كُــنْ جاراًًً مِثـالـِيّـاًًً
كتب قسم الخطب بدائرة الائمة والخطباء   
24/03/2008
خطبة الجمعة بتاريخ 20 ربيع الأول 1429هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
كُــنْ جاراًًً مِثـالـِيّـاًًً
  الحَمْدُ للهِ الذِي أَمَرَ بِحُسْنِ مُعامَلَةِ الجِيرانِ، وحَثَّ علَى تَعَهُّدِهِمْ بِصُنوفِ الرِّعايَةِ وضُروبِ الإِحْسانِ، وأَشْهدُ أَنْ لاَ إِلهَ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، أَوجَبَ علَينا احتِرامَ الجَارِ وحُسْنَ رِعايَتِهِ، وأَرشَدَنا إِلى تَحَمُّلِ خَطِيئَتِهِ، والعَفْوِ عَنْ تَقْصِيرِهِ وَزَلَّتِهِ، وَحَرَّمَ علَينا عُقوقَهُ وأَذِيَّتَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ مُحمّداً عَبْدُ اللهِ ورَسولُهُ، وصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وحَبِيبُهُ، -صلى الله عليه وسلم- وعلَى آلهِ البَرَرَةِ الأَطْهارِ، وعلَى تَابِعِيهِم مِنَ المُحْسِنينَ الأَخيارِ، صَلاَةً وسَلاَماً دَائمَيْنِ مَا تَعاقَبَ اللَّيلُ والنَّهارُ، ونَعِمَ بِحُسْنِ المُعاملَةِ جَارٌ. أَمّا بَعْدُ، فَإِنَّ تَقوى اللهِ حَبلٌ مَتِينٌ تَترابَطُ بِهِ المُجتَمعاتُ، ودَواءٌ شَافٍ يُصلِحُ الأَفرادَ والجَماعاتِ، فاتَّقوا اللهَ -عِبادَ اللهِ- ورَاقِبوهُ ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ))(1)، واعلَموا -رَحِمَكُمُ اللهُ- أَنَّ النَّاسَ علَى اختِلاَفِ مَشارِبِهِمْ، وتَعَدُّدِ ثَقافَاتِهِمْ، مُضْطَرُّونَ للتَّعايُشِ والتَّداخُلِ، إِذْ ذَاكَ ضَرورةٌ مِنْ ضَروراتِ الحَياةِ، وتَعاونُهم سَبَبٌ أَساسيٌّ مِنْ أَسبابِ النَّجاةِ، فَمتَى سَادَتِ الرَّوابِطُ بَيْنَ النَّاسِ علَى أَساسٍ مِنَ البِرِّ والتَّقوى والمَحَبَّةِ والرَّحمَةِ عَظُمَتِ الأُمَّةُ وقَوِيَ شأْنُها، ومَتَى أُهمِلَتِ الحُقوقُ وتَفَصَّمَتِ الرَّوابِطُ شَقِيَتْ وهَانَتْ وحَلَّ بِها التَّفكُّكُ والدَّمارُ، مِنْ أَجلِ ذَلِكَ جَاءَ الإِسلاَمُ بِمُراعَاةِ هَذَهِ الرَّوابِطِ وتَقويمِها وإِحاطَتِها بِما يَحفَظُ وَجُودَها ويُعلِي مَنارَها بَيْنَ المُسلِمينَ، فَقَدْ قَرَنَ اللهُ حَقَّ الجَارِ بِعِبادَتِهِ سُبْحانَهُ وتَوحِيدِهِ، وبِالإِحسانِ لِلْوَالِدَيْنِ واليَتامى والأَرحامِ، فَقالَ عَزَّ مِنْ قَائل: ((وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ))(2)، هَذَهِ وَصِيَّةُ اللهِ عَزَّ وجلَّ فِي كِتابِهِ، لِكَي تُؤدِّيَ حُقوقَ جَمِيعِ جِيرانِكَ: مَنْ كَانَ بَينَكَ وبَينَهُ قَرابَةٌ، ومَنْ لَمْ يَكُنْ قَرِيباً، بَلْ ومَنْ لَمْ يَكُنْ علَى دِينِكَ، أَمّا وَصِيَّةُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَجاءَتْ فِي صُورَةٍ جَلِيلَةٍ وتَعبِيرٍ مُستَفِيضٍ لِمَعانِي حُقوقِ الجَارِ، والوِصايَةِ بِهِ، والبُعْدِ عَنْ كُلِّ مَا يُرِيبُهُ ويُسيءُ إِليهِ.
