مع الخاشعين
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
08/04/2007
خطبة الجمعة بتاريخ 15 ربيع الأول 1428هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
مَعَ الخَاشِعِينَ
   الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ، جَعلَ الصَّلاةَ نُوراً وبُرهَاناً علَى صِحَّةِ الإِيْمَانِ، ومِعْراجاً يَرقَى بِها المُؤْمِنُ إلى رِضا الواحدِ الدَّيَّان، أحمدُه سبحانه بما هو له أهلٌ منَ الحمدِ وأُثني عليه، وأستغفرُه مِنْ جميعِ الذُّنُوبِ والخَطَايا وأتوبُ إليه، وأومنُ بِه وأتوكَّلُ عليه، مَنْ يُطعِ اللهَ ورسولَه فَقَدْ رَشَدْ، ومَنْ يَعْصِ اللهَ ورسولَهُ فقدْ ضلَّ ضَلالاً مُبِيناً، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ  وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ القائلُ: ((جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي في الصَّلاَةِ))، -صلى الله عليه وسلم-  وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، ومَنْ سار عَلَى دَرْبِهِ ودَعا بِدَعوَتِه وسلَكَ مِنْهَاجَهُ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : إنَّ خَيْرَ ما يَنْبَغي التَّذكِيرُ بهِ والحَضُّ عليهِ تَقْوى اللهِ عَزَّ وجلَّ، فَهُوَ أَعْظَمُ زَادٍ إِلَى دَارِ المَعَادِ: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) (1) ، واعلمُوا -رَحِمكمُ اللهُ تَعالَى- أنَّ قُرَّةَ عَيْنِ المُؤْمِنِ وطُمأنِينَةَ قلبِه، تبدُو وَاضِحَةً جلِيَّةً في وُقُوفِه بَيْنَ يَدَي ربِّه، عِنْدَما يتَّجِهُ إليهِ في عِبادَتِه، ويتلذَّذُ بمُنَاجَاتِه في صلاتِه، إِنَّهُ يُقْبِلُ علَى اللهِ، ويَنْصَرِفُ عَنْ كُلِّ ما سِواه، ويَبتَهِلُ مُتَضَرِّعاً إِلَى مَولاَهُ، فَهُوَ في نَعِيمٍ لا يَعْدِلُهُ نَعِيمٌ، كيفَ لاَ؟ وهو بذلِكَ يَغدُو في زُمْرَةِ عبادِ اللهِ المُفلِحِينَ، الَّذِينَ امتَدَحَهُمُ اللهُ في مُحكَمِ كِتَابِهِ الكَرِيمِ إِذْ يَقُولُ: ((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ))(2)، والمُتَأمِّلُ في كِتَابِ اللهِ تَعالَى يَجِدُ أَنَّ إِقَامةَ الصَّلاَةِ وأَداءَهَا علَى أَكْملِ وَجْهٍ وأَحْسَنِ حالٍ مَوضُوعٌ اعتَنَى بهِ القُرآنُ أَيَّما اعتِنَاء، حتَّى في أَوائِلِ السُّوَرِ نُزُولاً، فَفِي سُورَةِ العَلَقِ -وهِيَ أَوَّلُ ما نَزَلَ- يقولُ اللهُ تَعالَى: ((أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى، عَبْداً إِذَا صَلَّى)) (3) ، ذَلِكَ لأَنَّ الصَّلاَةَ عَمُودُ الدِّينِ وأُسُّ الوَاجِبَاتِ والأَركَانِ العَمَلِيَّةِ بَيْنَ أركانِ الإِسْلاَمِ، وقَدْ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ المُهتَدِينَ بالكِتَابِ مِنْ أَوَّلِ صِفَاتِهِمْ الَّتِي يَلْتَزِمُونَها تَصدِيقاً لإِيمَانِهِمْ إِقَامُ الصَّلاَةِ، قالَ تعالَى في سُورَةِ البَقَرةِ: (( ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ))(4) ، وقالَ تعالَى في سُورَةِ النَّملِ: ((هُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)) (5) ، وقالَ سُبْحانَهُ في سُورَةِ لُقْمان: ((هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)) (6) ، كَما ذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَنْبِيَاءَهُ وأَصفِيَاءَهُ مِنَ الخَلْقِ فَوَصَفَ إِسْماعيلَ -علَيهِ السَّلاَمُ- بِقَولِه: ((وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً)) (7)، وَوَصَفَ إِبْراهِيمَ وإِسْحَاقَ وَيَعقُوبَ -علَيهِمُ السَّلاَمُ- بِقَولِهِ: ((وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)) (8).  
   أَيُّها المُسلِمُونَ :
   إِذَا كَانَتِ العِبَادَاتُ المُتَنَوِّعَةُ الَّتِي شُرِعَتْ فِي الإِسْلاَمِ ذَاتَ أَثَرٍ عَمِيقٍ في الإِصْلاَحِ النَّفْسِيِّ والاجتِمَاعِيِّ، وتَنْوِيرِ الفِكْرِ، وتَهذِيبِ الأَخْلاَقِ والعَواطِفِ والغَرائِزِ، فَإِنَّ الصَّلاَةَ أَعْمَقُ أَثَراً وأَغْزَرُ عَطَاءاً، ولِذَلِكَ شُرِعَتْ مُتكرِّرةً كُلَّ يَومٍ دُونَ غَيْرِهَا، وهِيَ بِهَذَا التَّكْرارِ تَسدُّ جَانِباً مُهِمّاً مِنَ الفَراغِ الرُّوحِيِّ، ذَلِكَ لأَنَّ لِلرُّوحِ مَطَالِبَ كَمَطَالِبِ الجِسْمِ، وَقَدْ هَيَّأَ اللهُ سُبْحَانَهُ لِكُلٍّ مِنْهما مَطَالِبَهُ بِحَسَبِ مُقْتَضَى ضَرُورَتِه إِلَيْهَا، فَما كَانَتِ الضَّرُورةُ إِلَيهِ أَبلَغَ كَانَتْ مُمَارَسَتُهُ أَيْسَرَ، وَمِنْ هُنَا تَكَرَّرَ وُجُوبُ الصَّلاَةِ في اليَومِ، وَجُعِلَتْ أَيْسَرَ مِنْ سَائِرِ العِبَادَاتِ كَالصِّيَامِ والزَّكَاةِ والحَجِّ، بلْ إِنَّها مِنْ أَعْظَمِ مَقَاماتِ ذِكْرِ اللهِ تَعالَى الَّذِي يَتَرتَّبُ علَيهِ مَحْقُ السَّيِّئاتِ وتَنشِيطُ العَزَائِمِ وتَقْوِيتُها على فِعلِ الخَيْرِ وإِبْعادُهَا عَنِ الشَّرِّ، وذَلِكَ فِيما إِذَا حَافَظَ علَيها المُسلِمُ وأَدَّاهَا علَى الوَجْهِ الصَّحِيحِ المَشْرُوعِ، ومِنَ الآيَاتِ الوَاضِحَةِ الدَّالَّةِ علَى ذَلِكَ قَولُه تَعالَى: ((وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي))(9)، وقَولُه عَزَّوَجَلَّ: ((اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ))(10)، وقَولُه: ((إِنَّ الأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً، إِلا الْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ))(11)، ففي هَذِهِ الآياتِ بَيَانٌ أَنَّ الصَّلاَةَ بِما لَها مِنْْ أَثَرٍ رُوحِيٍّ ونَفْسِيٍّ تَأْتِي علَى خِصالِ جِبِلِّيَّةٍ مَذمُومةٍ، فَتَجتَثُّها مِنْ نَفْسِ مَنْ دَاوَمَ علَيها، وَهِيَ وإِنْ كَانَتْ مُشتَركةً مَعْ سائِرِ أَعمالِ البِرِّ في ذَلِكَ إِلاَّ أَنَّها أَعْمَقُ أَثَراً، بِدلِيلِ قَولِهِ تَعالَى بَعْدَ ذَلِكَ في السُّورَةِ نَفْسِها: ((وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ))(12) ، بَلْ يُشِيرُ ذَلِكَ إِلَى أَنَّها سُورٌ لِلأَعْمالِ الصَّالِحَةِ جَمِيعاً، وَفِي سُورَةِ المَاعُونِ شَاهِدٌ علَى أَنَّ التَّهاوُنَ بِالصَّلاَةِ مَنْشأٌ لأَعمالِ الشَّرِّ، وذَلِكَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَ فِيْها التَّكذِيبَ بِالدِّينِ ودَعَّ اليَتِيمِ وَعَدَمَ الحَضِّ علَى طَعامِ المِسكِين ثُمَّ أتبعَ ذلكَ قولَه: ((فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ))(13)، دلالةً علَى أَنَّ السَّهْوَ عَنِ الصَّلاَةِ هُوَ بَابُ هَذِهِ المُوبِقَاتِ كُلِّهَا.
