّ الإسلامَ دينٌ يُوجِّهُ أتباعهُ إلى العملِ بروحٍ عاليةٍ مِنَ التفاؤلِ الخلاَّق، المضبوطِ بعواملِ النجاحِ ومكارمِ الأخلاق، ذلكَ لأنَّ الإنسانَ لَمْ يُخْلَقْ ليومهِ وساعتهِ، بل خُلقَ والأملُ ملازمٌ لِفِكْرِه، والطموحُ مسيطرٌ على أمره، ومعْ مَحْدُودِيَّةِ تَصُّوراتهِ جاءت أوامرُ الإسلامِ ونواهيه بمنهجٍ يُقَوِّمُ أَملَ الإنسانِ وَيُنَمِّيه، حيثُ أُمِرَ بُحسْنِ الاستعدادِ لما يطمحُ إليهِ مِنْ أمورِ الدنيا والمعاد، قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)) (2) ، فالمسلمُ ينظرُ إلى المستقبلِ بتفاؤلٍ تدعمهُ الدراسةُ المستوفية، ويُغَذِّيه التفكيرُ السليم، بعيداً عن التهوُّرِ والعشوائية، فلا اليأسُ يُوقِفُهُ ويُثنيه، ولا التسرُّعُ يُوَرِّطَهُ ويُردِيه، فهو يعملُ بجدٍ وإخلاص، يُبذلُ الجُهْدَ ويسألُ اللهَ حُسنَ العاقبة، ويغرسُ راجياً ثمارَ غرسهِ لهُ ولغيره، فيستفيدُ ويُفيد، فعَنْ أنسِ بنِ مالكِ -رضي الله عنه- قالَ: قالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : ((إنْ قامتِ الساعةُ وفي يدِ أحدِكم فسيلةٌ فليغرسْها)) وفي الأثر: ((اعملْ لِدُنياكَ كأنكَ تعيشُ أبداً واعملْ لآخرتكَ كأنكَ تموتُ غداً)). إنَّ المُضيِّّعَ لِوَقْتِهِ في اللهوِ والعبث، المفوّتَ لِفُرَصِه، المفرّطَ في مستقبلِه، يندمُ حيثُ يفرحُ العاملون، ويحزنُ حينَ يستبشرُ الجادُّون، يقولُ اللهُ تعالى في هذا الصنفِ مِنَ الناسِ بعدَ أنْ بيَّنَ حالَهُم وسُوءَ مآلِهم: (( ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ)) (3) ، وقد جاءَ في الأثرِ: ((إنَّ الليلَ والنهارَ يعملانِ فيكَ - أي يُنقِصُ مرورُهما مِنْ عُمرِك - فاعملْ فيهما)).
   أيها المسلمون :
   إنَّ بناءَ المستقبلِ لا يأتي جزافاً، ولا يُدرَكُ بالخيالِ والوهم، بل يُحرَزُ بالتفكيرِ السليم، القائمِ على الدراسةِ الواقعيةِ التي توازنُ بينَ الطموحِ والقُدرات، لذا كانَ العلمُ أفضلَ الوسائلِ وأهمَّ الأدوات، التي يُتوصَّلُ بها إلى إدراكِ المقاصدِ وبلوغِ الغايات، والعلمُ نورٌ يُبَصِّرُ الطريقَ ويُذلِّلُ العقبات، وبهِ تتحققُ الأهدافُ وتُدرَكُ الأُمنيات، وهو مَرْقَى الأُمَمِ وصانعُ الحضاراتِ، قال تعالى: (( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ)) (4) ، وإنَّ مِنْ بناءِ المستقبلِ أنْ يَحرصَ الإنسانُ على تنميةِ نفسهِ وأُسرتهِ ومجتمعهِ بالعلمِ النافعِ في سائرِ شؤونِ الحياة، فلا حياةَ بدونِ علم، ولا رُقيَ بغيرِ فهم، إذِ الجهلُ مُـبَـدِّدُ الطاقات، ومُضَيِّعُ القُدُرات، لذا حرصَ الإسلامُ على دعوةِ أتباعهِ إلى بناءِ مجتمعاتِهم، وإصلاحِ شؤونِهم وأحوالِهم، بإعدادِ الكوادرِ المُتعلِّمة، وتربيةِ الأجيالِ المفكِّرة، فهذا النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يفادي بعضَ أسارَى بدرٍ مقابلَ أنْ يُعَلِّمَ أحدُهم عشرةً منَ المسلمين القراءةَ والكتابة، وطلبَ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الشفاءِ بنتِ عبدِالله أنْ تُعلِّمَ زوجتَهُ حفصةَ -رضيَ اللهُ عنهما- القراءةَ والكتابةَ وشيئاً مِنَ الطِّبِّ، لأنَّ المجتمعَ كان أحوجَ ما يكونُ إلى ذلك، وحكى اللهُ تعالى عن نبيِّهِ داودَ -عليهِ السلامُ- أنهُ تعلَّمَ صناعةَ الدروعِ حتى أتقنَها، قالَ تعالى : ((وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ)) (5) ، وإلى جانبِ التنميةِ العلميةِ والثقافية، فإنَّ بناءَ المستقبلِ يحتاجُ كذلكَ إلى تنميةٍ اقتصاديةٍ وماليَّة، فبالعلمِ والمالِ تُبنَى المجتمعات، وبالجهلِ والفقرِ يسوءُ حالُ الأفرادِ والجماعات، ولا غروَ فقدْ قرنَ اللهُ تعالى المالَ -في كتابهِ العزيز- بالنسلِ البشري، وجعلَهما عُنصُرَينِ مترادفَينِ في هذهِ الحياة، قال تعالى: ((الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)) (6)، وازدهارُ كلُ أُمَّةٍ يُقاسُ بمستواها الاقتصادي.
