إِياكُم والغَضَب
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
31/07/2007

خطبة الجمعة بتاريخ 19 رجب 1428هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

إِياكُم والغَضَب

   الحَمْدُ للهِ ربِّ العَالَمِينَ، أَمَرَ عِبَادَهُ بِالتَّسَلُّحِ بِالعِلْمِ، والتَّخَلُّقِ بِخُلُقِ الحِلْمِ، والعَيْشِ فِي ظِلالِ الأَمْنِ والسِّلْمِ، أَحمَدُهُ سُبْحَانَهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهلٌ مِنَ الحَمْدِ وأُثنِي عَلَيهِ، وأُومِنُ بِهِ وأَتَوكَّلُ عَلَيه، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ الكَبِيرُ المُتَعَالُ، حَثَّنَا عَلَى حُسْنِ الأَقوَالِ والأَفعَالِ، ونَهَانَا عَنِ الغَضَبِ وسُرعَةِ الانفِعَالِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَكثَرُ النَّاسِ صَبْراً وأَوسَعُهمْ صَدْراً، وأَغزَرُهمْ عِلْماً وأَعظَمُهمْ حِلْماً، -صلى الله عليه وسلم-  وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَعَلَى كُلِّ مَنِ اهتَدَى بِهَدْيِهِ، وَاستَنَّ بِسُنَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :

   إِنَّ الإِسلامَ يُحِبُّ مِنَ الأَخلاَقِ أَعدَلَها، ومِنَ الصِّفَاتِ أجمَلَها، والعَدْلُ والجَمَالُ فِي الأَخلاَقِ والصِّفَاتِ لا يَتَحقَّقانِ إِلاَّ حَيْثُ تُتَّخَذُ الوَسَطِيَّةُ دَلِيلاً، ومَنْهَجاً وسَبِيلاً، فَالإِسلاَمُ دِينُ الوَسَطِيَّةِ والاعتِدَالِ، فِي الأَخلاَقِ وفِي كُلِّ مَجَالٍ، ومَا مِنْ فَضِيلَةٍ إِلاَّ وهِيَ وَسَطٌ بَيْنَ رَذِيلَتَيْنِ، ومِنْ أَخلاَقِ الإِسلاَمِ خُلُقُ الحِلْمِ، وهُوَ خُلُقٌ وَسَطٌ بَيْنَ عَدَمِ الغَضَبِ عَلَى الإِطلاَقِ وبَيْنَ الإِفرَاطِ فِيهِ، إِنَّ الغَضَبَ غَرِيزَةٌ فِي الإِنسَانِ إِنْ فَرَّطَ فِيهَا هَانَ عَلَيه خَدْشُ كَرَامَتِهِ والطَّعْنُ فِي عِرضِهِ والاعتِدَاءُ عَلَى نَفْسِهِ ومَالِهِ، وهَذَا الصِّنْفُ مِنَ النَّاسِ فَقَدَ الأَنَفَةَ، وعَدِمَ الحَمِيَّةَ، ورَضِيَ بِالذِّلَّةِ والدَّنيَّةِ، وهِيَ أَخلاَقٌ يَرفُضُها الإِسلامُ ويَأْبَاها؛ لأَنَّها تَتَنافَى مَعَ كَرَامَةِ الإِنسَانِ، وَمَنْ كَرَّمَهُ اللهُ لاَ يَجُوزُ أَبَداً أَنْ يَذِلَّ أَو يُهانَ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً))(1).

   عِبَادَ اللهِ :

