فضيلة الأدب
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
17/07/2007

خطبة الجمعة بتاريخ 5 رجب 1428هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

فضيلة الأدب

   الْحَمْدُ للهِ الكَرِيمِ الوَهَّابِ، سُبْحَانَهُ حَثَّ عِبَادَهُ عَلَى التَّحَلِّي بِالآدَابِ، وجَعَلَهُ سِمَةَ أُولِي الأَلبَابِ، ووَعَدَهُم عَلَى ذَلِكَ جَزِيلَ الثَّوَابِ وحُسْنَ المَآبِ، أَحمَدُهُ تَعَالى بِمَا هُوَ لَهُ أَهلٌ مِنَ الحَمْدِ وأُثنِي عَلَيه، وأُومِنُ بِهِ وأَتَوَكَّلُ عَلَيه، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ومَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، جَمَّلَهُ رَبُّهُ بِكُلِّ صُنُوفِ الأَدَبِ وزَانَهُ، وبَرَّأَهُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وصَانَهُ، وأَثنَى عَلَيه فِي كِتَابِه الكَرِيمِ فَقَالَ: ((وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ))(1)، اللهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبَارِكْ عَلَيه وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجمَعِينَ، والتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإحسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :

   الأَدَبُ كَلِمَةٌ طَيِّبَةُ اللَّفْظِ والمَبْنَى، عَظِيمَةُ الفَحْوَى والمَعْنَى، وهُوَ رِيَاضَةُ النَّفْسِ عَلَى مَحَاسِنِ الأَخلاَقِ والعَادَاتِ وجَمِيلِ الصِّفَاتِ، بِهِ يَتَبوأُ الإِنسَانُ بَيْنَ النَّاسِ مَكَانَةً عَالِيَةً، ويَنْزِلُ بَيْنَهُم مَنْزِلَةً رَفِيعَةً سَامِيَةً، فَبِالأَدَبِ يَعْظُمُ المَرءُ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ ويَكْبُرُ، وبِدُونِهِ يَهْبِطُ قَدْرُهُ ويَصْغُرُ، فَالفَضْلُ يُدْرَكُ ويُنَالُ بحُسْنِ الخِلاَلِ وجَمِيلِ الخِصَالِ. إِنَّ النَّاسَ يَتَفاضَلونَ بِقَدْرِ مَا يَكُونُ عِنْدَهُم مِنَ الفَضَائِلِ العَظِيمَةِ والآدَابِ الكَرِيمَةِ، والأَخلاَقِ القَوِيمَةِ، فَمَنْ أُوتِيَ مِنَ الأَدَبِ نَصِيباً أَكْبَرَ، ونَالَ مِنْهُ حَظّاً أَوفَرَ؛ لَهَجَتْ أَلسِنَةُ النَّاسِ بِالثَّناءِ عَلَيه، وأَلسِنَةُ الخَلْقِ أَقلاَمُ الحَقِّ.

   عِبَادَ اللهِ :