   أيُّها المسلمون :
   إنَّ بعضَ الناسِ يَندِبُونَ حظوظَهم، ويبكونَ على أحوالِهم، ويسألونَ الناسَ مِنْ أموالِهم، لا يتقدَّمونَ خُطْوةً لبناءِ مستقبلٍ واعد، ولا يتكلَّفونَ دراسةً لِنجاحٍ صاعد، يُتقِنونَ صياغةَ سؤالِ المحُسنين، ويَكرهونَ مسحَ عَرَقِ الجبين، يُنفِقُ أحدهم كلََّ ما لديهِ مِنْ مالٍ فيما لا يحتاجُه وما هوَ مُستغنٍ عنه، حتى إذا نفدَ ما لديهِ قعدَ أسيرَ الهموم، وأنزلَ على أُسرتهِ سيلاً مِنَ العتابِ واللَّوم، واتَّهمها بسوءِ التدبير، والإسرافِ والتبذير، وتجاهلَ أنَّ كلَّ ذلكَ مِنْ صنعِ يديه، فهوَ لا يدَّخِرُ لِغَدِه، ولا يسعى لسعادةِ مَنْ بعدَه، إنْ أيسرَ يوماً بذّرَ وأسرف، وإنْ دُعِيَ إلى كسبٍ أو ادّخارٍ تراخى وَسوَّفَ، قد تجاهلَ قولَ اللهِ تعالى: ((وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً))(7)، وقوله: ((يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)) (8)، وقد جاءَ شابٌّ يفورُ قُوّةً وفُتوّةً إلى الرسولِ -صلى الله عليه وسلم- يشكو إليهِ الفاقة، ويمدُّ يدَهُ للسؤال، فتجلَّتْ أروعُ صُوَرِ التصرُّفِ الحكيم، مِنَ الرسولِ الكريمِ -صلى الله عليه وسلم- ، فوجَّهَهُ إلى طيِّبِ الكسبِ وصالحِ العمل، لِيَضعَ للمجتمعِ منهجاً يقيهِ مِنْ أضرارِ الخُمولِ والكسل، فعَنْ أنسِ بنِ مالكٍ -رضيَ اللهُ عنه- أنَّ رَجُلاً مِنَ الأنصارِ أتى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يسأله، فقال -صلى الله عليه وسلم- : أمَا في بيتكَ شيء؟ قال: بلى حِلْسٌ -أي ثوبٌ- نلبسُ بعضَهُ ونبسطُ بعضَهُ، وقَعْبٌ -أي إناءٌ- نشربُ فيهِ الماء، قال: ائتني بهما، فأخذَهما رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بيدهِ وقال: مَنْ يشتري هذَين؟ قالَ رجلٌ: أنا آخذُهما بدِرهمٍ، قال: مَنْ يزيدُ على درهم؟ مرّتين أو ثلاثاً، فقالَ رجل: أنا آخذهما بدرهمَين، فأعطاهما إيِّاهُ وأخذَ الدِّرهمَينِ وأعطاهما الأنصاري وقال: اشترِ بأحدهما طعاماً فانبذهُ إلى أهلِك، واشترِ بالآخرِ قَدُوماً -هو آلةٌ من آلاتِ النِجارة- فأتني به، فأتاهُ بهِ فشدَّ فيهِ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عوداً بيدهِ ثمَّ قالَ له: اذهبْ فاحتطبْ وبعْ ولا أرينّكَ خمسةَ عشرَ يوماً، فذهبَ الرجلُ يحتطبُ ويبيع فجاءَ وقد أصابَ عشرةَ دارهمَ فاشترى ببعضِِها ثوباً وببعضها طعاماً، فقالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: هذا خيرٌ لكَ مِنْ أنْ تجئَ المسألةُ نُكتةً في وجهكَ يومَ القيامة، إنَّ المسألةَ لا تصلحُ إلا لثلاثة: لذي فقرٍ مُدْقِعٍ، أو لذي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أو لذي دَمٍ مُوجِعٍ))، لقد وضعَ لهُ -صلى الله عليه وسلم- خطةً اقتصاديةً رائعةً علَّمتهُ معنى الكسبِ وحلاوتَه، إنهُ البناءُ السليمُ للمستقبلِ الكريم.
