نحوَ حَياةٍ هانِـئةٍ
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
27/01/2008
خطبة الجمعة بتاريخ 24 محرم 1429هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
نحوَ حَياةٍ هانِـئةٍ
    الحَمْدُ للهِ الذِي خَلَقَ النَّاسَ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وجَعَلَ مِنْها زَوْجَها، وسَهَّلَ لَها مِنَ الأَسبَابِ ما يَكْفُلُ سَعَادَتَها وَأَمنَها، وَيَسَّرَ سُبُلَ عَيشِها وَكَسْبِها، لِيَتحَقَّقَ بِذَلِكَ هَناؤُها ورُقِيُّها، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، سُبْحانَهُ بِذِكْرِهِ تَطْمَئِنُّ القُلوبُ، وبِطَاعَتِهِ تَنْكَشِفُ الكُرُوبُ، وبِفَضلِهِ تَنْقَشِعُ المِحَنُ والكُروبُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِدَعْوَةٍ أَخْرَجَتِ النَّاسَ مِنْ ضِيقِ الدُّنيا إِلى سَعَةِ الدُّنيا والآخِرَةِ، -صلى الله عليه وسلم-  وعَلَى آلهِ وصَحْبِهِ وأَتْباعِهِ وعَلَى كُلِّ نَفْسٍ عَلَى نَهْجِهِ إِلى يَوْمِ الدِّينِ سَائرةٍ. أَمّا بَعْدُ، فيا عبادَ اللهِ:
  لَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِأَمْرٍ لَكُمْ فِيهِ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجٌ، ومِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجٌ، ومِنْ كُلِّ بَلاءٍ عَافِيَةٌ، أَلاَ وهوَ التَّقوَى، قَالَ تَعالَى: ((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً))(1)، فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- فَإِنَّ ((ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً)) (2) ، واعلَموا -رَحِمَكُمُ اللهُ- أَنَّ الحَياةَ الهَانِئَةَ الكَرِيمَةَ مَطْلَبُ كُلِّ عَاقِلٍ، وغَايَةٌ يَنْشُدُها كُلُّ سَائلٍ، إِلاَّ أَنَّ الأَفهامَ فِي تَحْدِيدِ الهَناءِ قَدْ تَخْتَلِفُ، والعُقولَ القَاصِرَةَ بِأَصْحابِها قَدْ تَنْحَرِفُ، فَلاَ يُدْرِكُونَ السَّعادَةَ ولاَ يَكادُونَ، ولاَ يُحْرِزونَ الهَناءَ ولاَ مِنْهُ يَقْتَرِبُونَ، فَلْنَعْلَمْ أَوّلاً -أَيُّهَا الإِخْوَةُ- أَنَّ الحَقَّ تبَارَكَ وتَعالَى هوَ الذِي خَلَقَ الخَلْقَ وقَدَّرَ أَرزاقَهُم، وهوَ سُبْحانَهُ الخَبِيرُ بِسَعادَتِهم وصَلاَحِهم، قَالَ سُبْحانَهُ: ((أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)) (3) ، فَالسَّعِيدُ مَنْ امتَثَلَ أَمْرَهُ تعالى وأَطَاعَهُ، والشَّقِيُّ مَنْ قَصَّرَ فِيمَا أَوجَبَ عَليْهِ وأَضَاعَهُ، قَالَ جَلَّ وعَلاَ:  ((فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)) (4) ، وَلَئنْ أَجْمَلَ القُرآنُ الكَرِيمُ سُبُلَ الهَناءِ، فَقَدْ فَصَّلَتْ سُنَّةُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-  مُقَوِّماتِ السَّعادَةِ والرَّخاءِ، فَقَدْ جَاءَ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم-  أَنَّهُ قَالَ: ((مَنْ أَصبَحَ آمِناً فِي سِرْبِهِ، مُعافىً فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّما حِيزَتْ لَهُ الدُّنيا بِحَذافِيرِها))، إِنَّها كَلِماتٌ يَسِيرَاتٌ، لَكِنَّها حَوَتْْ معنَى الحَياةِ الحَقَّةِ والاستِقرارِ الدَّائمِ، بَلْ إِنَّها كَلِماتٌ تَرْسِمُ لِلمَرءِ صُورَةَ الحَياةِ، عَلَى أَنَّها لاَ تَتَجاوزُ هَذِهِ المَعاييرَ الثَّلاثَةَ، والتِي لاَ يُمْكِنُ لأَيِّ كَائنٍ بَشَرِيٍّ عَاقِلٍ أَنْ يَتَصوَّرَ الحَياةَ الدُّنيَويَّةَ الهَانِئَةَ بِدونِ تَوافُرِها، إِنَّهُ أَمْنُ المَرْءِ فِي سِرْبِهِ -أَيْ فِي بَيْتِهِ ومُجتَمَعِه-ِ، ومُعافَاتُهُ فِي بَدَنِهِ، وتَوفُّرُ قُوتِ يَوْمِهِ، إِنَّها عِباراتٌ سَهْلَةٌ عَلَى كُلِّ لِسانٍ، غَيْرَ أَنَّ وَصْفَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-  لَها بِكَوْنِها تُعادِلُ حِيازَةَ الدُّنيا بِحَذافِيرِها يَجْعَلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنّا يَتأَمَّلُ ويُدَقِّقُ النَّظَرَ فِي أَبْعادِ هَذِهِ المَعانِي، وتَنْزِيلِها عَلَى واقِعِ حَياتِنا جَمِيعاً، ومَدَى تَأْثِيرِها فِينا وُجُوداً وَعَدماً، إِيجاباً وسَلْباً، إِنَّ السَّعادَةَ هِيَ التَّقَبُّلُ الواقِعِيُّ مِنَ الفَرْدِ لِحُدودِ إِمْكانَاتِهِ، وقُدْرَتُهِ عَلَى الاستِمتاعِ بِحَياتِهِ والتَّكَيُّفِ مَعَها، وعَلاَقاتِهِ الاجتِماعِيّةِ والتَّوفِيقِ فِيها، ونَجاحُهُ فِي عَمَلِهِ ورِضَاهُ عَنْهُ، وإِقْبالُهُ بِنَشاطٍ عَلَى الحَياةِ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ، وتَأثِيرُهُ إِيجابِيّاً فِي بِيئَتِهِ، إِنَّها هُدوءُ النَّفْسِ وسُكُونُها، ورَاحَةُ البَالِ وطُمأنِينَتُهُ، والشُّعُورُ بِالقَناعَةِ والرِّضَا، مَعَ الطُّمُوحِ لِما هوَ أَرقَى وأَسمَى.
  أَيُّها المُسلِمونَ:
