أحب لأخيك ما تحب لنفسك
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
20/03/2007

 خطبة الجمعة بتاريخ 19 صفر 1428هـ

 

بسم الله الرحمن الرحيم

أَحِبَّ لأخِيكَ ما تحبُّ لِنفسِكَ

   الْحَمْدُ للهِ ربِّ العالَمين، علاَّمِ الغُيُوبِ، يُؤلِّفُ برحمتِه بَيْنَ القلوب، جعلَ حُبَّ الإنسانِ لأخيهِ الإنسانِ على الإيمانِ دليلاً، وللجَنَّةِ طريقاً وسبيلاً، سبحانه حثَّ عبادَه على المَحبَّةِ وسَلاَمَةِ الصُّدُورِ، وجعلَ ذلكَ منَ العملِ الصالحِ المَبْرُورِ، أحمدُه سُبْحانَه وتعالى بما هو لهُ أهلٌ منَ الحَمْدِ وأُثني عليه، وأؤمنُ به وأتوكَّلُ عليه، مَنْ يهدِهِ اللهُ فَلا مُضلَّ له، ومَنْ يُضللْ فلا هاديَ له، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أرفعُ الناسِ مكانةً وأعلاهم قَدراً، وأزكاهم خُلُقاً وأسلمُهم صَدراً، اللهم صلِّ وسلِّمْ وباركْ عليه وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

   أَمَّا بَعْدُ، فيا أيُّها المُسلمونَ:

   إنَّ الإيمانَ باللهِ تباركَ وتعالَى عقيدةٌ مكينةٌ، تَهبُ المؤمنَ الهُدوءَ والسَّكِينَةَ، يقولُ اللهُ تعالى: ((وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ))(1)، وهذهِ العقيدةُ المُستَكِنَّةُ في القلوبِ لها تأثيرُها الفَعَّالُ على سلوكِ الإنسانِ؛ فلا يَصدرُ منهُ إلاَّ كُلُّ عَملٍ صالحٍ رشيد، وقولٍ زاكٍ طيِّبٍ سديدٍ، فَيَتحقَّقُ لَه سلامةُ القلبِ، وإصلاحُ العمل وغفرانُ الذَّنب، يقولُ اللهُ تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً))(2)، ويقولُ الرسولُ -صلى الله عليه وسلم-  : ((الخُلُقُ الحَسَنُ يُذِيبُ الخَطايا كَما يُذِيبُ المَاءُ الجَليدَ، والخُلُقُ السُّوءُ يُفسِدُ العَملَ كما يُفسِدُ الخَلُّ العَسل)). إنَّ صلاحَ الأعمالِ والأقوالِ دليلٌ وبرهانٌ على حُسْنِ الإيمان، ومَنْ حَسُنَ إيمانُه زكَتْ صِفَاتُه وسَمَتْ أَخلاَقُه، ومَنْ كانَ كَذلكَ فازَ بِحُبِّ اللهِ وحُبِّ الرَّسولِ -صلى الله عليه وسلم-  ، يقولُ الرسولُ -صلى الله عليه وسلم-  : ((إنَّ أحبَّكُم إليَّ أحاسِنُكم أَخْلاقاً، المُوطِّئُونَ أَكْنافاً - أي المتواضعُون- الَّذينَ يَأْلَفُون ويُؤلَفون)). إنَّ الإيمانَ باللهِ تباركَ وتعالى يَدفَعُ الإنسانَ إلى كُلِّ خُلُقٍ كريم، ويَحمِيهِ مِنْ كُلِّ فِعلٍ أو قَولٍ ذَميم، فَلا يُرَى إلاَّ إِلَى الخيراتِ سبَّاقاً، وإلى المكرُمَاتِ توَّاقاً، وأََعظَمُ خَيْرٍ يُؤتَاهُ الإنسانُ ويُعطَاه أَخْلاقٌ سامِيَةٌ، وشِيَمٌ كَرِيمةٌ عاليةٌ، فَقَدْ سُئِلَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  : ((ما خَيرُ ما أُعْطِيَ الإِنسانُ؟ قَالَ: خُلُقٌ حَسَنٌ))، وللحصولِ على هذهِ الخيراتِ حَفلتْ تعاليمُ الإسلامِ بالدعوةِ إِلَى حَيَاةٍ عامرةٍ بالآدابِ والفضائلِ، والتحذيرِ منَ التَّرَدِّي في حَمأَةِ الرَّذَائلِ، يقولُ الرسولُ -صلى الله عليه وسلم-  : ((إنَّ الفُحشَ والتَّفَحُّشَ لَيسا مِنَ الإسلامِ في شَيءٍ، وإنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ إِسْلاَماً أَحسَنُهُمْ خُلُقاً)).