   إنَّ المسلمَ كما هو مأمورٌ بحسنِ كَسْبِ المال، مأمورٌ كذلكَ بحُسْنِ تصريفهِ وجميلِ إنفاقِه، يأخذُ ما يحتاجُه، ويشتري ما يَسُدُّ رَمَقَهُ أو يسترُ جَسَدَه أو يُغْنِي بهِ أَهلَهُ وَوَلَدَهُ عَنْ سُؤالِ الناس، فقدْ عادَ الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- أحدَ أصحابهِ في مرضهِ فقال: يا رسولَ الله بلَغَ مِني مِنَ الوجعِ ما ترى، وأنا ذو مالٍ، ولا يرثني إلاَّ ابنةٌ لي واحدةٌ، أفأتصدَّقُ بثلثيْ مالي؟ قال: لا، قالَ: فأتصدَّقُ بشَطْره؟ قال: لا، قال: فالثلثُ يا رسولَ الله؟ قال: الثلثُ يا سعد والثلثُ كثير، إنكَ إنْ تدعْ ورثتَكَ أغنياءَ خيرٌ مِنْ أنْ تدعهم عالةً يتكفّفونَ الناسَ في أيديهم، وإنكَ مهما أنفقتَ مِنْ نفقةٍ فإنَّها صدقة، حتى اللقمةَ التي ترفعُها إلى فمِ امرأتِك، وعسى اللهُ أنْ يرفعَكَ فينتفعَ بك ناسٌ ويضرُّ بكَ آخرون)).
   يُّها المسلمون:
   إنَّ التنميةَ الاقتصاديةَ الناجحة، الكفيلةَ بصناعةِ المستقبلِ المشرقِ للفردِ والجماعة، هي تلكَ التنميةُ القائمةُ على أُسُسٍ علميّةٍ رصينةٍ في مجالِ الاقتصادِ وضوابطِ الدخلِ والإنفاق، إرشاداً للمنتجِ والمستهلكِ إلى ما يضمنُ لكلٍ منهُمَا الحياةَ الهانئةَ المستقرةَ مهما كانَ دخلُهُ ومستواهُ المالي، إذْ لا غنى كالتدبيرِ ولا كنزَ كالقناعة، وبهِ يستطيعُ الفردُ الموازنةَ الدقيقةَ الصحيحةَ بينَ دَخْلِهِ ومصروفاتِه، فيُنفِقُ بناءً على دخلِه، وَيَسْلَمُ بذلكَ مِنْ هَمِّ الدَّيْـنِ وَنَكَدِ الإعسار، ولقد ضربَ لنا اللهُ تعالى في كتابهِ الحكيم، وجاء في سنّةِ النبيِّ الكريمِ -صلى الله عليه وسلم- ما يكفي دليلا، ويَصلحُ لأنْ يكونَ منهجاً وسبيلا، لكلِّ مسلمٍ عاقلٍ في أمورهِ المالية، وشؤونهِ الاقتصادية، فهذا نبيُ اللهِ يوسفُ -عليهِ الصلاةُ والسلامُ- بعدَ أنْ استشرفَ المستقبلَ وما ينطوي عليهِ مِنْ أزمةٍ مؤكَّدةٍ، تنتجُ عَنْ سبعِ سنواتٍ مِنَ القحطِ الشديد، استعدَّ لهذا المستقبلِ بإدارتهِ الحكيمة، فوضعَ لذلكَ منهجاً قويما، نجحَ مِنْ خِلاِله - بفضلِ الله - في تجنيبِ البلدِ كارثةً وأزمةً كادتْ تعصفُ بها، منهجٌ خلّدهُ اللهُ في كتابِه، تتلوه الأجيالُ إلى يومِ القيامة، ويستفيدُ منه علماءُ الاقتصادِ وخبراؤه، قالَ تعالى: ((قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ))(9)، إنهُ حلٌ للمشاكلِ الاقتصادية، وإدارةٌ للأزماتِ الماليَّة، بخُطُواتٍ عَمَليَّةٍ مدروسة.
