الصدق طمأنينة والكذب ريبة
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
24/07/2007
خطبة الجمعة بتاريخ 12 رجب 1428هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الصدق طمأنينة والكذب ريبة
   الْحَمْدُ للهِ العَفُوِّ الغَفُورِ، العَلِيمِ بِذَاتِ الصُّدُورِ، سُبْحَانَهُ حَثَّ عِبَادَهُ عَلَى تَحَرِّي الصِّدْقِ واجتِنَابِ قَولِ الزُّورِ، وجَعَلَ قَولَ الحَقِّ عَلَى الإِيمَانِ دَلِيلاً، وإِلى رِضْوَانِ اللهِ ومَحَبَّتِهِ طَرِيقاً وسَبِيلاً، أَحمَدُهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ مِنَ الحَمْدِ وأُثنِي عَلَيه، وأُومِنُ بِهِ وأَتَوَكَّلُ عَلَيهِ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ومَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، خَيْرُ مَنْ ثَبَّتَ الحَقَّ وأَقَامَهُ، وهَدَى بِإذْنِ رَبِّهِ إِلى سَبِيلِ الاستِقَامَةِ، اللهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبَارِكْ عَلَيه وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجمَعِينَ، والتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحسَانِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.    أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   الصِّدْقُ أُسُّ الفَضَائِلِ ورَأسُ الأَخلاَقِ، مَنْ تَخَلَّقَ بِهِ تَحَلَّى بِكُلِّ فَضِيلَةٍ، وخَلّصَ نَفْسَهُ مِنْ كُلِّ رَذِيلَةٍ، فَكَمَا لاَ يَجْتَمِعُ ضَلالٌ مَعَ هُدَى، وظَلاَمٌ مَعَ نُورٍ؛ لاَ يَجْتَمِعُ صِدْقٌ مَعَ بَاطلٍ وكذبٍ وزُورٍ؛ فَالصِّدْقُ نُورٌ وهِدَايَةٌ، يَأْخُذُ بِصَاحِبِهِ إِلى أَنبَلِ غَايَةٍ وأَسعَدِ نِهَايَةٍ. فِي رِيَاضِ الصِّدْقِ ورِحَابِهِ لاَ يُهضَمُ حَقٌ ولاَ يَضِيعُ عَلَى أَصْحَابِهِ، وحُقَّ لِلصِّدْقِ أَنْ يَتَبَوَأَ المَكَانَةَ الرَّفِيعَةَ، والمَنزِلَةَ المَنِيعَةَ، كَيْفَ لاَ؟ واللهُ وصَفَ بِالصِّدْقِ قَولَهُ وحَدْيثَهُ، فَقَال تَعَالى: ((وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً)) (1)، وقَالَ: ((وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً)) (2)، كَمَا أَمَرَ رَسُولَهُ    -صلى الله عليه وسلم-  أَنْ يُعلِنَ ذَلِكَ لِتَبْقَى هَذِهِ حَقِيقَةً، واضَحِةَ المَحَجَّةِ بَيِّنَةَ الطَّرِيقَةِ؛ فَقَالَ تَعَالى: ((قُلْ صَدَقَ اللَّهُ)) (3)، كَمَا وَصَفَ اللهُ تَعَالى رُسَلَهُ وأَنبِيَاءَه بِالصِّدْقِ، رَغْمَ أَنَّهُمْ فِي جَمِيعِ الأَخلاَقِ الزَّاكِيَةِ قِمَّةٌ، وفِي كُلِّ الصِّفَاتِ الرَّاقِيَةِ مَنَارَةٌ، غَيْرَ أَنَّ مِنْ أَظْهَرِ مَا تَمَيَّزُوا بِهِ صِفَةَ الصِّدْقِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالى فِي شَأْنِ إِبرَاهيمَ -عَلَيهِ السَّلامُ-: ((وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً))(4)، ويَقُولُ فِي شَأْنِ إِسمَاعِيلَ -عَلَيهِ السَّلامُ-: ((وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً)) (5) ، ويَقُولُ فِي شَأْنِ إِدرِيسَ -عَلَيهِ السَّلامُ-: ((وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً)) (6) ، وقَدِ اشتَهَرَ الرَّسُولُ مُحَمْدٌ -صلى الله عليه وسلم-  بِأَفْضَلِ الأَخلاَقِ وأَزْكَاها، وعُرِفَ بِأَنْبَلِ الصِّفَاتِ وأَرقَاهَا، وبَلَغَ فِي كُلِّ صِفَةٍ حَسَنَةٍ مَدَاها وغَايَتَها ومُنتَهاها، بَيْدَ أَنَّ صِفَتَي الصِّدْقِ والأَمَانَةِ كَانَتا عَلَماً عَلَيه، فَهُوَ بَيْنَ الأَصدِقَاءِ والأَعدَاءِ بِالصِّدْقِ مَوصُوفٌ، وبِالصَّادِقِ الأَمِينِ مَشْهُورٌ ومَعْروفٌ.
   عِبَادَ اللهِ:
   بِالصِّدْقِ فِي الأَقوَالِ والأَفعَالِ والنِيَّاتِ والمَقَاصِدِ والاتِجَاهَاتِ يَضَعُ المَرءُ الدَّلِيلَ والبُرْهَانَ عَلَى صِدْقِ الإِيمَانِ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-  : ((يُطبَعُ المُؤمِنُ عَلَى الخِلالِ كُلِّها إِلاَّ الخِيَانَةَ والكَذِبَ)). قَدْ يَخَافُ المُؤمِنُ عَلَى نَفْسِهِ فيَجْبُنُ، ويَحْرِصُ عَلَى مَالِه فَيَبْخَل، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ عُذْرَ لَهُ البَتَّةَ فِي كَذِبٍ يَقْلِبُ بِهِ الحَقِيقَةَ؛ فَيَتنَكَّبُ بِسَبَبِهِ سَواءَ الطَّرِيقَةِ، فَقَدْ سُئِلَ الرَّسُولُ  -صلى الله عليه وسلم-  : ((أَيَكُونُ المُؤمِنُ جَبَاناً؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ المُؤمِنُ بَخِيلاً؟ قَالَ : نَعَمْ، قِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ المُؤمِنُ كَذَّاباً؟ قَالَ: لا))، وقَدْ حَفَلَتْ آيَاتُ القُرآنِ الكَرِيمِ بِالدَّعوَةِ إِلى الصِّدْقِ والحَثِّ عَلَيه، فَقَرنَهُ اللهُ عَزَّوجَلَّ بِالتَّقوَى فَقَالَ: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)) (7)، وقَالَ: ((وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ))(8)، ووصَفَ اللهُ بِالصِّدْقِ أَهْلَ البِرِّ فِي الآيَةِ التِي بَيَّنَتْ صِفَاتِهُم الرَّاقِيَةَ العَظِيمَةَ، فَقَدْ قَالَ تَعَالى بَعْدَ ذِكْرِ جَمِيعِ سِمَاتِهم: (( أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ))(9)، كَمَا وصَفَ اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالى المُسْلِمينَ والمُسْلِمَاتِ والمُؤمِنينَ والمُؤمِناتِ بِجُمْلَةِ صِفَاتٍ مِنْهَا الصِّدْقُ فَقَالَ: ((وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ)) ثُمَّ بَيَّنَ جَزَاءَهُم عِنْدَ رَبِّهم فَقَالَ: ((أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)) (10) .