   إِنَّ الإِنسَانَ إِذَا أَفرَطَ فِي الغَضَبِ وغَالَى فِيه وقَعَ فِي الحَالِ المَذْمُومِ وكَانَ لِغَضَبِهِ نَتَائِجُ وخِيمَةٌ، وعَوَاقِبُ أَلِيمَةٌ، وكَيْفَ لاَ يَكُونُ كَذَلِكَ وهُوَ يُوقِعُ صَاحِبَهُ فِي المَآسِي والمَهَالِكِ؟ إِنَّهُ مَدْخَلٌ مِنْ مَدَاخِلِ الشَّيْطَانِ الكُبْرَى، ومَكِيدَةٌ مِنْ مَكَائِدِهِ العُظْمَى، إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا تَمَكَّنَ مِنْ زَرْعِ بُذُورِ الغَضَبِ فِي قَلْبِ الإِنسَانِ يَظَلُّ يُذْكِي هَذَا البَذْرَ ويَروِيهِ، ويَمُدُّهُ ويُغَذِّيهِ، ويَتَعَهَّدُهُ ويُنَمِّيهِ، فَإِذَا فَتَرَ الإِنسَانُ لَحْظَةً مِنَ الغَضَبِ أَهَاجَهُ الشَّيْطَانُ وأَثَارَهُ، فَزَادَ نَارَ الغَضَبِ اشتِعَالاً وحَرَارةً، ورُبَّمَا خَرَجَ الغَضْبَانُ تَحْتَ تَأْثِيرِ غَضَبِهِ الشَّدِيدِ عَنْ هَدْيِ الإِسلاَمِ وطَرِيقِهِ الرَّشِيدِ، فَعَنْ سُلَيمَانَ بنِ صَرْدٍ قَالَ: استَبَّ رَجُلانِ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-  فَجَعَلَ أَحَدُهُما يَغْضَبُ ويَحْمَرُّ وَجْهُهُ وتَنتَفِخُ أودَاجُهُ؛ فَنَظَرَ إِليهِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-  فَقَالَ: ((إِنِّي لأَعلَمُ كَلِمَةً لَو قَالَها لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)). إِنَّ الاستِعَاذَةَ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ وِقَايَةٌ، وحُصْنٌ وحِمَايَةٌ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)) (2)، إِنَّ الغَضَبَ جِمَاعُ كُلِّ شَرٍّ، وإِنَّ التَّحَرُّزَ مِنْهُ جِمَاعُ كُلِّ خَيْرٍ، ولَقَدْ جَاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-  فَقَالَ: ((أَوصِنِي؟ قَالَ: لاَ تَغْضَبْ، فَرَدَّدَ الرَّجُلُ طَلَبَ الوَصِيَّةِ مِرَاراً، والرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-  يَقُولُ: لاَ تَغْضَبْ))، وجَاءَ فِي رِوَايةٍ أَنَّ الرَّجُلَ قَالَ: ((فَفَكَّرتُ حِينَ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-  مَا قَالَ، فَإِذَا الغَضَبُ يَجْمَعُ الشَّرَّ كُلَّهُ)). إِنَّ شِدَّةَ الغَضَبِ تَسُوقُ المَرْءَ إِلى مَوَاطِنِ الزَّلَلِ والعَطَبِ؛ فَيَقُولُ مَا لاَ يَعْلَمُ، ويَعْمَلُ بِمَا يُورِثُ النَّدمَ، فَالعَاقِلُ حَقّاً هُوَ الذِي لاَ يَعْمَلُ بِمُقتَضَى الغَضَبِ إِذَا حَصَلَ لَهُ، بَلْ يُجَاهِدُ نَفْسَهُ عَلَى تَركِهِ وتَرْكِ مَا يَأْمُرُ بِهِ، فَإِنَّ الغَضَبَ إِذَا مَلَكَ ابنَ آدمَ كَانَ كَالآمِرِ النَّاهِي لَه، ولِهَذَا المَعْنَى قَالَ اللهُ تَعَالَى: ((وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ)) (3).

   أَيُّهَا المُؤْمِنوْنَ :