          

   عبادَ اللهِ :

                                            

   إنَّ منْ دلائلِ الإيمانِ وبراهينِه حُبَّ الخَيْرِ للنَّاسِ كَما يُحِبُّ الإِنسانُ ذَلِكَ لِنَفْسِه، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-  : ((لاَ يُؤمِنُ أََحدُكُم حتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِه))، ويقولُ -صلى الله عليه وسلم-  : ((أَحِبَّ للنَّاسِ ما تُحبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسلماً))، والذي يُحِبُّ الخَيْرَ لأَخِيه كَما يُحِبُّهُ لِنَفْسِه يَنجُو بِنَفِسِه منَ النَّارِ، ومَنْ زُحزِحَ عَنِ النَّارِ فَازَ ودَخَلَ الجَنَّةَ مَعَ الأَبرار، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-  : ((مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزحزَحَ عَنِ النَّارِ ويَدخلَ الجَنَّةَ فلْتُدركْهُ منِيَّتُهُ وهُو مُؤْمِنٌ بِاللهِ واليومِ الآخرِ ويأتي إلى الناسِ الَّذي يُحِبُّ أَنْ يُؤتَى إِلَيه)). إِنَّ الَّذِي يُحِبُّ للنَّاسِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِه امرؤٌ سَلِمَ صَدرُه منَ الغِلِّ والحَسَد، ومِنْ ثَمَّ فَهُوَ لا يكْرَهُ أنْ يُساقَ الخَيْرُ إِلَى أَحَدٍ؛ بلْ إِنَّهُ يَسمُو ويَرتَقِي أكثرَ فَيشعرَ بالسعادةِ إذَا سيقَ إلى أحدٍ وكأنَّ هذا الخيرَ سيقَ إليه، ووُضِعَ بينَ يدَيه، ولقدْ كانَ الرسولُ -صلى الله عليه وسلم-  يشكرُ رَبَّهُ على كلِّ نِعمةٍ تَصِلُ إلى أَحَدٍ مِنْ خلقِه؛ فَكَانَ يُردِّدُ كُلَّ صباحٍ وبكلِّ سَعادةٍ وارتياح، وسَلامةِ صدرٍ وانشراحٍ: ((اللهمَّ ما أصبحَ بِي مِنْ نِعمَةٍ أَو بأحدٍٍ مِنْ خَلْقِكَ فمِنْكَ وَحدَكَ لا شريكَ لكَ فلكَ الحَمْدُ ولكَ الشُّكْرُ)). إنَّ قَلْبَ المُؤْمِنِ ساحةٌ واسعةٌ تَسَعُ كُلَّ الناسِ حُبّاً، فهُوَ مِنْ كُلِّ النَّاس مَحبُوبٌ ولِكُلِّ النَّاسِ مُحِبٌّ، إنَّهُ بسلامةِ الصَّدْرِ مَشهُورٌ وبالسماحةِ معروفٌ، فهو لهذا إِلْفٌ مألوفٌ، يقولُ الرسولُ -صلى الله عليه وسلم-  : ((المُؤمنُ يألَفُ ويُؤلَفُ، ولا خَيْرَ فِيمَنْ لا يألفُ ولا يُؤلَفُ، وخَيْرُ النَّاسِ أنفعُهم للنَّاسِ))، وبذلكَ تَسلَمُ نِعمتُه، وتَصفُو مَوَدَّتُه؛ فلا يكيدُهُ حاسدٌ، ولا يُؤذِيهِ حاقدٌ، وكيف يُحسَدُ ويُضارّ مَنْ سخَّرَ لِنفعِ الناسِ نَفْسَه وذاتَه، وكرَّسَ لَهُم جُهدَهُ وحياتَهُ، ومدَّ يدَ العَونِ إِلَيهِم، وتواضعَ لهم ولم يتكبَّرْ عليهم؟ فبِمِثْلِ هذهِ الأعمالِ الجليلةِ، والأخلاقِ النبيلةِ تَتوثَّقُ الصلاتُ، وتُدحَرُ الخُصُوماتُ، وتَنْمَحِي العداواتُ، إنَّ المجتمعَ الذي يتَّسِمُ بالحضارةِ الأخلاقيَّةِ هو المُجتمعُ الذي يَملِكُ أفرادُه صدوراً سليمةً وقلوباً نَقِيَّةً، إذا غابَ أحدُهم تَفقَّدُوهُ، وإذا مرضَ عادوه، وإذا احتاج ساعدوه، وإذا افتقرَ أعانوه، وإذا زلَّ وأخطأ نصحوه، إنَّ مجتمعاً كهذا صورتُه باهرةٌ، وحضارتُه زاهرةٌ، فيه تتجلَّى الآصرةُ القويَّةُ التي تربطُ الجميعَ برباطِ الحُبِّ العفيف، للوصولِ إلى الغايةِ النبيلةِ والهدفِ الشريف.

