في ظلال المراقبة |
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء | |
23/04/2007 | |
خطبة الجمعة بتاريخ 9 ربيع الثاني 1428هـ بسم الله الرحمن الرحيم في ظِلالِ المُُُُُُُُراقَبةِ الحَمْدُ للهِ السَّمِيعِ المُجِيبِ، الرَّقِيبِ الحَسيبِ، المُطَّلعِ على الضَّمائِرِ، العليمِ بِما في السَّرائِرِ، يَعلمُ ما في الصُّدُورِ، وإِليهِ تَُرجَعُ الأُمُورُ، نِعَمُهُ تَامَّةٌ وافِيةٌ، سُبحانَهُ لا تَخفَى علَيه خَافيةٌ، أَحمدُهُ تَعالَى بِما هُوَ لَهُ أَهلٌ منَ الحمدِ وأُثْنِي علَيه، وأومنُ بهِ وأَتوكَّلُ علَيهِ، مَنْ يهدهِ اللهُ فلا مُضلَّ له، ومَنْ يُضللْ فلا هاديَ له، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، خَيرُ مَنْ راقَبَ اللهَ واتَّقَاه، فَطَهَّرَهُ اللهُ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ونَقَّاه، وأَعلَى قَدْرَهُ، وخَلَّدَ في العالَمينَ ذِكْرَه، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجمعين، والتابعينَ لَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ، فيا عبادَ اللهِ : الرَّقِيبُ اسمٌ منْ أسماءِ اللهِ الحُسنَى، وصِفَةٌ منْ صِفَاتِه العُليا، فَهُوَ الرَّقِيبُ الَّذِي لا يندُّ عَنْ علمِه شيءٌ ولا يغيبُ، يقولُ اللهُ تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (1) ، ويقولُ جلَّ شأنُه: ((وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً)) (2) ، فَهُوَ سُبحانَه المُحصِي لأَعمالِ النَّاسِ الحافظُ لها والمُجازِي عليها، والإنسانُ إذا عقلَ هذا الاسمَ المُقدَّسَ العظيمَ، وأدركَ وفَقِهَ مَعناه، وتعاملَ معْ إخوانِه في الإنسانيَّةِ بِمُقتضاهُ برَّ واتَّقَى، وسَما وارتَقَى، فوَصلَ إلى دَرجَةِ الإِحسانِ الَّذِي عرَّفَهُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- بقَولِه: (((أنْ تَعبُدَ اللهَ كأنَّكَ تَراه، فإنْ لمْ تكنْ تراهُ فإِنَّهُ يَراك))؛ فلا يُرَى الإنسانُ بعدَ ذلكَ إلاَّ إلى الخَيرِ مُقدِماً، وعَنْ كُلِّ سُوءٍ وشَرٍّ مُحجِماً، ومَنْ كَانَ إلى الخَيرِ سبَّاقاً، وإلى ذُرا الفَضائِلِ توَّاقاً عَمَّ خَيرُه، ونَفَعَ نفسَه وانتَفَعَ بهِ غَيرُهُ. إنَّ المُراقبَ للهِ يُحاسِبُ نفسَه قبلَ أنْ يُحاسَبَ لِيَخِفَّ يومَ القِيامةِ حِسابُهُ، ويَحضُرَ عِنْدَ السُّؤالِ جَوابُه؛ فَيَحسُنَ مُنقلبُه ومآبُه، يقولُ عُمرُ -رضيَ اللهُ عنه-: ((حاسِبُوا أَنفسَكُم قبلَ أنْ تُحاسَبُوا))، إنَّ المُراقِبَ للهِ تَعالَى يَعلمُ عِلْمَ اليقينِ بِأنَّ اللهَ مُطَّلِعٌ على الضَّمائِرِ، عليمٌ بِما يَجُولُ في السَّرائِرِ، رقيبٌ علَى البَواطِنِ والظَّواهِرِ، فَيُقْدِمُ على العَملِ الطَّيِّبِ والقَولِ الحَسَنِ وهو فَرِحٌ مَسرُورٌ، لأَنَّهُ بِعِلْمِه هَذَا يَذُوقُ طَعْمَ الإِيمَانِ ولَذَّتَه، فَيَرتَقِي إلى دَرَجةِ الإِحسانِ الجامعةِ لِخَشيةِ اللهِ ومَحَبَّتِه، يقولُ الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((ذاقَ طَعمَ الإيمانِ مَنْ رَضِيَ باللهِ ربّاً، وبِالإِسلاَمِ دِيناً، وبِمُحمّدٍ رَسولاً))، وهذا السرورُ الذي يَشعرُ بهِ مَنْ راقبَ اللهَ في عملِه يكونُ حافِزاً لَهُ علَى دوامِ طاعةِ اللهِ وبَذْلِ الجُهْدِ في مَرضَاتِه. عبادَ اللهِ : إنَّ صاحِبَ العقيدةِ الرَّاسِخَةِ والضَّمِيرِ الحَيِّ يَعيشُ حياتَهُ مُراقِباً للهِ في كُلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ، لإيمانِه بِأَنَّ اللهَ مَعهُ حَيثُما كانَ، لا يغيبُ عَنْ عِلْمِه شَيءٌ في زمانٍ أو مكانٍ، وأنَّهُ سُبْحانَهُ لا تَخْفَى عليهِ خافيةٌ، يقولُ اللهُ سُبْحانَهُ وتَعالَى: (( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ))(3)، ويقولُ سُبْحانَهُ وتعالَى: (( وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)) (4) ، إِنَّ لِمُراقبةِ اللهِ عَزَّ وجلَ ثمراتٍ عظيمةً جَمَّةً، وفوائدَ جليلةً مُهمَّةً، فَهِيَ كابحةٌ للإنسانِ، عاصمةٌ لِجَوارحِه مِنْ كُلِّ مَعصيةٍ، حافظةٌ لَهُ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ سواءً في السِّرِّ والعَلَنِ، والخَلْوَةِ والجلوةِ، فالمُراقبُ للهِ عزَّوجلَّ يقرأُ قَولَ اللهِ تَعالَى: ((يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)) (5) ، فلا تَصدُرُ مِنْهُ خَائِنةٌ، ولا تَحدثُ منهُ شائنةٌ، وقَدْ وَرَدَ مَأثُوراً: ((ما كَرِهْتَ أنْ يَراهُ النَّاسُ مِنْكَ؛ فَلاَ تَفْعلْهُ بِنَفسِكَ إِذَا خَلَوتَ))، ومِنْ ثَمراتِ المُراقبةِ للهِ عزَّ وجلَّ الحياءُ مِنْهُ سُبْحانَهُ، ومَنِ استحيا مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ جَعلَ اللهُ بينَه وبينَ معصيتِه حواجزَ وسُدُوداً، فابتعدَ مِنْها وصَدَّ عَنْها صُدُوداً، يقولُ الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((استحيوا مِنَ اللهِ حقَّ الحياءِ، قالُوا: إنَّا نَستَحِي مِنَ اللهِ والحمدُ للهِ، قالَ: ليسَ ذلكَ، إِنَّ الحياءَ مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ أنْ تَحفظَ الرَّأْسَ وما وَعَى، والبَطْنَ وما حَوَى)). عبادَ اللهِ : إِنَّ مِنْ ثَمَراتِ المُراقَبَةِ للهِ الخَشْيَةَ مِنْهُ، ومَنْ خَشِيَ اللهَ واتَّقَاه، طَهَّرَهُ اللهُ مِنْ كُلِّ رِجْسٍ ونَقَّاهُ، والخَشيَةُ والإِشْفَاقُ مِنَ اللهِ العلِيمِ الخَلاَّقِ تَجْعلُ المَرءَ مُسابِقاً إِلى الخيراتِ وكُلِّ قَولٍ طَيِّبٍ وعَملٍ خَلاَّق، يقولُ اللهُ تَعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ، وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)) (6) ، ولَقد كانَ الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- يَدْعُو رَبَّهُ فيقولُ: ((اللهم إِنِّي أَسالُكَ خَشيتَكَ في الغَيبِ والشَّهادةِ)). إنَّ المُؤمِنَ يَفعلُ ويَدَعُ، ويَصنَعُ ويَذَرُ، وهو يُؤمنُ إِيْماناً كَامِلاً بِأَنَّ اللهَ عليهِ رقيبٌ، وهو على كُلِّ شَيءٍ حَسِيبٌ؛ فيَسمُو إلى دَرَجَةِ المُتَّقِينَ، ويَعلمُ عِلْمَ اليَقِينِ بِأَنَّ الرَّقابةَ الإِلهيَّةَ لا تَذرُّ عنها شَاردةٌ، ولا تَغيبُ عنها واردةٌ، كَتَبَ بعضُ الصَّالِحينَ إلى أَخٍ لَهُ يَعظِهُ ويُنَبِّهُه، ويُرشِدُه ويُوجِّهُه؛ فقالَ: "أمَّا بَعدُ فأُوصيكَ بِتَقْوى اللهِ الَّذي هُوَ نَجِيُّكَ في سَرِيرتِكَ، ورَقِيبُكَ في عَلانِيَتِكَ؛ فَاجعلِ اللهَ مِنْ بالِكَ على كُلِّ حالٍ؛ في لَيلِكَ ونَهارِكَ، وخَفِ اللهَ بِقَدْرِ قُدْرَتِه عليكَ، واعلمْ أَنَّكَ لَنْ تَخرُجَ مِنْ مُلْكِهِ إِلَى مُلْكِ غَيْرِه، فلْيَعظُمْ مِنْ حَذَرِكَ، ولْيَكْثُرْ مِنْ وَجَلِكَ"، وإِنَّ مِنْ ثَمَراتِ المُراقبةِ للهِ إِلْقَاءَ اللهِ حُبَّ مَنْ رَاقَبَهُ في قُلُوبِ النَّاسِ؛ لأنَّ حُبَّ النَّاسِ ثَمَرةُ حُبِّ اللهِ، يقولُ الرَّسولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((إِنَّ اللهَ تعالى إذا أحبَّ عَبْداً دَعا جِبْريلَ فقالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلاَناً فَأحبَّهُ، فيُحبُّهُ جِبْريلُ ثُمَّ يُنادَى في السَّماءِ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلاناً فَأَحِبُّوه، فَيُحِبُّه أهلُ السَّماء، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ في الأَرْضِ))، ومَنْ رَاقَبَ اللهَ عَزَّ وجلَّ في السِّرِّ أَظْهَرَ اللهُ أَمْرَهُ، وأَلْقَى في قُلُوبِهِم مَحَبَّتَهُ، ورَفَعَ بَيْنَهُمْ دَرَجَتَهُ ومَكَانَتَهُ، يقولُ الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((ما أَسَرَّ عَبْدٌ سَرِيرةً إِلاَّ أَلْبَسَهُ اللهُ رِداءَهَا عَلاَنِيَةً، إِنْ خَيْراً فَخَيْرٌ، وإِنْ شَرّاً فَشَرٌ))، ويقولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ((إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ، وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور، أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)) (7) . فَاتَّقُوا اللهَ -عبادَ اللهِ-، واعلَمُوا أَنَّ أيَّ عَامِلٍ في أَيِّ مَجَالٍ، لا مَهْرَبَ لَهُ مِنْ رَقَابَةِ اللهِ ولا مَنْفَذَ ولا مَجَالَ؛ فَعلَى كُلِّ إِنْسَانٍ أَنْ يُحسِنَ العَملَ؛ لِيَنَالَ مِنَ اللهِ أَعْظَمَ الجَزَاءِ، ومِنَ النَّاسِ القَبُولَ والثَّنَاءَ. أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ. *** *** *** الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيا أيُّها المُسلِمُونَ : إِنَّ مَراقَبَةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَحْسَنِ الأَدْوِيَةِ وأَنْفَعِهَا وأَنْجَعِها لِعِلاَجِ الغَفْلَةِ، كَما أَنَّ مُراقَبَةَ اللهِ عَزَّوجلَّ سَبِيلٌ لإِصْلاَحِ العَمَلِ، ومِنْ ثَمَّ الوُصولُ إِلَى الهَدَفِ وتَحقِيقُ الأَمَلِ، فَالمُراقِبُ للهِ يَعلَمُ عِلْماً لا يُخامِرُهُ شَكٌّ ولاَ رَيْبٌ أَنَّ اللهَ يَعلَمُ الظَّاهِرَ والغَيْبَ، وأَنَّهُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ ولاَ نَومٌ، وهُوَ لِهَذَا يُحْسِنُ القَولَ ويُصلِحُ العَملَ طُولَ اليَومِ، كَما أَنَّ المُراقَبَةَ لَهُ تَعالى عِلاَجٌ فَعَّالٌ في إِصلاَحِ الدِّينِ وسلاَمةِ الطَوِيَّةِ، وإذَا