  إِنَّ أَمْنَ المَرْءِ فِي الحَياةِ مَطْلَبُ جَمِيعِ الأَفرادِ عَلَى حَدٍّ سَواء، وهوَ الهَدَفُ المُرتَقَبُ لِكُلِّ الجَماعاتِ بِلاَ استِثناءٍ، إِنَّهُ نِداءُ كَافّةِ النَّاسِ لِلصِّلَةِ الوَثِيقَةِ بَيْنَهُ وبَيْنَ تَحقِيقِ السَّعادَةِ والهَناءِ، إِنَّ الأَمْنَ مَعنىً شَامِلٌ لِكُلِّ صُوَرِ الهُدوءِ والاستِقرارِ، ولِكَافّةِ أَشْكَالِ الأُنْسِ والسَّكَنِ والازْدِهَارِ، فَالأَمْنُ يَبْدأُ مِنَ الأُسْرَةِ بِمعناها المَحدودِ فِي البَيْتِ بِأُصُولِهِ وفُروعِهِ، هُناكَ حَيْثُ تَأْمَنُ النَّفْسُ وتَسْكَنُ الرُّوحُ ويَطْمَئنُّ البَالُ ويَنْشَرِحُ الصَّدْرُ، فَتُكَوِّنُ فَرْداً قَويّاً فِي جِسْمِهِ، عَبقَريّاً فِي ذَكَائِهِ وفَهْمِهِ، قَالَ تَعالَى: ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) (5) ، إِنَّهُ الأَمْنُ الأُسَرِيُّ الذِي أَولاَهُ الإِسلاَمُ كُلَّ الرِّعايَةِ، وأَحاطَهُ بِأَقوى وَسائلِ الحِمايَةِ، ورَفَدَهُ بِأَفضَلِ صُوَرِ الاحتِرامِ، وغَذّاهُ بِأَسبابِ الوِحْدَةِ والوِئامِ، إِنَّهُ دَعْوَةُ الأَنبِياءِ والمُرسَلِينَ، وضَراعَةُ عِبادِ اللهِ الصَّالِحينَ، قَالَ تعَالَى: ((وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً)) (6) ، والأَمْنُ الأُسَرِيُّ ثَمَرَةٌ لِقيامِ كُلِّ فَرْدٍ فِي الأُسرَةِ بِواجِباتِهِ، وأَدائِهِ لِمَسؤولِيّاتِهِ، واحتِرامِهِ لُكِلِّ فَرْدٍ فِي أُسْرَتِهِ، وفِي ذَلِكَ يَقُولُ الرَّسُولُ الأَكْرَمُ -صلى الله عليه وسلم-  : ((خَيْرُكُم خَيْرُكُم لأَهلِهِ وأَنا خَيْرُكُم لأَهلِي))، وحِينَما سُئِلَتْ أُمُّ المُؤمِنينَ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْها- عَنْ طَبِيعَةِ تَعامُلِ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم-  مَعَ أَهْلِهِ قَالَتْ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم-  : ((كَانَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ، ويَخِيطُ ثَوْبَهُ، ويَعْمَلُ فِي بَيتِهِ مَا يَعْمَلُ أَحَدُكُم فِي بَيتِهِ، يكونُ فِي مِهنَةِ أَهلِهِ، فَإِذا حَضَرَتِ الصَّلاةُ قَامَ إِليْها))، والأَمْنُ فِي الأُسرَةِ يُنْتِجُ أَفراداً صَالِحينَ آمنِينَ مُؤمِنينَ، يُصْلِحونَ فِي مُجتَمَعِهم ولاَ يُفْسِدونَ، ويَبتَعِدونَ عَنْ كُلِّ مَا يُخِلُّ بِأَمْنِ المُجتَمَعِ واستِقرارِهِ وتَرابُطِ أَفْرادِهِ مِنْ قَوْلٍ أَو فِعْلٍ، فَلاَ يَقْرَبونَ الغِيبَةَ لأَنَّها تُوغِرُ الصُّدورَ، ويَبتَعِدونُ عَنِ النَّمِيمَةِ لأَنَّها تَبْعَثُ عَلَى الفُرقَةِ والشُّرورِ، ولاَ يَصنَعونَ السَّرابَ بِالكَذِبِ وشَهادَةِ الزُّورِ، فَيَهنأُ بِذلِكَ المُجتَمعُ  ويَنْعَمُ بِالاستِقرارِ، وتُشَادُ دَعائِمُهُ بِسَواعِدِ أَبنائِهِ الأَخيَارِ.