   عباد الله :

   إنَّ علاقةَ الناس بعضِهم ببعض يجبُ أنْ تقومَ على عواطفِ الحُبِّ المشتركِ والتعاونِ على البرِّ والتقوى والمجاملةِ الطيِّبة، والمعاملاتِ السمحة، ولنْ تكونَ العلاقاتُ بهذهِ الصورةِ إلاَّ إذا نقَّى كلُّ إنسانٍ صدرَه منَ الأنانيةِ واستعانَ على تحقيقِ ذلكَ بالدُّعاءِ والتضرُّعِ إلى اللهِ تعالى ليعينَه على ذلك، يقولُ اللهُ تعالى: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ))(3). إنَّ الإنسانَ مرآةُ لأخيه الإنسان، يحبُّه دائماً مُتَّصفاً بالفضائلِ والإحسان، إنْ رأى فيهِ خَيراً أبقاه ونمَّاه، وإنْ رآه على شرٍّ طهَّرَه منْ ذلكَ الشَّرِّ ونقَّاه، وهذا منَ اليسيرِ تحقيقُه وتأكيدُه وتوثيقُه في ظلالِ الإيمانِ؛ فأنوارُ الإيمانِ كفيلةٌ بإزالةِ الحقدِ والكراهيةِ وحبِّ النَّفسِ والأنانية، وإذا ما زالَ ذلكَ وانمحَى أَحبَّ الإنسانُ الخيرَ لعبادِ اللهِ جميعاً، فعلى هُدىً مِنْ نورِ الإيمانِ لا يُبغِضُ ولا يُقاطعُ، ولا يَحسدُ ولا يُدابرُ، يُعلّمُه إيمانُه بأنَّ كُلَّ الناسِ إخوانُه، يقولُ الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تَقَاطعوا ولا تَدابَروا، ولا تَباغَضُوا ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانا))، كما أنَّ أنوارَ الإيمانِ تجعلُ المؤمنَ يَنظرُ إلى كلِّ النَّاسِ على اختلافِ الألوانِ والأجناسِ مِنْ مُنْطَلَقِ ما يَجمَعُه بِهِمْ مِنْ رَحِمٍ عامَّةٍ، يَنْظُرُ إليها بِكُلِّ احتِرامٍ  وتَقْدِيرٍ وإِكْرامٍ، فما بينَ النَّاسِ منْ رَحِمٍ يَجِبُ أنْ تُصانَ بالحُبِّ والوَفاءِ، ويمنع أنْ تعاملَ بقطيعةٍ وجفاء، وقد أمرنا اللهُ عزَّ وجل بتَقواه وتقوى الأرحامِ بَعْدَ الإشارةِ إلى أصلِ الإنسانيَّةِ، فقالَ تباركَ وتعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (4) .

   فاتقوا اللهَ -عبادَ اللهِ-، واعلموا أنَّهُ عِنْدَما تَصفُو القُلُوبُ وتَسلَمُ الصُّدُورُ مِنْ كُلِّ حِقْدٍ وحَسَدٍ، لا يُوجَدُ مَنْ يَكْرَهُ الخيرَ يُساقُ إلى أَحَدٍ.

  أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.