   إِنَّ أَوَّلَ مَنْ يَجِبُ التَّأدُّبُ مَعَهُ رَبُّ العِزَّةِ سُبْحَانَهُ وتَعَالى مُسْدِي المِنَنِ ووَاهِبُ النِّعَمِ، والأَدَبُ مَعَ اللهِ فِي عُلاَهُ يَكُونُ بِاتِّبَاعِ أَمْرِهِ واجتِنابِ نَهْيِهِ وشُكْرِهِ عَلَى مَا أَنعَمَ وأَسدَى وأَكْرَمَ وأَعطَى، إِذْ لَيسَ مِنَ الأَدَبِ فِي شَيء نِسْيانُ النِّعَمِ وكُفْرَانُها وجُحُودُها ونُكْرَانُها، ومِنَ الأَدَبِ مَعَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ حُسْنُ الظَّنِّ بِهِ والحَياءُ مِنْهُ، وصِدْقُ الإِنَابَةِ إِليه، وحُسْنُ التَّوَكُّلِ عَلَيه، ورَجَاءُ ثَوَابِهِ، والخَوْفُ مِنْ عِقَابِهِ، كَمَا أَنَّ الأَدَبَ مَعَ القُرآنِ الكَرِيمِ هُوَ أَدَبٌ مَعَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، إِذِ القُرآنُ الكُرِيمُ كَلاَمُ اللهِ تَعَالى، وقَدْ وصَفَهُ سُبْحَانَهُ بِقَولِهِ: (( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ، لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ))(2)، والأَدَبُ مَعَ القُرآنِ الكَرِيمِ يَكْمُنُ فِي الالتِزَامِ بِآدَابِهِ والتَّخَلُّقِ بِأَخلاَقِهِ، فَمَنْ آمَنَ بِالقُرآنِ الكَرِيمِ وصَدَّقَهُ وجَعَلَهُ خُلُقَهُ لا يَصْدُرُ مِنْهُ إِلا كُلُّ خُلُقٍ حَمِيدٍ، وعَمَلٍ رَشِيدٍ وقَولٍ سَدِيدٍ، وقدْ سُئلَتِ السَّيِّدَةُ عَائشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  فَقَالَتْ: ((كَانَ خُلُقُهُ القُرآن))، وعِنْدَمَا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  قَولُهُ تَعَالى: ((خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)) (3)، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  : ((مَا هَذِه يَا جَبْرِيلُ؟ قَالَ: إِنَّ اللهَ أَمَرَكَ أَنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكْ، وتَعْطِيَ مَنْ حَرَمَكْ، وتَصِلَ مَنْ قَطَعَكْ))، كَمَا أَنَّ الأَدَبَ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  هُوَ أََدَبٌ مَعَ اللهِ تَبَارَكَ وتَعَالى، وإِنَّمَا يَكُونُ الأَدَبُ مَعَهُ -صلى الله عليه وسلم-  بِطَاعَتِهِ ومَحَبَّتِهِ والالتِزَامِ بِهَدْيِهِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالى: ((مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ))(4)، إِنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم-  تُعطِي لِلحَياةِ قِيمَةً، وتَجْعَلُ حَيَاةَ  المُؤمِنِ مُنِيرةً مُستَقِيمةً، يَقُولُ اللهُ تَعَالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ))(5)، ويَقُولُ سُبْحَانَهُ وتَعَالى مُخَاطِباً نَبِيَّهُ -صلى الله عليه وسلم-  : (( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ))(6)، وقَدْ بَيَّنَ اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالى الأَدَبَ مَعَ نَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم-   فِي آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الحُجُراتِ وهِيَ سُورَةُ الآدَابِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ، إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ، إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ، وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )) (7)، إِنَّ الذِي يَتَأَدَّبُ مَعَ اللهِ وكِتَابِهِ ورَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم-   إِنَّمَا يَسْمُو بِنَفْسِه ويُزَكِّيها، ويُطَهِّرُها مِنْ كُلِّ ضَلاَلٍ ويُرَقِّيهَا؛ فَاللهُ سَبْحَانَهُ وتَعَالى أَنزَلَ كُتُبَهُ وأَرْسَلَ رُسُلَهُ لِهدَايَةِ الإِنسَانِيَّةِ، وتَزْكِيَةِ النَّفْسِ البَشَرِيَّةِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالى: ((هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ )) (8)، ومَنْ زَكَتْ نَفْسُهُ وطَهُرَتْ تَأَدَّبَ مَعَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ؛ فَكَانَ مَعَهُم حَسَنَ الخُلُقِ وخَيْرَ مُعِينٍ.

   عِبَادَ اللهِ :

   إِنَّ أََدَبَ الإِنسَانِ مَعَ نَفْسِهِ يُحَقِّقُ سَعَادَتَها ويُصْلِحُ أََمْرَها، فَالنَّفْسُ فِي حَاجَةٍ إِلى تَهْذِيبٍ وتَزْكِيَةٍ، لِتَسْعَدَ وتَرْقَى، ولاَ تَفْجُر وتَشْقَى، يَقُولُ اللهُ تَعَالى: ((وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)) (9)، إِنَّ تَزْكِيَةَ النَّفسِ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ ومَطْلَبٌ حَتْميٌّ، فَالنَّفسُ إِذَا لَمْ تُزَكَّ تَجْنَحُ بِصَاحِبِها إِلى السُّوءِ؛ فَتَحْمِلُهُ عَلَى فِعْلِ مَا يَضُرُّ ويَسُوءُ، يَقُولُ اللهُ تَعَالى: ((وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي))(10)، والإِنسَانُ الكَيِّسُ العَاقِلُ بِقُوَّتِهِ الإِيمَانِيَّةِ وعَزِيمَتِهِ القَوِيَّةِ يَقُودُ نَفْسَهَ ولاَ تَقُودُهُ، فَإِنْ أَمَرَتْهُ بِشَيءٍ مِنَ السُّوءِ أَمْسَكَ زِمَامَها وشَدَّ لِجَامَها، وبِذَلِكَ يَنْجُو مِنَ الهَلاكِ والخُسْرَانِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالى: ((وَالْعَصْرِ، إِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ))(11)، ومِنَ التَّوَازُنِ فِي التَّعَامُلِ مَعَ النَّفسِ الاعتِدَالُ فِي تَقْوِيمِها وتَهْذِيبِها، فَلا يَقْسُو الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ فَيَحْرِمُها مِمَّا أَحَلَّ اللهُ لَها، يَقُولُ اللهُ تَعَالى: ((قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ))(12)، كَمَا أَنَّ المُسْلِمَ لاَ يُطْلِقُ لِنَفْسِهِ العَنَانَ؛ فَيُعْطِيهَا كُلَّ مَا اشتَهَتْ، ويَمْنَحُها كُلَّ مَا طَلَبَتْ، فَالشَّدِيدُ مَنْ غَلَبَ نَفْسَهُ، وإِنَّ الإِفْرَاطَ فِي حُسْنِ الظَّنِّ بِالنَّفسِ قَدْ يَصِلُ بِالمَرْءِ إِلى الإِعجَابِ بِها، والإِعجَابُ بِالنَّفسِ غُرُورٌ وتَصَرُّفٌ مَأْزُورٌ، وقَدْ قَالَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-  : ((ثَلاثٌ مِنَ المُهْلِكَاتِ: شُحٌّ مُطَاعٌ، وهَوىً مُتَّبَعٌ، وإِعجَابُ المَرْءِ بِنَفْسِهِ)).

   فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، واعلَمُوا أَنَّ تَأْدِيبَ النَّفسِ بِحِكْمَةٍ وسِيَاسَةٍ دَلِيلُ الفِطْنَةِ والكَيَاسَةِ، والعَاجِزُ مَنْ عَجَزَ عَنْ سِيَاسَةِ نَفْسِهِ. 

  أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.

  *** *** ***

   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :

   مَا أَحْسَنَ وأَجْمَلَ أَنْ يَكُونَ الأَدَبُ فِي الأُسرَةِ نَمَطاً وسُلُوكاً وعَادَةً؛ لِيَحْظَى أَفْرَادُها بِالحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ ويَنَالُوا السَّعَادَةَ، ومِنْ ذَلِكَ التَّأَدُّبُ مَعَ الوَالِدَيْنِ بِبِرِّهِمَا وطَاعَتِهِما في ما هو خيرٌ والإِحْسَانِ إِليهِمَا قَولاً وفِعْلاً، وتَوقِيرِهمَا وخَفْضِ الجَنَاحِ لَهُمَا، وإِحَاطَتِهِما بِشَتَّى أَنْوَاعِ الإِكْرَامِ، والتَّقْدِيرِ والاحتِرامِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالى: ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً))(13)، كَمَا أَنَّ التَّأدُّبَ مَعَ الأِخوَةِ والأَخَوَاتِ عَمَلٌ صَالِحٌ جَلِيلٌ، فاحتِرَامُ كُلُّ أََخٍ لأَخِيهِ لَهُ الأَثَرُ الطَّيِّبُ عَلَى العَلاقَاتِ الأُسَرِيَّةِ، والرَّوَابِطِ الأَخَوَيَّةِ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-  : ((بِرَّ أُمَّكَ وأَبَاكَ، ثُمَّ أُختَكَ وأَخَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ وأَدْنَاك))، ومِنَ الأَدَبِ الرَّاقِي النَّبِيلِ، والخُلُقِ السَّامِي الجَمِيلِ صِيَانَةُ الحَياةِ الزَّوجِيَّةِ وحِمَايَتُها مِنْ كُلِّ مَا مِنْ شَأْنِهِ غَرْسُ الجَفَاءِ، وتَعْكِيرُ الصَّفَاءِ، ولَنْ يَتَحَقَّقَ هَذَا إِلاَّ بِالأَدَبِ المُتَبَادَلِ بَيْنَ الزَّوجَيْنِ، ومِنْ مَظَاهِرِ هَذَا الأدَبِ الثَّقِةُ المُتَبَادَلَةُ والرِّفْقُ فِي المُعَامَلَةِ، وطَلاَقَةُ الوَجْهِ والأَقوَالُ الطَّيِّبَةُ وغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُؤَكِّدُ الاحتِرَامَ والتَّقدِيرَ، ويُحقِّقُ غَايَةَ الزَّوَاجِ مِنْ سَكَنٍ ورَحْمَةٍ ومَوَدَّةٍ، يَقُولُ تَعَالى: ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) (14)، وإِذَا تَحَقَّقَ الأَدَبُ بَيْنَ أَفْرَادِ الأُسْرَةِ واستَقَرَّ؛ دَامَ الحُبُّ بَيْنَهم واستَمَرَّ، وزَالَ الخِلاَفُ واندَثَر، وظَلَّلَ الحُبُّ المُجْتَمَعَ كُلَّهُ وانتَشَرَ، وهَلِ المُجتَمَعُ إِلاَّ مَجمُوعَةٌ مِنَ الأُسَرِ؟.

   فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، واعلَمُوا أَنَّ الالتِزَامَ بِهَذِهِ الآدَابِ الجَمِيلَةِ وسِيلَةٌ إِلى كُلِّ فَضِيلَةٍ، ووقِايَةٌ مِنْ كُلِّ سُوءٍ ورَذِيلَةٍ.

   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: ((إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (15).

   اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.

   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.

   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.

   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.

   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.

   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.

   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.

   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكل أرزاقنا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.

   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.

   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.

   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.

عِبَادَ اللهِ : (( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).

(1) سورة القلم / 4 .

(2) سورة فصلت / 41-42 .

(3) سورة الاعراف / 199 .

(4) سورة النساء / 80 .

(5) سورة الانفال / 24 .

(6) سورة الشورى / 52-53 .

(7) سورة الحجرات / 1- 5 .

(8) سورة الجمعة / 2 .

(9) سورة الشمس / 7-10 .

(10) سورة يوسف / 53 .

(11) سورة العصر / 1-3 .

(12) سورة الاعراف / 32 .

(13) سورة الاسراء / 23-24 .

(14) سورة الروم / 21 .

(15) سورة الأحزاب / 56 .