  أَيُّها المُسْلِمونَ:
  إِنَّ الحَياةَ السَّعِيدةَ كَما يَلْزَمُ فِيها الأَمْنُ النَّفسِيُّ، وتَحتاجُ إِلى الاستِقرارِ الأَمنِيِّ، فَإِنَّها بِحاجَةٍ إِلى الأَمْنِ الفِكْريِّ، وهوَ مَطْلَبٌ لاَ يَتَحَقّقُ إِلاَّ بِالتَّربِيَةِ العِلْمِيَّةِ الجَادَّةِ، التِي تُواكِبُ تَطوُّراتِ العَصْرِ ومُنْجَزاتِهِ، وتَستَثْمِرُ لِلرُّقِيِّ كَافّةَ مُعْطَياتِهِ فِي وَسَطِيَّةٍ واعتِدالٍ، والعِلْمُ النّافِعُ مَطْلَبٌ دِينِيٌّ، وواجِبٌ عَيْنِيٌّ، فَفِي الحَدِيثِ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم-  : ((طَلَبُ العِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ))، فَما أَجْدَرَ المُسْلِمَ وهوَ يَستفْتِحُ عَامَهُ هَذا أَنْ يَصقُلَ مَواهِبَهُ العِلْمِيَّةَ، ويَرتَقِيَ بِمُستَوياتِهِ الفِكْريَّةِ، ويُنَمِّيَ مَدارِكَهُ الذِّهنِيَّةَ، يَرْجِعُ إِلى كِتابِ رَبِّهِ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم-  فَيَغْتَرِفُ مِنْهما زَادَهُ لِدُنياهُ وآخِرتِهِ، ويَتَزوَّدُ ما فِيهِ إِنارَةُ طَرِيقِهِ ودَرْبِهِ، ويَنْظَرُ فِي المَعارِفِ الدُّنيَويَّةِ، والاكتِشافاتِ العِلْمِيَّةِ، والإِنجَازاتِ العَصْرِيَّةِ، نَظْرَةَ مُتَطلِّعٍ إِلى الرُّقِيِّ والتَّطويرِ، طَامِحٍ بِالمُساهَمَةِ فِي البِناءِ والتَّعمِيرِ، وهَذِهِ دَعْوَةُ القُرآنِ لَهُ، دَعْوَةٌ تَأْمُرهُ بِالمُبادَرَةِ إِلى إِعمَالِ العَقْلِ والتَّفَكُّرِ، والنَّظَرِ فِيما حَولَهُ نَظْرَةَ تَمْحِيصٍ وتَدَبُّرٍ، قَالَ تَعالَى: ((إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعقِلُونَ)) (7) ، بَلْ إِنَّ دَعوةَ الإِسلاَمِ لاَ تَقتَصِرُ عَلَى أَنْ يَتَعلَّمَ الإِنسانُ بِنَفْسِهِ، بَلْ هوَ مَأْمورٌ بِتَعلِيمِ أَبنائهِ، والاعتِناءِ بِالتَّنمِيَةِ الفِكْرِيَّةِ للصِّغارِ بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ، فَفِي الحَدِيثِ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم- : ((تَعلِيمُ الصِّغارِ يُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ)).
  أَيُّها المُسلِمونَ:
  عَنِ ابنِ عَبّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُما- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-  أَنَّهُ قَالَ: ((نِعْمَتانِ مَغْبونٌ فِيهِما كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ))، ولَقَد أَتْبَعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-  أَمْنَ المَرْءِ فِي سِرْبِهِ بِكَونِهِ مُعافىً فِي جَسَدِهِ، وجَعَلَ المُعافَاةَ فِي الجَسَدِ ثُلُثَ حِيازَةِ الدُّنيا بِحَذافِيرِها، وهَذا أَمْرٌ واضِحٌ جَلِيٌّ؛ لأَنَّ الصِّحَّةَ تَاجٌ فَوقَ رُؤُوسِ الأَصِحَّاءِ لاَ يَرَاها ويُحِسُّ بِها إِلاَّ المَرْضَى مِنَ النَّاسِ، وهِيَ لا تَتَحَقَّقُ إِلاَّ لِمَنْ أَمِنَ فِي أُسْرَتِهِ ومُجتَمَعِهِ، فَالسَّلاَمَةُ والصِّحَّةُ مِنَ العِلَلِ والأَسقامِ فِي البَدَنِ ظَاهِراً وبَاطِناً لاَ يَعْدِلُها شَيءٌ، وهِيَ مِنْ مَكامِنِ الحَياةِ الهَانِئَةِ المُستَقِرَّةِ، إِذْ فِيها عَوْنٌ عَلَى الطَّاعَةِ، والقِيامِ بِالتَّكالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى أَحْسَنِ وَجْهٍ، نَاهِيكُم عَنْ أَثَرِ الصِّحَّةِ والبَسْطَةِ فِي الجِسْمِ فِي نَواحِي الحَياةِ المُخْتَلِفَةِ، وفِي الحَدِيثِ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم-  : ((المُؤمِنُ القَويُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلى اللهِ مِنَ المُؤمِنِ الضَّعِيفِ، وفِي كُلٍّ خَيْرٌ))، والبَسْطَةُ فِي العِلْمِ والجِسْمِ مِمّا تُنالُ بِهِ مَعالِي الأُمورِ، قَالَ تعَالَى فِي شَأْنِ مُوسَى -عَلَيهِ السَّلامُ-: ((قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ))(8)، ولمّا كَانَتِ الصِّحَّةُ كَذَلِكَ فَقَدْ عُنِيَ بِها الإِسلاَمُ عِنايَةً فَائِقَةً وِقايَةً وعِلاَجاً، فَحَرَّمَ عَلَى الإِنسانِ كُلَّ مَا يَضُرُّ بِبَدَنِهِ وصِحَّتِهِ إِضْراراً كُلِّيّاً أَو جُزئيّاً، قَالَ تَعالَى: ((وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً))(9)، وحَرّمَ كُلَّ أَكْلٍ يَضُرُّ بِصِحَّةِ الجِسْمِ الجَسَدِيَّةِ والعَقلِيَّةِ، قَالَ سُبْحانَهُ: ((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ)) (10)، وإِلَى جَانِبِ الوِقايَةِ مِنَ المَرَضِ حَثَّ الإِنسانَ عَلَى العِلاَجِ إِنْ هوَ مَرِضَ.