  *** *** ***

   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :

   إنَّ سلامةَ الصدورِ مِنَ الأغلالِ نعمةٌ مِنَ اللهِ صاحبِ العظمةِ والجلالِ، ويكفي هذهِ النعمةَ شَرفاً وسُمُوَّ مَنْزِلَةٍ أنَّها مِنْ نعيمِ أهلِ الجَنَّةِ؛ لأنَّ الفشلَ لا يتناسبُ مع دارِ النعيمِ والعزِ والتكريم، يقولُ اللهُ تعالى: ((وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ)) (5) ، ويقولُ جلَّ شأنُه: ((وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ)) (6) ، إنَّ العملَ وإنْ قل، يباركُ اللهُ فيهِ ما دامَ صاحبُه ما حقدَ وما غل. إنَّ المؤمنَ يحبُ الخيرَ للناسِ فيفرحُ إذا فرحوا ويحزنُ إذا ترحوا، ويسارعُ إلى ما يسرهُم ويذبُ عنهُم كلَّ ما يضرُّهم، ولقدْ بشرَ الرسولُ      -صلى الله عليه وسلم- رجلاً بالجنةِ ثلاثَ مرات؛ فحرصَ الصحابيُ الجليلُ عبدُ اللهِ بن عمرو -رضي اللهُ عنهُ- على أنْ يعرفَ عملَهُ لِيَعملَ مِثلَهُ؛ فلمْ يجدْ عَمَلَهُ يفوقُ عملَ غيرهِ فقالَ لهُ عبدُ الله:((لم أركَ عملتَ كبيرَ عمل، فما الذي بلغَ بكَ هذهِ المنزلةَ؟ فقالَ له: ما هوَ إلا ما رأيتَ يا ابنَ أخي، غيرَ أنِّي لا أجدُ في نفسي لأحدٍ غِشّاً ولا أحسدُ أحداً على خيرٍ أعطاهُ اللهُ إيَّاه؛ فقال عبدُ الله: هذهِ التي بلغتْ بك)).

   عبادَ الله :

   إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ المقسطَ المُعطيَ الواهبَ قسمَ الحظوظَ ووزَّعَ المواهبَ، فالمؤمنُ يعتقدُ أنَّ الأمرَ كلَّهُ مردهُ إلى قسمةٍ إلهيةٍ وقضاءٍ وقدر، فالاعتراضُ عليهِ عدمُ رضا بما قسمَ اللهُ وقدرَ وقضى، يقولُ اللهُ تعالى: ((إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً))(7) ، وقد قيل: ((الحاسدُ جاحدٌ لأنَّهُ لم يرضَ بقضاءِ الواحد)). ليسَ مِنْ فضائلِ الأخلاقِ أنْ يُحِبَّ المرءُ التفوُّقَ على الغيرِ والاستئثارَ  بالخيرِ اللهمَّ إلا أنْ يكونَ تنافساً شريفاً لا يُقصَدُ مِنْ ورائهِ إرادةُ العُلوِّ والحطُّ مِنْ أقدارِ الآخرين.

   فاتقوا اللهَ -عبادَ الله-، واعلموا أنَّ مقتضى الإيمانِ أنْ يشكرَ المرءُ ربَّه على ما أنعم بهِ عليه، ويتمنى أنْ يُشْرِكَهُ إِخْوانُهُ كُلُّهُم فيما أعطاهُ اللهُ مِنَ الخير؛ فذلكَ لا ينقصُ الخيرَ شيئاً بل يجعلُهُ ينمو ويزيد، ويُضافُ إليهِ خيرٌ جديد، وقد أخبرَ اللهُ عبادَه أنَّ أهلَ الشكرِ هُمْ أهلُ الزيادة، يقولُ اللهُ تعالى: ((لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ)) (8) ، وجاء في أَثَرٍ إِلَهيٍ: ((أهلُ شُكْرِي أهلُ زيادتي)).  

   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (9).

   اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.

   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.

   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.

   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.

   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.

   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.

   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.

   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ. رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.

عِبَادَ اللهِ :(( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).

(1) سورة التغابن / 11 .

(2) سورة الاحزاب / 70-71 .

(3) سورة الحجر / 10 .

(4) سورة النساء / 1 .

(5) سورة الأعراف / 42-43 .

(6) سورة الحجر / 47 .

(7) سورة الإسراء / 30 .

(8) سورة ابراهيم / 7 .

(9) سورة الأحزاب / 56 .