      
  أَيُّها المُسلِمونَ:
  حُسْنُ الجِوارِ مَطْلَبٌ إِيمانِيٌّ عَظِيمٌ، وخُلُقٌ إِسلاَمِيٌّ كَرِيمٌ، إِنَّهُ مِنْ دَلائلِ البِرِّ والإِيمانِ، وَمِنْ أَروَعِ صُوَرِ الوَفاءِ والإِحسانِ، فَعَنْ أَبِي هُرِيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلى جَارِهِ))، وفِي رِوايَةٍ: ((فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ))، والإِحْسانُ إِلى الجَارِ والقِيامُ بِحَقِّهِ سَبَبٌ لِلتَّفاضُلِ بَيْنَ النَّاسِ، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْروٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : ((خَيْرُ الأَصحابِ عِنْدَ اللهِ خَيْرُهُم لِصاحِبِهِ، وخَيْرُ الجِيرانِ عِنْدَ اللهِ خَيْرُهُمْ لِجارِهِ))، وهوَ سَبَبٌ لِمَغْفِرَةِ الذَّنوبِ، والفَوزِ بِرِضوانِ عَلاَّمِ الغُيوبِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قََالَ: ((مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَشْهَدُ لَهُ أَربَعَةُ أَبْيَاتٍ مِنْ جِيرَانِهِ الأَدْنِيْنَ بِخَيْرٍ إِلاّ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَدْ قَبِلْتُ شَهَادَةَ عِبَادِي عَلَى مَا عَلِمُوا، وَغَفَرْتُ لَهُ مَا أَعْلَمُ))، وهَكَذا كَانَ أَصْحابُ رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُوصُونَ بِتَعَهُّدِ جِيرانِهم بِالمَعروفِ، والحِرْصِ علَى مُشارَكَتِهم كُلَّ خَيْرٍ وسُرورٍ، يُطْعِمونَهُم مِمّا يَأْكُلونَ، ويُعِينونَهُمْ حِينَ يَحتاجُونَ، ويُسَهِّلُونَ لَهُم أَسبابَ الرَّاحَةِ والهَناءِ، ويَدفَعُونَ عَنْهُم مُكَدِّراتِ العَيْشِ والعَناءِ، فَالمُسلِمُ كَالنَّبتَةِ الزَّكِيَّةِ، تَبقَى رائِحتُها عَذْبَةً نَدِيَّةً فِي أَيِّ مَكانٍ غُرِسَتْ، فَقَدْ ذُبِحَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو شَاةٌ فِي أَهْلِهِ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: أأهْدَيْتُم لِجَارِنَا؟ -مَعَ أَنَّهُ كَانَ علَى غَيْرِ عَقِيدَتِهِ-، وَمِنْ شِدَّةِ حِرْصِهِمْ علَى ذَلِكَ كَانُوا يَسأَلونَ عَنْ تَفاصِيلِ ما يَجِبُ عَلَيْهِمْ فِيهِ مِنَ الإِحْسانِ، ودَقائقِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِم لِجَمِيعِ الجِيرانِ، سأَلَتْ عَائِشةُ أُمُّ المُؤمنِينَ -رَضِيَ اللهُ عَنْها- النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقالَتْ: إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: ((إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا))، وضَربُوا -رِضوانُ اللهِ عَلَيْهِم- أَروَعَ الأَمثِلَةِ فِي التَّكافُلِ والتَّعاوُنِ وحُسْنِ الجِوارِ، فَنالوا ثَناءَ نَبِيِّ اللهِ المُصطَفَى المُختارِ -صلى الله عليه وسلم- .
    عِبادَ اللهِ :
    إِنَّ مِنْ حَقِّ الجَارِ علَى جَارِهِ أَنْ يأْمَنَ جَانِبَهُ، يأْمنَهُ علَى نَفْسِهِ وعِرْضِهِ ومَالِهِ وعِيالِهِ، إِنَّ الأَمْنَ النَّفْسِيَّ أَساسٌ مِنْ أُسُسِ التَّعايُشِ الاجتِماعِيِّ السَّلِيمِ، وسَبَبٌ مُهِمٌّ لِلْعَيْشِ الهَانِئ الكَرِيمِ، فَمَنِ اطْمَأَنَّتْ نَفْسُهُ إِلى مَنْ حَولَهُ ارتَاحَ قَلْبُهُ، وقَوِيَ علَى الخَيْرِ نَشاطُهُ،  لِذا عَدَّ الرَّسولُ -صلى الله عليه وسلم- الإِخلاَلَ بِالأَمْنِ النَّفْسِيِّ لِلْجَارِ مُنافِياً لِلإِيمانِ، ومُجانِباً لِسَبِيلِ البِرِّ والإِحْسانِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: ((لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ))، وفِي رِوايَةٍ: عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الخُزاعِي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : ((واللهِ لاَ يُؤمِنْ، واللهِ لاَ يُؤمِنْ، واللهِ لاَ يُؤمِنْ))، قِيلَ: مَنْ يَا رَسولَ اللهِ؟ قَالَ: ((الذِي لاَ يأَمَنُ جَارُهُ بَوائِقَهُ))، إِنَّ أَذِيَّةَ الجَارِ مَهْمَا كَانَتْ صُوَرُها، فَإِنَّها مَمقُوتَةٌ فِي الشَّرْعِ، ولَقَدْ عَدَّدَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- صُوَراً مِنْ حُقوقِ الجَارِ عِنْدَما سأَلَهُ أَصحَابُهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-: مَا حَقُّ الجَارِ يَا رَسولَ اللهِ؟ فَقَالَ: ((إِنْ استَقرضَكَ أقْرَضتَهُ، وإِنْ استَعانَكَ أَعنْتَهُ، وإِنِ احتَاجَ أَعطَيتَهُ، وإِنْ مَرِضَ عُدْتَهُ، وإِنْ مَاتَ تَبِعْتَ جِنازَتَهُ، وإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ سَرَّكَ وهنَّأَتَهُ، وإِنْ أَصابَتْهُ مُصِيبَةٌ سَاءتْكَ وعَزَيَّتَهُ، ولاَ تُؤذِهِ بِقُتارِ قِدْرِكَ، إِلاَّ أَنْ تَغْرِفَ لَهُ مِنْها، ولاَ تَستَطِلْ علَيهِ بِالبِناءِ لِتُشَرِفَ علَيهِ وتَسُدَّ عَنْهُ الرِّيحَ إِلاَّ بإِذْنِهِ))، بَيانٌ نَبَوِيٌّ رائِعٌ، جَمَعَ لِلْجارِ كَافَّةَ الحُقوقِ المَادِّيَّةِ والمَعنَوِيَّةِ: مُواساةً بِالمالِ وإِعانَةً، وسَدّاً لِعُمومِ الحَاجَةِ، وتَخْفِيفاً لِلمُعاناةِ والآلاَمِ، ومُشارَكَةً فِي الأَفْراحِ والأَتْراحِ، إِنَّهُ الانِسجامُ التَّامُّ والتَّرابُطُ الكَامِلُ والعَيْشُ الجَمِيلُ بَيْنَ أَفرادِ المُجتَمَعِ.
                      
   فاتَّقوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، وأَدُّوا حُقوقَ جِيرانِكُم، واشمَلُوهم بِخَيْرِكُم، وأَبْعِدوا عَنْهُم كُلَّ أَذَى، يَتِّحِدْ صَفُّكُم، وتَطِبْ حَياتُكُم، وتَهنأْ نُفوسُكُم.
   أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
  *** *** ***
   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
   ثَمَّةُ صُوَرٍ مِنَ التَّصرُّفاتِ تُعتَبَرُ تَقْصِيراً فِي حَقِّ الجَارِ، كَمُضايَقَتِهِ بِالأَصواتِ المُزْعِجَةِ المُنْكَرَةِ، ويَتَضاعَفُ وِزْرُ ذَلِكَ إِذا كَانَتْ مِمّا نَصَّ الشَّرْعُ علَى تَحْرِيمِهِ، وتَقْبِيحِ فَاعِلِهِ وتَجْرِيمِهِ، ويَعْظُمُ بِها البَلاَءُ إِذا وَقَعَتْ وَقْتَ الرَّاحَةِ والنَّومِ، فَإِنَّ لِلنَّاس حَقّاً فِي الاستِراحَةِ فِي بُيوتِهم، والاعتِداءُ علَى حَقِّهِم هَذا بِالتَّلَوُّثِ الصَّوتِيِّ ضَرْبٌ مِنْ ضُروبِ الأَذَى، فَرَفْعُ الصَّوتِ أَمْرٌ نفَّرَ مِنْهُ الشَّارِعُ ونَهَى، قَالَ تَعالَى: ((وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ))(3)، ومِنْ حُسْنِ مُراعَاةِ الجَارِ والإِحْسانِ إِليهِ عَدَمُ إِسكانِ مَنْ يُؤذِيهِ فِي البَيْتِ المُجاورِ لاختِلاَفٍ فِي الطِّباعِ والعَاداتِ، وتَباعُدٍ فِي السُّلوكِ والتَّصرُّفاتِ، لاَ سيَّما إِنْ كَانُوا مَظِنَّةَ صُدورِ تَصرُّفاتٍ خَاطِئةٍ، والإِتيانِ بأَفعالٍ شائِنَةٍ، نَتِيجَةً لِوَضعِهم أَو حَالَتِهم الاجتِماعِيَّةِ، أَو لاختِلاَفِ مُيولِهم ومُعتَقداتِهم الفِكْرِيَّةِ، ويُضارِعُ ذَلِكَ فِي الأَذِيَّةِ ويَزِيدُ علَيهِ بَيْعُ الجَارِ عَقارَهُ لِغَيْرِ جَارِهِ مَعَ رَغبَتِهِ فِيهِ، فَعَنِ ابنِ عَباسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: ((مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرضٌ فَأَرادَ أَنْ يَبِيعَها فَلْيَعْرِضْها علَى جَارِهِ))، فَالمُؤمِنُ الحَقُّ يُراعِي جَارَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، ولَكَنْ قَدْ يَجِدُ الجَارُ مِنْ جَارِهِ غَيْرَ ذَلِكَ، ويُصِادِفُ مِنْهُ مَا لاَ يَحِبُّ، إِذِ الكَمالُ السُّلوكِيُّ صِفَةٌ عَزِيزَةٌ، ومِنْ شأْنِ النَّفسِ الإِنسانِيَّةِ الخَطأُ والزَّلَلُ، والقُصورُ فِي القَولِ والعَمَلِ، ولَمَّا كانَ الأمْرُ كَذلِكَ فَإِنَّ الصَّبْرَ علَى البَلاَءِ، وتَحَمُّلِ التَّقصِيرِ والأَذَى، خُلُقٌ رَفِيعٌ بَيْنَ عُمُومِ المُسلِمينَ، وعَزِيمَةٌ يَظْفَرُ بِها السُّعداءُ مِنَ المُوَفَّقِينَ، قَالَ تَعالَى: ((وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ))(4)، وهَذِهِ فَضِيلَةٌ مَطلُوبَةٌ فِي عُمُومِ بَنِي الإِنسانِ، وتَتأَكَّدُ الحَاجَةُ إِلَيْها بَيْنَ الأَقارِبِ والجِيرانِ.
    فَاتَّقوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، وأَدُّوا حُقوقَ جِيرانِكم وإِخوانِكم، واصبِروا إِنْ وَجَدتُمْ أَذَىً وصَابِروا، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمورِ، وفِيهِ وِقايَةٌ مِنَ الفُرقَةِ والشُّرورِ، ومَرْضاةُ الرَّبِّ الغَفُورِ.
   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (5).
   اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
عِبَادَ اللهِ :(( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
(1) سورة الحديد / 28 .
(2) سورة النساء / 36 .
(3) سورة لقمان / 19 .
(4) سورة اشورى / 43 .
(5) سورة الأحزاب / 56 .