الشِّفَاءُ أبوابهُ وأسبابهُ
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
08/05/2007
خطبة الجمعة بتاريخ 23 ربيع الثاني 1428هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
         
الشِّفَاءُ أبوابهُ وأسبابهُ
   الْحَمْدُ للهِ ربِّ النَّاسِ، رافعِ البلاءِ والبأسِ بعدَ القنوطِ واليأسِ، أحمدُه سبحانه حَمْدَ الشَّاكرينَ على المعافاةِ والشِّفاء، مِنْ كُلِّ البلايا والرَّزايا وألوانِ العَناءِ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ ذو الأيدي البيضاءِ، المُوحَى إليهِ بالملِّة السَّواءِ ومُعجزاتِ الشِّفاءِ لكلِّ ما تنوءُ به الخليقةُ منَ الأَدواءِ، -صلى الله عليه وسلم-وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الأخيارِ الأجلاَّءِ، ومَنْ سارَ على دربِهم واقتفى أثرَهم إِلَى يَوْمِ الجزاء.
  .  أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : أُوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ، والعملِ بما فيه رضاه، والاستمساكِ بمنهجِه وهُداه ((وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)) (1) ، (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)) (2) ، واعلموا -رحمني اللهُ وإيَّاكُم- أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ حينَما برأَ الخليقةَ وقدَّرَ وُجودَها في هذهِ البسيطةِ، بثَّ -فيما نُبصرُ منْ كائناتِها وما لا نُبصرُ- منْ عواملِ الهدايةِ والشَّقاءِ ومُسبِّباتِ البلاءِ والشفاءِ؛ ما تَحارُ لِتضادِّه الألبابُ، وتنبهرُ لِتَبايُنِه العقولُ والأَفْهامُ، والإنسانُ - بِحُكم تكوِّنِه الماديِّ والرُّوحي- في ظلِّ هذا الوسطِ الذي لا تهدأُ حركتُه؛ لا بُدَّ له - شاءَ أم أبى، سخطَ أم سلَّم بالرِّضا- أنْ تصطدمَ كينونتُه الرُّوحية بكينونتِها، وأنْ تحتكَّ مادِّيَّتُه بمادِّيَّتِها، ما ينتجُ منْ هذا التَّماسِّ الحيويِّ الطبيعي منفعةٌ أو مضرّةٌ، مصلحةٌ أو مفسدةٌ، يتأثَّرُ بآثارِها الإنسانُ ويَتفاعلُ مع انعكاساتِها سلباً أو إيجاباً، قالَ سُبحانه: ((إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً))(3).
    أيُّها المُسلِمُونَ :
   إنَّ ما يُصيبُ الإنسانَ مِنْ تَغيُّراتٍ عضويةٍ وتقلباتٍ نفسيةٍ، ضرّاً أو نفعاً، سكوناً أو اضطرابا، إنَّما هو انعكاسٌ صحيٌّ طبعيٌ يدخلُ ضمنَ إطارِ التوازن ويسبحُ في فُلْكِ نظامِه الذي هيَّأهُ اللهُ في حنايا مخلوقاتِه وأمشاجِ كائناتِه كالحارسِ الحامي والمؤشِّرِ الواقي والذي إذا ما اختلَّ وزحفتْ إليهِ أسبابُ العِلَلِ كانَ المرضُ إحدى علاماتِه، والاضطرابُ والتَّوتُّرُ صورةً منْ مُؤشِّراتِه، فيحتاجُ الإنسانُ عندَها إلى العلاجِ الذي يعيدُ إليه اعتدالَه وتوازنَه، فينساقُ بطبيعتِه الفطريةِ ودوافعِه الحيويَّةِ إلى البحثِ عن الدواءِ؛ طلباً للشِّفاءِ ممَّا حلَّ بساحتِه منَ النَّصب ووطأةِ الدَّاء، قال تعالى: (( وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ))(4).