   إِنَّ لِلغَضَبِ أَضرَاراً دِينِيَّةً وأَخلاَقِيَّةً، واجتِمَاعِيَّةً وصِحِّيَّةً، فَالمَرءُ تَحْتَ تَأْثِيرِ الغَضَبِ الشَّدِيدِ قَدْ يَنْطِقُ بِكَلامٍ يُنَافِي أَوَامِرَ الإِسلاَمِ، كَمَا أَنَّ أَضرَارَهُ الأَخلاَقِيَّةَ مَشهُورَةٌ، مَعْرُوفَةٌ غَيْرُ مَنْكَورَةٍ، فَالغَضَبُ قَدْ يُبَخِّلُ الكَرِيمَ، ويُضَيِّقُ صَدْرَ الحَلِيمِ، ويُجَهِّلُ العَلِيمَ، فَكَمْ مِنْ أُنَاسٍ اشتَهروا بِحُسْنِ الأَخلاَقِ، غَضَبُوا فَضَاقُوا ذَرْعاً، ووقَعَوا تَحْتَ تَأْثَيرِ الغَضَبِ صَرْعَى، فَبَدَرَ مِنْهُمْ بِخِلاَفِ مَا عُرِفَ عَنْهُمْ مِنْ كَرَمٍ أَو حِلْمٍ أَو عِلْمٍ، ولِذَلِكَ نَهَى الإِسلاَمُ أَنْ يََقضِيَ إنسَانٌ بَيْنَ اثنَيْنِ أَو يَفْصِلَ بَيْنَ مُتَنَازِعَيْنِ وهُوَ غَضْبَانٌ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-  : ((لاَ يَحْكُمُ أَحَدٌ بَيْنَ اثنَيْنِ وهُوَ غَضْبَانٌ)). إِنَّ المَرْءَ حِينَ يَكُونُ حَاضِرَ الذِّهْنِ مُسْتَقِيمَ الفِكْرِ إِذَا تَكَلَّمَ أَحسَنَ الكَلاَمَ وأَجَادَ، فَأفَادَ النَّاسَ واستَفَادَ، فَإذَا كَانَ بَعِيداً عَنِ الغَضَبِ فَإنَّهُ سَيَزِنُ كَلاَمَهُ بِمِيزَانٍ دَقِيقٍ قَبْلَ أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُ، فَإِنْ رَآهُ حَقّاً وصَوَاباً أَقدَمَ، وإِنْ رَآهُ غَيْرَ ذَلِكَ أَمْسَكَ وأَحجَمَ؛ فَسَلِمَ وغَنِمَ.

   أَيُّهَا الْمُسْلِموْنَ :

   كَمْ لِلغَضَبِ مِنْ أَضْرارٍ اجتِمَاعِيَّةٍ، فَهُوَ يُدَمِّرُ مَا بَيْنَ النَّاسِ مِنْ عَلاَقَاتٍ، ويَقْطَعُ مَا بَيْنَهُم مِنْ صِلاَتٍ، فَالإِنسَانُ تَحْتَ تَأْثِيرِ الغَضَبِ يَسُبُّ ويَفْضَحُ، بَلْ رُبَّمَا يَضْرِبُ ويَجْرَحُ؛ فَيَحْدُثُ نِزَاعٌ، وتَسُوءُ الأَوضَاعُ، والنِّزَاعُ أَدَاةٌ لِلضَّعفِ ومِعْوَلٌ لِلفَشَلِ، ولَنْ يَحُولَ دُونَ ذَلِكَ سِوَى الصَّبْرِ والتَّحَمُّلِ، والحِلْمِ والتَّجَمُّلِ، يَقُولُ اللهِ تَعَالَى: ((وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)) (4) ، إِنَّ العَلاَقَةَ الحَمِيمَةَ بَيْنَ الزَّوجِ وزَوجِهِ تَبقَى فِي مَأْمَنٍ وهُدُوءٍ وسَكِينَةٍ مَا دَامَا بَعِيدَيْنِ عَنِ الغَضَبِ، فَإِذَا دَنَا الغَضَبُ واقتَرَبَ، أُصِيبَتِ العَلاَقَةُ الزَّوجِيَّةُ بِضَررٍ وعَطَبٍ، فَنَارُ الغَضَبِ إِذَا ثَارَتْ مِنَ الزَّوجِ أَو الزَّوجَةِ دُونَ إِطفَاءٍ لَها وإِخمَادٍ، قَدْ تُصِيبُ الأُسرَةَ فِي الصَّمِيمِ؛ فَيَحْدُثُ فِرَاقٌ وطَلاَقٌ، ثُمَّ نَدَمٌ وتَعَبٌ، وأَلَمٌ ونَصَبٌ، إِنَّ الذِي يَكْسِرُ حِدَّةَ الغَضَبِ خَيْرٌ وأَقوَى مِنَ الذِي يَكْسِرُ قُوَّتَهُ بِالغَضَبِ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-  : ((ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ آوَاهُ اللهُ فِي كَنَفِهِ، وسَتَرَ عَلَيهِ بِرَحمَتِهِ، وأَدخَلَه فِي مَحَبَّتِه: مَنْ إِذَا أُعطِيَ شَكَرَ، وإِذَا قَدَرَ غَفَرَ، وإِذَا غَضِبَ فَتَرَ)).

   فاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ -، واعلَمُوا أَنَّ ذَا اللُّبِّ السَّوِيِّ، والحَزْمِ القَوِيِّ مَنْ يَتَلقَّى قُوَّةَ الغَضَبِ بِالحِلْمِ فَيَصُدُّها، وشِدَّةَ انفِعَالِ نَفْسِهِ بِالحَزْمِ فَيَملِكُها.

  أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.

        

  *** *** ***

   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :

   إِنَّ لِلغَضَبِ أَضرَاراً صِحِّيَّةً، فَالبَدَنُ فِي صِحَّةٍ وعَافِيَةٍ، مَا هَدَأَتِ القُلوبُ وانفَسَحَتِ الصُّدورُ، وزَالَ الغَضَبُ أَو اضمَحَلَّ، واستَقَرَّ الحِلْمُ وحَلَّ، فِإنْ تَسَلّلَ الغَضَبُ إِلى الإِنسَانِ أَضعَفَهَ وأَوهَاهُ، ورَبَّمَا أَهلَكَهُ وأَرَدَاهُ، وقَدْ أَثبَتَ الطِّبُّ أَنَّ الغَضَبَ يُؤَدِّي إِلى ارتِفَاعِ بَعْضِ الأَمرَاضِ، بِِالإِضَافَةِ إِلى مَا يُسَبِّبُهُ مِنْ حَالاَتِ الاكتِئَابِ، ومَا يَنتُجُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ نَتَائِجَ سَلْبِيَّةٍ عَلَى صِحَّةِ الإِنسَانِ، ومِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا يُرَى عَلَى الإِنسَانِ حِينَ غَضَبِهِ مِنْ تَغَيُّرِ مَعَالِمِ شَكْلِهِ وتَبَدُّلِ مَظَاهِرِ هَيْئَتِهِ؛ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا يَعتَرِي جَسَدَ الإِنسَانِ مِنْ ارتِبَاكٍ واضطِرَابٍ، ولاَ عَجَبَ فِي ذَلِكَ ولاَ استِغْرَابَ؛ فَإِنَّ الغَضَبَ نَارٌ أُوقِدَتْ فِي قَلْبِ الإِنسَانِ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-  : ((إِنَّ الغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقُ مِنَ النَّارِ، وإِنَّمَا تُطْفأُ النَّارُ بِالمَاءِ؛ فَإذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوضَّأْ)). وقَدْ أَثبَتَ القُرآنُ الكَرِيمُ المَوتَ مِنَ الغَيْظِ، وذَلِكَ فِي قَولِهِ تَعَالَى: ((قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ))(5)، ولِشَدَّةِ تَأْثِيرِ الغَيْظِ النَّاتِجِ عَنِ الغَضَبِ الشَّدِيدِ وصَفَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ بِهِ جَهَنَّمَ فَقَالَ: ((إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً)) (6) ، وقَالَ: ((تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ)) (7) ، ولِذَلِكَ وعَدَ اللهُ الكَاظِمِينَ الغَيْظَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأَنهَارُ، وقَالَ -صلى الله عليه وسلم-  : ((مَنْ كَظَمَ غَيْظاً وهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنفذَهُ دَعَاهُ اللهُ سُبْحَانَهُ عَلَى رُؤوسِ الخَلاَئِقِ حَتَّى يُخيِّرَهُ مِنَ الحُورِ العِينِ مَا شَاءَ)).

   فاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ -، واعلَمُوا أَنَّ القَويَّ حَقّاً مَنْ قَاوَمَ الغَضَبَ ودَفَعَهُ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((لَيسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرْعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ)).

   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: ((إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (8).

   اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.

   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.

   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.

   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.

   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.

   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.

   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.

   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.

                                            

   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.

   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.

   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.

   عِبَادَ اللهِ :

(( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).

(1) سورة الإسراء / 70 .

(2) سورة الأعراف / 200-201 .

(3) سورة الأعراف / 154 .

(4) سورة الأنفال / 46 .

(5) سورة آل عمران / 119 .

(6) سورة الفرقان / 12 .

(7) سورة الملك / 8 .

(8) سورة الأحزاب / 56 .