خُطبةُ عِيدِ الفِطْرِ المبارَكِ |
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء | |
10/10/2007 | |
خطبة عبد الفطر المبارك بتاريخ 1شوال 1428هـ بسم الله الرحمن الرحيم خُطبةُ عِيدِ الفِطْرِ المبارَكِ اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ. اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ. اللهُ أَكْبَرُ مَا صَامَ المُسلِمُ وَأَفْطَرَ، اللهُ أَكْبَرُ مَا قَامَ مُصَلٍّ للهِ فِي السَّحَرِ واستَغْفَر، اللهُ أَكْبَرُ مَا أَتَمَّ الصَّائِمُ صَوْمَهُ فَبِالجَنَّةِ استَبشَر، اللهُ أَكْبَرُ مَا أَشْرَقَ صَباحُ العِيدِ وأَسفَر، اللهُ أَكْبَرُ مَا أَدَّى المُؤْمِنُ زَكَاةَ الفِطْرِ فَتَنقَّى وتَطَهَّرْ. اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ وللهِ الحَمْدُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيراً، والحَمْدُ للهِ كَثِيراً، وسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وأَصِيلاً. الحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ، ونَصَرَ عَبْدَهُ، وأَعَزَّ جُنْدَهُ، وهَزَمَ الأَحزَابَ وَحْدَهُ، لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَو كَرِهَ الكَافِرونَ. الحَمْدُ للهِ الذِي سَهَّلَ لِعِبَادِهِ طَرِيقَ العِبَادَةِ ويَسَّرَ، ووَفَّاهُم أُجُورَهُم مِنْ خَزَائِنِ جُودِهِ التِي لاَ تُحْصَرُ، سُبْحَانَهُ لَهُ الحَمْدُ عَلَى نِعَمِهِ التِي لاَ تُنْكَرُ، ولَهُ المِنَّةُ عَلَى آلائِهِ التِي تَتَكَرَّرُ، ونَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، مُجزِلُ الثَّوَابِ والعَطَايَا، وغَافِرُ الذُّنُوبِ والخَطَايَا، وكَاشِفُ الكُرُوبِ والبَلاَيا، ونَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ، أَفْضَلُ مَنْ صَلَّى وصَامَ، وحَجَّ واعتَمَرَ وطَافَ بِالبَيْتِ الحَرَامِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ الذِينَ أَذْهَبَ اللهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وطَهَّرَهُم، وصَحَابَتِهِ الذِينَ اصطَفَاهُم لِصُحْبَتِهِ وكَرَّمَهُم، وعَلَى مَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِم واقتَفَى أَثَرَهُم إِلى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: اتَّقُوا اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى، وعَظِّمُوا أَمْرَهُ واجتَنِبُوا نَهْيَهُ، وأَخْلِصُوا لَهُ العِبَادَةَ وَحْدَهُ، واعلَمُوا أَنَّ هَذَا اليَوْمَ يَوْمٌ عَظِيمٌ وعِيدٌ جَلِيلٌ، إِنَّهُ يَوْمُ البَهْجَةِ والسُّرورِ، يَوْمُ الفَرْحَةِ والحُبُورِ، يَوْمُ وَفَاءِ الثَّوابِ والأُجُورِ، والرَّحْمَةِ مِنَ البَرِّ الغَفُورِ، إِنَّهُ يَوْمُ البِشْرِ والجَائِزَةِ، يَوْمُ وعُودِ اللهِ النَّاجِزَةِ، يَوْمُ فَرَحِ النُّفُوسِ الفَائِزَةِ، فَقَدْ جَاءَ فِي الأَثَرِ: ((إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدِ الفِطْرِ وقَفَتِ المَلائِكَةُ عَلَى أَبْوَابِ الطُّرُقِ فَيُنَادُونَ: اغدُوا -يَا مَعشَرَ المُسلِمِينَ- إِلى رَبٍّ كَرِيمٍ، يَمُنُّ بِالخَيْرِ ثُمَّ يُثِيبُ عَلَيْهِ الجَزِيلَ، لَقَدْ أُمِرتُم بِقِيَامِ الَّليلِ فَقُمتُم، وأُمِرتُم بِصِيَامِ النَّهَارِ فَصُمتُم، وأَطَعتُم رَبَّكُم، فَاقْبِضُوا جَوَائِزَكُم، فَإِذَا صَلَّوا نَادَى مُنَادٍ: أَلاَ إِنَّ رَبَّكُم قَدْ غَفَرَ لَكُمْ، فَارْجِعُوا رَاشِدِينَ إِلى رِحَالِكُم، فَهُوَ يَوْمُ الجَائِزَةِ، ويُسَمَّى ذَلِكَ اليَوْمُ فِي السَّمَاءِ يَوْمَ الجَائِزَةِ))، فَمَا أَسْعَدَهُ مِنْ يَوْمٍ، ومَا أَكْرَمَكُم مِنْ قَوْمٍ، وقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيكُم بِإِتْمَامِ فَرِيضَةِ الصَّوْمِ، فَطُوبَى لَكُم ثَوَابُ اللهِ، وهَنِيئاً لَكُمْ هَذَا الشَّرَفُ والجَاهُ، إِذْ يُبَاهِي اللهُ بِكُمُ المَلائِكَةَ الكِرَامَ، ويَحُفُّ جَمْعَكُم بِالرَّحْمَةِ والإِكْرَامِ، والسَّكِينَةِ والإِنْعَامِ، رَحْمَةً وإِحْسَاناً عَلَيكُم مِمَّنْ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ، ولاَ يُبْطِلُ عَمَلَ المُتَّقِينَ، بَلْ يُضَاعِفُ لَهُمُ الحَسَنَاتِ، ويَرفَعُهُم فِي أَعلَى الدَّرَجَاتِ، قَالَ تَعَالَى: ((مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ))(1)، هَا أَنْتُم تَعِيشُونَ أُولَى الفَرْحَاتِ، وفَاتِحَةَ النَّفَحَاتِ، وعُقْبَاكُم فِي الآخِرَةِ دُخُولُ الجَنَّاتِ، والأَمْنُ فِي الغُرُفَاتِ، عِنْدَ قِيَامِ الخَلْقِ لِرَبِّ الأَرْضِ والسَّمَاواتِ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ))، فَاليَوْمُ يَوْمُ التَّكْرِيمِ، لِلنُّفُوسِ المُطِيعَةِ لِرَبِّها الكَرِيمِ، التِي قَضَتِ النَّهَارَ فِي الصِّيَامِ، والَّليلَ فِي القِيَامِ بَيْنَ يَدَيِ المَلِكِ العَلاَّمِ، فَاحفَظُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- مَا أَكْرَمَكُمُ اللهُ بِهِ مِنْ هَذَا الشَّرَفِ العَظِيمِ، وضَاعِفُوا مَا خَصَّكُم بِهِ مِنَ الأَجْرِ العَمِيمِ، بِتَجدِيدِ هَذَا العَمَلِ بِمَا أُثِرَ عَنْ نَبِيِّكُمُ الكَرِيمِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ صِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ؛ فَعَنْ أَبِي أَيُّوبٍ الأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وأَتْبَعَهُ سِتّاً مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كِصَيامِ الدَّهْرِ))، فَقَدْ رَسَمَ شَهْرُ رَمَضَانَ لِلنُّفُوسِ المُؤمِنَةِ مَنْهَجَ الإِقْبَالِ عَلَى العِبَادَةِ، فَأَوْصَلَها إِلى صَفَاءٍ فِي الرُّوحِ ولَذٍّةٍ فِي المُنَاجَاةِ، وصِدقٍ فِي التَّوَجُّهِ، لِتَستَمِرَّ هَذِهِ المَعَانِي طِوَالَ العَامِ، عَلَى أَنَّ العِبَادَةَ إسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللهُ ويَرْضَاهُ مِنَ الأَقْوَالِ وَالأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ، ولِلمُؤْمِنِ فِي سَائِرِ حَيَاتِهِ عِبَادَاتٌ وقُرُبَاتٌ لاَ يَقْتَصِرُ أَدَاؤُها عَلَى رَمَضَانَ وَحْدَهُ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((الإِيمَانُ بِضْعٌ وسَبْعُونَ شُعْبَةً، أَعْلاَهَا قَولُ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ، وأَدنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ))، وعَنْهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلُّ يَوْمٍ تَطلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ تَعْدِلُ بَيْنَ الإِثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وبِكُلِّ خَطْوَةٍ تَمشِيهَا إِلى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ))، وعِنْدَما يَسْعَى المُسلِمُ بِجُهْدِهِ فِي إِقَامَةِ مَعْروفٍ وإِشَاعَةِ فَضِيلَةٍ لاَ يَجِدُ جَزَاءً أَوفَى مِنْ قَولِ رَسُولِهِ الكَرِيمِ -صلى الله عليه وسلم- : ((مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ))، والمُحَافَظَةُ عَلَى العِبَادَةِ وفِعْلِ المَعْروفِ مِنْ أَرقَى مَعَانِي العُبُودِيَّةِ بَيْنَ العَبْدِ ورَبِّهِ تَبَارَكَ وتَعَالَى، قَالَ سُبْحَانَهُ: ((وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ))(2)، فَيَا مَنْ وَفَّى فِي رَمضَانَ حَتَّى أَدْرَكَ العِيدَ؛ عَلَيكَ بِشُكْرِ المُنْعِمِ والثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ولاَ تَنْقَضْ غَزْلاً بَعْدَ قُوَّةٍ وعَنَاءٍ، قَالَ تَعَالَى: ((وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)) (3)، فَالعِيدُ بَقَاءٌ عَلَى الخَيْرِ، وثَبَاتٌ عَلَى الجَادَّةِ، واستِمْرارٌ فِي طَرِيقِ العِبَادَةِ للهِ جَلَّ جَلاَلُهُ. اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْْبَرُ، وللهِ الحَمْدُ. أَيُّهَا المُسلِمُونَ: العِيدُ صُورَةٌ مِنَ الفَرْحَةِ تَبدُو وَاضِحَةً حِينَ يُدَاعِبُ الرَّجُلُ أَهلَهُ وأَبنَاءَهُ، وحِينَ يُشَارِكُهُم لَعِبَهُمُ المَشْرُوعَ وسَعَادَتَهُمُ المُبَاحَةَ، وهُوَ أَكْثَرُ فَرْحَةً حِينَ تَمتَدُّ اللقَاءاتُ بِيْنَ الجِيرَانِ والأَصْدِقَاءِ، إِذْ يَخْرُجُ المَرْءُ مِنْ بَيتِهِ قَاصِداً أَهلَهُ وصَحْبَهُ وإِخْوَانَهُ، لاَ لِشَيءٍ إِلاَّ لِمَدِّ فَرْحَةِ العِيدِ فِي قُلُوبِ الآخَرِينَ، وتَبدُو أَكْثَرَ أَثَراً وَأَوْضَحَ صُورَةً حِينَ يَتَجَاوَزُ المَرْءُ خِلاَفَاتِهِ مَعَ الآخَرِينَ فَيَنْطَلِقُ نَحْوَهُم ويُقْبِلُ إِليْهِم؛ فَيُبَادِرُهُمُ الصَّفْحَ والسَّمَاحَةَ، والمَوْدَّةَ وَالأُلْفَةَ، فَقَدْ جَاءَ العِيدُ لِيَرْسُمَ عَلَى الشِّفَاهِ مَعَانِي المَحَبَّةِ ودَلاَلاَتِ الأُخُوَّةِ، ويَكْتُبَ فِي حَيَاةِ المُسلِمينَ حَيَاةً مِنَ الإِخَاءِ الصَّادِقِ، يَقُولُ الحَقُّ تَبَارَكَ وتَعَالَى: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ))(4)، فَمَا أَفْضَلَها مِنْ فُرْصَةٍ، وَمَا أَجْمَلَها مِنْ مُنَاسَبَةٍ أَنْ يَكُونَ يَوْمُكُم هَذَا يَوْماً تَتَعَمَّقُ فِيهِ الصِّلاَتُ، وتَتَجَدَّدُ فِيهِ العَلاَقَاتُ، ويُعفَى فِيهِ عَنِ الزَّلاَّتِ، فَالمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فِي اللهِ، يَتَفَاضَلُونَ بِشَرَفِ التَّقْوَى لاَ بِسِوَاهُ، قَالَ تَعَالَى: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) (5)، فَهُمْ مُتَلاَحِمُونَ بَينَهُم تَلاَحُمَ البُنْيَانِ المَرْصُوصِ، مُتَكَامِلُونَ فِيمَا بَينَهُم تَكَامُلَ أَعْضَاءِ الجَسَدِ الوَاحِدِ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-: ((مَثَلُ المُؤْمِنينَ فِي تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ الوَاحِدِ إِذَا اشتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى))، وأَمَرَ الإِسْلاَمُ بِكُلِّ مَا يُقَوِّي هَذِهِ المَحَبَّةَ ويُحَقِّقُ الأُلْفَةَ، مِنَ الُّلطْفِ فِي المُعَامَلَةِ، والتَّوَاضُعِ فِي السُّلُوكِ، والِّلينِ فِي الجَانِبِ، والتَّشَاوُرِ فِي الأَمْرِ؛ سَعياً لِتَحقِيقِ المَصلَحَةِ التِي يَسْعَدُ بِها الجَمْيعُ، قَالَ تَعَالَى: (( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ )) (6). وقَالَ -صلى الله عليه وسلم- : ((والذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، ولاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَلاَ أَدُلُّكُم عَلَى شَيءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبتُم؟ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَينُكُم)). اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الحَمْدُ. أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّ المُسْلِمَ الحَقَّ يَعِيشُ قَوِيَّاً بِإيمَانِهِ، مُتَفَاعِلاً مَعَ الوُجُودِ مِنْ حَولِهِ، مُلِمّاً بِأَحْوَالِ عَالَمَهِ وعَصْرِهِ، يَحْمِلُ فِكْراً يُمَيِّزُ بِهِ بَيْنَ الدَّعَوَاتِ المُتَرَدِّدَةِ عَلَى الأَسْمَاعِ، ويَخْتَبِرُ بِهِ المَبَادئَ التِي يُنادَى بِهَا فِي كَافَّةِ الأَصقَاعِ، لاَ تَهُزُّهُ الأُطْرُوحَاتُ السَّقِيمَةُ الهَزِيلَةُ، ولاَ تُزَعزِعُ مِنْ ثَبَاتِهِ الحُجَجُ الوَاهِيَةُ العَلِيلَةُ، يَعْرِضُ فِكْرَهُ بِالحُجَّةِ والحِوَارِ، ويَصُونُ سُلُوكَهُ عَنْ كُلِّ مَا يُشَوِّهُ النَّظْرَةَ إِلى دِينِهِ، لأَنَّهُ صَاحِبُ رِسَالَةٍ عَالَمِيَّةٍ، جُعِلَتْ لِتَستَوْعِبَ جَمِيعَ الرَّاغِبِينَ فِي الهِدَايَةِ، المُتَنَكِّبِينَ طَرِيقَ الغَوَايَةِ، إِذَا تَعَرَّضَ أَحَدٌ لِفِْكرِهِ، أَو قَدَحَ قَادِحٌ فِي مَبَادِئهِ، يُقَابِلُهُ بِالحُجَّةِ القَاطِعةِ، والبَيِّنَةِ السَّاطِعَةِ، مُترَفِّعاً عَنِ المُهَاتَرَاتِ السَّخِيفَةِ، تَرَفُّعاً بِدِينِه عَنِ الدَّنَايا، وسُمُوّاً بَمَنْهَجِهِ عَنِ البَلاَيا، قَالَ تَعَالَى: ((وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) (7)، إِنَّهُ يُعْرِضُ عَنِ الجَاهِلِينَ، ويُعَالِجُ بِالحِكْمَةِ والمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ سُلُوكَ المُخْطِئينَ، قَالَ تَعَالَى: (( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)) (8) ، وقَالَ: (( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ )) (9). فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ -، واحْرِصُوا عَلَى مَا فِيهِ صَلاَحُ نُفُوسِكُمْ، ورُقِيُّ وسَعَادَةُ مُجتَمَعَاتِكُم؛ فَإِنَّ رِسَالَتَكُم رِسَالَةُ رَحْمَةٍ، ودِينَكُم دِينُ عَقْلٍ وحِكْمَةٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى مُخَاطِباً رَسُولَهُ الأَمِِينَ -صلى الله عليه وسلم- : ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)) (10). هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (11). اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين. اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ. اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ. اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ. رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ. عِبَادَ اللهِ : (( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )). (1) سورة الانعام / 160 . (2) سورة البقرة / 185 . (3) سورة النحل / 92 . (4) سورة الحجرات / 10 . (5) سورة الحجرات / 13 . (6) سورة آل عمران / 159 . (7) سورة الأنعام / 108 . (8) سورة الاعراف / 199 . (9) سورة النحل / 125 . (10) سورة الأنبياء / 107. (11) سورة الأحزاب / 56 . |