  أَيُّها المُسلِمونَ:
  القُوتُ ومَا أَدْراكُم مَا القُوتُ؟ إِنَّهُ الشُّغْلُ الشَّاغِلُ لِجَمِيعِ المَخلوقاتِ، فَما مِنْ مَخْلوقٍ سَويٍّ إِلاَّ ويُصْبِحُ مَشْغُولاً بِرِزقِهِ، ساعِياً إِلى سَدادِ رَمَقِهِ، لِذا كَانَ الأَمْنُ الغِذائيُّ مِنْ أَهَمِّ عَوامِلِ الحَياةِ السَّعِيدَةِ، وإِذا نَظَرنا إِلى حَدِيثِهِ -صلى الله عليه وسلم-  وَجَدْنا أَنَّهُ جَعَلَهُ ثَالِثَ ثَلاَثَةٍ مِنْ أَسبابِ السَّعادَةِ، وفي هَذا لَفْتَةٌ دَقِيقَةٌ إِلى أَنَّ كَسْبَ المَعاشِ لاَ يَتأَتَّى إِلاَّ لِمَنْ أَمِنَ فِي سِرْبِهِ وعُوفِيَ فِي جَسَدِهِ، وقَدْ أمَرَ الإِسلاَمُ الإِنسانَ بالسَّعيِ فِي الأَرْضِ لِكَسْبِ المَالِ مِنْ حِلِّهِ وإِنفاقِهِ فِي مَحلِّهِ، قَالَ تَعالَى: ((فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) (11) ، إِلاَّ أَنَّ المالَ فِي الإِسلاَمِ وَسيِلَةٌ لاَ غَايَةٌ، وطَلَبُهُ مِنْ طَرِيقِ حِلِّهِ وطِيبِهِ أَمْرٌ مَشْروعٌ لِكُلِّ مُكْتَسِبٍ، والنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-  أَرادَ بِقُوتِ اليَوْمِ الحَالَ الوَسَطَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، فَعَنِ الأَولِ يَقولُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-  : (( تَعوَّذوا بِاللهِ مِنَ الفَقْرِ والقِلَّةِ والذِلَّةِ))، ويَقولُ: ((اللهُمَّ إِنِّي أَعوذُ بِكَ مِنَ الكُفْرِ والفَقْرِ))، وعَنِ الآخَرِ يَقولُ اللهُ تَبارَكَ وتَعالَى: ((كَلاَّ إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى))(12)، وخَيْرُ الأُمورِ -عِبادَ اللهِ- هوَ الوَسَطُ، ولِهذَا فَإِنَّ مَنْ مَلَكَ قُوتَ يَوْمِهِ فَإِنَّهُ يَكونُ فِي مَنأَى عَنْ بَطَرِ الغِنَى وهَوانِ الفَقْرِ، فَيكونُ كافّاً عافّاً، ومِنْ هُنا جَاءَتْ حِيازَةُ الدُّنيا، فَالفَقْرُ دُونٌ بِرُمَّتِهِ، والغِنَى يُحْمَدُ فِي الخَيْرِ، ويُذمُّ فِي الشَّرِّ، ((فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)) (13) ، وَصَدَقَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  إِذْ يَقولُ: ((نِعْمَ المَالُ الصَّالِحُ للرَّجُلِ الصَّالِحِ))، والقَناعَةُ أَساسُ الرِّضَا، فَفِي الأَثَرِ: ((ارْضَ بِما قَسَمَ اللهُ لَكَ؛ تَكُنْ أَغنَى النَّاسِ))، فَالمُؤمِنُ يَرْضَى بِما قَسَمَ اللهُ لَهُ فِي الدُّنيا؛ لأَنَّ هَدَفَهُ الآخِرَةُ، إذْ هِيَ الحَياةُ بِمَعناها الحَقِيقِيِّ، حَيْثُ لاَ هَمَّ ولاَ نَصَبَ، ولاَ حُزنَ ولاَ تَعَبَ، قَالَ تَعالَى: ((وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ))(14)، وفِي الحَدِيثِ عَنِ الرَّسولِ -صلى الله عليه وسلم-  : ((مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ؛ جَعَلَ اللهُ غِناهُ فِي قَلْبِهِ، وجَمَعَ لَهُ شَملَهُ، وأَتَتْهُ الدُّنيا وهِيَ رَاغِمَةٌ، ومَنْ كَانَتِ الدُّنيا هَمَّهُ؛ جَعَلَ اللهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَينَيْهِ، وفَرَّقَ عَلَيهِ شَملَهُ، ولَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنيا إِلاَّ ما قُدِّرَ لَهُ)).
   فَاتَّقوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واعمُروا حَياتَكُم بِنَشْرِ الأَمْنِ بِكَافّةِ مَعانِيهِ وأَشكَالِهِ وأَنواعِهِ فِي أُسَرِكُم ومُجتَمَعاتِكُم، وحَافِظُوا عَلَى صِحَّتِكُم؛ فَفِي ذَلِكَ هَناؤُكُم ورَخاؤُكُم، واطلُبوا الرِّزقَ الحَلاَلَ؛ فَفِيهِ نَجَاتُكُم وصَلاَحُ ذُرِّيَّاتِكُم.
  أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
  *** *** ***
   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
                      
   إِنَّ الإِنسانَ وإِنْ كَانَ يَتَطلَّعُ إِلى الكَمالِ الإِنسَانِيِّ فِي حَياتِهِ، إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ يُواجِهُ ما لاَ يَتَمنّاهُ، فَقَدْ يُصابُ بِنَقْصٍ فِي صِحَّةٍ أَو مَالٍ أَو وَلَدٍ، وتِلْكَ حِكْمَةُ اللهِ، والسَّعِيدُ مَنْ رَضِيَ بِحُكْمِهِ ومَا قَضَاهُ، قَالَ تعَالَى: ((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ))(15)، فَالأَمراضُ والأَسقامُ أَدواءٌ مُنْتَشِرةٌ، غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الأَسقامَ -هِيَ وإِنْ كَانَتْ ذَاتَ مَرارَةٍ وثِقَلٍ واشتِدادٍ- إِلاَّ أَنَّ اللهَ جَلَّ شَأْنُهُ جَعَلَ لَها حِكَماً وفَوائِدَ كَثِيرَةً، عَلِمَها مَنْ عَلِمَها، وجَهِلَها مَنْ جَهِلَها، وقَدْ قَالَ رَجُلٌ لِرَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  : أَرَأيْتَ هَذِهِ الأَمراضَ التِي تُصِيبُنا، مَا لَنا بِها؟ قَالَ: ((كَفّاراتٌ)) قَالَ أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ: وإِنْ قَلَّتْ؟! قَالَ: ((وإِنْ شَوْكَةً فَما فَوقَها))، وعَنْهُ -صلى الله عليه وسلم-  قَالَ: ((مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذَىً مِنْ مَرَضٍ فَما سِواهُ إِلاَّ حَطََّ اللهُ بِهِ سَيِّئاتِهِ كَما تَحُطُّ الشَّجَرةُ ورَقَها))، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يُظَنُّ أَنَّ المَرَضَ مَطْلَبٌ مَنْشُودٌ، أَو بَلاَءٌ يَتَطلَّعُ إِليهِ العَبْدُ المُسلِمُ، كَلاَّ بَلْ هوَ مِحنَةٌ يَكونُ الصَّبْرُ مَطْلباً عِنْدَ وقُوعِها، والمَرْءُ المُؤمِنُ لاَ يَتَمنَّى