فَلنْرتـَقِ بقُِدُراتِ المعُوقين
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
02/12/2007
خطبة الجمعة بتاريخ 26 ذي القعدة 1428هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
فَلنْرتـَقِ بقُِدُراتِ المعُوقين
   الحَمْدُ للهِ الذِي شَمِلَ البَشَرِيَّةَ بِرَحْمَتِهِ، ورَعَى لِلْمَعُوقِ إِنسَانِيَّتَهُ، وحَثَّ الأَصِحَّاءَ عَلَى احتِرامِهِ ورِعَايَتِهِ، وحُسْنِ تَرْبِيَتِهِ وخِدْمَتِهِ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وحَدهُ لاَ شَريكَ لَهُ، مِنْهُ المَبدأُ وإِليهِ الرُّجْعَى، ولَهُ الحَمْدُ فِي الآخِرَةِ والأُولَى، جَعَلَ التَّفاضُلَ بَيْنَ عِبَادِهِ بِالصَّلاَحِ والتَّقوَى، وحَثَّ عَلَى الصَّبرِ والاحتِسابِ ذَوِي الإِصَابَةِ والبَلْوَى، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ ورَسُولُهُ، وصَفِيُّهِ مِنْ خَلْقِهِ وحَبِيبُهُ، أَرْحَمُ الخَلْقِ بِالضُّعَفاءِ والمُصَابِينَ، وأَحنَاهُم عَلَى المَرضَى والمُعَانِينَ، وأَلطَفُهم مُعَامَلَةً مَعَ المَعُوقِينَ، -صلى الله عليه وسلم- وَعَلَى آلهِ وصَحْبِهِ الغُرِّ المَيامِينَ، ومَنِ اقتَفَى أَثَرَهُم مِنَ التَّابِعينَ، وكُلِّ مَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلى يَومِ الدِّينِ. َمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ للهِ وَصِيَّةً لَكُمْ -أَيُّها المُؤمِنونَ- حَثَّكُمْ عَلَيها فِي مَواضِعَ مُتَعدِّدةٍ مِنْ كِتَابِهِ المُبِينِ، وعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ الأَمِينِ -صلى الله عليه وسلم- ، قَالَ تَعَالَى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (1) ، واعلَمُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- أَنَّ الإِسلاَمَ عُنِيَ عِنايَةً كَامِلَةً بِالمَعُوقِينَ، فاعتَنَى بِهِمْ نَفْسِيّاً واجتِماعِيّاً وتَربَوِيّاً وسُلُوكِيّاً وتَشْريعِيّاً، عِنايَةً تَضْمَنُ سَلاَسَةَ اندِماجِهم فِي المُجتَمعِ، وتَفرِضُ عَلَى النَّاسِ حُسْنَ استِيعَابِهم، وجَمِيلَ مُعامَلَتِهم، مُراعَاةً لِخُصُوصِيَّةِ وَضْعِهِمْ، وتَمَيُّزِ شَأْنِهِم وَحَالِهِمْ، فَجَاءَ تَشرِيعُ اللهِ فِي كِتَابِهِ مُعَالِجاً لِهَذِه الجَوانِبِ كُلِّهِا، فَخَاطَبَ المَعُوقِينَ خِطَاباً وَاسَاهُمْ فِي أنفُسِهم مُواسَاةً تُكْسِبُهُمُ الرِّضَا، وتُورِثُهُمُ السَّكِينَةَ، وتَمنَحُهُمُ الرَّاحَةَ والطُّمَأنِينَةَ، أَفْهَمَهُمْ أَنَّ مَا أُصِيبُوا بِهِ لَيسَ انتِقاصاً مِنْ شَأْنِهِمْ، ولاَ ضَعَةً فِي مُستَواهُم، ولاَ عَيْباً فِي أَوصَافِهم، إِنَّهُ ابتِلاءٌ مِنَ اللهِ لِصَقْلِ مَعَادِنِهِم، وتَرْبِيَةِ ضَمائِرِهِم، وتَقوِيَةِ نُفُوسِهم وإِيمَانِهم، شَأْنُهُ كَأَيِّ ابتِلاءٍ يُصابُ بِهِ الإِنسَانُ، قَالَ تَعَالَى: ((مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ، لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ))(2)، إِنَّ هَذَا الخِطابَ الرَّبَّانِيَّ يَبعَثُ فِي النَّفْسِ البَشَرِيَّةِ السُّكُونَ والطُّمَأنِينَةَ عِنْدَ استِقبالِ الحَوادِثِ وَالمَتاعِبِ، وَيَأْتِي الخِطابُ الإِلهيُّ كَذَلِكَ لِتَوجِيهِ النَّفسِ البَشَرِيَّةِ إِلى مَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ عَلَيهِ عِندَ المُصِيبَةِ وَعِندَ النِّعْمَةِ، فَلاَ يَأْسَ فِي الأُولَى ولاَ افتِخَارَ فِي الثَّانِيَةِ، إِنَّ الإِسلاَمَ يُوجِّهُ  إِلى خَيْرِ عِلاَجٍ وأَصلَحِهِ لِنفْسِ المَعُوقِ؛ لِيَجتَثَّ مِنهُ القَلَقَ، ويَحِلَّ مَكَانَهُ الرِّضَا والثِّقَةَ وَالسَّعَادَةَ، حَيْثُ يُرشِدُهُ إِلى أَنَّ مَا يُعانِيهِ مِنْ عَاهَةٍ لاَ يُنْقِصُ مِنْ كَرَامَتِهِ كَمَا لاَ يَحُطُّ مِنْ قِيمَتِهِ فِي الحَياةِ، لأَنَّ العَاهَةَ الحَقِيقِيَّةَ هِيَ تِلكَ التِي تُصِيبُ القُلُوبَ والعُقُولَ لاَ الأَجسَادَ، عَلَى النَّحوِ الذِي ذُكِرَ فِي قَولِهِ تَعالَى: (( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)) (3)، وقَدْ وَاسَتِ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ المَعُوقَ بِمثْلِ هَذَا؛ فَعَن أَبِي يَحيَى صُهَيبِ بنِ سِنان -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : ((عَجباً لأَمْرِ المُؤمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلمُؤمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فَكانَ خَيراً لهُ))، بَلْ ذَهَبَ الخِطابُ النَّبَوِيُّ فِي مُواسَاةِ المَعُوقِ إِلى أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ هوَ صَبَرَ واحتَسَبَ، فَعَن أَبي سَعِيدٍ وأَبِي هُريرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُما- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((مَا يُصِيبُ المُسلِمَ مِنْ نَصَبٍ ولاَ وَصَبٍ ولاَ هَمٍّ ولاَ حُزنٍ ولاَ أَذَى ولاَ غَمٍّ حَتَّى الشَّوكَةُ يُشَاكُها إِلاَّ كَفَّرَ اللهُ بِها مِنْ خَطَاياهُ))ِ.
  
   أَيُّها المُسلِمونَ:
   إِنَّ المُتَتبِّعَ لِتَوجِيهاتِ الإِسلاَمِ وأَوامِرِه، يَجِدُ للإِصَابَةِ بِمُختَلفِ الأَمراضِ عِلاَجاً جَذْرياً، ومَعَ المَعُوقِ بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ مَنهَجاً مُشرِقاً نَديّاً، فهوَ تَشرِيعٌ يَسُدُّ مَنافِذَ الإِصَابَةِ بِالعَاهاتِ والأَمراضِ حتَّى قَبلَ وُجُودِ المَولودِ فِي الوجُودِ، والمَعُوقُونَ شَريحَةٌ مِنْ شَرائحِ المُجتَمَعِ وفِئةٌ عَزِيزَةٌ مِنْ فِئَاتِهِ، لَهُمْ سَائرُ الحُقُوقِ التِي لِلفَردِ الصَّحِيحِ، ولَهُم حُقُوقٌ أُخرَى انفَرَدُوا بِها مُراعَاةً لأَحوَالِهِمْ وحَاجَاتِهِمْ، ويَنطَلِقُ حَقُّ المَعُوقِ فِي المُجتَمعِ أَوَّلَ مَا يَنطَلِقُ مِنْ أُسرَتِهِ التِي وُلِدَ فِيها، ونَشأ فِي ظِلاَلِها، وتَربَّى بَيْنَ أَفرَادِها، فَإِنَّ الواجِبَ عَلَى الأُسرَةِ قَبلَ تَكوينِها مِنَ الزَّوجَيْنِ حُسْنُ الاختِيارِ عِندَ الرَّغبَةِ فِي الزَّواجِ، إِذْ قَدْ تَكونُ الوِرَاثَةُ مِنْ مُسَبِّباتِ الإِصَابَةِ بِبَعْضِ الأَمراضِ، ومِنْ حُقوقِ الإِبنِ عَلَى وَالِدَيْهِ مُراعَاةُ الدِّينِ والخُلُقِ والسَّلاَمَةِ مِنَ العُيوبِ، فَفِي الأَثَرِ: ((تَخَيَّروا لِنُطَفِكُم فَإِنَّ النِّساءَ يَلِدْنَ أَشبَاهَ إِخوانِهِنَّ وأَخَواتِهنَّ))، ثُمَّ تَأْتِي أَهَمِّيَّةُ العِنايَةِ بِالمُولودِ مُنذُ أَنْ يَكونَ جَنِيناً فِي بَطْنِ أُمِّهِ، ويَتَمثَّلُ ذَلكَ فِي أَنَّ الإِسلاَمَ أَباحَ لِلحَامِلَ أَنْ تُفْطِرَ حِينَ تَكونُ صَائِمةً وتَخافُ على نَفسِها أو عَلَى جَنِينِها الضَّرَرَ، وهَذَا مَا يُؤَكِّدُ عِنايَةَ الإِسلاَمِ بِالفَرْدِ الحَيِّ المَوجُودِ وَبِذَلِكَ المُنتَظَرِ قدُومُهُ إِلى هَذِه الحَياةِ، ومِنْ هُنا فَإِنَّ عَلَى الوَالدَيْنِ أَنْ يَحرِصا عَلَى حِمَايةِ الجَنينِ مِنْ أَيِّ مُؤثِّرٍ قَدْ يَكُونُ سبَبَاً فِي وِلاَدَةِ مَولودٍ غَيْرِ سَوِيٍّ، وأَنْ يَحفَظاهُ مِنْ كُلِّ مَا يُؤثِّرُ فِي نُمُوِّهِ وتَكْوينِهِ، وإِذا مَا قَدَّرَ اللهُ أَن يُولَدَ المَولُودُ مَعُوقاً، أَو يُصَابَ بِذَلِكَ بَعْدَ وِلاَدتِهِ لأَيِّ حَادِثٍ كَانَ؛ فَإِنَّ الإِسلاَمَ يَتَعامَلُ مَعَ هَذِهِ القَضِيَّةِ بِمَنهجٍ نَاجِحٍ مُوفَّقٍ، حَيْثُ يَحُثُّ الوَالِدَيْنِ عَلَى العِنايَةِ بِهِ، وتَربِيَتِهِ تَرْبِيةً صَالِحَةً، والاهتِمامِ بِكَافَّةِ شُؤُونِهِ، ومِنْ ذَلِكَ الحِرْصُ عَلَى تَعلِيمِهِ وبَذْلِ كُلِّ مَا يَحتاجُهُ فِي سَبِيلِ ذَلِكَ، وهَكَذا تَكُونُ العِنايَةُ بِالمَعُوقينَ، كُلٌّ مِنهُمْ تَقَعُ مَسؤُولِيَّتُهُ عَلَى مَنْ أَنَاطَ بِهِ الإِسلاَمُ كِفالتَهُ. إِنَّ تَأهِيلَ ذَوِي الاحتِياجَاتِ الخَاصَّةِ بِتَعلِيمِهِمْ وتَدرِيبِهِمْ، وتَمكِينِ كَثِيرٍ مِنهُمْ لأَنْ يَعتَمِدوا عَلَى أنفُسِهِمْ، وتَيْسِيرِ الوَسيلَةِ المُنَاسِبَةِ لَهُمْ وَاجِبٌ كِفَائيٌّ عَلَى الأُمَّـةِ، وهوَ كَذَلِكَ بَابٌ مِنْ أَبَوابِ الخَيْرِ والإِحسَانِ يَجِبُ أَنْ تَتَنافَسَ فِيهِ المُؤسَّساتُ الأَهلِيَّةُ والعَامَّةُ، وبِهَذا يَتَيَسَّرُ لِكَثِيرٍ مِنْ هَؤلاءِ أَنْ يَكُونوا أُناساً فَاعِلينَ مُنتِجِينَ نَافِعينَ، وهَذَا مِمَّا أَرشَدَنا إِليهِ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ، فَعَن أَبِي ذرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الأَعمَالِ أَفضَلُ؟