البيان الصحفي
  البنرات الإعلانية
  جدول الجلسات
  برنامج حفل الإفتتاح
  بطاقة دعوة
  التغطيات الإعلامية
  أوراق العمل
  الدراسات
  الصور
  الكتيب
  ملخصات البحوث
  ندوات سابقة
 
الكتيب التعريفي

ندوة تطور العلوم الفقهية 1434هـ/ 2013م
(فقه رؤية العالم والعيش فيه المذاهب الفقهية والتجارب المعاصرة)
من 6/4 إلى 9/4/2013م


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه واقتفى أثره إلى يوم الدين، أما بعد،
فقد تباينت الرؤى كثيرا حول العالم وكيفية التعايش فيه بين الدول والمجتمعات المختلفة، فهناك رؤى جنحت إلى الإفراط وأخرى إلى التفريط في هذا الأمر، ولم تلتزم الوسطية التي ميز الله بها هذه الأمة في قوله جل شأنه: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)، وجافت منهج الفطرة الإنسانية وأسس تقاسم العيش في الحضارة البشرية.
مسائل التعايش والتجديد والتعددية - سواء كانت دينية أم اجتماعية أم سياسية - هي من أكثر المسائل استحقاقاً للدراسة والبحث من أجل تصحيح التصورات الخاطئة وصولا إلى لَـمِّ الشَّمل ونزع فتيل التوتر بين أبناء المسلمين أنفسهم، وبين غيرهم من بقية الأمم.

المصطلحات والمفاهيم

لعل أول ما ينبغي الاهتمام به في هذا الجانب تحديد المصطلحات التي تتعلق بالمفاهيم العامة والعلاقات الدولية وغيرها من أجل جعلها في سياقها ومفهومها الصحيح، وذلك مثل مصطلحات: الجهاد والقتال، والموالاة والمحادة، وأهل الذمة والعهد والجزية والحرب ونحوها.
فجاء المحور الأول في الندوة ليلقي الضوء على هذه المصطلحات، ويجلي ملابساتها المختلفة، ويصحح المفاهيم في سياق العلاقة مع الذات ومع الآخر.
وقد برز في الآونة القريبة الكثير من النداءات الداعية للتقريب بين المذاهب الإسلامية المختلفة، وبين التعدديات الموجودة في العالم اليوم، إلا أن مصطلح التعايش يضبط هذه النداءات ويردها إلى سياج التسامح والعيش السليم بين أطياف البلد الواحد، بل اختاره بعضهم حتى بين المذاهب الإسلامية المختلفة، بديلا عن مصطلح (التقارب) لما يستلزمه هذا الأخير من تنازلات، بخلاف مصطلح التعايش الذي يدعم الوحدة والتسامح ويحفظ الخصوصيات.

حقوق المخالف دينيا
يكـتنـف موضوع حقوق الأقليات غير المسلمة في المجتمعات الإسلامية بعضا من الغموض والتشويه، بسبب مبالغات المستشرقين المغرضة سياسيا أو إعلاميا من جهة، ومن جهة أخرى عدم وجود تلكم الكفاءات التي تقدم العديد من التجارب المعاصرة للدول الإسلامية نموذجاً مقنعاً في المسألة، وكذلك الأقليات المسلمة في الدول التي لا تدين بالإسلام مع ما يلحق بعضهم من اضطهاد وقتل وانتهاك لحقوقهم.

وتحاول الندوة استجلاء هذا الموضوع، وذلك من خلال البحوث الفقهية المقدمة، ومقارنة التشريعات الإسلامية بما عليه القوانين والأعراف الدولية في مجال الهجرة وحقوق الأقليات، وما يبنى على ذلك من عقود الاستئمان والذمة والعهد، وذلك في سياقين متوازيين: الأول يتعلق بأهل الكتاب وغيرهم من الدول المسلمة، والثاني يتعلق بالمسلمين في غير الدول إسلامية، وقد عمدت السلطنة إلى الأخذ بمفهوم المواطنة ليكون بديلا عن مفهوم الأقليات.

والندوة تهدف إلى دراسة أحكام غير المسلمين في المجتمع الإسلامي من وجهة نظر فقهية تاريخية، ووفق القواعد الفقهية والكليات العامة، وهو ما يترك الباب مفتوحا للبحث عن صيغة للتعايش على أساس يتوافق عليه الناس ويحفظ حقوقهم جميعا في ظل أحكام الشريعة الغراء.

أصل العلاقة مع غير المسلمين في المنظور الإسلامي
لا ريب أن الإسلام بكل معطياته وحيثياته دين يتواءم مع كل فئات المجتمع التي تتعايش وفق نواميس الله تعالى في هذه البسيطة، وبما أن الإنسان مدني الطباع اجتماعي الفطرة فلا بد من أن يتمازج في معاملاته وحاجات معيشته مع كافة الأطياف وفي كل بيئة يحط بها رحله وتكون مستقرا له، سواء كانت هذه الأطياف أو المجتمعات موافقة له أو مخالفة في الدين أو المعتقد.

من أجل هذا كله ضبط القرآن الكريم هذا النسيج وتلكم العلاقة بضوابط تفتح مجالا رحبا أمام المسلم وهو يتعامل مع كل أطراف الحوار من حوله، وقد جعل أس ذلك كله الإحسان والتلطف وعدم التشنج في التعامل مع الآخر، فقد أمر بالقول الحسن لكل الأطراف عندما قال: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً }البقرة83 ، ووضع ضوابط لمحاورة أهل الكتاب:{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }العنكبوت46، فهذا وغيره يدل دلالة واضحة على أن العلاقة بين المسلم وغيره مؤطرة في الشريعة الإسلامية بضوابط وأطر لا إفراط فيها ولا تفريط.