   عِبَادَ اللهِ :
   إِنَّ لِلصِّدْقِ فِي الأقوَالِ والأَفعَالِ الدَّورَ الرَّائدَ الفَعَّالَ فِي إِسعَادِ الإِنسَانِ ورَاحتِهِ، وهُدُوئِهِ وطُمَأنِينَتِهُ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-  : ((دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلى مَا لاَ يَرِيبُكَ؛ فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأنِينَةٌ والكَذِبَ رِيبَةٌ)). إِنَّ الذِي يَلْزَمُ الصِّدْقَ ويَتَحَرَّاهُ يَسْعَدُ فِي دُنيَاهُ ويَنْجُو فِي أُخْرَاهُ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-  : ((عَلَيكُم بِالصِّدْقِ؛ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلى البِرِّ، وإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلى الجَنَّةِ))، وبَيَّنَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-  طَرِيقةً لِتَرْبِيَةِ خُلُقِ الصِّدْقِ وتَكْوِينِهِ؛ حَتَّى يُصْبِحَ طَبِيعةً لاَ تَتَخَلَّفُ عَنْ صَاحِبِها فِي أَيِّ مَجَالٍ، وعَلَى أَيِّ حَالٍ، وعَادَةً تَسْمُو بِهِ إِلى ذُرا المَجْدِ والكَمَالِ، فَقَالَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-  : ((مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكتَبُ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقا))، إِنَّ الصَّدْقَ مَنْبَتُ الفَضَائِلِ، وجِذْعُ شَجَرَتِها ومُتَفرَّعُ غُصُونِها، وهَلِ الإِيمَانُ بِاللهِ والتَّصْدِيقُ بِرُسُلِهِ ووحْيِهِ إِلاَّ شُعْبَةٌ مِنَ الصِّدْقِ؟ فَالمُؤمِنُ الحَقُّ هُوَ مَنْ يَجْعَلُ الصِّدْقَ رَفِيقَهُ، ومَنْهَجَهُ وطَرِيقَهُ، فَهُوَ إِنْ عَامَلَ النَّاسَ صَدَقَ فَلاَ غِشَّ ولا تَزْويرَ، ولاَ خِدَاعَ ولاَ تَغْرِيرَ، فَإِنَّ مِمَّا يُحقّقُ السَّعَادَةَ والرَّاحَةَ الصَّدْقَ فِي التَّعَامُلِ والوَضُوحَ والصَّرَاحَةَ، والتَّحلِّيَ بِخُلُقِ السَّمَاحَةِ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقا، فَإِنْ صَدَقا وبَيَّنا بُورِكَ لَهُما فِي بَيْعِهِمَا، وإِنْ كَذَبَا وكَتَما مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِما))، والمُؤمِنُ إِنْ حَدَّثَ النَّاسَ لاَ يُحدِّثُهم إِلا بِالصِّدْقِ، ولاَ يُخْبِرُهُم إِلاَّ بِالوَاقِعِ،  لأَنَّهُ إِنْ حَدَّثَهُم كَاذِباً لَهُم فَقَدْ خَانَهُم، فَضَمَّ إِلى صِفَةِ الكَذِبِ صِفَةَ الخِيَانَةِ، وبِذَلِكَ تَتَضَاعَفُ آثَامُهُ، ويَزْدَادُ إِجْرَامُهُ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((كَبُرَتْ خِيَانَةً أَنْ تُحدِّثَ أَخَاكَ حَدِيثاً هُوَ لَكَ مُصَدِّقٌ وأَنتَ لَهُ كَاذِبٌ))، ومَنْ كَذَبَ إِخوَانَهُ وخَانَ رِفَاقَهُ، فَقَدْ أَعلَنَ بِذَلِكَ نِفَاقَهُ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-  : ((آيَةُ المُنَافِقُ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإِذَا وعَدَ أَخلَفَ، وإِذَا ائُتُمِنَ خَانَ)). إِنَّ الذِي يَجْعَلُ الحَقَّ مَرْجِعَهُ والصِّدْقَ مَنْزِعَهُ قَويٌّ لاَ يَضْعَفُ، وعَزِيزٌ لاَ يَذِلُّ، إِذِ الحَقُّ أَقوَى مُعِينٍ، والصِّدْقُ أَفضَلُ قَرِينٍ، وقَدْ قِيلَ: ((الصَّدْقُ مُنْجِيكَ وإِنْ خِفْتَهُ، والكَذِبُ مُرْدِيكَ وإِنْ أَمِنْتَهُ))، ومِصْداقُ هَذَا قَولُ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم-  : ((تَحَرُّوا الصِّدْقَ وإِنْ رَأيتُم أَنَّ فِيهِ الهَلَكةُ فَفِيهِ النَّجَاةُ، وتَجَنَّبُوا الكَذِبَ وإِنْ رَأيتُم أَنَّ النَّجَاةَ فِيهِ فَفِيهِ الهَلَكَةُ)).
   فاتَّقُوا اللهَ –عِبَادَ اللهِ-، والتَزِمُوا الصِّدْقَ فِي كُلِّ أَحوَالِكُم، فَإِنَّ العَقْلَ يَدْعُو إِليهِ والشَّرْعَ يَحُثُّ عَلَيه.
  أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
  *** *** ***
   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   إِذَا كَانَ الصِّدْقُ أُسَّ الفَضَائلِ فَإِنَّ الكَذِبَ أُسُّ الرَذَائِلِ، وكَمَا حَفَلَتْ آيَاتُ القُرآنِ الكَرِيمِ بِالحَثِّ عَلَى الصِّدْقِ فَقَدْ حَفَلَتْ أَيضاً بِالتَّنفِيرِ مِنَ الكَذِبِ وإِعلاَنِ قُبْحِهِ، ويَكْفِي لِلدَّلاَلَةِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اللهَ عَزَوجَلَّ وصَفَ بِهِ الكَافِرينَ فَقَالَ: ((إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ)) (11) ، كَمَا وصَفَ بِهِ المُنَافِقِينَ فَقَالَ: ((فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)) (12) ، وبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الكَاذِبَ ضَالٌ لاَ يَصِلُ إِلى غَايَةٍ، ولاَ يَنالُ مِنَ اللهِ هِدَايَةً؛ فَقَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)) (13)، وقال: ((إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ)) (14) .
   عِبَادَ اللهِ:
   لِكَي يَقْطَعَ الإِسلاَمُ الطَّرٍيِقَ عَلَى الكَذِبِ نَهَى الإِنسَانَ عَنِ الإِفرَاطِ فِي الحَدِيثِ بِكُلِّ مَا يَسْمَعُ وأَمَرَهُ بِالتَّثَبُّتِ مِنَ الأخبَارِ قَبْلَ نَقْلِها والتَّحدُّثِ بِها، يَقُولُ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم-  : ((كَفَى بِالمَرءِ إِثماً أَنْ يُحدّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ))، ولَمَّا كَانَ الكَذِبُ صِفَةً تَجْلِبُ لِصَاحِبِها المَقْتَ والمَهانَةَ؛ حَثَّ الإِسلامُ الإِنسَانَ عَلَى أَنْ يُطَهِّرَ مِنْهُ لِسَانَهُ، وقَدْ قِيلَ: ((الصَّادِقُ مَصُونٌ جَلِيلٌ، والكَاذِبُ مُهَانٌ ذَلِيلٌ))، وروي عَنْ عُمَرَ -رَِضِى اللهُ عَنْهُ- قَولُهَ: ((لأَنْ يَضَعَني الصِّدْقُ أَحَبُّ إِليَّ مِنْ أَنْ يَرْفَعَني الكَذِبُ ولَنْ يَرفَعَ))، ومِنْ أَشْنَعِ الكَذِبِ أَنْ يُلبِسَ الإِنسَانُ نَفْسَهُ صِفةً لَيسَتْ لَهُ، فَمِثْلُ هَذَا كَذَبَ عَلَى نَفْسِهِ فَأعطَاها مَا لَيسَ لَها، وكَذَبَ عَلَى النَّاسِ فَظَهَرَ أَمَامَهم عَلَى غَيْرِ حَقِيقَتِهِ، إِنَّ الإِنسانَ الذِي يَعْرِفُ قَدْرَ نَفْسِهِ لاَ يُعْطِيها أَكثَرَ مِمَّا لَها، بَلْ إِنَّهُ يَتَواضَعُ فَيَظْهرُ بِالمَظْهَرِ الأَدنى وإن كان قدرهُ أعلى.
   فاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، واعلَمُوا أَنَّ مَنْ عَرَفَ قَدْرَ  نَفْسِه عَرَفَ النَّاسُ قَدْرَه، فَازدَادَ بَينَهم احتِرامَا، وحُبّاً وإِكرَاماً.
   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: ((إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (15).
   اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
                                             
   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكل أرزاقنا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
   عِبَادَ اللهِ :
(( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ)).
(1) سورة النساء / 122 .
(2) سورة النساء / 87 .
(3) سورة آلا عمران / 95 .
(4) سورة مريم / 41 .
(5) سورة مريم / 54 .
(6) سورة مريم / 56 .
(7) سورة النوبة / 119 .
(8) سورة الزمر / 33 .
(9) سورة البقرة / 177 .
(10) سورة الأحزاب / 35 .
(11) سورة النحل / 105 .
(12) سورة البقرة / 10 .
(13) سورة الزمر / 3 .
(14) سورة غافر / 28 .
(15) سورة الأحزاب / 56