، فَتَدَرَّجَ بِهِ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلى أَنْ قَالَ: ((تُعِينُ صَانِعاً أَو تَصنَعُ لأَخرَق)) قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ العَملِ؟ قَالَ: ((تَكَفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ فَإِنَّها صَدَقَةٌ مِنكَ عَلَى نَفسِكَ))، والخَرَقُ نَوعٌ مِنَ الإِصَابَةِ العَقلِيَّةِ، إِذِ الأَخرَقُ هوَ: الذِي لاَ يستَطِيعُ أَو لاَ يُتقِنُ مَا يُحاوِلُ فِعْلَهُ، فَيَدخُلُ فِي ذَلِكَ كُلُّ مَا يُصنَعُ لِلأَخرَقِ مِنْ خِدْمَةٍ أَو إِحسَانٍ، مِثلُ دَلالَةِ الأَعمَى عَلَى الطَّرِيقِ، ومُسَاعَدَتِهِ عَلَى مَعِيشتِهِ، والقِراءَةِ عَلَيه، وتَعلِيمِ الأَصَمِّ، والعِنايَةِ بِالمُقْعَدِ ونَحْوِه؛ فَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ أَعظَمِ أَبوابِ الخَيْرِ.
   أَيُّهَا المُسلِمونَ:
   إِنَّ الشَّخصَ المَعُوقَ إِذَا عَمَرَ قَلبَهُ بِالإِيمَانِ، ووَاجَهَ حَياتَهُ بِالعِلمِ والإِتقَانِ، وَوَثَّقَ عَلاَقتَهُ مَعَ اللهِ بِالبِرِّ والإِحسَانِ، لاَ تَقِفُ العَاهَةُ لَدَيهِ حَاجِزاً يَحُولُ بَيْنَهُ وبَيْنَ الانطِلاَقِ، إِنَّهُ الاستِيعابُ الصَّحِيحُ لِذَوي الاحتِياجَاتِ الخَاصَّةِ فِي الإِسلاَمِ، استِيعابٌ لاَ يَقِفُ عِندَ حَدٍّ، فَلاَ يَحُولُ بَيْنَ هَؤلاءِ وبَيْنَ المَجْدِ والرِّفعَةِ إِلاَّ الهِمَّةُ العَاليَةُ، والكَفاءَةُ والعَزِيمَةُ الرَّاقِيةُ، فَمَنْ نَالَهُما كَانَ جَديراً كَغَيرِهِ مِنَ الأَصِحَّاءِ فِي تَولِّي المَسؤُولِيَّةِ، واقَرَؤوا تَاريخَ أُمَّتِنا الإِسلاَمِيَّةِ عَامَّةً، وبِلاَدِنا العَزِيزَةِ خَاصَّةً، تَجِدوا تَاريخَ كَثيرٍ مِنَ المَعُوقينَ مُسطَّراً بِأحرُفٍ مِنْ نوُرٍ، عَلَى صَفَحاتٍ تُشرِقُ ضِياءً، وتَشعُّ بَهجَةً وسَناءً، فَكَم مِنْ طَبيبٍ وعَالِمٍ لَبِيبٍ، ومُحَقِّقٍ مُقتَدِرٍ، ومُهَندِسٍ مُتَميِّزٍ، ومُؤَرِّخٍ ومُفَسِّرٍ، ومُحدِّثٍ وعَالِمِ لُغَةٍ، مِنْ ذَوِي العَاهَاتِ الجَسدِيَّةِ المُختَلِفةِ، أَنارَ اللهُ بَصائِرَهم بِنُورِ العِلمِ؛ فَكَانُوا مِشْعَلَ هِدايةٍ لِلنَّاسِ.
    فَاتَّقوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، وكُونُوا عَوناً للمَعُوقِينَ عَلَى السَّيْرِ فِي مِضمَارِ الحَياةِ، وشُدُّوا عَزائِمَهُمْ لِْلفَوزِ والنَّجَاةِ، لِيُقَدِّموا ويبَذُلُوا مَا فِيهِ صَلاحُ مُجتَمعاتِكُمْ، ورُقِيِّ أُمَّتِكُمْ.
    أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
  *** *** ***
   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
          
   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   إِنَّ المُتتَبِّعَ لآياتِ الذِّكْرِ الحَكِيمِ، وأَحَاديثِ الرَّسُولِ الكَريمِ -صلى الله عليه وسلم- ، يَجِدُ مُراعَاةً كَامِلةً، وعِنايَةً دَقِيقَةً شَامِلةً، لِذَوِي الاحتِياجَاتِ الخَاصَّةِ عَلَى اختِلاَفِها، مُراعَاةً تَحفَظُ الكَرَامَةَ ولاَ تَخْدُشُ الإِنسانِيَّةَ، وعِنَايةً تُخَفِّفُ التَّكلِيفَ ولاَ تَحْرِمُ الطَّامِحَ، فَفِي أَمرِ الدِّفاعِ عَنِ الوَطَنِ، والذَّوْدِ عَنِ القِيَمِ والمَبادئِ، وصَدِّ المُعتَدِينَ، يَقُولُ تَعَالَى: ((لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً))(4)، فَالآيَةُ تَرفَعُ الحَرَجَ عَنْ هَؤلاءِ إِنْ عَجَزوا عَنِ القِيامِ بِما يَقدِرُ عَلَيهِ الأَصِحَّاءُ، وهَكَذا فِي سَائرِ الأَحكَامِ والوَاجِباتِ، نَجِدُ المُراعاةَ مُستَمِرّةً ومُمتَدَّةً للمَعُوقِينَ فَرضاً وَاجِباً لَهُمْ عَلَى غَيرِهِمْ، وهوَ أَمرٌ أَكَّدَهُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- ، فَعَن ابنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((أَحَبُّ النَّاسِ إِلى اللهِ أَنفَعُهُم للنَّاسِ، وأَحَبُّ الأَعمَالِ إِلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ سُرورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسلِمٍ، أَو تَكْشُفُ عَنهُ كُرْبَةً، أَو تَقْضِي عَنهُ دَيْناً، أَو تَطْرُدُ عَنهُ جُوعاً))، وعَنْ أَبِي هُريرةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((إِذَا صَلَّى أَحَدُكُم بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ؛ فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ والسَّقِيمَ والكَبِيرَ وذَا الحَاجَةِ، وإِذَا صلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطِلْ مَا شَاءَ))، إِنَّها أَحَاديثٌ ومَواقِفُ تَشِعُّ بِنُورِ الإِنسَانِيَّةِ الحَانِيَةِ، إِنَّهُ الإِسلاَمُ دِينُ الرَّحمَةِ والرِّعَايَةِ والعِنايَةِ، أَلاَ مَا أَحوَجَ الإِنسَانِيَّةَ إِلى هَذا الحِسِّ المُرهَفِ فِي التَّعامُلِ مَعَ المَعُوقِينَ، والتَّخفِيفِ عَنِ المُصَابِينَ. إِنَّ مِنَ التَّجَنِّي عَلَى المَبادئِ، والتَّنكُّرِ لِلْقِيَمِ، والبُعْدِ عَنِ الإِنسَانيَّةِ، أَنْ يُنافَسَ مَعُوقٌ فِي حَقٍّ خُصِّصَ لَهُ؛ كَمَوقِفٍ لِسَيَّارَتِهِ، أَو يُمَرَّ عَلَى ضَريرٍ يَنتَظِرُ سَيَّارةً تَنقُلُهُ فَلاَ يُلْتفَتُ إِليهِ.
   فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واحنُوا عَلَى المَعُوقِينَ، وارحَمُوا المَرْضَى والمُصَابِينَ، وسَاعِدوا ذَوِي العَاهَةِ العَاجِزينَ، تَنالوا رِضا رَبِّ العَالَمِينَ، وتَدْخُلُوا الجَنَّةَ آمنِينَ.
   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (5).
   اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
                                            
   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.
                                            
                                             ججججججججججاللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
                                            
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
   عِبَادَ اللهِ :
(( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
(1) سورة النساء / 1.
(2) سورة الحديد / 22-23 .
(3) سورة الحج / 46 .
(4) سورة الفتح / 17 .
(5) سورة الأحزاب / 56 .