   عبادَ اللهِ :
   وكما خلقَ اللهُ عز وجلَّ الدَّاء؛ يسَّرَ بفضلِه ورحمتِه سُبلَ الدَّواءِ ونيلَ الشفاءِ، ولم يُسلمْ عبادَه للأمراضِ ونهبها، والعللِ وأتعابِها، فهو سبحانه لم ينزلْ داءً إلاَّ وأنزلَ معه الدواءَ الذي يَدفعُه، قالَ -صلى الله عليه وسلم-: ((إن اللهَ عز وجل لمْ يُنزلْ داءً إلاَّ أنزلَ له شفاءً، علِمَهُ مَنْ علِمَه، وجهِلَهُ مَنْ جَهله))، والشِّفاءُ – يا عبادَ الله - كلمةٌ تطربُ لسماعِها الآذان، وتنتعشُ لذكرِها النَّفسُ وينشرحُ لها الضميرُ والوجدان، فهيَ مطلبُ كلِّ الأحياءِ بلا استثناءٍ، كما أنَّها دعوةُ الدَّاعينَ في السرَّاءِ والضرَّاء، والشدَّةِ والرَّخاء، والعلانيةِ والخفاءِ، ولما تَشتملُه هذهِ المُفردةُ الطيِّبةُ النَّضرةُ، وتحملُه شجرتُها اليانعةُ الخضرةُ منْ أوراقِ السلامةِ والعافيةِ، والمعيشةِ الصحيحةِ الناعمةِ؛ كانتْ نداءَ المؤمنينَ المتأوِّهينَ، واستغاثةَ المُضطَّرِّينَ المتضرِّعين، منَ الأنبياءِ والناسِ أجمعين، فهذا أبونا إبراهيمُ – عليهِ السلامُ- يحكي اللهُ عنه اعترافَه وإقرارَه بأنَّ الشفاءَ منَ اللهِ وحدَه، يقولُ اللهُ تعالى: ((وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ))(5)، وهذا النبيُّ أيوبُ، الصابرُ للنُّوَبِ والخطوبِ-عليهِ الصلاةُ والسلامُ-، يتضرَّع إلى اللهِ عزَّ وجل سائلاً إياهُ الشفاءَ، وأنْ يتداركَه بالرَّحمةِ مما نزلَ بهِ مِنْ نَصبِ الضرِّ وعذابِ البلاءِ قائلاً: ((وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ))(6)، ونبيُّنا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم-يرفعُ أكفَّ الضراعةِ إلى مولاه، بدعاء المخبت الأواه، سائلا العفوَ والمعافاةَ: "اللهم إني أسالُك العفوَ والعافيةَ والمعافاةَ التامَّةَ في الدِّينِ والدنيا والآخرةِ ".
   أيُّها المؤمنون :
   لقد جعلَ اللهُ سبحانَه للتَّداوي طُرقاً وأبواباً، ولنيلِ الشِّفاءِ مسالكَ وأسباباً، أمرَ عبادَه أنْ يَلِجُوها ويأخذوا بِها حتَّى يُوفَّقُوا لِلشِّفاء مِمَّا نزلَ بهمْ منَ الأدواء، وإنَّ أسمى أبوابِ الشفاءِ وأقواها أثراً القرآنُ الكريمُ الذي بينَ أيدينا، هذا البلسمُ الرُّوحيُّ الشافي الذي يَحفظُ للنُّفوسِ تَوازنَها، ويحمي طبيعتَها ويضمنُ لها اعتدالَها، قالَ تعالَى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)) (7)، فالقرآنُ هو الشفاءُ التامُّ منْ جميعِ الأدواءِ لِمَنْ أحسنَ التداوي به، وعالجَ بهِ عِللَه بصدقٍ وإيمان، واعتقدَ اعتقاداً جازماً بأنَّ له أثراً شافياً، وإنهُ حقيقةٌ مقررَّةٌ نصَّ اللهُ تعالى عليها في كتابِه، قال سبحانه: ((قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ))(8)، وقال: ((وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ))(9)، وقد رقَى الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- نفسَه بكتابِ الله، فعنْ عائشةَ -رضيَ اللهُ عنها- قالتْ: ((كانَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-إذا اشتكى يقرأُ على نفسِه بالمُعوِّذَاتِ ويَنفُثُ))، وثبتَ أنَّ رَجُلاً مِنْ صحابةِ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم-رقَى رَجُلاً مِنْ لَدْغَةِ حَيَّةٍ أو عَقْربٍ بفاتحةِ الكتابِ فشفاهُ اللهُ، فأقرَّه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-على رُقيتِه، وكذلكَ -عبادَ الله- العلاجُ بالرُّقَى النَّبَوِّيَّةِ الثابتةِ منَ الأذكارِ سَبَبٌ مِنْ أسبابِ الشفاءِ، لِما لها مِنْ علاجٍ نافعٍ وشفاءٍ ناجعٍ إذا ما أُتِيَ بها على وجهِها الصحيح، وأنْ لا تَخرجَ الرُّقيةُ عنْ إطارِ كلامِ اللهِ أو كلامِ رسولِه -صلى الله عليه وسلم-، وأنْ يعتقدَ بأنَّ تأثيرَها إنَّما هو بِقُدرةِ اللهِ تعالى لا بذاتِها، وأنْ يَصدقَ في التَّوجُّهِ إلى اللهِ والتَّوكُّلِ عليه بنيَّةٍ خالصةٍ لا شبهةَ فيها ولا شكَّ، ومنَ الرُّقَى الرُّوحيَّةِ والمعوذاتِ النَّبويَّةِ أنْ يضعَ المريضُ يدَه على الذي يُؤلمُه منْ جسدِه ويقولُ: بسمِ اللهِ "ثلاثَ مرَّات" ثمَّ يقولُ: "أعوذُ بعزَّةِ اللهِ وقُدرتِه منْ شرِّ ما أجدُ وأحاذرُ" سبعَ مرَّاتٍ"، وجاءَ أيضاً: ((اللهمَّ رَبَّ النَّاس، أذهبِ البأسَ، اِشفِ أنتَ الشَّافي، لا شفاءَ إلاَّ شفاؤُكَ، شفاءً لا يُغادرُ سَقماً -أي لا يَتركُ سَقماً-))، ((بسمِ اللهِ أرقيكَ، منْ كلِّ شيءٍ يُؤذيكَ، ومنْ شرِّ كلِّ نَفْسٍ أو عينٍ حاسدةٍ، اللهُ يَشْفِيكَ))، ((أعوذُ بكلماتِ اللهِ التامَّة، منْ كلِّ شيطانٍ وهامّةٍ، ومنْ كلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ)).
   أيُّها المُؤْمِنُونُ :
   ومِنَ الأدويةِ ذاتِ السببِ الفعَّالِ والتأثيرِ العجيبِ في الشفاءِ الدعاءُ والصدقةُ، فهما منْ أنفعِ الأسبابِ –بإذنِ اللهِ- في دفعِ المكروهِ وحصولِ الشفاءِ المطلوبِ، أما الدعاءُ فهو يدفعُ البلاءَ ويعالجُه ويمنعُ نزولَه بحولِ اللهِ، ففي الحديثِ: ((الدعاءُ ينفعُ مِمَّا نزلَ وممَّا لم ينزلْ فعليكم عبادَ اللهِ بالدعاءِ))، وجاءَ أيضاً: ((لا يردُّ القضاءَ إلاَّ الدُّعاء ولا يزيدُ في العُمرِ إلاَّ البرّ))، وأمَّا الصدقةُ فإِنَّها علاجٌ مجرَّبٌ في دفعِ البلايا ورَفْعِ الأمراضِ، بها يَحصلُ الشِّفاءُ ويُبارَكُ في العُمرِ، قالَ -صلى الله عليه وسلم-: ((داووا مَرضاكُم بِالصَّدَقَة)).
   فاتقوا اللهَ –عبادَ اللهِ-، واجتهدُوا فيما يُقرِّبُكم إلى المَولَى، ويُذهِبُ عنكمُ البَلْوَى.                        
   أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
                                             
  *** *** ***
                       
   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
                                             جأَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   إنَّ دِينَنا الحنيفَ لَمْ يُغْفِلِ الطِّبَّ الوِقاَئيَّ؛ فَلَقَدْ جَاءتْ تَشْرِيعاتُ الإسلامِ وتَوجيهاتُه وَوَصَايَاه الصِّحِّيَّةُ دَاعِيةً وَمُؤكِّدةً على ما فيه وِقايةٌ للإنسانِ مِنَ الأمْرَاضِ وَأخطارِهَا والآثامِ وتَبِعَاتِها الصِّحِّيَّة، سواءً على الجانبِ العُضْوِيِّ أو النَفْسِيِّ، فاللهُ تعالى يقولُ: (( وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ))(10)، فللحفاظِ على صِحَّةِ الإنْسانِ وإصلاحِ أَمْرِ مَعاشِه وَمآلِهِ وَوِقَايةً للمُجْتَمَعِ وَحِفَاظاً على سَلامَةِ وَضْعِهِ الصِحيِّ وَالاجْتِمَاعيِّ والاقْتِصَاديِّ والأمْنيِّ أَمَرَ اللهُ عَزّ وَجّلْ بالابْتِعادِ عَن المُّمَارَسَاتِ الخَاطِئةِ وَالسُلُوكيَّاتِ المُنْحَرِفَةِ الضَارَّةِ بالفرْدِ وَنَتَائِجِها الوَخِيمةِ على صِحَّةِ المُجْتَمَعِ، كَما وضعَ الإسلامُ مَنهاجاً شَامِلاً لِحِمايةِ البيئةِ حولنَا وَالكَوْنِ بأسرِه مِنْ مَصَادرِ التَلَوُّثِ المُؤثِّرةِ على الصِّحَّةِ العامةِ، نَلْمسُ ذلِكَ جَلِيّاً فيما جَاءتْ بِه نُصوصُ الإسلامِ مِنْ حَضٍّ مُتَكَرِّرٍ على الطهارةِ والغُسْلِ والنَظَافَةِ مِنَ الأوساخِ والأدرانِ، وَربْطِ ذَلك كلِّه بالإيمانِ، فاللهُ تَعالى يَقولُ: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ))(11)، والرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-يَقولُ: ((الطَّهورُ شَطْرُ الإيمانِ))، وجاءَ أيضاً: ((النَظَّافةُ مِنَ الإيمانِ)) الأمرُ الذي يُحِّققُ غايةَ الكمالِ فِي نَظَافةِ جِسمِ الإنسانِ، وَيحمي أجهِزَتَه الداخليَّةَ مِنْ غَزْوِ الأمراضِ ويُزيلُ عَدَداً هَائلاً مِنَ الكَائناتِ الدقيقةِ التي تعيشُ على جِلْدِه، والتي كَشَفَها لنا اليومَ العِلمُ الحَدِيثُ عَبْرَ أَجْهِزَتِه المُتَطَوِّرةِ، كما أَرْشدَنا الإسلامُ إلى تطهيرِ ثِيابِنَا وَإِصْلاحِ مَظْهرِنا فقال تعالى: ((وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)) (12)، وفِي الحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-رَأَى رَجُلاً وَسِخةً ثِيابُه فَقَالْ: ((أَمَا وَجَدَ هذا شيئاً يُنَقِّي بِهِ ثِيابَه))، وَرأَى رَجلاً أشْعَثَ الرأسِ فَقَال: ((أَمَا وَجدَ هذا شَيئاً يُسَكِّنُ بِهِ رَأسَه))، وَفِي تنظيفِ أفنيتِنَا وإصلاحِ بيئَتِنَا المكانيةِ يَقُولُ تَعالى: ((وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ))(13)، ويقولُ -صلى الله عليه وسلم-: ((أحسِنوا لباسَكَمْ، وأصلِحُوا رِحالَكُم؛ حَتَّى تكونوا كأنَكَم شَامَةً فِي النِاس -أي مُتَمَيِّزِينَ بينهم-)).
   بِهذهِ التَّدابيرِ المُحْكَمَةِ – يا عبادَ اللهِ - المُؤكِّدةِ على نظافةِ الإنسانِ فِي نَفْسِه وَملْبَسِه ومكانِ عَيْشهِ تَتَحقَّقُ الوِقَايةُ المنشودةُ للإنسانِ مِنَ الأمراضِ، وبها يتسامى في ذَوقِه ومَظْهَرَهِ وَوَعْيِه الصِّحِيّ الحَضَارِّيَ.
    هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: ((إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (14).
   اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
   عِبَادَ اللهِ :
((إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ)).
(1) سورة البقرة / 281 .
(2) سورة لقمان / 33 .
(3) سورة المعارج / 19-21 .
(4) سورة النحل / 53 .
(5) سورة الشعراء / 79-80 .
(6) سورة الانبياء / 83 .
(7) سورة يونس / 57 .
(8) سورة فصلت / 44 .
(9) سورة الإسراء / 82 .
(10) سورة الأنعام / 151 .
(11) سورة المائدة / 6 .
(12) سورة المدثر / 4 .
(13) سورة الأعراف / 85 .
(14) سورة الأحزاب / 56 .