كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء
|
26/09/2007 |
خطبة الجمعة بتاريخ 16 رمضان 1428هـ بسم الله الرحمن الرحيم بُشْرى للتَّائبِينَ الحَمْدُ للهِ الذِي غَمَرَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيءٍ، وَوَسِعَ رِزقُهُ كُلَّ حَيٍّ، سُبْحَانَهُ فَتَحَ بَابَ تَوبَتِهِ لِلتَّائبِينَ، وقَالَ وهُوَ أَصْدَقُ القَائلِينَ: ((وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ)) (1) ، أَحمَدُهُ تَعَالَى وأَشْكُرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، خَيْرُ مَنْ تَابَ إِلى رَبِّهِ واستَغْفَرَ، فَغَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ ومَا تَأخَّرَ، -صلى الله عليه وسلم- وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَعَلَى كُلِّ مَنِ اهتَدَى بِهَدْيِهِ، وَاستَنَّ بِسُنَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : جُبِلَتِ النُّفُوسُ عَلَى حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إِليْهَا، فَمَنْ أَعْظَمُ إِحسَاناً عَلَى الإِنسَانِ مِنْ خَالِقِهِ العَظِيمِ، ومَوْجِدِهِ الكَرِيمِ؟، الذِي خَلَقَهُ مِنْ عَدَمٍ، وغَذَّاهُ وسَوَّى خَلْقَهُ ورَعَاهُ وهُوَ فِي ظُلُمَاتِ الرَّحِمِ، ثُمَّ أَخرَجَهُ إِلى عَالَمِ الحَيَاةِ، وهَيَّأَ لَهُ فِي هَذَا العَالَمِ أَسَبَابَ العِنَايَةِ والرِّعَايَةِ، إِلى مَا لاَ يُعَدُّ مِنَ صُنُوفِ النِّعَمِ وبَالِغِ الإِحسَانِ، فَهَلْ يَجْدُرُ أَنْ يَقَابِلَ كَرَمَ الرَّحمنِ بِالعُقُوقِ والعِصْيَانِ؟!، ولَكِنَّ الإِنسَانَ بِطَبِيعَتِهِ البَشَرِيَّةِ وخِلْقَتِهِ الضَّعِيفَةِ-أَمَامَ شَهَواتِ النَّفْسِ وإِغرَاءَاتِ الهَوَى وَوَسَاوسِ الشِّيْطَانِ- قَدْ يَقَعُ فَي شِرَاكِ السَّيِّئَاتِ والعِصْيَانِ، مِصْدَاقاً لِقَولِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- : ((كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وخَيْرُ الخَطَّائينَ التَّوَّابُونَ)) ، فَالإِنسَانُ مُعَرَّضٌ لِلوقُوعِ فِي الخَطَايَا، كَمَا أَنَّهُ تَوَّاقٌ لِلخُرُوجِ مِنْهَا والعَوْدَةِ إِلى عَالَمِ الخَيْرِ والنَّقَاءِ، وقَدْ أَفَادَ هَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ أَنَّ التَّوَّابِينَ خَيْرُ بِنَي آدَمَ، فَفِيهِ حَثٌّ عَلَى الانتِظَامِ فِي سِلْكِ التَّائبِينَ بِأَبلَغِ الكَلِمَاتِ. أَيُّهَا الْمُسْلِموْنَ : إِنَّ التَّوبَةَ مِنَ الذَّنْبِ مَعنَاهَا العَوْدَةُ إِلى اللهِ سُبْحَانَهُ بِسُؤالِ العَبْدِ العَاصِي رَبَّهُ العَفْوَ عَمَّا بَدَرَ مِنْهُ، ومُفَارَقَتُهُ لِلمَعْصِيَةِ، والنَّدَمُ عَلَى مَا فَرَطَ مِنْهُ، وعَقْدُ العَزْمِ عَلَى عَدَمِ العَوْدَةِ لِفِعلِ ذَلِكَ الذَّنْبِ مَرَّةً أُخْرَى، ونَجِدُ اللهَ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الكَرِيمِ يَدْعُو عِبَادَهُ إِلى هَذِهِ التَّوْبَةِ ويُنَادِيهِم، ويُرَغِّبُهُم فِيَها بِأَرَقِّ الجُمَلِ وأَلطَفِ العِبَارَاتِ، فَهُوَ عَزَّ وجَلَّ يَقُولُ: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) (2) ، يُنَادِي اللهُ تَعَالَى أَهلَ الإِيمَانِ أَنْ يَتُوبُوا فَكْيفَ بِأَهلِ المَعَاصِي والسَّيِّئَاتِ؟، لَقَدْ فَتَحَ اللهُ بَابَ التَّوْبَةِ لِلجَمِيعِ، ووَعَدَ بِقَبُولِها، فَقَالَ: ((وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً)) (3) ، وقَدْ أَخْبَرَ المَولَى تَعَالَى عَنْ كَثِيرٍ مِنْ أَنبِيائهِ ورُسُلِهِ الكِرَامِ أَنَّهُم كَانُوا يَتُوبُونَ إِليهِ عَزَّ وجَلَّ ويَستَغْفِرونَهُ استِغْفاراً كَثِيراً مِنْ لَدُنْ سَيِّدِنَا آدَمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- إِلى سَيِّدِنَا ونَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- ، فَقَدْ حَكَى القُرآنُ عَنْ أَبِينَا آدَمَ وأُمِّنَا حَوَّاءَ -عَلَيْهِما السَّلاَمُ- أَنَّهُمَا تَابَا إِلى اللهِ تَعَالَى فَقَالاَ: (( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا))(4)، وأَخْبَرَ اللهُ عَنْ نَبِيِّهِ دَاودَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- أَنَّهُ ((اسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ))(5)، ونَقَلَ لَنَا القُرآنُ الكَرِيمُ استِغْفَارَ وتَوْبَةَ سَيِّدِنَا مُوسَى -عَلَيهِ السَّلاَمُ- (( قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ)) (6) ، وأنَّ يُونُسَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- نَادَى فِي الظُّلُمَاتِ:(( لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)) (7)، وَوَصَفَ عَزَّ وجَلَّ أَبَا الأَنبِيَاءِ إِبْرَاهيمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- بِقَولِهِ سُبْحَانَهُ: ((إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ))(8)، والأَوَّاهُ مَنْ كَانَ كَثِيرَ التَّوَجُّعِ عَلَى مَا يَفُوتُ مِنَ الخَيْرِ، والمُنِيبُ الرَّاجِعُ إِلى اللهِ تَعَالَى بِالمَتَابِ والاستِغْفًارِ، وهَذَا نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: ((أيُّها النَّاسُ تُوبُوا إلى الله واستَغفِرُوهُ؛ فإنِّي أتوبُ إلى الله وأستَغفِرُهُ في اليومِ واللَّيلةِ مائةَ مَرَّةٍ))، فَهَؤلاءِ -يَا عِبَادَ اللهِ- هُمْ صَفْوَةُ البَشَرِ، الذِينِ اجتَبَاهُمُ الحَقُّ لِهِدَايَةِ الخَلْقِ، وهُمْ يَتُوبُونَ إِلى اللهِ سُبْحَانَهُ بِبَالِغِ المَتَابِ؛ فَكَيْفَ بِمَنْ دُونَهُم؟ أَلَيْسُوا أَجْدَرَ بِطَلَبِ العَفْوِ وابتِغَاءِ المَغْفِرَةِ؟. عِبَادَ اللهِ : إِنَّ العَبْدَ الذِي يَستَشْعِرُ الخَوفَ مِنَ اللهِ تَعَالَى يَبقَى فِي وَجَلٍ دَائمٍ مِنْ أَنْ يُقِيمَ عَلَى مَعْصِيَةٍ مِنْ مَعَاصِي اللهِ تَعَالَى، ذَلِكَ لأَنَّهُ يُدْرِكُ عَظَمَةَ مَقَامِ المَولَى وشِدَّةَ بَأَسِهِ وعَظِيمَ سُلْطَانِهِ، ويَتَصَوَّرُ قُرْبَهُ وبُعْدَهُ، فَيَحْمِلُهُ الخَوفُ مِنَ اللهِ تَعَالَى عَلَى الإِنَابَةِ والإِسْرَاعِ فِي طَلَبِ الصَّفْحِ والعَفْوِ والمَغْفِرَةِ مِنَ المَلِكِ الجَلِيلِ الوَهَّابِ، الذِي يَقُولُ فِي الكِتَابِ: ((وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ)) (9) ، وكَمَا يَحْمِلُهُ الخَوْفُ مِنَ اللهِ تَعَالَى عَلَى تَرْكِ المُوبِقَاتِ فَكَذَلِكَ يَتَذَكَّرُ عَظِيمَ عَفْوِ اللهِ، ووَاسِعَ رَحْمَتِهِ، وجَمِيلَ إِحسَانِهِ فَيَرْجُو رَجَاءً يَحْمِلُهُ عَلَى مُفارَقَةِ المَعْصِيَةِ والاستِغنَاءِ عَنْهَا بِمَا أَحَلَّهُ اللهُ تَعَالَى مِنَ الحَلاَلِ الكَثِيرِ الطَّيِّبِ المُبَارَكِ، وهُوَ يُدْرِكُ تَماماً أَنَّ عَاقِبَةَ التَّوْبَةِ والإِقلاَعِ عَنِ المَعْصِيَةِ سَعَادَةٌ فِي الدُّنِيا وفِي الآخِرَةِ؛ أَمَّا فِي الدُّنيا فَطَهَارَةُ القَلْبِ، وسَلاَمَةُ الصَّدْرِ، وبَهَاءُ الوَجْهِ، وطِيبُ الكَلاَمِ، ولَذَّةُ المَنَاجَاةِ، والإِقبَالُ عَلَى عِبَادَةِ اللهِ، وقَدْ وَعَدَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ التَّائبِينَ والمُستَغْفِرينَ بِاتِّسَاعِ الأَرزَاقِ، ونُزُولِ الأَمطَارِ، والبَرَكَةِ فِي الأَهلِ والبَنِينِ والأَمَوالِ، يَقُولُ سُبْحَانَهُ: ((اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً)) (10) ، ويَقُولُ تَبَارَكَ وتَعَالَى: (( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ)) (11)، ويَقُولُ سُبْحَانَهُ: ((اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً))(12)، كَمَا وَعَدَ عَزَّ وَجَلَّ التَّائبِينَ وُعُوداً حَسَنَةً كَثِيرةً فِي الآخِرَةِ، إِذْ يُكَفِّرُ عَنْهُمُ السَّيِّئَاتِ، بَلْ ويُبَدِّلُها إِلى حَسَنَاتٍ، يَقُولُ تَعَالَى: (( إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)) (13)، إِنَّ التَّائبِينَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ السُّعَدَاءِ المُفْلِحِينَ، يَقُولُ سُبْحَانَهُ: ((فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ))(14)، وَسَوفَ يَنَالُ التَّائبُونَ الخَيْرَ العَظِيمَ، فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ مَعَ المُؤمِنِينَ، يَقُولُ اللهُ عَزَّوَجَلَّ: (( إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً))(15). فاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ-، وتُوبُوا إِلى اللهِ تَعَالَى تَوْبَةً نَصُوحاً، فَإِنَّكُم فِي مَوْسِمٍ مِنْ مَوَاسِمِ الغُفْرَانِ، أَلاَ وهُوَ شَهْرُ رَمضَانَ، شَهْرُ النَّفَحَاتِ وإِقَالَةِ العَثَرَاتِ وتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ. أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ. *** *** *** الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : إِنَّ التَّوْبَةَ تَجْلُو رَانَ القَلْبِ، وتُصَفِّيهِ مِنْ شَوَائبِ الذُّنُوبِ، وأَكْدَارِ المَعَاصِي والسَّيِّئَاتِ، وإِنْ شِئتُمْ فَانظُروا إِلى حَاجَةِ مُتَّسِخِ الثِّيَابِ لِلمَاءِ الطَّهُورِ قَبلَ حَاجَتِهِ إِلى أَنْوَاعِ الطِّيبِ ورَوَائحِ البُخُورِ، فَكَذلِكَ شَأنُ المُتَلَبِّسِ بِمَعْصِيةٍ يَبْدَأُ بِغُسلِها حَتَّى يَخْلُو مِنْها القَلْبُ، وتَجِدُ الطَّاعَاتُ طَرِيقَها إِليْهِ، إِذِ التَّخْلِيَةُ قَبلَ التَّحلِيَةِ، ومَهْمَا امتَلأَ القَلْبُ بِشَيءٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُتَّسَعٌ لِشَيءٍ آخَرَ، ((مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ)) (16) ، ومَنْ تَابَ مِنَ الذَّنْبِ كَانَ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ، فَتَعُودُ إِلى قَلْبِ التَّائبِ رَوائحُ الأَعمَالِ الصَّالِحَةِ ويَعْبَقُ بِها، بَعْدَ أَنْ أَزَالَتِ التَّوْبَةُ عَنْهُ رَوَائِحَ الذُّنُوبِ المُنْتِنَةِ، ويَعُودُ إِليْهِ الاستِقْرَارُ النَّفْسِيُّ، والهُدُوءُ العَقْلِيُّ، والتَّركِيزُ الذِّهنِيُّ، إِذْ إِنَّ شَأْنَ التَّوْبَةِ كَشَأْنِ الدَّوَاءِ النَّاجِعِ لاَ يَزَالُ يُحَاصِرُ دَاءَ المَرِيضِ حَتَّى يُخَلِّصَهُ مِنْهُ. أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: إِنَّ المُؤمِنَ الحَقَّ هُوَ الذَي يُوَطِّنُ العَزْمَ عَلَى اجتِنَابِ المَذْمُومِ، ويُرَوِّضُ النَّفْسَ عَلَى الاستِمْسَاكِ بِالمَحْمُودِ، فَيَكُونُ قَوِيَّ الأَمَلِ بَعِيدَ اليَأْسِ، فَإِنْ أَلَمَّ بِذَنْبٍ أَوْ زَلَّتْ بِهِ قَدَمٌ سَارَعَ إِلى التَّوْبَةِ وبَادَرَ إِلى النَّدَمِ وتَجَنَّبَ الإِصرَارَ، فَذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ المُتَّقِينَ الأَبْرَارِ، يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي وَصفِهِم: (( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)) (17) ، وبَابَ التَّوْبَةِ مَفْتُوحٌ، يَدْخُلُ مِنْهُ كُلُّ مَنِ استَيقَظَ قَلْبُهُ فَحَاسَبَ نَفْسَهُ، وأَدْرَكَ سَعَةَ رَحْمَةِ رَبِّهِ وفَيْضَ عَطَائهِ. فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ-، وطَهِّروا النُّفُوسَ مِنْ أَدْرَانِها، وصَفُّوا القُلُوبَ مِنْ أَكْدَارِهَا، وزَكُّوا سَرَائرَكُم بِالمَتَابِ والاستِغْفَارِ؛ فَإِنَّ اللهَ حَلِيمٌ غَفَّارٌ. هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (18). اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين. اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ. اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ. اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ. رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ. عِبَادَ اللهِ :(( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )). (1) سورة الأعراف / 156 . (2) سورة التحريم / 8 . (3) سورة النساء / 110 . (4) سورة الاعراف / 23 . (5) سورة ص / 24 . (6) سورة القصص / 16 . (7) سورة الأنبياء /87 . (8) سورة هود / 75 . (9) سورة الرعد / 6 . (10) سورة هود / 3 . (11) سورة هود / 52 . (12) سورة نوح / 10-12 . (13) سورة الفرقان / 70 . (14) سورة القصص / 67 . (15) سورة النساء / 146 . (16) سورة الأحزاب / 4 . (17) سورة آل عمران / 135 . (18) سورة الأحزاب / 56 . |