البَلاَءَ، إِذْ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  يَقولُ: ((سَلوا اللهَ العَفْوَ والعَافِيةَ، فَإِنْ أَحداً لَمْ يُعطَ بَعْدَ اليَقينِ خَيْراً مِنَ العَافِيَةِ))، والمَرءُ قَدْ يُقْدَرُ لَهُ فِي رِزقِهِ -أيْ لا يُوَسَّعُ لَهُ فِيهِ-، إِلاَّ أَنَّ رَحمَةَ اللهِ المُتَنَزِّلَةَ عَلَى الفَقِيرِ الصَّابِرِ تُكْسِبُهُ رَضاً فِي قَلْبِهِ، وسَعادَةً فِي نَفْسِهِ، وانشِراحاً فِي صَدْرِهِ، قَالَ تَعالَى: ((أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)) (16) ، فَالمُسلِمُ يَقْنَعُ بِما قَسَمَ اللهُ لَهُ، ويَنْظُرُ فِي حَالِ مَنْ هُمْ دُونَهُ فِي مَالِهِ وحَالِهِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ‏:‏ قَالَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  ‏:‏((إِذا نَظَرَ أَحَدُكُم إِلى مَنْ فُضِّلَ عَلَيهِ فِي المَالِ والخَلْقِ، فَلْيَنْظُرْ ِإلَى مَنْ هوَ أَسْفلُ مِنْهُ مِمَّنْ فَضُلَ عَلِيهِ‏))، وفِي رِوايَةٍ أُخْرَى: ((‏انظُروا إِلَى مَنْ هوَ أَسْفلُ مِنْكُم، ولاَ تَنْظُروا إِلَى مَنْ هو فَوقَكَمْ، فَإِنّهُ أَجْدَرُ أَنْ لا تَزْدَروا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيكُم‏))‏‏، فَإِنَّ مَنِ اعتَبَرَ حَالَ نَفْسِه، وفَتَّشَ عَلَى مَا خُصَّ بِهِ، وَجَدَ للهِ تعَالَى نِعَماً كَثِيرةً، لاَ سيَّما مَنْ خُصَّ بِالإِيمانِ والعِلْمِ والقُرآنِ، وعَنْ عُمرَ بنِ الخَطّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((مَا ابتُلِيتُ بِبلاَءٍ إِلاَّ كَانَ لِله تعَالَى عَلَيّ فِيهِ أَربَعُ نِعَمٍ: إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي دِينِي، وإِذْ لَمْ يَكُنْ أَعظَمَ، وإِذْ لَمْ أُحْرَمِ الرِّضَا بِهِ، وإِذْ أرْجُو الثَّوابَ عَلِيهِ‏)).
    فَاتَّقوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، وارْضَوا بِما قَسَمَ اللهُ لَكُم تَسْعَدوا، واطْمَحُوا إِلى مَزيدِ الطَّاعاتِ تُفلِحُوا.
   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (17).
   اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
عِبَادَ اللهِ : (( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
(1) سورة الطلاق / 2-3 .
(2) سورة الطلاق / 5 .
(3) سورة الملك / 14.
(4) سورة طه / 123-124 .
(5) سورة الروم / 21 .
(6) سورة الفرقان / 74 .
(7) سورة البقرة / 164.
(8) سورة القصص / 26 .
(9) سورة النساء / 29 .
(10) سورة المائدة / 3.
(11) سورة الجمعة / 10 .
(12) سورة العلق / 6-7.
(13) سورة العلق / 5-10 .
(14) سورة العنكبوت / 64.
(15) سورة البقرة / 155.
(16) سورة الزخرف / 32 .
(17) سورة الأحزاب / 56 .