(( وَلا تُبطِلُوا أَعْمَالَكُمْ))
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
31/08/2007
خطبة الجمعة بتاريخ 17 شعبان 1428هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
(( وَلا تُبطِلُوا أَعْمَالَكُمْ))
   الحَمْدُ للهِ الذِي يَقْبَلُ النَّقِيَّ مِنَ الأَعْمَالِ، ويُثِيبُ عَلَيه السَّعَادَةَ فِي الدُّنْيَا والمَآل، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى الذِي جَمَعَ اللهُ لَهُ عَظِيمَ الخِصَالِ وأَحْسَنَ الخِلالِ، اللهُمَّ صَلَّ وسَلِّمْ عَلَيه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ ومَنْ اهتَدَى بِهَدْيِهِ واسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ ودَعَا بِدَعْوَتِهِ إِلى يَوْمِ الدَّيِنِ. 
   أَمَّا بَعْدُ، فَأُوصِيكُم ونَفْسِي عِبَادَ اللهِ بِتَقْواهُ، والعَمَلِ بِمَا فِيهِ رِضَاهُ، ((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً))(1)، واعلمُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- أَنَّ اللهَ فَرَضَ الفَرَائِضَ وشَرَعَ العِبَادَاتِ طَهَارةً لِلنُّفُوسِ وتَزكِيَةً لِلسُّلُوكِ، وتَنْقِيَةً لِلسَّرَائِرِ وتَرْبِيَةً لِلضَّمَائِرِ، وهِيَ نَافِعَةٌ مَقبُولَةٌ مَا أَثْمَرَتْ هَذِهِ الثِّمَارَ الطَّيِّبَةَ، وتَجَلَّتْ مَظَاهِرُهَا فِي الإِنْسانِ بِحُسنِ التَّرْبِيَةِ، يُعِزُّ اللهُُ مَنْ أَحْسَنَ أَدَاءَها، فَيَصْعَدُ إِلَيه تَعَالى الطَّيِّبُ مِنْ أَقْوَالِها، ويَرفَعُ سُبْحَانَهُ الصَّالِحَ مِنْ أَعمَالِهَا، قَالَ تَعَالى: ((مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ))(2)، وإِنَّمَا يَقْبَلُ اللهُ العَمَلَ إِذَا سَلِمَ مِنَ المُبْطِلاتِ، وعُوفِيَ مِنَ المُفْسِدَاتِ، واستَوفَى شُروطَ العِبَاداتِ، لِيَبقَى ذَلِك العَمَلُ مُمْتَدّاً أَثَرُهُ مُدَّخَراً لِصَاحِبهِ بَعْدَ المَمَاتِ، لِذَا كَانَ عَلَى المُسْلِمِ أَنْ يَحْذَرَ أَشَدَّ الحَذَرِ مِنْ إِفْسَادِ عَمَلِهِ بِكُلِّ مَا مِنْ شَأْنِهِ التَّأْثِيرُ عَلَى صِحَّتِه، أَو إِذْهَابُ أَجْرِهِ وثَوَابِهِ، حَتَّى لا يَخِيبَ جَمِيلُ أَمَلِهِ، فَيَخْسَرَ الخَسَارَةَ الكُبْرَى التِي قَالَ اللهُ عَنْهَا: ((قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً))(3)، فَمَا أَثْقَلَها مِنْ حَسْرَةٍ ومَا أَشَدَّهُ مِنْ أَلَمٍ حِينَ يَكُونُ العَمَلُ شَرّاً مِنْ عَدَمِهِ، فَيَجُرُّ عَلَى صَاحبِهِ شَقاءَهُ وطُولَ نَدَمِهِ!!.
   أَيُّها المُسْلِمُونَ:
   إِنَّ مِمَّا يُحْبِطُ أَعْمَالَ العَامِلِينَ ويُخَيِّبُ سَعْيَ السَّاعِينَ، سُوءَ العَلاقَةِ بِاللهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وخَللَ التَّوحِيدِ لِخَالِقِ السَّمَاواتِ والأَرَضِين، فَالكَافِرُ بِنِعْمَةِ الله،ِ الجَاحِدُ لِفَضْلِهِ ومَا أََََولاَهُ، المِعْوَجُّ فِي سُلُوكِهِ عَنْ أَمْرِهِ وهُدَاهُ، المُشْرِكُ لَهُ فِي العِبادَةِ سِوَاهُ، عَمَلُهُ مَرْدودٌ، وسَعيُهُ غَيْرُ مَحْمُودٍ، لا يَجُرُّ لَهُ شَيئاً مِنَ الثَّوابِ، ولا يَقِيهِ مِنْ أَليمِ العِقَابِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: ((وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ)) (4)، هَذَا وإِنَّ مِنْ صُورِ الكُفْرِ بِاللهِ اعتقادَ النَّفْعِ أَو الضُّرِّ مِنْ غَيْرِ رَبِّ العَالَمِينَ، وكَمَا يُحبَطُ العَمَلُ بِالشِّرْكِ الأَكْبَرِ، فّإِنَّهُ يُحْبَطُ بِالشِّرْكِ الأَصغَرِ الذِي هو الرِّياءُ، وهو أَنْ يَطلُبَ العَبْدُ بِعَمَلِهِ ثَنَاءَ النَّاسِ ومَدْحَهَم وذِكْرَهُم، فَاللهُ سُبْحَانَهُ لا يَقْبَلُ إِلاَّ مَا كَانَ خَالِصاً لِوَجْههِ، مُفْرِداً لَهُ سُبْحَانَهُ فِي قَصْدِهِ، قَالَ تَعَالى:  ((أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)) (5)، ومِنْ حُسْنِ العَلاقَةِ بِاللهِ التِي يَزكُو بِها العَمَلُ ويُرْفَعُ، الإِحْسَانُ الذِي عَرَّفَهُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-  بِقَولِهِ: ((أَنْ تَعْبَدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَراهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ))، فَمَنِ استَوَتْ عَلَى الصَّلاحِ عَلانِيَتُهُ وسِرُّه، وخَفَاؤُهُ وجَهْرُهُ، قَبِلَ اللهُ عَمَلَهُ، وحَقَّقَ لَهُ أَمَلَهُ، ومَنْ كَانَ بِخِلافِ ذَلِكَ كَانَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ.
   أيُّهَا المُسْلِمُون :
   ومِنْ مُبْطِلاتِ الأَعمَالِ الاعتِدَاءُ عَلَى الآخَرِينَ وهَضْمُ حُقُوقِهم، وسَلْبُ إِرَادَتِهم، واحِتقَارُ آرَائِهم، ومُصَادَرَةُ حُرَّيَاتِهم، لأنَّ ذَلِك يُضْعِفُ تَمَاسُكَ المُجْتَمَعِ وتَرَابُطَ أَبنائِهِ، فَقَد حَرَّمَ الإِسلاَمُ أَنْ يَفْرِضَ الإِنسَانُ نَفْسَهُ عَلَى النَّاسِ لِزَعَامَتِهم أو تَقَدُّمِهُم، احتِرَاماً لِرَغَبَاتِهِمْ مَا دَامَتْ قَائِمَةً عَلَى أَسَاسٍ صَحِيحٍ، فَعَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  قَالَ: ((ثَلاثَةٌ لا تُجَاوِزُ صَلاتُهم آذَانَهم: وذَكَرَ مِنْهُم: مَنْ أَمَّ قَوماً وهُم لَهُ كَارِهُون))، وكَمَا يَبْطُلُ العَمَلُ بَالاعتِدَاءِ عَلَى إِرَادَةِ الآخَرِينَ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِغَيْرِ ذَلِك مِنْ صُوَرِ الظُّلْمِ والعُدْوَانِ، والتَّجَنِّي عَلَى بَنِي الإِنْسَانِ، فَالأَخْلاقُ السَيِّئَةُ والسُّلُوكِيَّاتُ المُشِينَةُ تَأْكُلُ الخَيْرَاتِ، وتَجْعَلُ صَاحِبَهَا مُفْلِساً مِنَ الحَسَناتِ، بَلْ تُحَمِّلُهُ مِنْ غَيْرِهِ الأَوزَارَ والسَّيِّئاتِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- أََنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-   قَالَ: ((أَتَدْرونَ مَنِ المُفْلِس؟ قَالوا: المُفْلِسُ فَينَا مَنْ لا دِرْهمَ لَهُ ولا مَتَاع؛ قَالَ: إِنَّ المُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَومَ القِيَامَةِ بِصَلاةٍ وصِيَامٍ وزَكَاةٍ، ويَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وقَذَفَ هَذَا، وأَكَلَ مَالَ هَذَا، وسَفَكَ دَمَ هَذَا، وضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وهَذَا مِنْ حَسَناتِهِ، فِإِنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أََنْ يَقْضي مَا عَلَيه أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُم فَطُرِحَتْ عَلَيهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّار))، إِنَّ إِيذَاءَ النَّاسِ مُحْبِطٌ لِلعَمَلِ حَتَّى ولَو كَانَ نَتِيجَةً لِفَضْلٍ أَحْسَنَ بِهِ فَاعِلُهُ، أو أَثَراً لِخَيْرٍ فَعَلَهُ قَائِلُهُ، ومِنْ ذَلِكَ المَنُّ والأذى الَّلذَانِ يَعقُبَانِ الإنفَاقَ، لِمَا فِيهِمَا عَلَى نَفْسِ الفَقِيرِ مِنَ الأذِِيَّةِ والإرْهَاقِ، قَالَ تَعَالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ))(6)، لَقَدْ حَرَّمَ اللهُ المَنَّ والأَذَى تَصفيَةً لِسَرائِرِ المُؤمِنينَ، ومُرَاعَاةً لِمَشَاعِرِ الفُقَراءِ والمُحتَاجِينَ، الَّذِينَ انكَسَرَتْ نُفُوسُهم بِالفَقْرِ، وأَصَابَهم مِنَ الفَاقَةِ الأَلَمُ والضَّررُ، فَشَاءَ اللهُ أَنْ لا يَجْمَعَ لَهُم بَلاءَيْنِ: بَلاءَ الفَقْرِ وبَلاءَ المَنِّ والأَذَى، لأنَّ المَنَّ يَذْهَبُ بِلَذَّةِ الصَّدَقَةِ ورِقَّّةِ العَطَاءِ، ويَحْرِمُ صَاحِبَهُ مِنَ الثَّوابِ وحُسْنِ الجَزَاءِ.
   أيُّهَا المُسْلِمُونَ:
   إِنَّ مِنْ أَشَدِّ مُبْطِلاتِ الأَعمَالِ ضَرراً، وأَعظَمِها بَلاءً وخَطَراً، قَولَ الزُّورِ والعَمَلَ بِهِ، وهُوَ مِنَ الصِّفَاتِ الذَّمِيمَةِ والسُّلُوكِيَّاتِ السَّقِيمَةِ، التِي حَذَّرَ اللهُ مِنْهَا فِي كِتَابِه، ونَهَى عَنْهَا رَسُولُه -صلى الله عليه وسلم-   فِي سُنَّتِهِ، قَالَ تعَالى فِي وَصفِ عِبَادِه المُؤْمِنينَ: ((وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً)) (7)، بَلْ إِنَّ اللهَ تَعَالى قَرَنَ قَولَ الزُّورِ بِعِبِادَةِ الأَوثَانِ، والخُروجِ مِنْ رِبقَةِ الإِيمَانِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: ((ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)) (8)، وعَدَّ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-  قَولَ الزُّورِ مِنْ مُبْطِلاتِ الأَعمَالِ التِي لا يَنفَعُ مَعَها تَقَرُّبٌ إِلى اللهِ بِالصِّيامِ، وإِجْهَادِ النَّفْسِ بِتَركِ الشَّرَابِ والطَّعَامِ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-  : ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَولَ الزُّورِ والعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ)). هَذَا وإِنَّ مِنْ أَخْطَرِ صُوَرِ التَّزْويرِ، لِمَا فِيها مِنَ الضَّررِ الكبِيرِ، تَزْويرَ الشَّهَادَاتِ العِلْميَّةِ، وتَلْفِيقَ الدَّرَجَاتِ التَّحصِيليَّةِ، لأنَّ هَذَا أَمْرٌ يَعُمُّ بِهِ البَلاءُ، ويَتَجَنَّى صَاحِبُهُ عَلَى الطُّهْرِ والنََّقَاءِ، فَهُوَ سُلُوكٌ يَجْمَعُ الكَذِبَ والغِشَّ والخَدِيعَةَ، ويَبْتَعِدُ بِفَاعِلِهِ عَنِ سَائِرِ الخِلالِ الرَّفِيعَةِ، ويَجُرُّهُ إِلى صِفََاتِ النِّفَاقِ، وسِمَاتِ أَهلِ الشِّقَاقِ، قَالَ تَعالى: ((يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)) (9)، وهو مِنْ أَبْشَعِ صُورِ الغِشِّ المُحَرَّمِ، والرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-  يَقُولُ: ((مَنْ غَشَّنَا فَلَيس مِنَّا))، وعَنْ عَائِشَةَ وأسماءَ بِنْتَي الصدّيق -رَضِيَ اللهُ عَنِ الجَمِيعِ- أنّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-  قال: ((الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلاَبِسِ ثوبَيْ زُورٍ)).
   فاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، واحرصُوا عَلَى الاستِعدَادِ لِيومِ الحِسَابِ، بِطَاعَةِ اللهِ الكَرِيمِ الوَهَّابِ، ومَجَانَبَةِ كُلِّ مَا يُؤَدِّي إِلى إِحبَاطِ العَمَلِ وإِبطَالِ الثَّوابِ.
  أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
  *** *** ***
   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   إِنََ لِكُلَّ مَوجُودٍ صَنْعَةً وعَمَلاً، ولِكُلِّ مَخْلوقٍ غَايَةً وأَجَلاً، ولِكُلِّ سَاعٍ أَمَلاً، وقَدْ أَمَرَكُم اللهُ فِي كِتَابِهِ، وحَثَّكُم رَسُولُهُ فِي سُنَّتِهِ عَلَى إِتقَانِ العَمَلِ حَتَّى يَنَالَ مِنَ اللهِ القَبُولَ، ويَكُونَ مُعِيناً عَلَى تَحقيقِ الهَدَفِ والوُصُولِ، فَلا عَمَلَ بِدونِ عِلْمٍ، ولا يَنفَعُ سُلوكٌ تَلَبَّسَهُ جَوْرٌ وظُلْمٌ، قَالَ تَعَالى: ((وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)) (10)، ويَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-: ((إِنَّ اللهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُم عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ))، إِلاَّ أَنَّ الإنْسَانَ قَدْ يَرتَكِبُ شَيئاً مِنَ الأَخطَاءِ، ويَقَعُ فِي بَعْضِ الظُّلْمِ والاعتِدَاءِ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((كُلُّ بَني آدَمَ خَطَّاءٌ وخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابونَ))، ومِنْ رَحمَةِ اللهِ بِعِبَادِه أَنْ شَرَعَ التَّوبَةَ مِنَ المَظَالِمِ والآثَامِ، تَنقِيَةً لِعَمَلِ العَامِلينَ، وتَصحِيحاً لِسَعيِ السَّاعِينَ، فِإنْ كَانَ الخَلَلُ فِي العَمَلِ بَيْنَ العَبْدِ ورَبِّهِ تَابَ إِلى اللهِ بِعَزْمٍ عَلَى إِصْلاحِ الحَالِ، وتَصمِيمٍ عَلَى عَدَمِ العَودَةِ إِلى مَا سَبَقَ مِنْ سَيِّءِ الخِصالِ، مَعَ قَضَاءِ مَا فَسَدَ مِنَ العِبَادَاتِ، وتَصحِيحِ السَّقِيمِ مِنَ المَقَاصِدِ والنِّيَّاتِ، وطَلَبِ المَغْفِرَةِ مِمَّنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ ويَرفَعُ الدَّرَجَاتِ، وأَمَّا إِنْ كَانَ الخَلَلُ فِي مَظْلَمَةٍ لِلنَّاسِ، فَلا يَنفَعُ صَاحِبَها إِلاَّ التَّحَلُّلَ مِنَ المَظْلُومِ، وأَدَاءِ الحَقِّ المَهْضُومِ، وتَسْدِيدِ الدُّيونِ وأَدَاءِ الأَمَانَةِ إِلى أَربَابِها، فَحُقوقُ الخَلْقِ لا تُغفَرُ حَتَّى يُتَحلَّلُ مِنْ أَصْحَابِها.
   فاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وأَصلِحُوا أَعمَالَكُم، وأَخْلِصُوا نِيَّاتِكُم، وتَحَلَّلُوا مِنْ تَبِعَاتِكُم.
   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: ((إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )).
   اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
   عِبَادَ اللهِ :
(( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
(1) سورة الأحزاب / 70-71 .
(2) سورة فاطر / 10 .
(3) سورة الكهف / 103- 104.
(4) سورة النور / 39 .
(5) سورة الزمر / 3 .
(6) سورة البقرة / 264 .
(7) سورة الفرقان / 72 .
(8) سورة الحج / 30 .
(9) سورة البقرة / 9 .
(10) سورة الإسراء / 36 .
آخر تحديث ( 23/09/2007 )