صلحتِ النِّيَّةُ صلحتِ الأَعْمالُ، وسَلِمَتِ الأَقْوَالُ، والمُراقِبُ للهِ ذُو فِكْرَةٍ نَيِّرةٍ، ورُؤْيَةٍ ثَاقِبَةٍ يَعملُ دَائِماً لِحُسْنِ العَاقِبَةِ. عبادَ اللهِ : إِنَّ مُراقَبَةَ اللهِ عَزَّ وجلَّ تُحيي القُلُوبَ المَوات، وتُوقِظُ الضَّمائِرَ مِنَ السُّباتِ، تُحيي وتُحَرِّكُ في الإِنسانِ دَوَاعِيَ الخَيْرِ، وتُمِيتُ فِيهِ نَوازِعَ الشر، وتَجعَلُ مِنْهُ إِنْساناً يَرَى بِنُورِ اللهِ، ويَعْمَلُ ويَقُولُ في حُدُودِ ما أَمَرَ اللهُ تَعالَى، لاَ يَخطُو خُطْوةً، ولاَ يَقُولُ قَولاً إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَسألَ نَفْسَهُ: هل هذا العَملُ أو القَولُ يُرضِي اللهَ أَمْ لا؟ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُرضِيْهِ أَقْدَمَ، وإلاَّ امتَنَعَ وأَحْجَمَ، ولو أَنَّ كُلَّ إِنْسانٍ اتَّخَذَ هذا مَسلَكاً وعادةً في جَمِيعِ الأُمُورِ لَعاشَ الجَمِيعُ في مَأْمَنٍ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، ومَنْأى عَنْ كُلِّ ما يُؤْذِي ويَسُوء، وبِهذا يَسلُكُ الجَمِيعُ طَرِيقَ النَّجاةِ، ويَتَحقَّقُ لِكُلِّ إِنْسانٍ ما ابتَغَاهُ ورَجَاه. إِنَّ العَملَ في ظِلالِ الشُّعُورِ بالمُراقَبَةِ الإِلهيَّةِ يَجْعَلُ المُجتَمعَ مُجتَمعَ خَيْرٍ وأَمْنٍ وأَمَانٍ، وسِلْمٍ وسَلاَمٍ، ومَحَبَّةٍ وإِخَاءٍ، وفي هذا الجَوِّ الصِّحيِّ الآمِنِ؛ يَتَحقَّقُ التَّقَدُّمُ والرَّخَاءُ، وفي هذهِ الظِّلاَلِ الوَارِفَةِ يُوجَدُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ، فلاَ كَذِبَ ولاَ خِيَانَةَ، ويُوجَدُ الوَفِيُّ بِالعُهُودِ والوُعُودِ والعُقُودِ، فلاَ نَكْثَ لِعَهْدٍ، ولاَ خُلْفَ لِوَعْدٍ، ولاَ نَقْضَ لِعَقْدٍ. إنَّ المُجتَمعَ الَّذِي يَسُودُهُ هَذَا الشُّعُورُ يُقِيمُ الشَّهادةَ للهِ فَلاَ كِتْمَانَ ولاَ زُورَ؛ وبِالجُملَةِ فَإِنَّهُ في ظِلالِ الشُّعُورِ بِالمُراقَبَةِ الإِلهيَّةِ لاَ يَفعَلُ المُؤمِنُ نُكْراً، ولاَ يَقُولُ هُجْراً؛ فَكُلُّ أَعْمالِهِ رَشِيدةٌ، وكُلُّ أَقْوالِهِ طَيِّبَةٌ سَدِيدةٌ. فَاتَّقُوا اللهَ -عبادَ اللهِ-، ورَاقِبُوا اللهَ في جَمِيعِ شُؤُونِكُمْ؛ يَهبْكُمُ اللهُ الرُّشْدَ والخَيْرَ، ويُحَصِّنْكُم مِنْ كُلِّ شَرٍّ وضَيْرٍ. هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (8). اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين. اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ. اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ. اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ. رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ. عِبَادَ اللهِ : (( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )). (1) سورة النساء / 1 . (2) سورة الاحزاب / 52 . (3) سورة المجادلة / 7 . (4) سورة يونس / 61 . (5) سورة غافر / 19 . (6) سورة المؤمنون / 57-61 . (7) سورة الملك / 12-14. (8) سورة الأحزاب / 56 . |
|
آخر تحديث ( 24/04/2007 ) |