   أَيُّها المُسلِمُونَ :
   إِذَا كَانَتِ الصَّلاَةُ قَدْ شُرِعَتْ لِتَزكِيَةِ النَّفْسِ فَما بَالُ أَقْوامٍ يُشاهَدُونَ مُحافِظِينَ علَيها وَمَعْ ذَلِكَ لَيْسَ لَها أَيُّ أَثَرٍ نَفْسيٍّ علَيهِمْ في السُّلُوكِ، فَلاَ تَردعُهُمْ عَنِ المُنكرَاتِ؛ بلْ ولاَ تَبْعثُهُمْ إِلَى الأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ؟ إِنَّهُمْ لَمْ يُؤَدُّوهَا حَسْبَ مَا شَرَعَهَا اللهُ بِحَيْث يَستَشْعِرُ القَلْبُ فِيها عَظَمَةَ الخَالِقِ المَعبُودِ وَعِظَمَ مِنَّتِهِ، وإِحاطَةَ عِلْمِهِ وقُدْرَتِه، وشِدَّةَ بَطْشِهِ ونَقْمَتِهِ، وَسَعَةَ ثَوابِه ورَحْمَتِه، وذَلِكَ داعٍ إِلَى تَحَرِّي مَرضَاتِه فِعْلاً وتَركاً، أَمَّا الصَّلاَةُ الخَالِيةُ مِنْ هَذِهِ الرُّوحِ فَهِيَ صَلاَةٌ مَيِّتةٌ بَعِيدةٌ عَنْ هَذِهِ المَزَايَا، ولاَ يَحصُلُ مِنْها أَيُّ أَثَرٍ نَفْسِيٍّ أَوِ اجتِمَاعِيٍّ، فَهِيَ لاَ تَعدُو أَنْ تَكُونَ بِمثَابَةِ الجِسْمِ المَيِّتِ الَّذِي لاَ حِرَاكَ لَهُ ولاَ جَدْوَى مِنْهُ. إِنَّ الصَّلاَةَ المُؤَثِّرَةَ الَّتِي تُكْسِبُ صَاحِبَهَا السَّمْتَ الحَسَنَ والخُلُقَ الحَمِيدَ هِيَ الَّتِي تَقْتَرِنُ بِرُوحِها، ورُوحُها الخُشُوعُ الَّذِي يُوصِلُ العَقْلَ والقَلْبَ بِاللهِ تَعالَى في كُلِّ ما يُفْعَلُ فِيْها مِنْ خُضُوعٍ للهِ تَعالَى وقِيامٍ ورُكُوعٍ وسُجُودٍ، وَما يُقَالُ فِيْهَا مِنَ الأَذْكَارِ والأَقْوَالِ المُفْتَتَحَةِ بِالتَّكْبِيرِ والمُختَتَمةِ بِالتَّسلِيمِ، ولِذَلِكَ قَالَ تَعالَى: ((حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ))(14)، وقَالَ: (( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ، الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ))(15)، وَقَدْ أَبَى المُتكبِّرُونَ أَنْ يَركَعُوا فَتَوَعَّدَهُمُ اللهُ بِقَولِهِ: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)) (16)، كَما أَنَّ السُّجُودَ أَعظَمُ ما يَظْهَرُ فِيهِ ذُلُّ العَبْدِ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجلَّ، حَيْثُ يَجْعلُ العَبْدُ أَشْرَفَ أَعْضَائِهِ وأَعَزَّهَا علَيهِ أَوْضَعَ ما يَكُونُ بَيْنَ يَدَي رَبِّه، وَهُوَ في هَذَا المَوقِفِ يُرَدِّدُ قَائِلاً "سُبْحانُ رَبِّيَ الأَعْلَى"، فَما أَحلاَهُ مِنْ تَردادٍ، وَما أَعظَمَها مِنْ قُرْبَةٍ، ولِهَذَا بَاءَ إِبلِيسُ بِاللَّعنَةِ عِنْدَما أَبَى السُّجُودَ مُستَكْبِراً فتُوُعِّدَ، كَما تَوعّدَ اللهُ المُشركينَ الجَاحدِينَ بحِرمانِهِمْ مِنَ السُّجُودِ يَومَ القِيَامَةِ عِنْدَ لِقَائِهِ عِنْدَما أَبَوا السُّجُودَ لَهُ في الدُّنيا فَقَالَ تَعالَى: ((يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ، خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ)) (17) .
   فَاتَّقُوا اللهَ -عبادَ اللهِ-، واستَشْعِرُوا عَظَمَةَ رَبِّكُمْ في صَلاَتِكُمْ، يَشْرَحِ اللهُ صُدُورَكُمْ ويُعظِمْ أُجُورَكُمْ.
  أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
  *** *** ***
   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   إِنَّ الصَّلاةَ مِنَ الوَسَائِلِ الفَعَّالَةِ في تَربِيَةِ الفَردِ والجَمَاعَةِ، كَما أَنَّها عِبَادةٌ مَشرُوعةٌ لِدَوامِ ذِكْرِ اللهِ والاعتِرَافِ بِفَضْلِهِ وطَلَبِ مَغْفِرَتِه، لِذَا كَانَ أَداؤُها في خَمْسَةِ أَوقَاتٍ مُتفرِّقةٍ مِنْ كُلِّ يوم؛ لِتُؤدِّيَ دَورَها النَّفْسيَّ في حَياةِ المُسلِمِ، كما تُؤدِّي دورَها الصِّحيَّ في بَدَنِهِ وظَاهِرِه، يقولُ النبيُ -صلى الله عليه وسلم-  مُصوِّراً هذهِ الآثار: ((أرأيتُم لو أنَّ على بابِ أحدِكُم نَهْراً جَارِياً غَمْراً يَنْغَمِسُ فِيهِ كُلَّ يَومٍ ولَيلَةٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ؛ أَيَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شيءٌ؟ قَالُوا: لا يا رسولَ اللهِ، قال: فَذلِكَ مِثْلُ الصَّلَواتِ الخَمْسِ يَمحُو اللهُ بهنَّ الخَطَايا)). فَالصَّلاةُ الصَّحِيحَةُ المَقْبُولَةُ عِندَ اللهِ هِيَ المَصْحُوبَةُ بِالطُّمأنِينَةِ والسَّكِينَةِ، المُقتَرِنَةُ بِرُوحِها ومَصْدَرِ قُوَّتِها الخُشُوعِ، وبِدُونِ ذَلِكَ لا يَكُونُ لَها علَى النَّفْسِ ولاَ في الحَيَاةِ أَثَرٌ، وإِذَا أَرَدْتَ أيُّها المُسلِمُ أَنْ تَعرِفَ حَقِيقَةَ ذَلِكَ فَأَمْعِنْ فِيما تَقُولُهُ في صَلاَتِكَ مُستَحْضِراً مَعانِيَهُ، مُستَشْعِراً عَظَمَةَ اللهِ المَعبُودِ الَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، تَجِدُ كُلَّ كَلِمَةٍ تَلْفِظُ بِها دَافِقَةٌ بِمَعنىً حَيَويٍّ يَسْرِي في نَفْسِكَ كَما تَسْرِي الرُّوحُ في جِسْمِكَ، فَإِذَا افتَتَحْتَ صَلاتَكَ بالتَّكْبِيرِ سكَبْتَ في نَفْسِكَ شُعُوراً بِأَنَّ كُلَّ ما في الوُجُودِ وإِنْ عَلاَ قَدْرُهُ وعَظُمَ شَأنُهُ صَغِيرٌ حَقِيرٌ بِجَانِبِ كِبْرِيَاءِ اللهِ تَعالَى وَعَظَمَتِه، وَهَكَذَا تَكُونُ يَقِظَ القَلْبِ صَادِقَ الشُّعُورِ حَاضِرَ الذِّهْنِ في كُلِّ ما تَقُولُهُ وتَعملُهُ في صَلاَتِكَ حَتَّى تَنْصَرِفَ مِنْها؛ فَتُضْفِي عليكَ مِنْ هَيْبَتِها وحُسنِها ما يُهذِّبُ النَّفْسَ ويُرهِفُ الحِسَّ، فتَغدُو القُلُوبُ عامِرةً بالإِيمانِ، تَائِقةً إِلى رِضا الرَّحْمَنِ، مُبتَعدَةً عَنْ وَساوِسِ الشَّيطَانِ الدَّاعِيَةِ إِلَى العِصْيَانِ.
   فَاتَّقُوا اللهَ -عبادَ الله-، والتَزِمُوا الخُشُوعَ في الصَّلاَةِ، لِتَكُونَ لَكُمْ راحَةً قَلْبِيَّةً، وطُمأْنِينةً نَفْسِيَّةً، وقُرَّةَ عَيْنٍ حَقِيقيَّة.
   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (18).
   اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
               
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
                       
   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
   عِبَادَ اللهِ :
   (( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
(1) سورة الاحزاب / 70-71 .
(2) سورة المؤمنون / 1-2 .
(3) سورة العلق / 9-10 .
(4) سورة القرة / 2-3 .
(5) سورة النمل / 2-3 .
(6) سورة للقمان / 3-4 .
(7) سورة مريم / 55 .
(8) سورة الانبياء / 73 .
(9) سورة طه / 14 .
(10) سورة العنكبوت / 45 .
(11) سورة المعارج / 19-23 .
(12) سورة المعارج /34 .
(13) سورة الماعون / 4-5 .
(14) سورة البقرة / 238 .
(15) سورة البقرة / 45-46 .
(16) سورة المرسلات / 48-49 .
(17) سورة القلم / 42-43 .
(18) سورة الأحزاب / 56 .
آخر تحديث ( 15/04/2007 )