   فاتَّقوا اللهَ -عبادَ الله-، واحرصوا على ما فيهِ الخيرُ لمستقبِلكم ومستقبلِ أولادكم، حدِّدُوا أهدافَكُم، واعرفوا أولويَّاتِكُم، وادرسوا قدراتِكُم، تهنأوا في عيشِكُم، وتُسعِدُوا أنفسَكُم وأهليكم.
  أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
  *** *** ***
   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   إنْ بناءَ المستقبلِ لا يكونُ إلاَّ بالتفكيرِ السليم، وفي بعضِ الأحيانِ يقفُ المرءُ عاجزاً عنِ التفكيرِ لِمُستقبلِه، ودراسةِ أمورِهِ لظروفٍ تُحيطُ به، أو وَضْعٍ علميِّ محدودٍ لديه، أو خبرةٍ ناقصة، أو عدمِ توفُّرِ الإمكانياتِ اللازمةِ للتخطيطِ والدراسة، ومِنْ فضلِ اللهِ في مثلِ هذهِ الأحوالِ أنْ يجدَ المرءُ مَنْ يُعينُهُ على ذلكَ بتشخيصِ حالتِه، وإيضاحِ التصوّرِ المناسبِ لِمُستقبلِه، وهنا تتجلَّى صورةٌ مِنْ صُوَرِ التعاونِ المحمودِ الذي أمرَ اللهُ تعالى بهِ حينَ قال: ((وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ))(10)، إنَّ البعضَ يتردَّدُ في عَرْضِ حالتِه، أو إعطاءِ البياناتِ الدقيقةِ عَنْ وضعه، ظناً مِنهُ أنَّ ذلكَ مِنَ الخصُوصيَّاتِ التي ينبغي عليهِ التحفُّظُ عليها، فيؤدِّي ذلكَ إلى خَلَلٍ في الدراسة، وقصورٍ في الوقوفِ على حقيقةِ مستوى معيشتِه، وواقعِ دخِلهِ ونفقاتِه، كالمريضِ الذي يُخفي أَلَمَهُ عَنْ طبيبِه، فأنَّى لِمثلِ هؤلاءِ أنْ يَجدوا مَنْ يهديهمُ السبيلَ، أو يُرشدُهم إلى الدليل، ولقد أخذتْ بعضُ جهاتِ الاختصاصِ على نفسِها دراسةَ بعضِ جوانبِ الاقتصاد، فيما يتعلَّقُ بنفقاتِ الأُسرةِ ودخلِها، بهدفِ الوقوفِ على الوضعِ عَنْ قُرب، وتشخيصِ الحالةِ مِنْ خلالِ الدراسةِ الميدانيةِ المرتبطةِ بأنظمةٍ علميَّةٍ في هذا المجال، وإذا كانَ الحفاظُ على أسرارِ الأسرةِ وخصوصيَّاتِها مما يَحرِصُ عليهِ كلُّ ربُّ أسُرةٍ، فإنَّ هذا أمرٌ ينبغي أنْ لا يكونَ على حسابِ مصالحِ الأُسرةِ نفسِها.
    فاحرصوا -رحمكم اللهُ- على الاستفادةِ مِنْ كلِّ عملٍ فيهِ رقيٌّ لِمُستقبلِكم، وكلِّ مشروعٍ فيهِ صلاحٌ لأُسَرِكم، وتعاونُوا مع كلِّ مَنْ يسعى إلى رُقيِّكُم، ويحرصُ على راحتِكم، ويتطلَّعُ إلى الارتقاءِ بمستواكم؛ فإنَّ في ذلكَ أداءً للواجبِ عليكم، تجاهَ أنفسِكُم وأسرِكُم ومجتمعاتِكُم.
   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا ))(11).
   اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
   عِبَادَ اللهِ :
(( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
(1) سورة الاحزاب / 70 .
(2) سورة الحشر / 18 .
(3) سورة غافر / 75 .
(4) سورة الزمر / 9 .
(5) سورة الانبياء / 80 .
(6) سورة الكهف / 46 .
(7) سورة الاسراء / 29 .
(8) سورة الاعراف / 31 .
(9) سورة يوسف / 47-49 .
(10) سورة المائدة / 2 .
(11) سورة الأحزاب / 56 .
آخر تحديث ( 03/02/2007 )