والمتأمل في السنة المطهرة يجد مجالا رحبا من التعاملات التي كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وغيره ممن تعايش معهم، ويكفي دليلا على ذلك ما كان بين المسلمين واليهود في المدينة المنورة – طيب الله ثراها – من وثيقة الصلح بعد وصول النبي صلى الله عليه وسلم وتأسيسه للدولة الإسلامية. ومن ثم قعـَّد أهل العلم جملة من القواعد وضبطوا هذه العلاقة التي تربط المسلمين بغيرهم بالمقاصد الشرعية التي اعتبرها الشارع في تضاعيف أحكامه، وسيكون لهذا المحور مجال رحب في هذه الندوة المباركة.

فقه العيش المشترك وعيش الخصوصية
تعتبر الهجرة في التاريخ الإسلامي ملمحا مهما وركيزة أساسية في تأسيس الدولة التي أسسها النبي صلى الله عليه وسلم، ذلك أنها كانت محطة لانتقال المسلم بكليته من دار ضُيِّق عليه فيها إلى دار فُتِّحَتْ له الأبوابُ بها حتى أقام بها شريعة الله تعالى، وتمكن فيها من العيش بخصوصيته آمنا مستقرا يمارس شرائعه التعبدية بما يهيئ له مرضاة الله تعالى، ولا بد هنا من استحضار الوثيقة التي فتح فيها النبي صلى الله عليه وسلم سبل الحوار مع اليهود لأنها تعد لبنة أساسية في التعايش مع الآخر في سياج الدولة الإسلامية.

إلا أن هذا المفهوم – مفهوم الهجرة - تطور مع مرور الزمن فأصبح من المهم بيان دار الإسلام وأحكام اختلاف الدارين لدى الفقهاء، ذلك أن هوية المرء وخصوصيته تصحبه في حله وترحاله، ومن هنا نشأ ما يسمى بالأقليات، وهذا نتيجة تطور مفهوم الهجرة التي سايرت العالم الإسلامي وغيره طيلة السنين المنصرمة. وقد صاحب كل هذا نداءات مختلفة تنادي بوضع جملة من الواجبات والحقوق للجنس البشري عموما، وهو ما عرف بحقوق الإنسان، ولا شك أن الإسلام الحنيف كان قد وضع هذه الحقوق موضعها وأرسى دعائمها وأنزلها منزلها التي تحتل مكانها فيه بين العالمين : {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}الإسراء70.

على أن انتقال الإنسان من محل لآخر ليس انتقال كيان فحسب، بل هو انتقال فكر وتراث، وهذا أثر من آثار البعد الجغرافي، ومن هنا كانت دراسة هذه الجوانب كلها محل نظر واعتبار في محاور هذه الندوة.

المذاهب الإسلامية وفقه العيش في العالم
لا ريب أن للفقه الإسلامي دوره الفاعل في ضبط فقه التعايش بين المسلمين بمختلف مذاهبهم وبينهم وبين غيرهم، ذلك أن الفقه شريعة الله تعالى المستنبطة من الوحيين – الكتاب والسنة – ولما كان الأمر كذلك فقد صنف أهل العلم من مختلف المذاهب الإسلامية جملة من التصانيف والأبواب الفقهية واضعين جملة من القواعد الفقهية وضوابط النوازل التي تطرأ على المسلم وهو يتعايش مع الآخر في غير مسقط رأسه وموطنه الأصلي الذي نشا فيه.

والمتأمل في التراث الإباضي يجد فقه تعايشيا رحبا يتعاطى مع شتى الأطياف والملل،سواء في ذلك الفقه المغربي أو المشرقي: ففي الفقه المشرقي يطالعنا العلامة ابن بركة من خلال كتابه الجامع، إضافة إلى دراسة فقه التعايش عند العلامة أبي نبهان من خلال مصنفاته، وانتهاء بالعلامة نور الدين السالمي والشيخ خلفان بن جميل السيابي من خلال مصنفاتهم.

أما عن الفقه المغربي فيطالعنا جملة من أهل العلم، ابتداء من صاحب الموجز العلامة أبي عمار، مرورا بالوارجلاني الذي طاف شتيتا من البقاع في عصره حتى عد رحالة زمانه، وانتهاء بقطب الأئمة من خلال كتابه الموسوعي المعتمد شرح النيل وشفاء العليل.

وبتأمل بصير في مصنفات أهل العلم من المذاهب الفقهية المختلفة نجد تكاملا واضحا في ضبط فقه التعايش مع الآخر، سواء في ذلك المذهب المالكي والشافعي والحنبلي والزيدي والإمامي، والمدارس الأخرى كالظاهرية والاوزاعية والليثية .

على أن هذه المدارس بكافة أعلامها الذين سطروا الكثير من المآثر في مدوناتهم الفقهية والتاريخية، طافت بالكثير من المباحث في فقه التعايش مع الآخر، إذ إن هذا الموضوع يحمل في تضاعيفه الكثير من المباحث والنظريات التي لابد من استيعابها ودراستها حتى تتجلى الحقيقة لذي عينين.

ويبقى أن فقه التعايش له آثاره المتعددة، حاضرا ومستقبلا، والمسلم كالغيث حيثما حل نفع.

وفي الختام لا بد أن ننوه بأن الندوة تهدف إلى الخروج من التنظير إلى التفاعل والانتقال إلى منهج للعمل، ومن المنهجية العميقة إلى البرامج المدروسة القابلة للتنفيذ، آملين أن تكون هذه الندوة لبنة في توطيد السلام والتفاعل الإيجابي بين مختلف الشعوب والمجتمعات، وأن تكون لها النتائج المرجوة في بناء الأمة المسلمة فكريا وحضاريا واقتصاديا واجتماعيا.

والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.