العِبادَةُ سُمُوٌ أَخلاقيٌّ وإِصلاحٌ اجتِماعِي |
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء | |
21/02/2008 | |
طبة الجمعة بتاريخ 15 صفر 1429هـ بسم الله الرحمن الرحيم العِبادَةُ سُمُوٌ أَخلاقيٌّ وإِصلاحٌ اجتِماعِي الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ، يَجْزِي المُحْسنِينَ، ويَتَقبَّلُ عَمَلَ المُتَّقِينَ، أَمَرَنا بِعِبَادَتِهِ حتَّى يأتِيَنا اليَقينُ، سُبْحانَهُ أَنزَلَ كُتبَهُ وأَرْسَلَ رُسُلَهُ للإخلاَصِ فَي العِبادَةِ، ووَعَدَهم علَى ذَلكَ الفَوزَ والنَّجاةَ والسَّعادَةَ، فَقالَ سُبْحانَهُ: ((لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ))(1)، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، إِمامُ العَابِدِينَ، وأَفضَلُ الرَّاكِعينَ السَّاجِدينَ، وقائدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ، ورَضِيَ اللهُ عَنْ أَصحابِهِ أَجمَعينَ، والتَّابِعينَ لَهُم بإِحسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : طُوبَى لِعَبْدٍ عَرَفَ مَفْهومَ العِبادَةِ، فَعَمَرَ بِها حَياتَهُ وغَذَّى بِها فُؤادَهُ، فَالعِبادَةُ بِمَفهومِها العَامِّ تأخُذُ بِيَدِ الإِنسانِ إِلى الرُّقيِّ والتَّقدُّمِ للأَمامِ، ولِمَ لاَ؟ وهِيَ عِِلَّةُ خَلْقِ الإِنسانِ ووظِيفَتُهُ الأُولَى، يَقولُ اللهُ تَعالَى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ))(2)، وجَاءَ فِي بَعْضِ الآثارِ القُدْسِيَّةِ قَولُ اللهِ سُبْحانَهُ: ((يا عِبادِي: إِنِّي ما خَلَقتُكم لأَستأَنِسَ بِكُم مِنْ وَحْشَةٍ، ولاَ لأَستَكثِرَ بِكُم مِنْ قِلَّةٍ، ولاَ لأَستَعينَ بِكُم مِنْ وَحْدَةٍ عَلَى أَمْرٍ عَجَزْتُ عَنْهُ، ولاَ لِجَلْبِ مَنْفَعَةٍ ولاَ لِدَفْعِ مَضرَّةٍ، وإِنَّما خَلَقْتُكم لِتَعْبُدونِي طَويلاً، وتَذكُرونِي كَثِيراً، وتُسَبِّحونِي بُكْرةً وأَصيلاً))، ولِلعبادَةِ ثِمارُها اليافِعَةُ، ونَتائجُها النَّافِعَةُ، فَبِالعِبادَةِ تُوجَدُ التَّقوى وتَتحقَّقُ، فَتَتأكَّدُ صِلَةُ الإِنسانِ بِرَبِّهِ وتَتوثَّقُ، يَقولُ اللهُ تَعالَى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))(3)، وبِالعِبادَةِ يَنالُ الإِنسانُ الفَلاَحَ، ويُدْرِكُ الظَّفَرَ والنَّجاحَ، يَقولُ اللهُ تَعالَى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))(4)، وبِالعِبادَةِ يُؤدِّي الإِنسانُ شُكْرَ رَبِّهِ الذِي أَسْدَى وأَنْعَمَ، وأَعطَى وأَكرَمَ، يَقولُ اللهُ تعَالَى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ))(5)، ويَقولُ جَلَّ شأنُهُ: ((فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ))(6)، ويَقولُ جَلَّ وعَلاَ: ((بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ))(7)، وإذا كانَ لِلعبادَةِ هَذِهِ الثَّمراتُ العَظِيمَةُ، والغَاياتُ المُبارَكَةُ الكَريمَةُ؛ فَلاَ عَجَبَ أَنْ يَتَصدَّرَ دَعَوةَ أَنبياءِ اللهِ ورُسُلِهِ لأَقوامِهم الأَمْرُ بِعبادَةِ اللهِ؛ فَما مِنْ رَسولٍ أَرسَلَهُ اللهُ إِلاَّ كانَ أَوَّلُ ما قَالَهُ لِقَومِهِ: ((اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ))(8)، يَقولُ جَلَّ شَأنُهُ: ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ))(9). عِبادَ اللهِ : إِنَّ مَقامَ العُبودِيَّةِ مَقامٌ عَظِيمٌ، يَحْظَى بِسَبِبهِ الإِنسانُ بِالتَّكرِيمِ والتَّعْظِيمِ، إِنَّهُ مَقامٌ عالٍ ورَفِيعٌ، يَعتَرِفُ فِيهِ العَبْدُ بِأَنَّ اللهَ رَبُّ الجَمِيعِ، ولأَنَّ العُبودِيَّةَ أَعلَى المَقاماتِ وأَرفَعُ الدَّرَجاتِ؛ وَصَفَ اللهُ بِها رَسولَهُ -صلى الله عليه وسلم- فِي أَسمَى وأَرفَعِ الحالاَتِ، وَصَفَهُ بِها فِي مَقامِ الوَحْيِ فَقالَ: ((فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى))(10)، وَوَصَفَهُ بِها فِي مَقامِ تَنْزيلِ الكِتابِ والفُرقانِ عَلَيهِ؛ فَكانَ مِمّا أَوحاهُ إِليهِ: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا))(11)، كَما قَالَ تعَالَى: ((تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً))(12)، وَوَصَفهُ بِها فِي مَقامِ الإِسراءِ فَقالَ: ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ))(13)، وَوَصَفَهُ بِها فِي مَقامِ التَّضَرُّعِ والدُّعاءِ فَقالَ سُبْحانَهُ: ((وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً))(14)، وَوَصَفَهُ بِها فِي مَقامِ الكِفايَةِ والحِمايَةِ فَقالَ تَباركَ وتَعالَى: ((أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ))(15)، كَما أَمَرَهُ اللهُ بِها فِي كُلِّ وَقْتٍ وحِينٍ، وإِلى أَنْ يَجيءَ الأَجَلُ ويَحِينَ، فَقالَ جَلَّ شأنُهُ: ((وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ))(16)، والعِبادَةُ بِمفهومِها العامِّ المَعروفِ تَتَّسِعُ لِتَشمَلَ كُلَّ عَمَلِ خَيْرٍ وقَولٍ مَعْروفٍ، وهوَ ثَمَرةُ العِبادَةِ الخاصَّةِ مِنْ شَهادَتَينِ وصَلاَةٍ وصِيامٍ وزَكاةٍ وحَجٍّ؛ فَلِهَذه ِالعِباداتِ ثِمارٌ عَظِيمَةٌ وغَايَاتٌ كَرِيمَةٌ، ومِنْ ثِمارِها تَهْذِيبُ السُّلوكِ وسُمُوُّ الأَخلاَقِ، والتَّحلِّي بِالفَضائلِ، والتَّخلِّي عَنِ الرَّذائلِ، فَفِي بَيانِ آثارِ الصَّلاَةِ الخُلُقيَّةِ يَقولُ اللهُ تَعالَى: ((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى))(17)، ويَقولُ سُبْحانَهُ: ((وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ))(18)، ويَقولُ الرَّسولُ -صلى الله عليه وسلم- فيمَا يَرويهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وجَلَّ: ((إِنَّما أَتقبَّلُ الصَّلاَةُ مِمَّنْ تَواضَعَ بِها لِعَظَمتِي، ولَمْ يَستَطِلْ عَلَى خَلْقِي، ولَمْ يَبِتْ مُصرّاً عَلَى مَعْصِيَتي، وقَطَعَ النَّهارَ فِي ذِكْرِي، ورَحِمَ المِسكينَ وابنَ السَّبِيلِ والأَرمَلَةَ ورَحِمَ المُصابَ))، وفِي بَيانِ أَثَرِ الزَّكاةِ فِي تَطْهِيرِ النُّفوسِ وتَزكِيَةِ القُلوبِ؛ يَقولُ اللهُ عَلاَّمُ الغُيوبِ: ((خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا))(19)، وفِي بَيانِ أَثَرِ عِبادَةِ الصِّيامِ يَقولُ اللهُ تَعالَى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))(20)، فَفِي الصِّيامِ تَدْرِيبٌ لِلنَّفْسِ عَلَى كَبْتِ شَهواتِها المَحْظُورَةِ، ونَزَوَاتِها المَنْكورَةِ؛ فَلاَ لَغْوَ ولاَ رَفَثَ ولاَ كَذِبَ ولاَ زُورَ، ولاَ اقتِرافَ لأَيِّ عَمَلٍ أَو قَولٍ مَحْظورٍ، يَقولُ الرَّسولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَولَ الزُّورِ والعَملَ بِهِ فَلَيسَ للهِ حاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعامَهُ وشَرابَهُ))، ويَقولُ -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلاَمُ-: ((الصِّيامُ جُنَّةٌ؛ فإِذا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُم فَلاَ يَرفُثْ ولاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَو قَاتَلَهُ فَليَقُلْ: إِنِّي صائمٌ))، والحَجُّ فِي الإِسلاَمِ لَيسَ مُجَرَّدَ سَفَرٍ إِلَى البِقاعِ المُقدَّسَةِ وأَداءٍ للشَّعائرِ والمَناسِكِ، بَلْ فِيهِ تَقويمٌ للسُّلوكِ وتَهْذيبٌ للأَخلاَقِ، يَقولُ اللهُ تَعالَى: ((الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ))(21)، ويَقولُ الرَّسولُ -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرفُثْ ولَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ مِنْ ذُنوبِهِ كَيَومِ ولَدتْهُ أُمُّهُ)). عِبادَ اللهِ : إِنَّ مَحبَّةَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ يَنالُها ويُدْرِكُها كُلُّ مَنْ تَمتَّعَ بِصِفَاتٍ إِيجابِيَّةٍ، وأَخلاَقٍ رَضِيَّةٍ، وتَصرُّفاتٍ سَوِيَّةٍ، تُؤكِّدُ حَقِيقَةَ العِبادَةِ، وتَرسُمُ لِصاحِبها طَرِيقَ الخَيْرِ وتَضَعُهُ علَى سَبيلِ السَّعادَةِ، فَالعابِدونَ للهِ هُمُ المُحسِنونَ، التَّوَّابونَ المُتطهِّرونَ، يَقولُ اللهُ تَعالَى: (( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ))(22)، وَيقولُ: ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ))(23)، وهُمُ الصابِرونَ المُتوكِّلونَ، يَقولُ اللهُ تَعالَى: ((وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ))(24)، ويَقولُ جَلَّ شَأنُهُ: (( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ))(25)، وهُمُ المُقْسِطونَ العادِلونَ، يَقولُ تَعالَى: (( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ))(26)، إِنَّ العِبادَةَ تَزكِيَةٌ حَقِيقيَّةٌ للسُّلوكِ، تُثْمِرُ شَفافِيةَ النَّفْسِ وسَلاَمَةَ الاتِّجاهِ، وتَضْمَنُ للإِنسانِ الظَّفَرَ والنَّجاةَ، وتَحمِيهِ مِنَ الزَّيْغِ والانحِرافِ، فَيتَعالَى عَنْ سَفاسِفِ الأُمورِ ويَتَجمَّلُ بالنَّزاهَةِ والعَفافِ، فَإِنْ أُوكِلَ إِليهِ عَمَلٌ أدَّاهُ بِإتقانٍ، وإِنْ عامَلَ النَّاسَ عَامَلَهم بإِحسانٍ، لأَنَّهُ سَليمُ القَلْبِ عَفُّ الِّلسانِ، لاَ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ خَيْرِهِ، ويُحِبُّ الخَيْرَ لِنَفْسِهِ ولِغَيْرِهِ، فَعَنْ عبدِاللهِ بنِ عَمروٍ قَالَ: ((قيلَ: يا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَفضَلُ؟ قَالَ: كُلُّ مَخْمومِ القَلْبِ صَدوقِ الِّلسانِ، قِيلَ: صَدوقُ اللِّسانِ نَعْرِفُهُ، فَما مَخْمومُ القَلْبِ؟ قَالَ: هوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لاَ إِثْمَ فِيهِ ولاَ بَغْيَ، ولاَ غِلَّ ولاَ حَسَدَ)). فَاتَّقوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واعلَموا أَنَّ مَحاسِنَ ومَكارِمَ الأَخلاقِ هِيَ ثَمَرةُ عِبادَةٍ خالِصَةٍ للهِ الواحِدِ الخَلاَّقِ. أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ. *** *** *** الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : إِنَّ للعِبادَةِ وَظِيفَةً إجتِماعيَّةً هَامَّةً، فَهِيَ تُهيِّئُ الفُرَصَ الكَثِيرَةَ لِتَحقِيقِ الإِصلاَحِ الاجتِماعِيِّ الذِي يَنْشُدُهُ الإِسلاَمُ، لِتَحقِيقِ الطُّمأنِينَةِ والأَمْنِ والسَّلاَمِ، فَالعِبادَةُ علاَوةً علَى ما تَسكُبُهُ فِي نَفْسِ الإِنسانِ مِنْ طُمأنِينَةٍ وهُدوءٍ وسَكينَةٍ؛ فإِنَّها تَجْعلُهُ يَتفاعَلُ مَعَ إِخوانِهِ فِي الإِنسانِيَّةِ، فَيُشارِكُهم فِي حَلِّ بَعْضِ المُشْكِلاَتِ، والتَّغلُّبِ علَى ما يَعتَرِضُ طَريقَهم مِنْ عَقباتٍ، وبِهذهِ المشارَكَةِ تَشْتدُّ أَواصِرُ الصِّلاَتِ وتَتوثَّقُ العلاقاتُ، فَتتحقَّقُ الأُخوَّةُ التِي تَجْعلُ المُجتَمعَ يَزدادُ تَماسُكاً ويَكْتَسِبُ قُوَّةً، كَما أَنَّ للعِبادَةِِ دَوْراً رَائعاً فِي تَنْمِيَةِ رُوحِ المُساواةِ الحَقِيقيَّةِ، فَيَشْعُرُ الفَرْدُ بِأَنَّهُ لإِخوانِهِ كَما يَشْعُرُ إِخوانُهُ بِأنَّهُ لَهُم، فَهوَ يَحيا بِهِم ويَحْيا لَهُم، ومِنْ أَجلِ تَحقِيقِ هذِه الأَهدافِ المَنشودَةِ، والوُصُولِ إِلى الآمالِ المَرْصودَةِ؛ وَسَّعَ الإِسلاَمُ دائرةَ العِبادَةِ؛ فَجَعلَ كُلَّ عَمَلٍ اجتِماعِيٍّ نَافِعٍ عِبادَةً مَرضِيَّةً، ما دامَ فاعِلُهُ يَقْصِدُ الخَيْرَ لَهُ ولإِخوانِهِ فِي الإِنسانِيَّةِ، فَكُلُّ عَمَلٍ يُخَفِّفُ بِهِ الإِنسانُ كُرْبَةَ مَكْروبٍ، ويَرْسُمُ بِهِ البَسْمَةَ علَى الوُجُوهِ والفَرْحَةَ فِي القُلوبِ، أَو يُقِيلُ بِهِ عَثْرَةَ مَغلوبٍ، هوَ عِبادَةٌ وقُرْبَى، وكُلُّ عَمَلٍ أَو قَولٍ يَهْدِي بِهِ الإِنسانُ حائراً، أو يُعلِّمُ جَاهِلاً، أَو يُقَرِّبُ بِهِ بَيْنَ مُتباعِدَيْنِ، ويُصلِحُ بِهِ بَيْنَ مُتخاصِمَيْنِ هوَ عِبادَةٌ وقُربَى، وكُلُّ عَمَلٍ يُزيلُ بِهِ الإِنسانُ أَذىً عَنْ طَريقٍ، أَو يَحْمِي بِهِ بِيئَةً مِنْ تَلوُّثٍ، أَو يَسوقُ بِهِ نَفْعاً، أَو يَدفَعُ بِهِ ضَرّاً، أَو يَمنَعُ بِهِ شَرّاً، كُلُّ ذَلكَ وغَيْرُهُ مِمّا يُحقِّقُ النَّفْعَ العامَّ، ويُساعِدُ علَى الرُّقِيِّ والتَّقدُّمِ للأمامِ هوَ عِبادَةٌ وقُربَى وطاعَةٌ لِرَبِّ الأَنامِ، لِذلِكَ حَضَّ الإِسلامُ علَى أَنْ يُساهِمَ كُلُّ امرئٍ لِتَحقِيقِ ذَلِكَ قَدْرَ الوِسْعِ والاستِطاعَةِ. إِنَّ كُلَّ عَمَلٍ يَعمَلُهُ المُؤمِنُ يَقْصِدُ بِهِ الخَيْرَ ونَفْعَ الغَيْرِ هوَ عَمَلٌ مُبارَكٌ مَحْبوبٌ، جَزاؤُهُ عِنْدَ اللهِ مُدَّخَرٌ ومَكتوبٌ، يَقولُ الرَّسولُ -صلى الله عليه وسلم-: ((كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ علَيهِ صَدقَةٌ، كُلُّ يَومٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ يَعْدُلُ بَيْنَ الاثنِينِ صَدقَةٌ، ويُعِينُ الرَّجُلَ فِي دابَّتِهِ فَيَحمِلُهُ أَو يَرفَعُ علَيها مَتاعَهُ صَدقَةٌ، والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقةٌ، وكُلُّ خُطْوةٍ يَمشِيها إِلى الصَّلاَةِ صَدقَةٌ، ويُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّريقِ صَدَقةٌ))، ويَقولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((بَيْنما رَجُلٌ يَمْشِي بِطَريقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوكٍ فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللهُ لَهُ))، وجَاءَ فِي رِوايَةٍ: ((مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ علَى ظَهْرِ الطَّريقِ فَقالَ: لأُنَحِيَنَّ هذا عَنِ المُسلِمينَ لاَ يُؤذِيهم، فأُدْخِل الجَنَّةَ)). فَاتَّقوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واعلَموا أَنَّ مَجالاتِ العِبادَةِ فِِي الإِسلامِ واسِعَةٌ؛ فاستَبِقوا إِلَيها؛ يُثِبْكُم اللهُ علَيها. هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: ((إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا))(27). اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين. اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ. اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ. اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ. رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ. عِبَادَ اللهِ : ((إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ)). (1) سورة يونس / 26 . (2) سورة الذاريات / 56 . (3) سورة البقرة / 21 . (4) سورة الحج / 77 . (5) سورة البقرة / 172 . (6) سورة النحل / 114 . (7) سورة الزمر / 66. (8) سورة الاعراف / 59 . (9) سورة الانبياء / 25 . (10) سورة النجم / 10 . (11) سورة الكهف / 1 . (12) سورة الفرقان / 1. (13) سورة الاسراء / 1 . (14) سورة الجن / 19 . (15) سورة الزمر / 36 . (16) سورة الحجر / 99 . (17) سورة الأعلى / 14-15. (18) سورة العنكبوت / 45 . (19) سورة التوبة / 103. (20) سورة البقرة / 183 . (21) سورة البقرة / 197 . (22) سورة البقرة / 195 . (23) سورة البقرة / 222 . (24) سورة آل عمران / 146 . (25) سورة آل عمران / 159 . (26) سورة المائدة / 42 . (27) سورة الأحزاب / 56 . |